الباحث القرآني

﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ لَمّا ذَكَرَ أنَّ القُرْآنَ بَصائِرُ وهُدًى ورَحْمَةٌ أمَرَ بِاسْتِماعِهِ إذا شُرِعَ في قِراءَتِهِ وبِالإنْصاتِ، وهو السُّكُوتُ مَعَ الإصْغاءِ إلَيْهِ؛ لِأنَّ ما اشْتَمَلَ عَلى هَذِهِ الأوْصافِ مِنَ البَصائِرِ والهُدى والرَّحْمَةِ حَرِيٌّ بِأنْ يُصْغى إلَيْهِ حَتّى يَحْصُلَ مِنهُ لِلْمُنْصِتِ هَذِهِ النَّتائِجُ العَظِيمَةُ ويَنْتَفِعَ بِها، فَيَسْتَبْصِرَ مِنَ العَمى ويَهْتَدِي مِنَ الضَّلالِ ويُرْحَمُ بِها، والظّاهِرُ اسْتِدْعاءُ الِاسْتِماعِ والإنْصاتِ إذا أخَذَ في قِراءَةِ القُرْآنِ ومَتى قُرِئَ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو هُرَيْرَةَ وجابِرٌ وعَطاءٌ وابْنُ المُسَيَّبِ والزُّهْرِيُّ وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إنَّها في المُشْرِكِينَ، كانُوا إذا صَلّى الرَّسُولُ ﷺ يَقُولُونَ: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] فَنَزَلَتْ جَوابًا لَهم، وقالَ عَطاءٌ أيْضًا وابْنُ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٌ وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ والقاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ ومُسْلِمُ بْنُ يَسارٍ وشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ: هي في الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ ما يُقْرَأُ في الخُطْبَةِ مِنَ القُرْآنِ قَلِيلٌ، وبِأنَّ الآيَةَ مَكِّيَّةٌ والخُطْبَةُ لَمْ تَكُنْ إلّا بَعْدَ الهِجْرَةِ مِن مَكَّةَ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إنَّها في الإنْصاتِ يَوْمَ الأضْحى ويَوْمَ الفِطْرِ ويَوْمَ الجُمُعَةِ وفِيما يَجْهَرُ فِيهِ الإمامُ مِنَ الصَّلاةِ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أيْضًا: كانَ يُسَلِّمُ بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ في الصَّلاةِ ويُكَلِّمُهُ في حاجَتِهِ فَأُمِرْنا بِالسُّكُوتِ في الصَّلاةِ بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قَرَأ في الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، وقَرَأ الصَّحابَةُ رافِعِي أصْواتِهِمْ فَخَلَطُوا عَلَيْهِ فالآيَةُ فِيهِمْ؛ وقِيلَ: هو أمْرٌ بِالِاسْتِماعِ والإنْصاتِ؛ إذْ أدّى الوَحْيَ، وقالَ جَماعَةٌ مِنهُمُ الزَّجّاجُ: لَيْسَ المُرادُ الصَّلاةَ ولا غَيْرَها، وإنَّما المُرادُ بِقَوْلِهِ: فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا اعْمَلُوا بِما فِيهِ، ولا تُجاوِزُوهُ، كَقَوْلِكَ: سَمِعَ اللَّهُ دُعاءَكَ، أيْ: أجابَكَ، وقالَ الحَسَنُ: هي عَلى عُمُومِها، فَفي أيِّ مَوْضِعٍ قُرِئَ القُرْآنُ وجَبَ عَلى كُلِّ حاضِرٍ اسْتِماعُهُ والسُّكُوتُ، والخِطابُ في قَوْلِهِ: فاسْتَمِعُوا، إنْ كانَ لِلْكُفّارِ فَتُرْجى لَهُمُ الرَّحْمَةُ بِاسْتِماعِهِ والإصْغاءِ إلَيْهِ بِأنْ كانَ سَبَبًا لِإيمانِهِمْ وإنْ كانَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَرَحْمَتُهم هو ثَوابُهم عَلى الِاسْتِماعِ والإنْصاتِ والعَمَلِ بِمُقْتَضاهُ، وإنْ كانَ لِلْجَمِيعِ فَرَحْمَةُ كُلٍّ مِنهم عَلى ما يُناسِبُهُ، ولَعَلَّ باقِيَةٌ عَلى بابِها مِن تَوَقُّعِ التَّرَجِّي؛ وقِيلَ: هي لِلتَّعْلِيلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب