الباحث القرآني

﴿وإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهم أوْ مُعَذِّبُهم عَذابًا شَدِيدًا قالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكم ولَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾، أيْ: جَماعَةٌ مِن أهْلِ القَرْيَةِ مِن صُلَحائِهِمُ (p-٤١٢)الَّذِينَ جَرَّبُوا الوَعْظَ فِيهِمْ فَلَمْ يَرَوْهُ يُجْدِي، والظّاهِرُ أنَّ القائِلَ غَيْرُ المَقُولِ لَهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا، فَيَكُونُ ثَلاثَ فِرَقٍ: اعْتَدَوْا، وفِرْقَةٌ وعَظَتْ ونَهَتْ، وفِرْقَةٌ اعْتَزَلَتْ ولَمْ تَنْهَ ولَمْ تَعْتَدِ، وهَذِهِ الطّائِفَةُ غَيْرُ القائِلَةِ لِلْواعِظَةِ: لِمَ تَعِظُونَ، ورُوِيَ أنَّهم كانُوا فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ عَصَتْ، وفِرْقَةٌ نَهَتْ ووَعَظَتْ، وأنَّ جَماعَةً مِنَ العاصِيَةِ قالَتْ لِلْواعِظَةِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا قَدْ عَلِمْتُمْ أنْتُمْ أنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهم أوْ مُعَذِّبُهم. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والقَوْلُ الأوَّلُ أصْوَبُ، ويُؤَيِّدُهُ الضَّمائِرُ في قَوْلِهِ: ﴿مَعْذِرَةً إلى رَبِّكم ولَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ فَهَذِهِ المُخاطَبَةُ تَقْتَضِي مُخاطَبًا، انْتَهى، ويَعْنِي أنَّهُ لَوْ كانَتِ العاصِيَةُ هي القائِلَةُ لَقالَتِ الواعِظَةُ: مَعْذِرَةً إلى رَبِّهِمْ ولَعَلَّهم، أوْ بِالخِطابِ: مَعْذِرَةً إلى رَبِّكم ولَعَلَّكم تَتَّقُونَ، ومَعْنى مُهْلِكُهم: مُخْتَرِمُهم ومُطَهِّرُ الأرْضِ مِنهم، ﴿أوْ مُعَذِّبُهم عَذابًا شَدِيدًا﴾ لِتَمادِيهِمْ في العِصْيانِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ العَذابُ في الدُّنْيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في الآخِرَةِ، وإنْ كانُوا ثَلاثَ فِرَقٍ، فالقائِلَةُ إنَّما قالَتْ ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمُوا أنَّ الوَعْظَ لا يَنْفَعُ فِيهِمْ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ عَلَيْهِمْ وعَدَمِ قَبُولِهِمْ لَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونا فِرْقَتَيْنِ: عاصِيَةً وطائِعَةً، وأنَّ الطّائِعَةَ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ لَمّا رَأوْا أنَّ العاصِيَةَ لا يُجْدِي فِيها الوَعْظُ ولا يُؤَثِّرُ شَيْئًا: لِمَ تَعِظُونَ ؟ وقَرَأ الجُمْهُورُ: مَعْذِرَةٌ، بِالرَّفْعِ، أيْ: مَوْعِظَتُنا إقامَةُ عُذْرٍ إلى اللَّهِ، ولِئَلّا نُنْسَبَ في النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ إلى بَعْضِ التَّفْرِيطِ، ولِطَمَعِنا في أنْ يَتَّقُوا المَعاصِيَ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وعاصِمٌ في بَعْضِ ما رُوِيَ عَنْهُ وعِيسى بْنُ عُمَرَ وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: مَعْذِرَةً، بِالنَّصْبِ، أيْ: وعَظْناهم مَعْذِرَةً، قالَ سِيبَوَيْهِ: لَوْ قالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: مَعْذِرَةً إلى اللَّهِ وإلَيْكَ مِن كَذا لَنَصَبَ، انْتَهى، ويَخْتارُ هَنا سِيبَوَيْهِ الرَّفْعَ، قالَ: لِأنَّهم لَمْ يُرِيدُوا أنْ يَعْتَذِرُوا اعْتِذارًا مُسْتَأْنَفًا، ولَكِنَّهم قِيلَ: لَهم لِمَ تَعِظُونَ ؟ قالُوا: مَوْعِظَتُنا مَعْذِرَةٌ، وقالَ أبُو البَقاءِ: مَن نَصَبَ فَعَلى المَفْعُولِ لَهُ، أيْ: وعْظُنا لِلْمَعْذِرَةِ؛ وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ، أيْ: نَعْتَذِرُ مَعْذِرَةً، وقالَهُما الزَّمَخْشَرِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب