الباحث القرآني
﴿ولَمّا وقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ الظّاهِرُ أنَّ الرِّجْزَ هُنا هو ما كانَ أُرْسِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الطُّوفانِ والجَرادِ والقُمَّلِ والضَّفادِعِ والدَّمِ، فَإنْ كانَ أُرِيدَ الظّاهِرُ كانَ سُؤالُهم مُوسى بَعْدَ وُقُوعِ جَمِيعِها لا بَعْدَ وُقُوعِ نَوْعٍ مِنها، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى ﴿ولَمّا وقَعَ عَلَيْهِمُ﴾ نَوْعٌ مِن الرِّجْزِ، فَيَكُونُ سُؤالُهم قَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ نَوْعٍ ونَوْعٍ ومَعْنى ﴿وقَعَ عَلَيْهِمُ﴾ نَزَلَ عَلَيْهِمْ وثَبَتَ وقالَ قَوْمٌ: (الرِّجْزُ) الطّاعُونُ نَزَلَ بِهِمْ ماتَ مِنهم في لَيْلَةٍ سَبْعُونَ ألْفَ قِبْطِيٍّ، وفي قَوْلِهِمْ ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾ وإضافَةُ الرَّبِّ إلى مُوسى عَدَمُ إقْرارٍ بِأنَّهُ رَبُّهم حَيْثُ لَمْ يَقُولُوا ادْعُ لَنا رَبَّنا، ومَعْنى ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ بِما اخْتَصَّكَ بِهِ فَنَبَّأكَ، أوْ بِما وصّاكَ أنْ تَدْعُوَ بِهِ لِيُجِيبَكَ كَما أجابَكَ في الآياتِ، أوْ بِما اسْتَوْدَعَكَ مِنَ العِلْمِ، والظّاهِرُ تَعَلُّقُ ﴿بِما عَهِدَ﴾ بِادْعُ لَنا رَبَّكَ، ومُتَعَلِّقُ الدُّعاءِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ في كَشْفِ هَذا الرِّجْزِ، و﴿لَئِنْ كَشَفْتَ﴾ جَوابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ في مَوْضِعِ الحالِ مِن قالُوا، أيْ: قالُوا ذَلِكَ مُقْسِمِينَ ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ﴾، أوْ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ، أيْ: وأقْسَمُوا لَئِنْ كَشَفْتَ، وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وابْنُ عَطِيَّةَ، وغَيْرُهُما أنْ تَكُونَ الباءُ في ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ باءُ القَسَمِ، أيْ: قالُوا ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ﴾ في كَشْفِ الرِّجْزِ مُقْسِمِينَ ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ﴾، أوْ وأقْسَمُوا ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ﴾، والمَعْنى: لَئِنْ كَشَفْتَ بِدُعائِكَ، وفي قَوْلِهِمْ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ طَلَبَ مِنهُمُ الإيمانَ كَما أنَّهُ طَلَبَ مِنهم إرْسالَ بَنِي إسْرائِيلَ وقَدَّمُوا الإيمانَ؛ لِأنَّهُ المَقْصُودُ الأعْظَمُ النّاشِئُ مِنهُ الطَّواعِيَةُ، وفي إسْنادِ الكَشْفِ إلى مُوسى حَيْدَةٌ عَنْ إسْنادِهِ إلى اللَّهِ تَعالى لِعَدَمِ إقْرارِهِمْ بِذَلِكَ.
﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إلى أجَلٍ هم بالِغُوهُ إذا هم يَنْكُثُونَ﴾ في الكَلامِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ المَعْنى، وهو فَدَعا مُوسى فَكَشَفَ عَنْهُمُ الرِّجْزَ، وأسْنَدَ تَعالى الكَشْفَ إلَيْهِ؛ لِأنَّهُ هو الكاشِفُ حَقِيقَةً، فَلَمّا كانَ مِن قَوْلِهِمْ أسْنَدُوهُ إلى مُوسى، وهو إسْنادٌ مَجازِيٌّ ولَمّا كانَ إخْبارًا مِنَ اللَّهِ أسْنَدَهُ تَعالى إلَيْهِ؛ لِأنَّهُ إسْنادٌ حَقِيقِيٌّ، ولَمّا كانَ الرِّجْزُ مِن جُمْلَةٍ أُخْرى غَيْرِ مَقُولَةٍ لَهم حَسُنَ إظْهارُهُ دُونَ ضَمِيرِهِ، وكانَ جائِزًا أنْ يَكُونَ التَّرْكِيبُ في غَيْرِ القُرْآنِ ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ﴾ ومَعْنى ﴿إلى أجَلٍ هم بالِغُوهُ﴾ إلى حَدٍّ مِنَ الزَّمانِ هم بالِغُوهُ لا مَحالَةَ فَيُعَذَّبُونَ فِيهِ لا يَنْفَعُهم ما تَقَدَّمَ لَهم مِنَ الإمْهالِ وكَشْفِ العَذابِ إلى حُلُولِهِ. قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُرِيدُ بِهِ غايَةَ كُلِّ واحِدٍ مِنهم بِما يَخُصُّهُ مِنَ الهَلاكِ والمَوْتِ هَذا اللّازِمُ مِنَ اللَّفْظِ كَما تَقُولُ أخَّرْتُ كَذا إلى وقْتِ كَذا، وأنْتَ لا تُرِيدُ (p-٣٧٥)وقْتًا بِعَيْنِهِ، وقالَ يَحْيى بْنُ سَلامٍ: الأجَلُ هاهُنا الغَرَقُ، قالَ وإنَّما قالَ هَذا القَوْلَ؛ لِأنَّهُ رَأى جُمْهُورَ هَذِهِ الطّائِفَةِ قَدِ اتَّفَقَ أنْ هَلَكَتْ غَرَقًا فاعْتَقَدَ أنَّ الإشارَةَ هاهُنا إنَّما هي في الغَرَقِ، وهَذا لَيْسَ بِلازِمٍ؛ لِأنَّهُ لا بُدَّ أنَّهُ ماتَ مِنهم قَبْلَ الغَرَقِ عالِمٌ ومِنهم مَن أُخِّرَ، وكَشَفَ العَذابَ عَنْهم إلى أجَلٍ بَلَغَهُ. انْتَهى. وفي التَّحْرِيرِ إلى أجَلٍ: إلى انْقِضاءِ مُدَّةِ إمْهالِهِمْ وهي المُدَّةُ المَضْرُوبَةُ لِإيمانِهِمْ، وقِيلَ: الغَرَقُ، وقِيلَ: المَوْتُ، وإذا فُسِّرَ الأجَلُ بِالمَوْتِ، أوْ بِالغَرَقِ فَلا يَصِحُّ كَشْفُ العَذابِ إلى ذَلِكَ الوَقْتِ، أيْ: وقْتِ حُصُولِ المَوْتِ أوِ الغَرَقِ؛ لِأنَّهُ قَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الكَشْفِ والغَرَقِ، أوِ المَوْتُ زَمانٌ وهو زَمانُ النَّكْثِ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلى هَذا إلى أقْرَبِ أجَلٍ هم بالِغُوهُ، أمّا إذا كانَ الأجَلُ هو المُدَّةُ المَضْرُوبَةُ لِإيمانِهِمْ وإرْسالِهِمْ بَنِي إسْرائِيلَ، فَلا يُحْتاجُ إلى حَذْفِ مُضافٍ و﴿إلى أجَلٍ﴾ قالُوا: مُتَعَلِّقٌ بـِ (كَشَفْنا) ولا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى التَّعَلُّقِ بِهِ؛ لِأنَّ ما دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمّا تَرَتَّبَ جَوابُهُ عَلى ابْتِداءِ وُقُوعِهِ، والغايَةُ تُنافِي التَّعْلِيقَ عَلى ابْتِداءِ الوُقُوعِ فَلا بُدَّ مِن تَعَقُّلِ الِابْتِداءِ والِاسْتِمْرارِ حَتّى تَتَحَقَّقَ الغايَةُ، ولِذَلِكَ لا تَصِحُّ الغايَةُ في الفِعْلِ عَنِ المُتَطاوَلِ لا تَقُولُ لَمّا قَتَلْتُ زَيْدًا إلى يَوْمِ الخَمِيسِ جَرى كَذا ولا لَمّا وثَبْتُ إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ اتَّفَقَ كَذا، وجَعَلَ بَعْضُهم إلى أجَلٍ مِن تَمامِ الرِّجْزِ، أيِ: الرِّجْزُ كائِنًا إلى أجَلٍ، والمَعْنى: أنَّ العَذابَ كانَ مُؤَجَّلًا ويُقَوِّي هَذا التَّأْوِيلَ كَوْنُ جَوابِ لَمّا جاءَ بِإذا الفُجائِيَّةِ، أيْ: فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذابَ المُقَرَّرَ عَلَيْهِمْ (إلى أجَلٍ) فاجَئُوا بِالنَّكْثِ وعَلى مَعْنى تَغْيِيَتِهِ الكَشْفَ بِالأجَلِ المَبْلُوغِ لا تَتَأتّى المُفاجَأةُ إلّا عَلى تَأْوِيلِ الكَشْفِ بِالِاسْتِمْرارِ المُغَيّا، فَتَكُونُ المُفاجَأةُ بِالنَّكْثِ إذْ ذاكَ مُمْكِنَةً، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿إذا هم يَنْكُثُونَ﴾ جَوابٌ لِما يُغَيّا، فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهم فاجَئُوا النَّكْثَ وبادَرُوهُ، ولَمْ يُؤَخِّرُوهُ، ولَكِنْ لَمّا كَشَفَ عَنْهم نَكَثُوا. انْتَهى. ولا يُمْكِنُ التَّغْيِيَةُ مَعَ ظاهِرِ هَذا التَّقْدِيرِ، وهم بالِغُوهُ جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأجَلٍ، وهي أفْخَمُ مِنَ الوَصْفِ بِالمُفْرَدِ لِتَكَرُّرِ الضَّمِيرِ فَلَيْسَ في حُسْنِ التَّرْكِيبِ كالمُفْرَدِ لَوْ قِيلَ في غَيْرِ القُرْآنِ إلى أجَلٍ بالِغِيهِ، ومَجِيءُ إذا الفُجائِيَّةُ جَوابًا لِلَمّا مِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ لَمّا حَرَّفُ وُجُوبٍ لِوُجُوبٍ كَما يَقُولُ سِيبَوَيْهِ لا ظَرْفٌ كَما زَعَمَ بَعْضُهم لِافْتِقارِهِ إلى عامِلٍ فِيهِ، والكَلامُ تامٌّ لا يَحْتَمِلُ إضْمارًا ولا يَعْمَلُ ما بَعْدَ إذا الفُجائِيَّةِ فِيما قَبْلَها، وقَرَأ أبُو هاشِمٍ، وأبُو حَيْوَةَ (يَنْكِثُونَ) بِكَسْرِ الكافِ.
{"ayahs_start":134,"ayahs":["وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیۡهِمُ ٱلرِّجۡزُ قَالُوا۟ یَـٰمُوسَى ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَۖ لَىِٕن كَشَفۡتَ عَنَّا ٱلرِّجۡزَ لَنُؤۡمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرۡسِلَنَّ مَعَكَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ","فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰۤ أَجَلٍ هُم بَـٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ یَنكُثُونَ"],"ayah":"وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیۡهِمُ ٱلرِّجۡزُ قَالُوا۟ یَـٰمُوسَى ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَۖ لَىِٕن كَشَفۡتَ عَنَّا ٱلرِّجۡزَ لَنُؤۡمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرۡسِلَنَّ مَعَكَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق