الباحث القرآني
﴿لَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ إنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ لَمّا ذَكَرَ في هَذِهِ السُّورَةِ مَبْدَأ الخَلْقِ الإنْسانِيِّ وهو آدَمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وقَصَّ مِن أخْبارِهِ ما قَصَّ واسْتَطْرَدَ مِن ذَلِكَ إلى المَعادِ ومَصِيرِ أهْلِ السَّعادَةِ إلى الجَنَّةِ وأهْلِ الشَّقاوَةِ إلى النّارِ وأمَرَهُ تَعالى بِتَرْكِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا وكانَ مَن بُعِثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أوَّلًا غَيْرَ مُسْتَجِيبِينَ لَهُ ولا مُصَدِّقِينَ لِما جاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ قَصَّ تَعالى عَلَيْهِ أحْوالَ الرُّسُلِ الَّذِينَ كانُوا قَبْلَهُ وأحْوالَ مَن بُعِثُوا إلَيْهِ عَلى سَبِيلِ التَّسْلِيَةِ لَهُ والتَّأسِّي بِهِمْ، فَبَدَأ بِنُوحٍ إذْ هو آدَمُ الأصْغَرُ وأوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ إلى مَن في الأرْضِ، وأُمَّتُهُ أدْوَمُ تَكْذِيبًا لَهُ وأقَلُّ اسْتِجابَةً، وتَقَدَّمَ رَفْعُ نَسَبِهِ إلى آدَمَ، وكانَ نَجّارًا بَعَثَهُ اللَّهُ إلى قَوْمِهِ وهو ابْنُ أرْبَعِينَ سَنَةً. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقِيلَ: ابْنُ خَمْسِينَ، (p-٣٢٠)وقالَ مُقاتِلٌ: ابْنُ مِائَةٍ، وقِيلَ: ابْنُ مِائَتَيْنِ وخَمْسِينَ، وقِيلَ: ابْنُ ثَلاثِمِائَةٍ. وقالَ عَوْنُ بْنُ شَدّادٍ: ابْنُ ثَلاثِمِائَةٍ وخَمْسِينَ، وقالَ وهْبٌ: ابْنُ أرْبَعِمِائَةٍ، وهَذا اضْطِرابٌ كَثِيرٌ مِن أرْبَعِينَ إلى أرْبَعِمِائَةٍ فَما بَيْنَهُما، ورُوِيَ أنَّ الطُّوفانَ كانَ سَنَةَ ألْفٍ وسِتِّمِائَةٍ مِن عُمُرِهِ وهو أوَّلُ الرُّسُلِ بَعْدَ آدَمَ بِتَحْرِيمِ البَناتِ والأخَواتِ والعَمّاتِ والخالاتِ، وجَمِيعُ الخَلْقِ الآنَ مِن ذُرِّيَّةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وعَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ العَرَبَ وفارِسَ والرُّومَ وأهْلَ الشّامِ واليَمَنِ مِن ذُرِّيَّةِ سامِ بْنِ نُوحٍ، والهِنْدَ والسِّنْدَ والزِّنْجَ والحَبَشَةَ والزُّطَّ والنُّوبَةَ وكُلَّ جِلْدٍ أسْوَدَ مِن ولَدِ حامِ بْنِ نُوحٍ، والتُّرْكَ والبَرْبَرَ ووَراءَ الصِّينِ ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ والصَّقالِبَةَ مِن ولَدِ يافِثَ بْنِ نُوحٍ.
ولَقَدْ أرْسَلْنا اسْتِئْنافُ كَلامٍ دُونَ واوٍ وفي هُودٍ: والمُؤْمِنُونَ، ولَقَدْ، بِواوِ العَطْفِ، قالَ الكِرْمانِيُّ: لَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرَّسُولِ مَرّاتٍ في هُودٍ وتَقَدَّمَ ذِكْرُ نُوحٍ ضِمْنًا في قَوْلِهِ ”وعَلى الفُلْكِ“؛ لِأنَّهُ أوَّلُ مَن صَنَعَها عَطْفٌ في السُّورَتَيْنِ. انْتَهى. واللّامُ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ أكَّدَ تَعالى هَذا الإخْبارَ بِالقَسَمِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما لَهم لا يَكادُونَ يَنْطِقُونَ بِهَذِهِ اللّامِ إلّا مَعَ قَدْ، وقَلَّ عَنْهم قَوْلُهُ:
؎حَلَفْتُ لَها بِاللَّهِ حَلْفَةَ فاجِرٍ لَنامُوا. . . . . . .
قُلْتُ: إنَّما كانَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ الجُمْلَةَ القَسَمِيَّةَ لا تُساقُ إلّا تَأْكِيدًا لِلْجُمْلَةِ المُقْسَمِ عَلَيْها الَّتِي هي جَوابُها، فَكانَتْ مَظَنَّةً لِمَعْنى التَّوَقُّعِ الَّذِي هو مَعْنى قَدْ عِنْدَ اسْتِماعِ المُخاطَبِ كَلِمَةَ القَسَمِ. انْتَهى. وبَعْضُ أصْحابِنا يَقُولُ إذا أقْسَمَ عَلى جُمْلَةٍ مُصَدَّرَةٍ بِماضٍ مُثْبَتٍ مُتَصَرِّفٍ، وكانَ قَرِيبًا مِن زَمانِ الحالِ أثْبَتَ مَعَ اللّامِ بِقَدِ الدّالَّةِ عَلى التَّقْرِيبِ مِن زَمَنِ الحالِ ولَمْ تَأْتِ بِقَدْ، بَلْ بِاللّامِ وحْدَها إنْ لَمْ يُرِدِ التَّقْرِيبَ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿أرْسَلْنا﴾ بَعَثْنا، وقالَ غَيْرُهُ حَمَّلْناهُ رِسالَةً يُؤَدِّيها فَعَلى هَذا تَكُونُ الرِّسالَةُ مُتَضَمِّنَةً لِلْبَعْثِ، وهُنا فَقالَ بِفاءِ العَطْفِ وكَذا في: ”المُؤْمِنُونَ“ في قِصَّةِ عادٍ وصالِحٍ وشُعَيْبٍ، هُنا قالَ بِغَيْرِ فاءٍ، والأصْلُ الفاءُ، وحُذِفَتْ في القِصَّتَيْنِ تَوَسُّعًا واكْتِفاءً بِالرَّبْطِ المَعْنَوِيِّ، وفي قِصَّةِ نُوحٍ في هُودٍ ﴿إنِّي لَكُمْ﴾ [هود: ٢٥] عَلى إضْمارِ القَوْلِ، أيْ: فَقالَ إنِّي. وفي نِدائِهِ قَوْمَهُ تَنْبِيهٌ لَهم لِما يُلْقِيهِ إلَيْهِمْ واسْتِعْطافٌ وتَذْكِيرٌ بِأنَّهم قَوْمُهُ، فالمُناسِبُ أنْ لا يُخالِفُوهُ ومَعْمُولُ القَوْلِ جُمْلَةُ الأمْرِ بِعِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ ورَفْضِ آلِهَتِهِمُ المُسَمّاةُ ودًّا وسُواعًا ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرًا وغَيْرَها، والجُمْلَةُ المُنَبِّهَةُ عَلى الوَصْفِ الدّاعِي إلى عِبادَةِ اللَّهِ، وهو انْفِرادُهُ بِالأُلُوهِيَّةِ، المَرْجُوُّ إحْسانُهُ المَحْذُورُ انْتِقامُهُ دُونَ آلِهَتِهِمْ ولَمْ تَأْتِ بِحَرْفِ عَطْفٍ؛ لِأنَّها بَيانٌ وتَفْسِيرٌ لِعِلَّةِ اخْتِصاصِهِ تَعالى بِأنْ يُعْبَدَ، وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ، وأبُو جَعْفَرٍ، والكِسائِيُّ (غَيْرِهِ) بِالجَرِّ عَلى لَفْظِ (إلَهٍ) بَدَلًا، أوْ نَعْتًا، وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ (غَيْرُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى مَوْضِعِ ﴿مِن إلَهٍ﴾؛ لِأنَّ مِن زائِدَةٌ بَدَلًا، أوْ نَعْتًا، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ، (غَيْرَهُ) بِالنَّصْبِ عَلى الِاسْتِثْناءِ، والجَرُّ والرَّفْعُ أفْصَحُ، و(مِن إلَهٍ) مُبْتَدَأٌ و(لَكم) في مَوْضِعِ الخَبَرِ، وقِيلَ: الخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أيْ: في الوُجُودِ و(لَكم) تَبْيِينٌ وتَخْصِيصٌ، و﴿أخافُ﴾ قِيلَ: بِمَعْنى أتَيَقَّنُ وأجْزِمُ؛ لِأنَّهُ عالِمٌ أنَّ العَذابَ يَنْزِلُ بِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وقِيلَ: الخَوْفُ عَلى بابِهِ بِمَعْنى الحَذَرِ؛ لِأنَّهُ جَوَّزَ أنْ يُؤْمِنُوا، وأنْ يَسْتَمِرُّوا عَلى كُفْرِهِمْ و﴿يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ هو يَوْمُ القِيامَةِ، أوْ يَوْمُ حُلُولِ العَذابِ بِهِمْ في الدُّنْيا، وهو الطُّوفانُ وفي هَذِهِ الجُمْلَةِ إظْهارُ الشَّفَقَةِ والحُنُوِّ عَلَيْهِمْ.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ","قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِۦۤ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ","قَالَ یَـٰقَوۡمِ لَیۡسَ بِی ضَلَـٰلَةࣱ وَلَـٰكِنِّی رَسُولࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أُبَلِّغُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَأَنصَحُ لَكُمۡ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ","أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَاۤءَكُمۡ ذِكۡرࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنكُمۡ لِیُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُوا۟ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"],"ayah":"أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَاۤءَكُمۡ ذِكۡرࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنكُمۡ لِیُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُوا۟ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق