الباحث القرآني
(p-٢٨٦)﴿قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ وأقِيمُوا وُجُوهَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ ﴿فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾ ﴿يابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: ٣١] ﴿قُلْ مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هي لِلَّذِينَ آمَنُوا في الحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ القِيامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٢] ﴿قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وأنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وأنْ تَقُولُوا عَلى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣] ﴿ولِكُلِّ أُمَّةٍ أجَلٌ فَإذا جاءَ أجَلُهم لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] ﴿يابَنِي آدَمَ إمّا يَأْتِيَنَّكم رُسُلٌ مِنكم يَقُصُّونَ عَلَيْكم آياتِي فَمَنِ اتَّقى وأصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٣٥] ﴿والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٦] ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ حَتّى إذا جاءَتْهم رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهم قالُوا أيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ أنَّهم كانُوا كافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٣٧] ﴿قالَ ادْخُلُوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكم مِنَ الجِنِّ والإنْسِ في النّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إذا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهم لِأُولاهم رَبَّنا هَؤُلاءِ أضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولَكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٨] ﴿وقالَتْ أُولاهم لِأُخْراهم فَما كانَ لَكم عَلَيْنا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: ٣٩] ﴿إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهم أبْوابُ السَّماءِ ولا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٠] ﴿لَهم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ ومِن فَوْقِهِمْ غَواشٍ وكَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤١] ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٤٢] ﴿ونَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ وقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ ونُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣] ﴿ونادى أصْحابُ الجَنَّةِ أصْحابَ النّارِ أنْ قَدْ وجَدْنا ما وعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وجَدْتُمْ ما وعَدَ رَبُّكم حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهم أنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الظّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٤] ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَها عِوَجًا وهم بِالآخِرَةِ كافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٥] ﴿وبَيْنَهُما حِجابٌ وعَلى الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهم ونادَوْا أصْحابَ الجَنَّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكم لَمْ يَدْخُلُوها وهم يَطْمَعُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦] ﴿وإذا صُرِفَتْ أبْصارُهم تِلْقاءَ أصْحابِ النّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٧] ﴿ونادى أصْحابُ الأعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهم بِسِيماهم قالُوا ما أغْنى عَنْكم جَمْعُكم وما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨] ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكم ولا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الأعراف: ٤٩] ﴿ونادى أصْحابُ النّارِ أصْحابَ الجَنَّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الماءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ﴾ [الأعراف: ٥٠] ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَهْوًا ولَعِبًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا فاليَوْمَ نَنْساهم كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذا وما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: ٥١] ﴿ولَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢] ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهم وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٣] ﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤] .
بَدَأ الشَّيْءَ: أنْشَأهُ واخْتَرَعَهُ، الجَمَلُ: الحَيَوانُ المَعْرُوفُ، وجَمْعُهُ جِمالٌ وأجْمُلٌ، ولا يُسَمّى جَمَلًا حَتّى يَبْلُغَ أرْبَعَ سِنِينَ، والجَمَلُ: حَبْلُ السَّفِينَةِ، ولُغاتُهُ تَأْتِي في المُرَكَّباتِ. سَمُّ الخِياطِ: ثُقْبُهُ وتُضَمُّ سِينُ ”سَمُّ“ وتُفْتَحُ وتُكْسَرُ، وكُلُّ ثُقْبٍ في أنْفٍ، أوْ أُذُنٍ، أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فالعَرَبُ تُسَمِّيهِ سَمًّا. والخِياطُ: المَخِيطُ، وهُما آلَتانِ كَإزارٍ ومِئْزَرٍ ولِحافٍ ومِلْحَفٍ وقِناعٍ ومِقْنَعٍ. الغِلُّ: الحِقْدُ والإحْنَةُ الخَفِيَّةُ في النَّفْسِ، وجَمْعُها غِلالٌ ومِنهُ الغُلُولُ أخْذٌ في (p-٢٨٧)خَفاءٍ. نَعَمْ: حَرْفٌ يَكُونُ تَصْدِيقًا لِإثْباتٍ مَحْضٍ، أوْ لِما تَضَمَّنَهُ اسْتِفْهامٌ، وكَسْرُ عَيْنِها لُغَةٌ لِقُرَيْشٍ، وإبْدالُ عَيْنِها بِالحاءِ لُغَةٌ، ووُقُوعُها جَوابًا بَعْدَ نَفْيٍ يُرادُ بِهِ التَّقْرِيرُ نادِرٌ. الأعْرافُ: جَمْعُ عُرْفٍ وهو المُرْتَفِعُ مِنَ الأرْضِ. قالَ الشّاعِرُ:
؎كُلُّ كِنازٍ لَحْمُهُ نِيافِ كالجَبَلِ المُوفِي عَلى الأعْرافِ
وقالَ الشَّمّاخُ:
؎فَظَلَّتْ بِأعْرافٍ تُعادِي كَأنَّها ∗∗∗ رِماحٌ نَحاها وِجْهَةَ الرِّيحِ راكِزُ
ومِنهُ عُرْفُ الفَرَسِ وعُرْفُ الدِّيكِ لِعُلُوِّهِما. السِّتَّةُ: رُتْبَةٌ مِنَ العَدَدِ مَعْرُوفَةٌ وأصْلُها سِدْسَةٌ فَأبْدَلُوا مِنَ السِّينِ تاءً، ولَزِمَ الإبْدالُ، ثُمَّ أدْغَمُوا الدّالَ في التّاءِ بَعْدَ إبْدالِ الدّالِ بِالتّاءِ، ولَزِمَ الإدْغامُ، وتَصْغِيرُهُ سُدَيْسٌ وسُدَيْسَةٌ. الحَثُّ: الإعْجالُ حَثَثْتُ فُلانًا فَأحْثَثَ. قالَهُ اللَّيْثُ وقالَ: فَهو حَثِيثٌ ومَحْثُوثٌ.
﴿قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ﴾ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: القِسْطُ هُنا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ لِأنَّ أسْبابَ الخَيْرِ كُلَّها تَنْشَأُ عَنْها، وقالَ عَطاءٌ، والسُّدِّيُّ: العَدْلُ وما يَظْهَرُ في القَوْلِ كَوْنُهُ حَسَنًا صَوابًا، وقِيلَ الصِّدْقُ والحَقُّ.
﴿وأقِيمُوا وُجُوهَكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ . وأقِيمُوا مَعْطُوفٌ عَلى ما يَنْحَلُّ إلَيْهِ المَصْدَرُ الَّذِي هو القِسْطُ، أيْ: بِأنْ أقْسِطُوا وأقِيمُوا، وكَما يَنْحَلُّ المَصْدَرُ لـِ (أنْ) والفِعْلِ الماضِي، نَحْوُ عَجِبْتُ مِن قِيامِ زَيْدٍ وخَرَجَ، أيْ: مِن أنْ قامَ وخَرَجَ، وأنْ والمُضارِعُ نَحْوُ:
؎لَلُبْسُ عَباءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي
أيْ: لَأنْ ألْبَسَ عَباءَةً وتَقَرَّ عَيْنِي، كَذَلِكَ يَنْحَلُّ لَأنْ وفِعْلُ الأمْرِ ألا تَرى أنَّ (أنْ) تُوصَلُ بِفِعْلِ الأمْرِ نَحْوُ كَتَبْتُ إلَيْهِ بِأنْ قُمْ، كَما تُوصَلُ بِالماضِي والمُضارِعِ بِخِلافِ ما المَصْدَرِيَّةِ، فَإنَّها لا تُوصَلُ بِفِعْلِ الأمْرِ، وبِخِلافِ كَيْ إذا لَمْ تَكُنْ حَرْفًا، وكانَتْ مَصْدَرِيَّةً فَإنَّها تُوصَلُ بِالمُضارِعِ فَقَطْ، ولَمّا أشْكَلَ هَذا التَّخْرِيجُ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ (وأقِيمُوا) عَلى تَقْدِيرِ وقُلْ فَقالَ: أقِيمُوا فَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ وقُلْ أقِيمُوا أنْ يَكُونَ (أقِيمُوا) مَعْمُولًا لِهَذا الفِعْلِ المَلْفُوظِ بِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (وأقِيمُوا) مَعْطُوفًا عَلى ﴿أمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ﴾ فَيَكُونُ مَعْمُولًا لِقُلِ المَلْفُوظِ بِها أوَّلًا، وقَدَّرَها لِيُبَيِّنَ أنَّها مَعْطُوفَةٌ عَلَيْها، وعَلى ما خَرَّجْناهُ نَحْنُ يَكُونُ في خَبَرِ مَعْمُولِ أمَرَ، وقِيلَ: (وأقِيمُوا) مَعْطُوفٌ عَلى أمَرَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأقْبِلُوا وأقِيمُوا، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المَعْنى إذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَصَلُّوا في كُلِّ مَسْجِدٍ، ولا يَقُلْ أحَدُكم أُصَلِّي في مَسْجِدِي، وقالَ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ، وابْنُ زَيْدٍ: مَعْناهُ تَوَجَّهُوا حَيْثُ كُنْتُمْ في الصَّلاةِ إلى الكَعْبَةِ، وقالَ الرَّبِيعُ: اجْعَلُوا سُجُودَكم خالِصًا لِلَّهِ دُونَ غَيْرِهِ، وقِيلَ: مَعْناهُ اقْصِدُوا المَسْجِدَ في وقْتِ كُلِّ صَلاةٍ أمْرًا بِالجَماعَةِ. ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ، وقِيلَ: مَعْناهُ إذا كانَ في جِوارِكم مَسْجِدٌ فَأقِيمُوا الجَماعَةَ فِيهِ ولا تَتَجاوَزُوا إلى غَيْرِهِ. ذَكَرَهُ التِّبْرِيزِيُّ، وقِيلَ: هو أمْرٌ بِإحْضارِ النِّيَّةِ لِلَّهِ في كُلِّ صَلاةٍ والقَصْدِ نَحْوِهِ كَما تَقُولُ: ﴿وجَّهْتُ وجْهِيَ﴾ [الأنعام: ٧٩] الآيَةَ. قالَهُ الرَّبِيعُ أيْضًا، وقِيلَ: مَعْناهُ إباحَةُ الصَّلاةِ في كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الأرْضِ، أيْ: حَيْثُما كُنْتُمْ فَهو مَسْجِدٌ لَكم يَلْزَمُكم عِنْدَهُ الصَّلاةُ وإقامَةُ وُجُوهِكم فِيهِ لِلَّهِ وفي الحَدِيثِ: «جُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا (p-٢٨٨)فَأيُّما رَجُلٍ أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ كانَ» . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيِ: اقْصِدُوا عِبادَتَهُ مُسْتَقِيمِينَ إلَيْهِ غَيْرَ عادِلِينَ إلى غَيْرِها عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ في وقْتِ كُلِّ سُجُودٍ، وفي كُلِّ مَكانٍ سُجُودٌ وهو الصَّلاةُ وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. قِيلَ: الدُّعاءُ عَلى بابِهِ أمَرَ بِهِ مَقْرُونًا بِالإخْلاصِ؛ لِأنَّ دُعاءَ مَن لا يُخْلِصُ الدِّينَ لِلَّهِ لا يُجابُ، وقِيلَ: مَعْناهُ اعْبُدُوا، وقِيلَ: قُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ.
﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ ﴿فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ: هو إعْلامٌ بِالبَعْثِ، أيْ: كَما أوْجَدَكم واخْتَرَعَكم كَذَلِكَ يُعِيدُكم بَعْدَ المَوْتِ ولَمْ يَذْكُرِ الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَ هَذا القَوْلِ. قالَ: كَما أنْشَأكُمُ ابْتِداءً يُعِيدُكُمُ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ في إنْكارِهِمُ الإعادَةَ بِابْتِداءِ الخَلْقِ، والمَعْنى: أنَّهُ يُعِيدُكم فَيُجازِيَكم عَلى أعْمالِكم فَأخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ. انْتَهى. وهَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ قالَ: كَما أحْياكم في الدُّنْيا يُحْيِيكم في الآخِرَةِ ولَيْسَ بَعْثُكم بِأشَدَّ مِنَ ابْتِداءِ إنْشائِكم، وهَذا احْتِجاجٌ عَلَيْهِمْ في إنْكارِهِمُ البَعْثَ. انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا، وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وأبُو العالِيَةِ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والسُّدِّيُّ، ومُجاهِدٌ أيْضًا والفَرّاءُ - ورُوِيَ مَعْناهُ عَنِ الرَّسُولِ - أنَّهُ إعْلامٌ بِأنَّ مَن كُتِبَ عَلَيْهِ أنَّهُ مِن أهْلِ الشَّقاوَةِ والكُفْرِ في الدُّنْيا هم أهْلُ ذَلِكَ في الآخِرَةِ، وكَذَلِكَ مَن كُتِبَ لَهُ السَّعادَةُ والإيمانُ في الدُّنْيا هم أهْلُ ذَلِكَ في الآخِرَةِ لا يَتَبَدَّلُ شَيْءٌ مِمّا أحْكَمَهُ ودَبَّرَهُ تَعالى. ويُؤَيِّدُ هَذا المَعْنى قِراءَةُ أُبَيٍّ: تَعُودُونَ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ. وعَلى هَذا المَعْنى يَكُونُ الوَقْفُ عَلى ﴿تَعُودُونَ﴾ غَيْرَ حَسَنٍ؛ لِأنَّ (فَرِيقًا) نُصِبَ عَلى الحالِ وفَرِيقًا عُطِفَ عَلَيْهِ، والجُمْلَةُ مِن (هَدى) ومِن (حَقَّ) في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِما قَبْلَهُ، وقَدْ حُذِفَ الضَّمِيرُ مِن جُمْلَةِ الصِّفَةِ، أيْ: هَداهم، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ (فَرِيقًا) مَفْعُولَ (هَدى) (وفَرِيقًا) مَفْعُولَ أضَلَّ مُضْمَرَةً، والجُمْلَتانِ الفِعْلِيَّتانِ حالٌ، وهَدى عَلى إضْمارِ قَدْ، أيْ: تَعُودُونَ قَدْ هَدى فَرِيقًا وأضَلَّ فَرِيقًا، وعَلى المَعْنى الأوَّلِ يَحْسُنُ الوَقْفُ عَلى ﴿تَعُودُونَ﴾ ويَكُونُ (فَرِيقًا) مَفْعُولًا بِهَدى، ويَكُونُ (وفَرِيقًا) مَنصُوبًا بِإضْمارِ فِعْلٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿فَرِيقًا هَدى﴾ وهُمُ الَّذِينَ أسْلَمُوا، أيْ: وفَّقَهم لِلْإيمانِ وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ، أيْ: كَلِمَةُ الضَّلالَةِ وعَلِمَ اللَّهُ تَعالى أنَّهم يَضِلُّونَ ولا يَهْتَدُونَ، وانْتِصابُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وفَرِيقًا﴾ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَهُ كَأنَّهُ قِيلَ وخَذَلَ فَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ. انْتَهى؛ وهي تَقادِيرُ عَلى مَذْهَبِ الِاعْتِزالِ، وقِيلَ: المَعْنى تَعُودُونَ لا ناصِرَ لَكم ولا مُعِينَ لِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى﴾ [الأنعام: ٩٤]، وقالَ الحَسَنُ: كَما بَدَأكم مِنَ التُّرابِ يُعِيدُكم إلى التُّرابِ، وقِيلَ: مَعْناهُ كَما خَلَقَكم عُراةً تُبْعَثُونَ عُراةً، ومَعْنى ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾، أيْ: حَقُّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ، أوْ حَقَّ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةُ الضَّلالَةِ، هَكَذا قَدَّرَهُ بَعْضُهم، وجاءَ إسْنادُ الهُدى إلى اللَّهِ ولَمْ يَجِئْ مُقابِلُهُ وفَرِيقًا أضَلَّ؛ لِأنَّ المَساقَ مَساقٌ مِن نَهْيٍ عَنْ أنْ يَفْتِنَهُ الشَّيْطانُ وإخْبارٌ أنَّ الشَّياطِينَ أوْلِياءٌ لِلَّذِينِ لا يُؤْمِنُونَ، وأنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ وأمَرَ بِالقِسْطِ وإقامَةِ الصَّلاةِ فَناسَبَ هَذا المَساقَ أنْ لا يُسْنِدَ إلَيْهِ تَعالى الضَّلالَ، وإنْ كانَ تَعالى هو الهادِي، وفاعِلُ الضَّلالَةِ فَكَذَلِكَ عَدَلَ إلى قَوْلِهِ: ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ .
﴿إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾، أيْ: إنَّ الفَرِيقَ الضّالَّ ﴿اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ﴾ أنْصارًا وأعْوانًا يَتَوَلَّوْنَهم ويَنْتَصِرُونَ بِهِمْ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ حَقِيقَةُ الشَّياطِينِ فَهم يُعِينُونَهم عَلى كُفْرِهِمْ والضّالُّونَ يَتَوَلَّوْنَهم بِانْقِيادِهِمْ إلى وسْوَسَتِهِمْ، وقِيلَ: الشَّياطِينُ أحْبارُهم وكُبَراؤُهم، قالَ الطَّبَرِيُّ: وهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ عَلى خَطَأِ قَوْلِ مَن زَعَمَ أنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُعَذِّبُ أحَدًا عَلى مَعْصِيَةٍ رَكِبَها، أوْ ضَلالَةٍ اعْتَقَدَها إلّا أنْ يَأْتِيَها عَلى عِلْمٍ مِنهُ بِمَوْضِعِ الصَّوابِ. انْتَهى. ووَجْهُ الدَّلالَةِ قَوْلُهُ: ﴿ويَحْسَبُونَ﴾، والمَحْسَبَةُ الظَّنُّ لا العِلْمُ، وقَرَأ العَبّاسُ بْنُ الفَضْلِ، وسَهْلُ بْنُ شُعَيْبٍ، (p-٢٨٩)وعِيسى بْنُ عُمَرَ: أنَّهُمُ اتَّخَذُوا. بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وهو تَعْلِيلٌ لِحَقِّ الضَّلالَةِ عَلَيْهِمْ، والعَكْسُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيلَ مِن حَيْثُ المَعْنى، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ: تَوَلَّوْهم بِالطّاعَةِ فِيما أمَرُوهم بِهِ، وهَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعالى لا أثَرَ لَهُ في ضَلالِهِمْ، وأنَّهم هُمُ الضّالُّونَ بِاخْتِيارِهِمْ وتَوَلِّيهِمُ الشَّياطِينَ دُونَ اللَّهِ تَعالى. انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ.
{"ayahs_start":29,"ayahs":["قُلۡ أَمَرَ رَبِّی بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَقِیمُوا۟ وُجُوهَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ وَٱدۡعُوهُ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَۚ كَمَا بَدَأَكُمۡ تَعُودُونَ","فَرِیقًا هَدَىٰ وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ"],"ayah":"فَرِیقًا هَدَىٰ وَفَرِیقًا حَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُۚ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق