الباحث القرآني
﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصالِ ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ . لَمّا أمَرَهم تَعالى بِالِاسْتِماعِ والإنْصاتِ إذا شُرِعَ في قِراءَةِ القُرْآنِ (p-٤٥٣)ارْتَقى مِن أمْرِهِمْ إلى أمْرِ الرَّسُولِ ﷺ أنْ يَذْكُرَ رَبَّهُ في نَفْسِهِ، أيْ بِحَيْثُ يُراقِبُهُ ويَذْكُرُهُ في الحالَةِ الَّتِي لا يَشْعُرُ بِها أحَدٌ، وهي الحالَةُ الشَّرِيفَةُ العُلْيا، ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَذْكُرَهُ دُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ، أيْ: يَذْكُرَهُ بِالقَوْلِ الخَفِيِّ الَّذِي لا يُشْعِرُ بِالتَّذَلُّلِ والخُشُوعِ مِن غَيْرِ صِياحٍ ولا تَصْوِيتٍ شَدِيدٍ، كَما تُناجى المُلُوكُ وتَسْتَجْلَبُ مِنهُمُ الرَّغائِبُ، وكَما قالَ لِلصَّحابَةِ وقَدْ جَهَرُوا بِالدُّعاءِ: «إنَّكم لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولا غائِبًا ارْبَعُوا عَلى أنْفُسِكم»، وكانَ كَلامُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم لِلرَّسُولِ ﷺ سِرارًا، وكَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات: ٤]، وقالَ تَعالى: ﴿لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢] لِأنَّ في الجَهْرِ عَدَمَ مُبالاةٍ بِالمُخاطَبِ، وظُهُورَ اسْتِعْلاءٍ وعَدَمَ تَذَلُّلٍ، والذِّكْرُ شامِلٌ لِكُلٍّ مِنَ التَّهْلِيلِ والتَّسْبِيحِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وانْتَصَبَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً عَلى أنَّهُما مَفْعُولانِ مِن أجْلِهِما لِأنَّهُما يَتَسَبَّبُ عَنْهُما الذِّكْرُ، وهو التَّضَرُّعُ في اتِّصالِ الثَّوابِ والخَوْفِ مِنَ العِقابِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْتَصِبا عَلى أنَّهُما مَصْدَرانِ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: مُتَضَرِّعًا وخائِفًا، أوْ ذا تَضَرُّعٍ وخِيفَةٍ، وقُرِئَ: وخِفْيَةً، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: واذْكُرْ، خِطابٌ لِلرَّسُولِ ﷺ، وقِيلَ: خِطابٌ لِكُلِّ ذاكِرٍ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: خِطابٌ لَهُ ويَعُمُّ جَمِيعَ أُمَّتِهِ، والظّاهِرُ تَعَلُّقُ الذِّكْرِ بِالرَّبِّ تَعالى لِأنَّ اسْتِحْضارَ الذّاتِ المُقَدَّسَةِ اسْتِحْضارٌ لِجَمِيعِ أوْصافِها، وقِيلَ: هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ: واذْكُرْ نِعَمَ رَبِّكَ في نَفْسِكَ بِاسْتِدامَةِ الفِكْرِ حَتّى لا تَنْسى نِعَمَهُ المُوجِبَةَ لِدَوامِ الشُّكْرِ، وفي لَفْظَةِ رَبِّكَ مِنَ التَّشْرِيفِ بِالخِطابِ والإشْعارِ بِالإحْسانِ الصّادِرِ مِنَ المالِكِ لِلْمُلُوكِ ما لا خَفاءَ فِيهِ، ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ واذْكُرِ اللَّهَ ولا غَيْرَهُ مِنَ الأسْماءِ، وناسَبَ أيْضًا لَفْظَ الرَّبِّ قَوْلُهُ: تَضَرُّعًا وخِيفَةً، لِأنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِمَقامِ العُبُودِيَّةِ، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ، حالَةٌ مُغايِرَةٌ لِقَوْلِهِ: في نَفْسِكَ، لِعَطْفِها عَلَيْها، والعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغايُرَ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والجُمْهُورُ عَلى أنَّ الذِّكْرَ لا يَكُونُ في النَّفْسِ، ولا يُراعى إلّا بِحَرَكَةِ اللِّسانِ قالَ: ويَدُلُّ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ﴾ فَهَذِهِ مَرْتَبَةُ السِّرِّ والمُخافَتَةِ بِاللَّفْظِ، انْتَهى، ولا دَلالَةَ في ذَلِكَ لِما زَعَمَ، بَلِ الظّاهِرُ المُغايَرَةُ بَيْنَ الحالَتَيْنِ وأنَّهُما ذِكْرانِ نَفْسانِيٌّ ولِسانِيٌّ، ولِذَلِكَ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومُتَكَلِّمًا كَلامًا دُونَ الجَهْرِ، لِأنَّ الإخْفاءَ أدْخَلُ في الإخْلاصِ وأقْرَبُ إلى جِنْسِ التَّفَكُّرِ، انْتَهى، ولَمّا ذَكَرَ حالَتَيِ الذِّكْرِ وسَبَبَهُما وهُما التَّضَرُّعُ والخُفْيَةُ ذَكَرَ أوْقاتَ الذِّكْرِ، فَقِيلَ: أرادَ خُصُوصِيَّةَ الوَقْتَيْنِ لِأنَّهم كانُوا يُصَلُّونَ في وقْتَيْنِ قَبْلَ فَرْضِ الخَمْسِ، وقالَ قَتادَةُ: الغُدُوُّ: صَلاةُ الصُّبْحِ، والآصالُ: صَلاةُ العَصْرِ، وقِيلَ: خَصَّهُما بِالذِّكْرِ لِفَضْلِهِما، وقِيلَ: المَعْنى جَمِيعُ الأوْقاتِ، وعَبَّرَ بِالطَّرَفَيْنِ المُشْعِرَيْنِ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ، والغُدُوُّ قِيلَ: جَمْعُ غَدْوَةٍ، فَعَلى هَذا تَظْهَرُ المُقابَلَةُ لِاسْمِ جِنْسٍ بِجَمْعٍ، ويَكُونُ المُرادُ بِالغَدَواتِ والعَشايا وإنْ كانَ مَصْدَرَ الغَداءِ، فالمُرادُ بِأوْقاتِ الغُدُوِّ حَتّى يُقابَلَ زَمانٌ مَجْمُوعٌ بِزَمانٍ مَجْمُوعٍ. وقَرَأ أبُو مِجْلَزٍ لاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ السَّدُوسِيُّ البَصْرِيُّ، والإيصالُ جَعَلَهُ مَصْدَرًا لِقَوْلِهِمْ: آصَلْتُ أيْ دَخَلْتُ في وقْتِ الأصِيلِ، فَيَكُونُ قَدْ قابَلَ مَصْدَرًا بِمَصْدَرٍ ويَكُونُ كَأعْصَرَ أيْ: دَخَلَ في العَصْرِ وهو العَشِيُّ وأعْتَمَ أيْ دَخَلَ في العَتَمَةِ، ولَمّا أمَرَهُ بِالذِّكْرِ أكَّدَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنْ أنْ يَكُونَ مِنَ الغافِلِينَ أيِ اسْتَلْزِمِ الذِّكْرَ ولا تَغْفُلْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ تَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الغَفْلَةُ لِعِصْمَتِهِ، فَهو نَهْيٌ لَهُ ﷺ والمُرادُ أُمَّتُهُ.
{"ayah":"وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق