الباحث القرآني

﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِن جِنَّةٍ إنْ هو إلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ «قالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ: سَبَبُ نُزُولِها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَعِدَ لَيْلًا عَلى الصَّفا، فَجَعَلَ يَدْعُو قَبائِلَ قُرَيْشٍ: يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يُحَذِّرُهم ويَدْعُوهم إلى اللَّهِ تَعالى، فَقالَ بَعْضُ الكُفّارِ حِينَ أصْبَحُوا: هَذا مَجْنُونٌ باتَ يُصَوِّتُ حَتّى الصَّباحِ»، وكانُوا يَقُولُونَ: شاعِرٌ مَجْنُونٌ، فَنَفى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَنْهُ ما قالُوهُ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهُ مُحَذِّرٌ مِن عَذابِ اللَّهِ، والآيَةُ باعِثَةٌ لَهم عَلى التَّفَكُّرِ في أمْرِ الرَّسُولِ ﷺ وانْتِفاءِ الجِنَّةِ عَنْهُ، وهَذا الِاسْتِفْهامُ قِيلَ: مَعْناهُ التَّوْبِيخُ؛ وقِيلَ: التَّحْرِيضُ عَلى التَّأمُّلِ، والجِنَّةُ كَما قالَ تَعالى: ﴿مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ﴾ [الناس: ٦]، والمَعْنى: مِن مَسِّ جِنَّةٍ، أوْ تَخْبِيطِ جِنَّةٍ؛ وقِيلَ: هي هَيْئَةٌ كالجِلْسَةِ والرِّكْبَةِ أُرِيدَ بِها المَصْدَرُ، أيْ: ما بِصاحِبِهِمْ مِن جُنُونٍ، والظّاهِرُ أنَّ يَتَفَكَّرُوا، مُعَلَّقٌ عَنِ الجُمْلَةِ المَنفِيَّةِ، وهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَتفَكَّرُوا بَعْدَ إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ؛ لِأنَّ التَّفَكُّرَ مِن أعْمالِ القُلُوبِ، فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ، والمَعْنى: أوَلَمْ يَتَأمَّلُوا ويَتَدَبَّرُوا في انْتِفاءِ هَذا الوَصْفِ عَنِ (p-٤٣٢)الرَّسُولِ، فَإنَّهُ مُنْتَفٍ لا مَحالَةَ، ولا يُمْكِنُ لِمَن أنْعَمَ الفِكْرَ في نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ وقِيلَ: ثَمَّ مُضْمَرٌ مَحْذُوفٌ، أيْ: فَيَعْلَمُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِن جِنَّةٍ، قالَهُ الحَوْفِيُّ، وزَعَمَ أنَّ (تَفَكَّرُوا) لا تُعَلَّقُ؛ لِأنَّهُ لا يَدْخُلُ عَلى الجُمَلِ، قالَ: ودَلَّ التَّفَكُّرُ عَلى العِلْمِ، وقالَ أصْحابُنا: إذا كانَ فِعْلُ القَلْبِ يَتَعَدّى بِحَرْفِ جَرٍّ قُدِّرَتِ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ جَرٍّ بَعْدَ إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، ومَن هم مَن زَعَمَ أنَّهُ يُضَمَّنُ الفِعْلُ الَّذِي تَعَدّى بِنَفْسِهِ إلى واحِدٍ، أوْ بِحَرْفِ جَرٍّ إلى واحِدٍ مَعْنى ما يَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ فَتَكُونُ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ المَفْعُولَيْنِ، فَعَلى هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ لا حاجَةَ إلى هَذا المُضْمَرِ الَّذِي قَدَّرَهُ الحَوْفِيُّ؛ وقِيلَ: تَمَّ الكَلامُ عَلى قَوْلِهِ: يَتَفَكَّرُوا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ إخْبارًا بِانْتِفاءِ الجَنَّةِ وإثْباتِ النِّذارَةِ، وقالَ أبُو البَقاءِ: في ما وجْهانِ، أحَدُهُما: أنَّها باقِيَةٌ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في قَوْلِهِمْ بِهِ جِنَّةٌ، والثّانِي أنَّها اسْتِفْهامٌ، أيْ: أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا أيَّ شَيْءٍ بِصاحِبِهِمْ مِنَ الجُنُونِ مَعَ انْتِظامِ أقْوالِهِ وأفْعالِهِ ؟ وقِيلَ: هي بِمَعْنى الَّذِي، تَقْدِيرُهُ: أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في ما بِصاحِبِهِمْ، وعَلى هَذا يَكُونُ الكَلامُ خَرَجَ عَلى زَعْمِهِمُ، انْتَهى، وهي تَخْرِيجاتٌ ضَعِيفَةٌ يَنْبَغِي أنْ يُنَزَّهَ القُرْآنُ عَنْها، وتَفَكَّرَ مِمّا ثَبَتَ في اللِّسانِ تَعْلِيقُهُ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُعْدَلَ عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب