الباحث القرآني
﴿وواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وأتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ رُوِيَ (p-٣٨٠)أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَدَ بَنِي إسْرائِيلَ وهو بِمِصْرَ إنْ أهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّهم أتاهم بِكِتابٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ فِيهِ بَيانُ ما يَأْتُونَ وما يَذَرُوَنَ، فَلَمّا هَلَكَ فِرْعَوْنُ سَألَ مُوسى رَبَّهُ تَعالى الكِتابَ فَأمَرَهُ بِصَوْمِ ثَلاثِينَ يَوْمًا وهو شَهْرُ ذِي القِعْدَةِ فَلَمّا أتَمَّ الثَّلاثِينَ أنْكَرَ خُلُوفَ فِيهِ فَتَسَوَّكَ، فَقالَتِ المَلائِكَةُ كُنّا نَشُمُّ مِن فِيكَ رائِحَةَ المِسْكِ فَأفْسَدْتَهُ بِالسِّواكِ، وقِيلَ أوْحى اللَّهُ إلَيْهِ أما عَلِمْتَ أنَّ«خُلُوفَ فَمِ الصّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أطْيَبُ مِن رِيحِ المِسْكِ» فَأمَرَهُ أنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ عَشْرَةَ أيّامٍ مِن ذِي الحِجَّةِ لِذَلِكَ، وقِيلَ أمَرَهَ اللَّهُ بِأنْ يَصُومَ ثَلاثِينَ يَوْمًا وأنْ يَعْمَلَ فِيها بِما يُقَرِّبُهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى ثُمَّ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ التَّوْراةُ في العَشْرِ وكُلِّمَ فِيها، وأُجْمِلَ ذِكْرُ الأرْبَعِينَ في البَقَرَةِ وفُصِّلَ هُنا، وقالَ الكَلْبِيُّ: لَمّا قَطَعَ مُوسى البَحْرَ بِبَنِي إسْرائِيلَ وغَرِقَ فِرْعَوْنُ قالَتْ بَنُو إسْرائِيلَ لِمُوسى: ائْتِنا بِكِتابٍ مِن رَبِّنا كَما وعَدْتَنا وزَعَمْتَ أنَّكَ تَأْتِينا بِهِ إلى شَهْرٍ فاخْتارَ مُوسى مِن قَوْمِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ فَلَمّا تَجَهَّزُوا قالَ اللَّهُ تَعالى لِمُوسى أخْبِرْ قَوْمَكَ أنَّكَ لَنْ تَأْتِيَهم أرْبَعِينَ لَيْلَةً، وذَلِكَ حِينَ أُتِمَّتْ بِعَشْرٍ، فَلَمّا خَرَجَ مُوسى بِالسَّبْعِينَ أمَرَهم أنْ يَنْتَظِرُوهُ أسْفَلَ الجَبَلِ وصَعِدَ مُوسى الجَبَلَ وكَلَّمَهُ اللَّهُ أرْبَعِينَ يَوْمًا وأرْبَعِينَ لَيْلَةً، وكَتَبَ لَهُ الألْواحَ ثُمَّ إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ عَدُّوا عِشْرِينَ لَيْلَةً وعِشْرِينَ يَوْمًا، وقالُوا قَدْ أخْلَفَنا مُوسى الوَعْدَ وجَعَلَ لَهُمُ السّامِرِيُّ العِجْلَ فَعَبَدُوهُ، وقِيلَ: زِيدَتِ العَشْرُ بَعْدَ الشَّهْرِ لِلْمُناجاةِ، وقِيلَ: التَفَتَ في طَرِيقِهِ فَزِيدَها، وقِيلَ: زِيدَتْ عُقُوبَةً لِقَوْمِهِ عَلى عِبادَةِ العِجْلِ، وقِيلَ: أُعْلِمَ مُوسى بِمَغِيبِهِ ثَلاثِينَ لَيْلَةً فَلَمّا زادَهُ العَشْرَ في مَغِيبِهِ لَمْ يُعْلَمُوا بِذَلِكَ ووَجَسَتْ نُفُوسُهم لِلزِّيادَةِ عَلى ما أخْبَرَهم فَقالَ السّامِرِيُّ هَلَكَ مُوسى ولَيْسَ بِراجِعٍ، وأضَلَّهم بِالعِجْلِ فاتَّبَعُوهُ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وفائِدَةُ التَّفْصِيلِ قالُوا: إنَّ الثَّلاثِينَ لِلتَّهَيُّؤِ لِلْمُناجاةِ والعَشْرَ لِإنْزالِ التَّوْراةِ وتَكْلِيمِهِ، وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: بادَرَ إلى مِيقاتِ رَبِّهِ قَبْلَ قَوْمِهِ لِقَوْلِهِ: ﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يامُوسى﴾ [طه: ٨٣] الآيَةَ، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ أتى الطُّورَ عِنْدَ تَمامِ الثَّلاثِينَ فَلَمّا أُعْلِمَ بِخَبَرِ قَوْمِهِ مَعَ السّامِرِيِّ رَجَعَ إلى قَوْمِهِ قَبْلَ تَمامِ مُدَّةِ الوَعْدِ ثُمَّ عادَ إلى المِيقاتِ في عَشْرٍ أُخَرَ، قِيلَ: لا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ وعْدانِ أوَّلٌ حَضَرَهُ مُوسى وثانٍ حَضَرَهُ المُخْتارُونَ لِيَسْمَعُوا كَلامَ اللَّهِ فاخْتَلَفَ الوَعْدُ لِاخْتِلافِ الحاضِرِينَ، والثَّلاثُونَ هي شَهْرُ ذِي القَعْدَةِ والعَشْرُ مِن ذِي الحِجَّةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومَسْرُوقٌ ومُجاهِدٌ وتَقَدَّمَ الخِلافُ في قِراءَةِ ووَعَدْنا وقالُوا انْتَصَبَ (ثَلاثِينَ) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، فَقَدَّرَهُ أبُو البَقاءِ إتْيانَ ثَلاثِينَ أوْ تَمامَ ثَلاثِينَ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ (وثَلاثِينَ) نُصِبَ عَلى تَقْدِيرِ أجَّلْناهُ أوْ مُناجاةِ ثَلاثِينَ، ولَيْسَتْ مُنْتَصِبَةً عَلى الظَّرْفِ، والهاءُ في (وأتْمَمْناها) عائِدَةٌ عَلى المُواعَدَةِ المَفْهُومَةِ مِن (واعَدْنا)، وقالَ الحَوْفِيُّ الهاءُ والألِفُ نُصِبا بِأتْمَمْناها، وهُما راجِعَتانِ إلى (ثَلاثِينَ) ولا يَظْهَرُ لِأنَّ الثَّلاثِينَ لَمْ تَكُنْ ناقِصَةً فَتُمِّمَتْ بِعَشْرٍ، وحُذِفَ مُمَيِّزُ عَشْرٍ أيْ عَشْرِ لَيالٍ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: ”وتَمَّمْناها“ مُشَدَّدًا، والمِيقاتُ ما وُقِّتَ لَهُ مِنَ الوَقْتِ وضَرْبِهِ لَهُ، وجاءَ بِلَفْظِ رَبِّهِ ولَمْ يَأْتِ عَلى (واعَدْنا) فَكانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ فَتَمَّ مِيقاتُنا لِأنَّ لَفْظَ (رَبِّهِ) دالٌّ عَلى أنَّهُ مُصْلِحُهُ وناظِرٌ في أمْرِهِ ومالِكُهُ والمُتَصَرِّفُ فِيهِ، قِيلَ: والفَرْقُ بَيْنَ المِيقاتِ والوَقْتِ أنَّ المِيقاتَ ما قُدِّرَ فِيهِ عَمَلٌ مِنَ الأعْمالِ، والوَقْتُ وقْتُ الشَّيْءِ، وانْتَصَبَ (أرْبَعِينَ) عَلى الحالِ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، الحالُ فِيهِ فَقالَ أتى بِـ (تَمَّ) بالِغًا هَذا العَدَدَ فَعَلى هَذا لا يَكُونُ الحالُ (أرْبَعِينَ) بَلِ الحالُ هَذا المَحْذُوفُ فَيُنافِي قَوْلَهُ (وأرْبَعِينَ) لَيْلَةً نُصِبَ عَلى الحالِ.
* * *
(p-٣٨١)﴿وقالَ مُوسى لِأخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي في قَوْمِي وأصْلِحْ ولا تَتَبَّعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ وقُرِئَ شاذًّا ”هارُونُ“ بِالضَّمِّ عَلى النِّداءِ، أيْ: يا هارُونُ، أمَرَهُ حِينَ أرادَ المُضِيَّ لِلْمُناجاةِ والمَغِيبِ فِيها أنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ في قَوْمِهِ وأنْ يُصْلِحَ في نَفْسِهِ أوْ ما يَجِبُ أنْ يُصْلِحَ مِن أمْرِ قَوْمِهِ، ونَهاهُ أنْ يَتَّبِعَ سَبِيلَ مَن أفْسَدَ وفي النَّهْيِ دَلِيلٌ عَلى وُجُودِ المُفْسِدِينَ، ولِذَلِكَ نَهاهُ عَنِ اتِّباعِ سَبِيلِهِمْ، وأمْرُهُ إيّاهُ بِالصَّلاحِ ونَهْيُهُ عَنِ اتِّباعِ سَبِيلِ المُفْسِدِينَ هو عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ لا لِتَوَهُّمِ أنَّهُ يَقَعُ مِنهُ خِلافُ الإصْلاحِ واتِّباعُ تِلْكَ السَّبِيلِ؛ لِأنَّ مَنصِبَ النُّبُوَّةِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، ومَعْنى (اخْلُفْنِي) اسْتَبِدَّ بِالأمْرِ، وذَلِكَ في حَياتِهِ إذْ راحَ إلى مُناجاةِ رَبِّهِ، ولَيْسَ المَعْنى أنَّكَ تَكُونُ خَلِيفَتِي بَعْدَ مَوْتِي ألا تَرى أنَّ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ ماتَ قَبْلَ مُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ، ولَيْسَ في قَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ لِعَلِيٍّ «أنْتَ مِنِّي كَهارُونَ مِن مُوسى» دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ خَلِيفَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ هارُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِ مُوسى وإنَّما اسْتَخْلَفَ الرَّسُولُ عَلِيًّا عَلى أهْلِ بَيْتِهِ إذْ سافَرَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في بَعْضِ مَغازِيهِ، كَما اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلى المَدِينَةِ فَلَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ.
{"ayah":"۞ وَوَ ٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِینَ لَیۡلَةࣰ وَأَتۡمَمۡنَـٰهَا بِعَشۡرࣲ فَتَمَّ مِیقَـٰتُ رَبِّهِۦۤ أَرۡبَعِینَ لَیۡلَةࣰۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِیهِ هَـٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِی فِی قَوۡمِی وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِیلَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق