الباحث القرآني
﴿ولَمّا رَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أعَجِلْتُمْ أمْرَ رَبِّكُمْ﴾، أيْ: رَجَعَ مِنَ المُناجاةِ، يُرْوى أنَّهُ لَمّا قَرُبَ مِن مَحَلَّةِ بَنِي إسْرائِيلَ سَمِعَ أصْواتَهم، فَقالَ: هَذِهِ أصْواتُ قَوْمٍ لاهِينَ، فَلَمّا تَحَقَّقَ عُكُوفَهم عَلى عِبادَةِ العِجْلِ داخَلَهُ الغَضَبُ والأسَفُ وألْقى الألْواحَ. وقالَ الطَّبَرِيُّ: أخْبَرَهُ تَعالى قَبْلَ رُجُوعِهِ أنَّهم قَدْ فُتِنُوا بِالعِجْلِ فَلِذَلِكَ رَجَعَ وهو غاضِبٌ، ويَدُلُّ عَلى هَذا القَوْلِ قَوْلُهُ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٥] الآيَةَ، وغَضْبانَ: مِن صِفاتِ المُبالَغَةِ والغَضَبِ غَلَيانُ القَلْبِ بِسَبَبِ حُصُولِ ما يُؤْلِمُ، وذَكَرُوا أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ مِن أسْرَعِ النّاسِ غَضَبًا وكانَ سَرِيعَ الفَيْئَةِ، قالَ ابْنُ القاسِمِ: سَمِعْتُ مالِكًا يَقُولُ: كانَ إذا غَضِبَ طَلَعَ الدُّخانُ مِن قَلَنْسُوَتِهِ ورَفَعَ شَعْرُ بَدَنِهِ جُبَّتَهُ وأسِفًا مِن أسِفَ فَهو أسِفٌ، كَما تَقُولُ فَرِقَ فَهو فَرِقٌ، يَدُلُّ عَلى ثُبُوتِ الوَصْفِ، ولَوْ ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الزَّمانِ لَكانَ عَلى فاعِلٍ، فَيُقالُ: آسِفٌ، والآسِفُ: الحَزِينُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ والسُّدِّيُّ، أوِ الجَزِعُ، قالَهُ مُجاهِدٌ، أوِ المُتَلَهِّفُ أوِ الشَّدِيدُ الغَضَبِ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وابْنُ عَطِيَّةَ قالَ: وأكْثَرُ ما يَكُونُ بِمَعْنى الحَزِينِ أوِ المُغْضَبِ، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، أوِ النّادِمُ قالَهُ القُتَبِيُّ أيْضًا، أوْ مُتَقارِبانِ قالَهُ الواحِدِيُّ، قالَ: فَإذا أتاكَ ما تَكْرَهُ مِمَّنْ دُونَكَ غَضِبْتَ، أوْ مِمَّنْ فَوْقَكَ حَزِنْتَ، فَأغْضَبَهُ عِبادَتُهُمُ العِجْلَ، وأحْزَنَهُ فِتْنَةُ اللَّهِ إيّاهم، وكانَ قَدْ أخْبَرَهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ [طه: ٨٥] وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى بِئْسَما في أوائِلِ (p-٣٩٥)البَقَرَةِ، والخِطابُ إمّا لِلسّامِرِيِّ وعُبّادِ العِجْلِ، أيْ: بِئْسَما قُمْتُمْ مَقامِي حَيْثُ عَبَدْتُمُ العِجْلَ مَكانَ عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى، وإمّا لِوُجُوهِ بَنِي إسْرائِيلَ: هارُونَ والمُؤْمِنِينَ حَيْثُ لَمْ يَكُفُّوا مَن عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ، وخَلَفْتُمُونِي يَدُلُّ عَلى البَعْدِيَّةِ في الزَّمانِ، والمَعْنى هُنا: مِن بَعْدِ ما رَأيْتُمْ مِنِّي تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعالى ونَفْيَ الشُّرَكاءِ عَنْهُ وإخْلاصَ العِبادَةِ لَهُ، أوْ مِن بَعْدِ ما كُنْتُ أحْمِلُ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى التَّوْحِيدِ وأكُفُّهم عَنْ ما طَمَحَتْ إلَيْهِ أبْصارُهم مِن عِبادَةِ البَقَرِ، ومِن حَقِّ الخَلَفِ أنْ يَسِيرَ سِيرَةَ المُسْتَخْلَفِ ولا يُخالِفَهُ، ويُقالُ: خَلَفَهُ بِخَيْرٍ أوْ شَرٍّ، إذا فَعَلَهُ عَنْ تَرْكِ مَن بَعْدَهُ. أعَجِلْتُمْ اسْتِفْهامُ إنْكارٍ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُقالُ: عَجِلَ عَنِ الأمْرِ إذا تَرَكَهُ غَيْرَ تامٍّ، ونَقِيضُهُ تَمَّ عَلَيْهِ، وأعْجَلَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ، ويَضْمَنُ مَعْنًى سَبَقَ فَيُعَدّى تَعْدِيَتَهُ، فَيُقالُ: عَجِلْتُ الأمْرَ، والمَعْنى: أعْجِلْتُمْ عَنْ أمْرِ رَبِّكم، وهو انْتِظارُ مُوسى حافِظِينَ لِعَهْدِهِ وما وصّاكم بِهِ فَبَنَيْتُمُ الأمْرَ عَلى أنَّ المِيعادَ قَدْ بَلَغَ آخِرَهُ، ولَمْ أرْجِعْ إلَيْكم فَحَدَّثْتُمْ أنْفُسَكم بِمَوْتِي فَغَيَّرْتُمْ كَما غَيَّرَتِ الأُمَمُ بَعْدَ أنْبِيائِهِمْ، ورُوِيَ أنَّ السّامِرِيَّ قالَ لَهم حِينَ أخْرَجَ إلَيْهِمُ العِجْلَ: هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى، إنَّ مُوسى لَنْ يَرْجِعَ، وإنَّهُ قَدْ ماتَ، انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْناهُ أسابَقْتُمْ قَضاءَ رَبِّكم واسْتَعْجَلْتُمْ إتْيانِيَ مِن قَبْلِ الوَقْتِ الَّذِي قَدَّرْتُهُ، انْتَهى، وقالَ يَعْقُوبُ: يُقالُ: عَجِلْتُ الشَّيْءَ سَبَقْتُهُ، وأعْجَلْتُ الرَّجُلَ اسْتَعْجَلْتُهُ، أيْ: حَمَلْتُهُ عَلى العَجَلَةِ، انْتَهى؛ وقِيلَ: مَعْناهُ أعَجِلْتُمْ مِيعادَ رَبِّكم أرْبَعِينَ لَيْلَةً؛ وقِيلَ: أعَجِلْتُمْ سَخَطَ رَبِّكم؛ وقِيلَ: أعَجِلْتُمْ بِعِبادَةِ العِجْلِ؛ وقِيلَ: العَجَلَةُ التَّقَدُّمُ بِالشَّيْءِ في غَيْرِ وقْتِهِ، قِيلَ: وهي مَذْمُومَةٌ، ويُضَعِّفُهُ قَوْلُهُ: ﴿وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ [طه: ٨٤] والسُّرْعَةُ المُبادَرَةُ بِالشَّيْءِ في غَيْرِ وقْتِهِ وهي مَحْمُودَةٌ.
* * *
﴿وألْقى الألْواحَ وأخَذَ بِرَأْسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ﴾، أيِ: الألْواحَ التَّوْراةَ وكانَ حامِلًا لَها، فَوَضَعَها بِالأرْضِ غَضَبًا عَلى ما فَعَلَهُ قَوْمُهُ مِن عِبادَةِ العِجْلِ وحَمِيَّةً لِدِينِ اللَّهِ، وكانَ - كَما تَقَدَّمَ - شَدِيدَ الغَضَبِ، وقالُوا: كانَ هارُونُ ألْيَنَ مِنهُ خُلُقًا، ولِذَلِكَ كانَ أحَبَّ إلى بَنِي إسْرائِيلَ مِنهُ. وقِيلَ: ألْقاها دَهَشًا لِما دَهَمَهُ مِن أمْرِهِمْ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمّا ألْقاها تَكَسَّرَتْ، فَرُفِعَ أكْثَرُها الَّذِي فِيهِ تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ، وبَقِيَ الَّذِي في نُسْخَتِهِ الهُدى والرَّحْمَةُ، وهو الَّذِي أخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ، ورَوى أنَّهُ رُفِعَ سِتَّةُ أسْباعِها وبَقِيَ سُبُعٌ، قالَهُ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وقالَ أبُو الفَرَجِ بْنُ الجَوْزِيِّ: لا يَصِحُّ أنَّهُ رَماها رَمْيَ كاسِرٍ، انْتَهى، والظّاهِرُ أنَّهُ ألْقاها مِن يَدَيْهِ لِأنَّهُما كانَتا مَشْغُولَتَيْنِ بِها وأرادَ إمْساكَ أخِيهِ وجَرَّهُ، ولا يَتَأتّى ذَلِكَ إلّا بِفَراغِ يَدَيْهِ لِجَرِّهِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ولَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسى الغَضَبُ أخَذَ الألْواحَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] دَلِيلٌ عَلى أنَّها لَمْ تَتَكَسَّرْ، ودَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ مِنها شَيْءٌ، والظّاهِرُ أنَّهُ أخَذَ بِرَأْسِهِ، أيْ: أمْسَكَ رَأْسَهُ جارَّهُ إلَيْهِ؛ وقِيلَ: بِشَعْرِ رَأْسِهِ؛ وقِيلَ: بِذَوائِبِهِ ولِحْيَتِهِ؛ وقِيلَ: بِلِحْيَتِهِ؛ وقِيلَ: بِأُذُنِهِ؛ وقِيلَ: لَمْ يَأْخُذْ حَقِيقَةً، وإنَّما كانَ ذَلِكَ إشارَةً، فَخَشِيَ هارُونُ أنْ يَتَوَهَّمَ النّاظِرُ إلَيْهِما أنَّهُ لِغَضَبٍ، فَلِذَلِكَ نَهاهُ ورَغِبَ إلَيْهِ، والظّاهِرُ أنَّ سَبَبَ هَذا الأخْذِ هو غَضَبُهُ عَلى أخِيهِ، وكَيْفَ عَبَدُوا العِجْلَ وهو قَدِ اسْتَخْلَفَهُ فِيهِمْ وأمَرَهُ بِالإصْلاحِ وأنْ لا يَتَّبِعَ سَبِيلَ مَن أفْسَدَ، وكَيْفَ لَمْ يَزْجُرْهم ويَكُفَّهم عَنْ ذَلِكَ، ويَدُلُّ عَلى هَذا الظّاهِرِ قَوْلُهُ: ﴿ولَمّا سَكَتَ عَنْ مُوسى الغَضَبُ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وقَوْلُهُ: ﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤]، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ: بِشَعْرِ رَأْسِهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ بِذَوائِبِهِ، وذَلِكَ لِشِدَّةِ ما ورَدَ عَلَيْهِ مِنَ الأمْرِ الَّذِي اسْتَفَزَّهُ وذَهَبَ بِفِطْنَتِهِ، وظَنًّا بِأخِيهِ أنْ فَرَّطَ في الكَفِّ؛ وقِيلَ: ذَلِكَ الأخْذُ والجَرُّ كانَ لِيُسِرَّ إلَيْهِ أنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ الألْواحُ في مُناجاتِهِ وأرادَ أنْ يُخْفِيَها عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَهاهُ هارُونُ لِئَلّا يَشْتَبِهَ سِرارُهُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بِإذْلالِهِ؛ وقِيلَ: ضَمَّهُ لِيَعْلَمَ ما لَدَيْهِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ هارُونُ لِئَلّا يَظُنُّوا إهانَتَهُ، وبَيَّنَ لَهُ أخُوهُ أنَّهُمُ اسْتَضْعَفُوهُ؛ وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الإكْرامِ لا عَلى سَبِيلِ الإهانَةِ، كَما تَفْعَلُ العَرَبُ مِن قَبْضِ الرَّجُلِ عَلى لِحْيَةِ أخِيهِ.
* * *
(p-٣٩٦)﴿قالَ ابْنَ أُمَّ إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْداءَ ولا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ ناداهُ نِداءَ اسْتِضْعافٍ وتَرَفُّقٍ وكانَ شَقِيقَهُ وهي عادَةُ العَرَبِ تَتَلَطَّفُ وتَتَحَنَّنُ بِذِكْرِ الأُمِّ، كَما قالَ:
يا ابْنَ أُمِّي ويا شَقِيقَ نَفْسِي وقالَ آخَرُ: يا ابْنَ أُمِّي فَدَتْكَ نَفْسِي ومالِي
وأيْضًا فَكانَتْ أُمُّهُما مُؤْمِنَةً، قالُوا: وكانَ أبُوهُ مَقْطُوعًا عَنِ القَرابَةِ بِالكُفْرِ، كَما قالَ تَعالى لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إنَّهُ لَيْسَ مِن أهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦]، وأيْضًا لَمّا كانَ حَقُّها أعْظَمَ لِمُقاساتِها الشَّدائِدَ في حَمْلِهِ وتَرْبِيَتِهِ والشَّفَقَةِ عَلَيْهِ ذَكَّرَهُ بِحَقِّها، وقَرَأ الحَرَمِيّانِ وأبُو عَمْرٍو وحَفْصٌ: ابْنَ أُمَّ بِفَتْحِ المِيمِ، فَقالَ الكُوفِيُّونَ: أصْلُهُ يا ابْنَ أُمّاهَ، فَحُذِفَتِ الألِفُ تَخْفِيفًا، كَما حُذِفَتْ في يا غُلامُ، وأصْلُهُ يا غُلامًا، وسَقَطَتْ هاءُ السَّكْتِ؛ لِأنَّهُ دَرَجٌ، فَعَلى هَذا الِاسْمُ مُعْرَبٌ؛ إذِ الألِفُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ ياءِ المُتَكَلِّمِ، فَهو مُضافٌ إلَيْهِ ابْنَ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: هُما اسْمانِ بُنِيا عَلى الفَتْحِ كاسْمٍ واحِدٍ، كَخَمْسَةَ عَشَرَ ونَحْوِهِ، فَعَلى قَوْلِهِ: لَيْسَ مُضافًا إلَيْهِ ابْنَ والحَرَكَةُ حَرَكَةُ بِناءٍ، وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِ المِيمِ، فَقِياسُ قَوْلِ الكُوفِيِّينَ أنَّهُ مُعْرَبٌ وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ واجْتُزِئَ بِالكَسْرَةِ عَنْها، كَما اجْتَزَأُوا بِالفَتْحَةِ عَنِ الألِفِ المُنْقَلِبَةِ عَنْ ياءِ المُتَكَلِّمِ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: هو مَبْنِيٌّ أُضِيفَ إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ، كَما قالُوا: يا أحَدَ عَشَرَ أقْبِلُوا، وحُذِفَتِ الياءُ واجْتَزَأُوا بِالكَسْرَةِ عَنْها، كَما اجْتَزَأُوا في: يا قَوْمِ ولَوْ كانا باقِيَيْنِ عَلى الإضافَةِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُ الياءِ؛ لِأنَّ الِاسْمَ لَيْسَ بِمُنادى ولَكِنَّهُ مُضافٌ إلَيْهِ المُنادى، فَلا يَجُوزُ حَذْفُ الياءِ مِنهُ، وقُرِئَ بِإثْباتِ ياءِ الإضافَةِ، وأجْوَدُ اللُّغاتِ الِاجْتِزاءُ بِالكَسْرَةِ عَنْ ياءِ الإضافَةِ، ثُمَّ قَلْبُ الياءِ ألِفًا والكَسْرَةِ قَبْلَها فَتْحَةً، ثُمَّ حَذْفُ التّاءِ وفَتْحُ المِيمِ، ثُمَّ إثْباتُ التّاءِ مَفْتُوحَةً أوْ ساكِنَةً، وهَذِهِ اللُّغاتُ جائِزَةٌ في ابْنَةِ أُمِّي وفي ابْنِ عَمِّي وابْنَةِ عَمِّي، وقُرِئَ يا ابْنَ أُمِّي بِإثْباتِ الياءِ، وابْنَ إمِّ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ والمِيمِ، ومَعْمُولُ القَوْلِ المُنادى، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ المَقْصُودُ بِها تَخْفِيفُ ما أدْرَكَ مُوسى مِنَ الغَضَبِ والِاسْتِعْذارِ لَهُ بِأنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ في كَفِّهِمْ مِنَ الوَعْظِ والإنْذارِ وما بَلَّغَتْهُ طاقَتُهُ، ولَكِنَّهُمُ اسْتَضْعَفُوهُ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلى وعْظِهِ، بَلْ قارَبُوا أنْ يَقْتُلُوهُ، ودَلَّ هَذا عَلى أنَّهُ بالَغَ في الإنْكارِ عَلَيْهِمْ حَتّى هَمُّوا بِقَتْلِهِ، ومَعْنى: اسْتَضْعَفُونِي وجَدُونِي، فَهي بِمَعْنى إلْفاءِ الشَّيْءِ بِمَعْنى ما صِيغَ مِنهُ، أيِ: اعْتَقَدُونِي ضَعِيفًا، وتَقَدَّمَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [الأعراف: ٧٥] ولَمّا أبْدى لَهُ ما كانَ مِنهم مِنَ الِاسْتِضْعافِ لَهُ ومُقارَبَةِ قَتْلِهِمْ إيّاهُ سَألَهُ تَرْكَ ما يَسُرُّهم بِفِعْلِهِ فَقالَ: ﴿فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْداءَ﴾، أيْ: لا تَسُرَّهم بِما تَفْعَلُ بِي فَأكُونَ مَلُومًا مِنهم ومِنكَ، وقالَ الشّاعِرُ:
؎والمَوْتُ دُونَ شَماتَةِ الأعْداءِ
وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: (تَشْمِتْ) بِفَتْحِ التّاءِ وكَسْرِ المِيمِ ونَصْبِ: (الأعْداءَ) ومُجاهِدٌ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهُ فَتَحَ المِيمَ، وشَمَّتَ مُتَعَدِّيَةٌ كَأشْمَتَ، وخَرَّجَ أبُو الفَتْحِ قِراءَةَ مُجاهِدٍ عَلى أنْ تَكُونَ لازِمَةً، والمَعْنى: فَلا تُشْمِتْ أنْتَ يا رَبِّ، وجازَ هَذا، كَما قالَ ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥]، ونَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ عادَ إلى المُرادِ، فَأضْمَرَ فِعْلًا نَصَبَ بِهِ الأعْداءَ، كَقِراءَةِ الجَماعَةِ، انْتَهى، وهَذا خُرُوجٌ عَنِ الظّاهِرِ وتَكَلُّفٌ في الإعْرابِ، وقَدْ رُوِيَ تَعَدِّي شَمَّتَ لُغَةً، فَلا يُتَكَلَّفُ أنَّها لازِمَةٌ مَعَ نَصْبِ الأعْداءِ، وأيْضًا قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] إنَّما ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المُقابَلَةِ لِقَوْلِهِمْ: ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] فَقالَ: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] وكَقَوْلِهِ: ﴿ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٠] ولا يَجُوزُ ذَلِكَ ابْتِداءً مِن غَيْرِ مُقابَلَةٍ، وعَنْ مُجاهِدٍ: (فَلا تَشْمَتْ) بِفَتْحِ التّاءِ والمِيمِ، ورَفْعِ: (الأعْداءُ)، وعَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ كَسَرَ المِيمَ جَعَلاهُ فِعْلًا لازِمًا فارْتَفَعَ بِهِ الأعْداءُ، فَظاهِرُهُ أنَّهُ نَهى الأعْداءَ عَنِ الشَّماتَةِ بِهِ، وهو مِن بابِ لا أرَيَنَّكَ هُنا، والمُرادُ نَهْيُهُ أخاهُ، أيْ: لا تُحِلَّ بِي مَكْرُوهًا فَيَشْمَتُوا بِي، وبَدَأ أوَّلًا بِسُؤالِ أخِيهِ أنْ لا يُشْمِتَ بِهِ الأعْداءَ؛ لِأنَّ ما يُوجِبُ الشَّماتَةَ هو فِعْلٌ مَكْرُوهٌ ظاهِرٌ لَهم فَيَشْمَتُوا بِهِ فَبَدَأ بِالأوْكَدِ ثُمَّ سَألَهُ أنْ لا يَجْعَلَهُ ويَعْتَقِدَهُ واحِدًا مِنَ الظّالِمِينَ؛ إذْ جَعْلُهُ مَعَهم واعْتِقادُهُ مِن جُمْلَتِهِمْ هو فِعْلٌ قَلْبِيٌّ، ولَيْسَ ظاهِرًا لِبَنِي إسْرائِيلَ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: ولا تَجْعَلْنِي في مَوْجِدَتِكَ عَلَيَّ قَرِينًا لَهم مُصاحِبًا لَهم.
{"ayah":"وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِی مِنۢ بَعۡدِیۤۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُۥۤ إِلَیۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِی وَكَادُوا۟ یَقۡتُلُونَنِی فَلَا تُشۡمِتۡ بِیَ ٱلۡأَعۡدَاۤءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِی مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق