الباحث القرآني
﴿وإذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ القَرْيَةَ وكُلُوا مِنها حَيْثُ شِئْتُمْ وقُولُوا حِطَّةٌ وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكم خَطِيئاتِكم سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ﴾ ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهم قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهم فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ القِصَّةُ وتَفْسِيرُها في البَقَرَةِ، وكَأنَّ هَذِهِ مُخْتَصَرَةٌ مِن تِلْكَ، إلّا أنَّ هُناكَ: وإذْ قُلْنا ادْخُلُوا، وإذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا، وهُناكَ: رَغَدًا، وسَقَطَ هُنا، وهُناكَ وسَنَزِيدُ، وهُنا سَنَزِيدُ، وهُناكَ فَأنْزَلْنا عَلى الَّذِينَ ظَلَمُوا، وهُنا فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ، وبَيْنَهُما تَغايُرٌ في بَعْضِ الألْفاظِ لا تَناقُضَ فِيهِ، فَقَوْلُهُ: وإذْ قِيلَ لَهُمُ، وهُناكَ: وإذْ قُلْنا، فَهُنا حُذِفَ الفاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وهو اللَّهُ تَعالى، وهُناكَ: ادْخُلُوا، وهُنا: اسْكُنُوا، السُّكْنى ضَرُورَةٌ تَتَعَقَّبُ الدُّخُولَ، فَأُمِرُوا هُناكَ بِمَبْدَأِ الشَّيْءِ وهُنا بِما تَسَبَّبَ عَنِ الدُّخُولِ، وهُناكَ: فَكُلُوا، بِالفاءِ وهُنا بِالواوِ فَجاءَتِ الواوُ عَلى أحَدِ مُحْتَمَلاتِها مِن كَوْنِ ما بَعْدَها وقَعَ بَعْدَ ما قَبْلَها؛ وقِيلَ: الدُّخُولُ حالَةٌ مُقْتَضِيَةٌ، فَحَسُنَ ذِكْرُ فاءِ التَّعْقِيبِ بَعْدَهُ، والسُّكْنى حالَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ فَحَسُنَ الأمْرُ بِالأكْلِ مَعَهُ لا عَقِيبَهُ، فَحَسُنَتِ الواوُ الجامِعَةُ لِلْأمْرَيْنِ في الزَّمَنِ الواحِدِ، وهو أحَدُ مَحامِلِها، ويَزْعُمُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أنَّهُ أوْلى بِحامِلِها وأكْثَرُ. وقِيلَ: ثَبَّتَ رَغَدًا بَعْدَ الأمْرِ بِالدُّخُولِ؛ لِأنَّها حالَةُ قُدُومٍ، فالأكْلُ فِيها ألَذُّ وأتَمُّ وهم إلَيْهِ أحْوَجُ، بِخِلافِ السُّكْنى فَإنَّها حالَةُ اسْتِقْرارٍ واطْمِئْنانٍ، فَلَيْسَ الأكْلُ فِيها ألَذَّ، ولا هم أحْوَجَ. وأمّا (p-٤٠٩)التَّقْدِيمُ والتَّأْخِيرُ في: وقُولُوا وادْخُلُوا، فَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَواءٌ قَدَّمُوا الحِطَّةَ عَلى دُخُولِ البابِ وأخَّرُوها فَهم جامِعُونَ في الإيجادِ بَيْنَهُما، انْتَهى، وقَوْلُهُ: سَواءٌ قَدَّمُوا وأخَّرُوها تَرْكِيبٌ غَيْرُ عَرَبِيٍّ، وإصْلاحُهُ سَواءٌ أقَدَّمُوا أمْ أخَّرُوها، كَما قالَ تَعالى: ﴿سَواءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا﴾ [إبراهيم: ٢١] ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: ناسَبَ تَقْدِيمُ الأمْرِ بِدُخُولِ البابِ سُجَّدًا مَعَ تَرْكِيبِ ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ؛ لِأنَّهُ فِعْلٌ دالٌّ عَلى الخُضُوعِ والذِّلَّةِ، وحِطَّةٌ قَوْلٌ، والفِعْلُ أقْوى في إظْهارِ الخُضُوعِ مِنَ القَوْلِ، فَناسَبَ أنْ يُذْكَرَ مَعَ مَبْدَأِ الشَّيْءِ، وهو الدُّخُولُ، ولِأنَّ قَبْلَهُ ادْخُلُوا، فَناسَبَ الأمْرَ بِالدُّخُولِ لِلْقَرْيَةِ الأمْرُ بِدُخُولِ بابِها عَلى هَيْئَةِ الخُضُوعِ، ولِأنَّ دُخُولَ القَرْيَةِ لا يُمْكِنُ إلّا بِدُخُولِ بابِها، فَصارَ بابُ القَرْيَةِ، كَأنَّهُ بَدَلٌ مِنَ القَرْيَةِ أُعِيدَ مَعَهُ العامِلُ، بِخِلافِ الأمْرِ بِالسُّكْنى، وأمّا سَنَزِيدُ هُنا فَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَوْعِدٌ بِشَيْئَيْنِ بِالغُفْرانِ والزِّيادَةِ، وطَرْحُ الواوِ لا يُخِلُّ بِذَلِكَ؛ لِأنَّهُ اسْتِئْنافٌ مُرَتَّبٌ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلِ القائِلِ وماذا بَعْدَ الغُفْرانِ، فَقِيلَ لَهُ: سَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ، وزِيادَةُ مِنهم بَيانٌ، وأرْسَلْنا، وأنْزَلْنا، ويَظْلِمُونَ، ويَفْسُقُونَ، مِن وادٍ واحِدٍ، وقَرَأ الحَسَنُ: حِطَّةً، بِالنَّصْبِ عَلى المَصْدَرِ، أيْ: حِطَّةُ ذُنُوبِنا حِطَّةً، ويَجُوزُ أنْ يَنْتَصِبَ بِقُولُوا عَلى حَذْفٍ، التَّقْدِيرُ: وقُولُوا قَوْلًا حِطَّةً، أيْ: ذا حِطَّةٍ، فَحَذَفَ ذا وصارَ حِطَّةً وصْفًا لِلْمَصْدَرِ المَحْذُوفِ، كَما تَقُولُ: قُلْتُ حَسَنًا وقُلْتُ حَقًّا، أيْ: قَوْلًا حَسَنًا وقَوْلًا حَقًّا، وقَرَأ الكُوفِيُّونَ وابْنُ كَثِيرٍ والحَسَنُ والأعْمَشُ: (نَغْفِرْ)، بِالنُّونِ، (لَكم خَطِيئاتِكم) جَمْعُ سَلامَةٍ، إلّا أنَّ الحَسَنَ خَفَّفَ الهَمْزَةَ وأدْغَمَ الياءَ فِيها، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: نَغْفِرْ، بِالنُّونِ، لَكم خَطاياكم عَلى وزْنِ قَضاياكم، وقَرَأ نافِعٌ ومَحْبُوبٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: (تُغْفَرْ)، بِالتّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، (لَكم خَطِيئاتُكم) جَمْعُ سَلامَةٍ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، تُغْفَرْ، بِتاءٍ مَضْمُومَةٍ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، لَكم خَطِيئَتُكم عَلى التَّوْحِيدِ مَهْمُوزًا. وقَرَأ ابْنُ هُرْمُزٍ: تَغْفِرْ، بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ عَلى مَعْنى أنَّ الحِطَّةَ تَغْفِرُ؛ إذْ هي سَبَبُ الغُفْرانِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وبَدَّلَ: غَيَّرَ اللَّفْظَ دُونَ أنْ يَذْهَبَ بِجَمِيعِهِ، وأبْدَلَ: إذا ذَهَبَ بِهِ وجاءَ بِلَفْظٍ آخَرَ، انْتَهى، وهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وقَدْ جاءَ في القِراءاتِ بَدَّلَ وأبْدَلَ بِمَعْنًى واحِدٍ، قُرِئَ: ﴿فَأرَدْنا أنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْرًا مِنهُ زَكاةً﴾ [الكهف: ٨١]، و﴿عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْواجًا﴾ [التحريم: ٥]، ﴿عَسى رَبُّنا أنْ يُبْدِلَنا خَيْرًا مِنها﴾ [القلم: ٣٢] بِالتَّخْفِيفِ والتَّشْدِيدِ والمَعْنى واحِدٌ، وهو إذْهابُ الشَّيْءِ والإتْيانُ بِغَيْرِهِ بَدَلًا مِنهُ، ثُمَّ التَّشْدِيدُ قَدْ جاءَ حَيْثُ يَذْهَبُ الشَّيْءُ كُلُّهُ قالَ تَعالى: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ [الفرقان: ٧٠]، ﴿وبَدَّلْناهم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ [سبإ: ١٦]، ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] وعَلى هَذا كَلامُ العَرَبِ نَثْرُها ونَظْمُها.
﴿واسْألْهم عَنِ القَرْيَةِ (p-٤١٠)الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ البَحْرِ إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهم يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ الضَّمِيرُ في واسْألْهم عائِدٌ عَلى مَن بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ ﷺ مِنَ اليَهُودِ، وذَكَرَ أنَّ بَعْضَ اليَهُودِ المُعارِضِينَ لِلرَّسُولِ قالُوا لَهُ: لَمْ يَكُنْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عِصْيانٌ ولا مُعانَدَةٌ لِما أُمِرُوا بِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُوَبِّخَةً لَهم ومُقَرِّرَةً كَذِبَهم ومُعَلِّمَةً ما جَرى عَلى أسْلافِهِمْ مِنَ الإهْلاكِ والمَسْخِ، وكانَتِ اليَهُودُ تَكْتُمُ هَذِهِ القِصَّةَ فَهي مِمّا لا يُعْلَمُ إلّا بِكِتابٍ أوْ وحْيٍ، فَإذا أعْلَمَهم بِها مَن لَمْ يَقْرَأْ كِتابَهم عُلِمَ أنَّهُ مِن جِهَةِ الوَحْيِ، وقَوْلُهُ: عَنِ القَرْيَةِ فِيهِ حَذْفٌ، أيْ: عَنْ أهْلِ القَرْيَةِ، والقَرْيَةُ: إيلَةُ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وأبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنُ وابْنُ جُبَيْرٍ وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ وعِكْرِمَةُ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ والثَّوْرِيُّ، أوْ مَدْيَنُ، ورَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أوْ ساحِلُ مَدْيَنَ، ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ، وقالَ: هي مَقْنى بِالقافِ ساكِنَةً، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هي مَقْناةُ ساحِلِ مَدْيَنَ، ويُقالُ لَها: مَعَنّى، بِالعَيْنِ مَفْتُوحَةً ونُونٍ مُشَدَّدَةٍ، أوْ طَبَرِيَّةُ، قالَهُ الزُّهْرِيُّ، أوْ أرِيحا، أوْ بَيْتُ المَقْدِسِ، وهو بَعِيدٌ لِقَوْلِهِ: ﴿حاضِرَةَ البَحْرِ﴾، أوْ قَرْيَةٌ بِالشّامِ لَمْ تُسَمَّ بِعَيْنِها، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ: ومَعَنّى، انْتَهى، ﴿حاضِرَةَ البَحْرِ﴾: بِقُرْبِ البَحْرِ مَبْنِيَّةً بِشاطِئِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ مَعْنى الحاضِرَةِ عَلى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لَها، أيْ: هي الحاضِرَةُ في قُرى البَحْرِ، فالتَّقْدِيرُ: حاضِرَةُ قُرى البَحْرِ، أيْ: يَحْضُرُ أهْلُ قُرى البَحْرِ إلَيْها لِبَيْعِهِمْ وشِرائِهِمْ وحاجَتِهِمْ؛ إذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ، أيْ: يُجاوِزُونَ أمْرَ اللَّهِ في العَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ، وقَدْ تَقَدَّمَ مِنهُ تَعالى النَّهْيُ عَنِ العَمَلِ فِيهِ والِاشْتِغالِ بِصَيْدٍ أوْ غَيْرِهِ، إلّا أنَّهُ في هَذِهِ النّازِلَةِ كانَ عِصْيانُهم، وقُرِئَ: يُعِدُّونَ، مِنَ الإعْدادِ، وكانُوا يُعِدُّونَ آلاتِ الصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ، وهم مَأْمُورُونَ بِأنْ لا يَشْتَغِلُوا فِيهِ بِغَيْرِ العِبادَةِ، وقَرَأ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وأبُو نَهِيكٍ: يَعُدُّونَ، بِفَتْحِ العَيْنِ وتَشْدِيدِ الدّالِ، وأصْلُهُ يَعْتَدُونَ فَأُدْغِمَتِ التّاءَ في الدّالِ كَقِراءَةِ مَن قَرَأ: لا تَعُدُّوا في السَّبْتِ؛ إذْ: ظَرْفٌ والعامِلُ فِيهِ. قالَ الحَوْفِيُّ: إذْ مُتَعَلِّقَةٌ بِسَلْهم، انْتَهى، ولا يُتَصَوَّرُ؛ لِأنَّ إذْ ظَرْفٌ لِما مَضى وسَلْهم مُسْتَقْبَلٌ، ولَوْ كانَ ظَرْفًا مُسْتَقْبَلًا لَمْ يَصِحِّ المَعْنى؛ لِأنَّ العادِينَ وهم أهْلُ القَرْيَةِ مَفْقُودُونَ فَلا يُمْكِنُ سُؤالُهم، والمَسْئُولُ عَنْ أهْلِ القَرْيَةِ العادِينَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إذْ يَعْدُونَ بَدَلٌ مِنَ القَرْيَةِ، والمُرادُ بِالقَرْيَةِ أهْلُها، كَأنَّهُ قِيلَ: وسَلْهم عَنْ أهْلِ القَرْيَةِ وقْتَ عُدْوانِهِمْ في السَّبْتِ، وهو مِن بَدَلِ الِاشْتِمالِ، انْتَهى، وهَذا لا يَجُوزُ، لِأنَّ إذْ مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لا تَتَصَرَّفُ، ولا يَدْخُلُ عَلَيْها حَرْفُ جَرٍّ، وجَعْلُها بَدَلًا يَجُوزُ دُخُولُ عَنْ عَلَيْها، لِأنَّ البَدَلَ هو عَلى نِيَّةِ تَكْرارِ العامِلِ، ولَوْ أُدْخِلَتْ عَنْ عَلَيْها لَمْ يَجُزْ، وإنَّما تُصُرِّفَ فِيها بِأنْ أُضِيفَ إلَيْها بَعْضُ الظُّرُوفِ الزَّمانِيَّةِ نَحْوُ: يَوْمَ إذْ كانَ كَذا، وأمّا قَوْلُ مَن ذَهَبَ إلى أنَّها يُتَصَرَّفُ فِيها بِأنْ تَكُونَ مَفْعُولَةً بِاذْكُرْ، فَهو قَوْلُ مَن عَجَزَ عَنْ تَأْوِيلِها عَلى ما (p-٤١١)يَنْبَغِي لَها مِن إبْقائِها ظَرْفًا، وقالَ أبُو البَقاءِ عَنِ القَرْيَةِ: أيْ: عَنْ خَبَرِ القَرْيَةِ، وهَذا المَحْذُوفُ هو النّاصِبُ لِلظَّرْفِ الَّذِي هو إذْ يَعْدُونَ؛ وقِيلَ: هو ظَرْفٌ لِلْحاضِرَةِ، وجَوَّزَ ذَلِكَ أنَّها كانَتْ مَوْجُودَةً في ذَلِكَ الوَقْتِ، ثُمَّ خُرِّبَتِ، انْتَهى، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: في السَّبْتِ ويَوْمَ سَبْتِهِمْ المُرادُ بِهِ اليَوْمُ، ومَعْنى اعْتَدَوْا فِيهِ، أيْ: بِعِصْيانِهِمْ وخِلافِهِمْ، كَما قَدَّمْنا، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السَّبْتُ مَصْدَرُ سَبَتَتِ اليَهُودُ إذا عَظَّمَتْ سَبْتَها بِتَرْكِ الصَّيْدِ والِاشْتِغالِ بِالتَّعَبُّدِ، فَمَعْناهُ: يَعْدُونَ في تَعْظِيمِ هَذا اليَوْمِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: يَوْمَ سَبْتِهم يَوْمَ تَعْظِيمِهِمْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ﴾ وإذْ تَأْتِيهِمُ، العامِلُ في إذْ يَعْدُونَ، أيْ: إذْ عَدَوْا في السَّبْتِ إذْ أتَتْهم؛ لِأنَّ إذْ ظَرْفٌ لِما مَضى يَصْرِفُ المُضارِعَ لِلْمُضِيِّ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا بَعْدَ بَدَلٍ، انْتَهى، يَعْنِي بَدَلًا مِنَ القَرْيَةِ بَعْدَ بَدَلِ إذْ يَعْدُونَ، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ، وأضافَ السَّبْتَ إلَيْهِمْ لِأنَّهم مَخْصُوصُونَ بِأحْكامٍ فِيهِ، وقَرَأ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: حِيتانُهم يَوْمَ أسْباتِهِمْ، قالَ أبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ في كِتابِ اللَّوامِحِ وقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ القِراءَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ: وهو مَصْدَرٌ مِن أسْبَتَ الرَّجُلُ إذا دَخَلَ في السَّبْتِ، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ وعاصِمٌ بِخِلافٍ: لا يَسْبُتُونَ، بِضَمِّ كَسْرَةِ الباءِ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ، وقَرَأ عَلِيٌّ والحَسَنُ وعاصِمٌ بِخِلافٍ: يُسْبِتُونَ، بِضَمِّ ياءِ المُضارَعَةِ مِن أسْبَتَ دَخَلَ في السَّبْتِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وعَنِ الحَسَنِ لا يُسْبَتُونَ بِضَمِّ الياءِ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، أيْ: لا يُدارُ عَلَيْهِمُ السَّبْتُ، ولا يُؤْمَرُونَ بِأنْ يُسْبِتُوا، والعامِلُ في يَوْمَ قَوْلُهُ: لا تَأْتِيهِمْ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ ما بَعْدَ لا لِلنَّفْيِ يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها، وفِيهِ ثَلاثَةُ مَذاهِبَ: الجَوازُ مُطْلَقًا، والمَنعُ مُطْلَقًا، والتَّفْصِيلُ بَيْنَ أنْ يَكُونَ لا جَوابَ قَسَمٍ فَيَمْتَنِعُ، أوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، وهو الصَّحِيحُ كَذَلِكَ، أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ البَلاءِ بِأمْرِ الحُوتِ نَبْلُوهم، أيْ: بَلَوْناهم وامْتَحَنّاهم؛ وقِيلَ: كَذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِما قَبْلَهُ، أيْ: ويَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ، أيْ: لا تَأْتِيهِمْ إتْيانًا، مِثْلَ ذَلِكَ الإتْيانِ، وهو أنْ تَأْتِيَ شُرَّعًا ظاهِرَةً كَثِيرَةً بَلْ يَأْتِي ما أتى مِنها، وهو قَلِيلٌ، فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ في كَذَلِكَ يَنْتَفِي إتْيانُ الحُوتِ مُطْلَقًا، كَما رُوِيَ في القَصَصِ أنَّهُ كانَ يَغِيبُ بِجُمْلَتِهِ، وعَلى القَوْلِ الثّانِي كانَ يَغِيبُ أكْثَرُهُ، ولا يَبْقى مِنهُ إلّا القَلِيلُ الَّذِي يُتْعِبُ بِصَيْدِهِ، قالَهُ قَتادَةُ: وهَذا الإتْيانُ مِنَ الحُوتِ قَدْ يَكُونُ بِإرْسالٍ مِنَ اللَّهِ كَإرْسالِ السَّحابِ أوْ بِوَحْيِ إلْهامٍ، كَما أوْحى إلى النَّحْلِ، أوْ بِإشْعارٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ عَلى نَحْوِ ما يُشْعِرُ اللَّهُ الدَّوابَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِأمْرِ السّاعَةِ حَسْبَما جاءَ: وما مِن دابَّةٍ إلّا وهي مُصِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَرَقًا مِنَ السّاعَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الحُوتِ شُعُورًا بِالسَّلامَةِ، ومَعْنى شُرَّعًا: مُقْبِلَةً إلَيْهِمْ مُصْطَفَّةً، كَما تَقُولُ: أشْرَعْتُ الرُّمْحَ نَحْوَهُ، أيْ: أقْبَلْتُ بِهِ إلَيْهِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: شُرَّعًا ظاهِرَةً عَلى وجْهِ الماءِ، وعَنِ الحَسَنِ: تُشْرَعُ عَلى أبْوابِهِمْ، كَأنَّها الكِباشُ السِّمَنُ، يُقالُ: شَرَعَ عَلَيْنا فُلانٌ إذا دَنا مِنّا وأشْرَفَ عَلَيْنا، وشَرَعْتُ عَلى فُلانٍ في بَيْتِهِ فَرَأيْتُهُ يَفْعَلُ كَذا، وقالَ رُواةُ القَصَصِ: يَقْرَبُ حَتّى يُمْكِنَ أخْذُهُ بِاليَدِ، فَساءَهم ذَلِكَ وتَطَرَّقُوا إلى المَعْصِيَةِ بِأنْ حَفَرُوا حُفَرًا يَخْرُجُ إلَيْها ماءُ البَحْرِ عَلى أُخْدُودٍ، فَإذا جاءَ الحُوتُ يَوْمَ السَّبْتِ وحَصَلَ في الحُفْرَةِ ألْقَوْا في الأُخْدُودِ حَجَرًا فَمَنَعُوهُ الخُرُوجَ إلى البَحْرِ، فَإذا كانَ الأحَدُ أخَذُوهُ، فَكانَ هَذا أوَّلُ التَّطْرِيقِ، وقالَ ابْنُ رُومانَ: كانُوا يَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنهم خَيْطًا ويَضَعُ فِيهِ وهْقَةً وألْقاها في ذَنَبِ الحُوتِ، وفي الطَّرَفِ الآخَرِ مِنَ الخَيْطِ وتَدٌ مَضْرُوبٌ، وتَرَكَهُ كَذَلِكَ إلى أنْ يَأْخُذَهُ في الأحَدِ، ثُمَّ تَطَرَّقَ النّاسُ حِينَ رَأوْا مَن يَصْنَعُ هَذا لا يُبْتَلى، حَتّى كَثُرَ صَيْدُ الحُوتِ ومُشِيَ بِهِ في الأسْواقِ، وأعْلَنَ الفَسَقَةُ بِصَيْدِهِ وقالُوا: ذَهَبَتْ حُرْمَةُ السَّبْتِ.
{"ayahs_start":161,"ayahs":["وَإِذۡ قِیلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ وَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ وَٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡبَابَ سُجَّدࣰا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِیۤـَٔـٰتِكُمۡۚ سَنَزِیدُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ","فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ","وَسۡـَٔلۡهُمۡ عَنِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلَّتِی كَانَتۡ حَاضِرَةَ ٱلۡبَحۡرِ إِذۡ یَعۡدُونَ فِی ٱلسَّبۡتِ إِذۡ تَأۡتِیهِمۡ حِیتَانُهُمۡ یَوۡمَ سَبۡتِهِمۡ شُرَّعࣰا وَیَوۡمَ لَا یَسۡبِتُونَ لَا تَأۡتِیهِمۡۚ كَذَ ٰلِكَ نَبۡلُوهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ"],"ayah":"فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَظۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق