الباحث القرآني

﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهم مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أكْثَرَهم شاكِرِينَ﴾ . الظّاهِرُ أنَّ إتْيانَهُ مِن هَذِهِ الجِهاتِ الأرْبَعِ كِنايَةٌ عَنْ وسْوَسَتِهِ وإغْوائِهِ لَهُ والجِدِّ في إضْلالِهِ مِن كُلِّ وجْهٍ يُمْكِنُ، ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الجِهاتُ يَأْتِي مِنها العَدُوُّ غالِبًا ذَكَرَها لا أنَّهُ يَأْتِي مِنَ الجِهاتِ الأرْبَعِ حَقِيقَةً، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مِن بَيْنِ أيْدِيهِمُ الآخِرَةُ، أُشَكِّكُهم فِيها، وأنَّهُ لا بَعْثَ ﴿ومِن خَلْفِهِمْ﴾ الدُّنْيا، أُرَغِّبُهم فِيها وزَيَّنَها لَهم، وعَنْهُ أيْضًا وعَنِ النَّخَعِيِّ والحَكَمِ بْنِ عُتْبَةَ عَكْسُ هَذا، وعَنْهُ و﴿وعَنْ أيْمانِهِمْ﴾ الحَقُّ وعَنْ ﴿شَمائِلِهِمْ﴾ الباطِلُ وعَنْهُ أيْضًا: و﴿وعَنْ أيْمانِهِمْ﴾ الحَسَناتُ وعَنْ ﴿شَمائِلِهِمْ﴾ السَّيِّئاتُ، وقالَ مُجاهِدٌ: الأوَّلانِ حَيْثُ يُنْصَرُونَ والآخَرانِ حَيْثُ لا يُنْصَرُونَ، وقالَ أبُو صالِحٍ: الأوَّلانِ الحَقُّ والباطِلُ والآخَرانِ الآخِرَةُ والدُّنْيا، وقِيلَ: الأوَّلانِ بِفُسْحَةِ الأمَلِ وبِنِسْيانِ الأجَلِ والآخَرانِ فِيما تَيَسَّرَ وفِيما تَعَسَّرَ، وقِيلَ: الأوَّلانِ فِيما بَقِيَ مِن أعْمارِهِمْ فَلا يُطِيعُونَ وفِيما مَضى مِنها فَلا يَنْدَمُونَ عَلى مَعْصِيَةٍ، والآخَرانِ فِيما مَلَكَتْهُ أيْمانُهم فَلا يُنْفِقُونَهُ في مَعْرُوفٍ ومِن قَبْلِ فَقْرِهِمْ فَلا يَمْتَنِعُونَ عَنْ مَحْظُورٍ، وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ حاكِيًا عَنْ مَن سَمّاهُ هو حُكَماءُ الإسْلامِ مِن بَيْنِ أيْدِيهِمُ القُوَّةُ الخَيالِيَّةُ، وهي تَجْمَعُ مِثْلَ المَحْسُوساتِ وصُوَرِها، وهي مَوْضُوعَةٌ في البَطْنِ المُقَدَّمِ مِنَ الدِّماغِ، ومِن خَلْفِهِمُ القُوَّةُ الوَهْمِيَّةُ وهي تَحْكُمُ في غَيْرِ المَحْسُوساتِ بِالأحْكامِ المُناسِبَةِ لِلْمَحْسُوساتِ، وهي مَوْضُوعَةٌ في البَطْنِ المُؤَخَّرِ مِنَ الدِّماغِ، وعَنْ أيْمانِهِمْ قُوَّةُ الشَّهْوَةِ وهي مَوْضُوعَةٌ في البَطْنِ الأيْمَنِ مِنَ القَلْبِ، وعَنْ شَمائِلِهِمْ قُوَّةُ الغَضَبِ وهي مَوْضُوعَةٌ في البَطْنِ الأيْسَرِ مِنَ القَلْبِ، فَهَذِهِ القُوى الأرْبَعَةُ هي الَّتِي يَتَوَلَّدُ عَنْها أحْوالٌ تُوجِبُ زَوالَ السَّعادَةِ الرُّوحانِيَّةِ، والشَّياطِينُ الخارِجَةُ ما لَمْ تَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِن هَذِهِ القُوى الأرْبَعِ لَمْ تَقْدِرْ عَلى إلْقاءِ الوَسْوَسَةِ فَهَذا هو السَّبَبُ في تَعْيِينِ هَذِهِ الجِهاتِ الأرْبَعِ وهو وجْهُ تَحْقِيقٍ. انْتَهى. وهو بَعِيدٌ مِن مَناحِي كَلامِ العَرَبِ والمُتَشَرِّعِينَ قالَ: وعَلى هَذا لَمْ يُحْتَجْ إلى ذِكْرِ العُلُوِّ والسُّفْلِ؛ لِأنَّ هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ لَيْسَتا بِمَقَرِّ شَيْءٍ مِنَ القُوى المُفْسِدَةِ لِمَصالِحِ السَّعادَةِ الرُّوحانِيَّةِ. انْتَهى. وقالابْنُ عَبّاسٍ: لَمْ يَقُلْ مِن فَوْقِهِمْ؛ لِأنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِن فَوْقِهِمْ ولَمْ يَقُلْ مِن تَحْتِهِمْ؛ لِأنَّ الإتْيانَ مِن تَحْتِهِمْ فِيهِ تَوَحُّشٌ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ قِيلَ ﴿مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ﴾ ومِن خَلْفِهِمْ بِحَرْفِ الِابْتِداءِ و﴿وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾ بِحِرَفِ المُجاوَزَةِ، قَلْتُ: المَفْعُولُ فِيهِ عُدِّيَ إلَيْهِ الفِعْلُ تَعْدِيَتَهُ إلى المَفْعُولِ بِهِ، كَما اخْتَلَفَتْ حُرُوفُ التَّعْدِيَةِ في ذَلِكَ اخْتَلَفَتْ في هَذا، وكانَتْ لُغَةً تُؤْخَذُ ولا تُقاسُ وإنَّما يُفَتَّشُ عَنْ صِحَّةِ مَوْقِعِها فَقَطْ فَلَمّا سَمِعْناهم يَقُولُونَ: جَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ وعَلى يَمِينِهِ وعَنْ شِمالِهِ وعَلى شِمالِهِ، قُلْنا: مَعْنى عَلى يَمِينِهِ أنَّهُ يُمْكِنُ مِن جِهَةِ اليَمِينِ، تُمَكِّنُ المُسْتَعْلِي مِنَ المُسْتَعْلى عَلَيْهِ، ومَعْنى عَنْ يَمِينِهِ أنَّهُ جَلَسَ مُتَجافِيًا عَنْ صاحِبِ اليَمِينِ مُنْحَرِفًا عَنْهُ غَيْرَ مُلاصِقٍ لَهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتّى اسْتُعْمِلَ في المُتَجافِي وغَيْرِهِ، كَما ذَكَرْنا في فِعالٍ ونَحْوِهُ مِنَ المَفْعُولِ بِهِ قَوْلَهم: رَمَيْتُ عَنِ القَوْسِ وعَلى القَوْسِ ومِنَ القَوْسِ؛ لِأنَّ السَّهْمَ يَبْعُدُ عَنْها ويَسْتَعْلِيها إذا وُضِعَ عَلى كَبِدِها لِلرَّمْيِ، ويَبْتَدِئُ الرَّمْيُ مِنها فَكَذَلِكَ قالُوا: جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وخَلْفَهُ بِمَعْنى في؛ لِأنَّهُما ظَرْفانِ لِلْفِعْلِ، ومِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ؛ لِأنَّ الفِعْلَ يَقَعُ في بَعْضِ الجِهَتَيْنِ، كَما تَقُولُ جِئْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ تُرِيدُ بَعْضَ اللَّيْلِ. انْتَهى. وهو كَلامٌ لا بَأْسَ بِهِ، وأقُولُ: إنَّما خَصَّ بَيْنَ الأيْدِي والخَلْفِ بِحَرْفِ الِابْتِداءِ الَّذِي هو أمْكَنُ في الإتْيانِ؛ لِأنَّهُما أغْلَبُ ما يَجِيءُ العَدُوُّ مِنها فَيَنالُ فُرْصَتَهُ، وقَدَّمَ بَيْنَ الأيْدِي عَلى الخَلْفِ؛ لِأنَّها الجِهَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلى إقَدامِ العَدُوِّ وبَسالَتِهِ في مُواجَهَةِ قِرْنِهِ غَيْرَ خائِفٍ مِنهُ، والخَلْفُ مِن جِهَةٍ غَدْرٌ ومُخاتَلَةٌ، وجَهالَةُ القِرْنِ بِمَن يَغْتالُهُ ويَتَطَلَّبُ غِرَّتَهُ وغَفْلَتَهُ (p-٢٧٧)وخَصَّ الأيْمانَ والشَّمائِلَ الحَرْفَ الَّذِي يَدُلُّ عَلى المُجاوَزَةِ؛ لِأنَّهُما لَيْسَتا بِأغْلَبِ ما يَأْتِي مِنهُما العَدُوُّ، وإنَّما يَتَجاوَزُ إتْيانُهُ إلى الجِهَةِ الَّتِي هي أغْلَبُ في ذَلِكَ، وقُدِّمَتِ الأيْمانُ عَلى الشَّمائِلِ؛ لِأنَّها الجِهَةُ الَّتِي هي القَوِيَّةُ في مُلاقاةِ العَدُوِّ، وبِالأيْمانِ البَطْشُ والدَّفْعُ، فالقِرْنُ الَّذِي يَأْتِي مِن جِهَتِها أبْسَلُ وأشْجَعُ إذْ جاءَ مِنَ الجِهَةِ الَّتِي هي أقْوى في الدَّفْعِ، والشَّمائِلُ جِهَةٌ لَيْسَتْ في القُوَّةِ والدَّفْعِ كالأيْمانِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: شاكِرِينَ مُوَحِّدِينَ، وعَنْهُ وعَنْ غَيْرِهِ مُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّ ابْنَ آدَمَ لا يَشْكُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ إلّا بِأنْ يُؤْمِنَ، وقالَ مُقاتِلٌ شاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، وقالَ الحَسَنُ: ثابِتِينَ عَلى طاعَتِكَ ولا يَشْكُرُكَ إلّا القَلِيلُ مِنهم وهَذِهِ الجُمْلَةُ المَنفِيَّةُ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ داخِلَةً في خَبَرِ القَسَمِ مَعْطُوفَةً عَلى جَوابِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ اسْتِئْنافَ إخْبارٍ لَيْسَ مُقْسَمًا عَلَيْهِ، أخْبَرَ أنَّ سِعايَتَهُ وإتْيانَهُ إيّاهم مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ وهَلْ هَذا الإخْبارُ مِنهُ كانَ عَلى سَبِيلِ التَّظَنِّي، لِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبإ: ٢٠]، أوْ عَلى سَبِيلِ العِلْمِ قَوْلانِ، وسَبِيلُ العِلْمِ إمّا رُؤْيَتُهُ ذَلِكَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، أوِ اسْتِفادَتُهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبإ: ١٣]، أوْ مِنَ المَلائِكَةِ بِإخْبارِ اللَّهِ لَهم، أوْ بِقَوْلِهِمْ ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠]، أوْ بِإغْواءِ آدَمَ، وذُرِّيَّتُهُ أضْعَفُ مِنهُ، أوْ يَكُونُ قُوى ابْنِ آدَمَ تِسْعَةَ عَشَرَ قُوَّةً، وهي خَمْسُ حَواسٍّ ظاهِرَةٍ وخَمْسٌ باطِنَةٌ، والشَّهْوَةُ والغَضَبُ، وسَبْعٌ سابِقَةٌ وهي الجاذِبَةُ والمُمْسِكَةُ والهاضِمَةُ والدّافِعَةُ والقاذِفَةُ والنّامِيَةُ والمُوَلِّدَةُ، وكُلُّها تَدْعُو إلى عالَمِ الجِسْمِ إلى اللَّذّاتِ البَدَنِيَّةِ، والعَقْلُ قُوَّةٌ واحِدَةٌ تَدْعُو إلى عِبادَةِ اللَّهِ وتِلْكَ في أوَّلِ الخَلْقِ، والعَقْلُ إذْ ذاكَ ضَعِيفٌ، أقْوالٌ سِتَّةٌ. ﴿قالَ اخْرُجْ مِنها مَذْءُومًا مَدْحُورًا﴾ الجُمْهُورُ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ عَلى الجَنَّةِ والخِلافُ فِيهِ كالخِلافِ في ﴿فاهْبِطْ مِنها﴾ [الأعراف: ١٣] وهَذِهِ ثَلاثُ أوامِرَ، أمْرٌ بِالهُبُوطِ مُطْلَقًا، وأمْرٌ بِالخُرُوجِ مُخْبِرًا أنَّهُ ذُو صَغارٍ، وأمْرٌ بِالخُرُوجِ مُقَيَّدًا بِالذَّمِّ والطَّرْدِ، وقالَ قَتادَةُ: (مَذْءُومًا) لَعِينًا، وقالَ الكَلْبِيُّ: مَلُومًا، وقالَ مُجاهِدٌ: مَنفِيًّا، وقِيلَ: مَمْقُوتًا و(مَدْحُورًا) مُبْعَدًا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ، أوْ مِنَ الخَيْرِ، أوْ مِنَ الجَنَّةِ، أوْ مِنَ التَّوْفِيقِ، أوْ مِن خَواصِّ المُؤْمِنِينَ، أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ، وقَرَأ الزُّهْرِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ والأعْمَشُ: مَذُومًا بِضَمِّ الذّالِ مِن غَيْرِ هَمْزٍ فَتَحْتَمِلُ هَذِهِ القِراءَةُ وجْهَيْنِ أحَدَهُما، وهو الأظْهَرُ، أنْ تَكُونَ مِن ذَأمَ المَهْمُوزُ سَهَّلَ الهَمْزَةَ وحَذَفَها وألْقى حَرَكَتَها عَلى الذّالِ. والثّانِي أنْ يَكُونَ مِن ذامَ غَيْرِ المَهْمُوزِ يَذِيمُ كَباعَ يَبِيعُ فَأبْدَلَ الواوَ بِياءٍ، كَما قالُوا في مَكِيلٍ: مَكُولٌ، وانْتَصَبَ (مَدْحُورًا) عَلى أنَّهُ حالٌ ثانِيَةٌ عَلى مَن جَوَّزَ ذَلِكَ، أوْ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في مَذْءُومًا، أوْ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: (مَذْءُومًا) . ﴿لَمَن تَبِعَكَ مِنهم لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ (لَمَن) بِفَتْحِ اللّامِ، والظّاهِرُ أنَّها اللّامُ المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، و”مَن“ شَرْطِيَّةٌ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوابُ القَسَمِ المَحْذُوفِ قَبْلَ اللّامِ المُوَطِّئَةِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اللّامُ لامَ الِابْتِداءِ، ومَن مَوْصُولَةً، (ولَأمْلَأنَّ) جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ مَن تَبِعَكَ، وذَلِكَ القَسَمُ المَحْذُوفُ وجَوابُهُ في مَوْضِعِ خَبَرِ مَنِ المَوْصُولَةِ، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ وعِصْمَةُ عَنْ أبِي بَكْرٍ (p-٢٧٨)عَنْ عاصِمٍ (لِمَن تَبِعَكَ مِنهم) بِكَسْرِ اللّامِ، واخْتَلَفُوا في تَخْرِيجِها، فَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: المَعْنى لِأجْلِ مَن تَبِعَكَ مِنهم (لَأمْلَأنَّ) . انْتَهى. فَظاهِرُ هَذا التَّقْدِيرِ: أنَّ اللّامَ تَتَعَلَّقُ بِلَأمْلَأنَّ، ويَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ أنَّ ما بَعْدَ لامِ القَسَمِ لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَهُ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِمَعْنى لِمَن تَبِعَكَ مِنهُمُ الوَعِيدُ وهو قَوْلُهُ: ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾ عَلى أنَّ (لَأمْلَأنَّ) في مَحَلِّ الِابْتِداءِ ولِمَن تَبِعَكَ خَبَرُهُ. انْتَهى. فَإنْ أرادَ ظاهِرَ كَلامِهِ فَهو خَطَأٌ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (لَأمْلَأنَّ) جُمْلَةٌ هي جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ فَمِن حَيْثُ كَوْنِها جُمْلَةً فَقَطْ لا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُبْتَدَأةً، ومِن حَيْثُ كَوْنِها جَوابًا لِلْقَسَمِ يَمْتَنِعُ أيْضًا؛ لِأنَّها إذْ ذاكَ مِن هَذِهِ الحَيْثِيَّةِ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، ومِن حَيْثُ كَوْنِها مُبْتَدَأةً لَها مَوْضِعٌ مِنَ الإعْرابِ، ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ لَها مَوْضِعٌ، ولا مَوْضِعَ لَها بِحالٍ؛ لِأنَّهُ يَلْزَمُ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ لا في مَوْضِعِ رَفْعٍ داخِلًا عَلَيْها عامِلٌ غَيْرُ داخِلٍ، وذَلِكَ لا يُتَصَوَّرُ، وقالَ أبُو الفَضْلِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ الحَسَنِ الرّازِيُّ: اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ مِنَ الذَّأْمِ والدَّحْرِ ومَعْناهُ اخْرُجْ بِهاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ لِأجْلِ أتْباعِكَ. ذُكِرَ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّوامِحِ في شَواذِّ القِراءاتِ ومَعْنى (مِنكم) مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ فَغَلَبَ الخِطابُ عَلى الغَيْبَةِ كَما تَقُولُ أنْتَ وإخْوَتُكَ أُكْرِمُكم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب