الباحث القرآني
(p-٢٦٤)سُورَةُ الأعْرافِ
﷽
﴿المص﴾ ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكم ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣] ﴿وكَمْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أوْ هم قائِلُونَ﴾ [الأعراف: ٤] ﴿فَما كانَ دَعْواهم إذْ جاءَهم بَأْسُنا إلّا أنْ قالُوا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٥] ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وما كُنّا غائِبِينَ﴾ [الأعراف: ٧] ﴿والوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٨] ﴿ومَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ٩] ﴿ولَقَدْ مَكَّنّاكم في الأرْضِ وجَعَلْنا لَكم فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٠] ﴿ولَقَدْ خَلَقْناكم ثُمَّ صَوَّرْناكم ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلّا إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ [الأعراف: ١١] ﴿قالَ ما مَنَعَكَ ألّا تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ قالَ أنا خَيْرٌ مِنهُ خَلَقْتَنِي مِن نارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] ﴿قالَ فاهْبِطْ مِنها فَما يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فاخْرُجْ إنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٣] ﴿قالَ أنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: ١٤] ﴿قالَ إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: ١٥] ﴿قالَ فَبِما أغْوَيْتَنِي لَأقْعُدَنَّ لَهم صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: ١٦] ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهم مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أكْثَرَهم شاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٧] ﴿قالَ اخْرُجْ مِنها مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهم لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: ١٨] ﴿ويا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِن حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٩] ﴿فَوَسْوَسَ لَهُما الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِن سَوْآتِهِما وقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلّا أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠] ﴿وقاسَمَهُما إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] ﴿فَدَلّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ وناداهُما رَبُّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشَّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: ٢٢] ﴿قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣] ﴿قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [الأعراف: ٢٤] ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وفِيها تَمُوتُونَ ومِنها تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف: ٢٥] ﴿يابَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكم لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكم ورِيشًا ولِباسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٦] ﴿يابَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أخْرَجَ أبَوَيْكم مِنَ الجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إنَّهُ يَراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حَيْثُ لا تَرَوْنَهم إنّا جَعَلْنا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٧]
كَمَ اسْمٌ بَسِيطٌ لا مُرَكَّبٌ، مِن كافِ التَّشْبِيهِ وما الِاسْتِفْهامِيَّةُ حُذِفَ ألِفُها لِدُخُولِ حَرْفِ الجَرِّ عَلَيْها وسَكَنَتْ، كَما قالُوا: لِمَ تَرْكِيبًا لا يَنْفَكُّ، كَما رُكِّبَتْ في كَأيِّنٍ مَعَ أيٍّ، وتَأْتِي اسْتِفْهامِيَّةً وخَبَرِيَّةً، وكَثِيرًا ما جاءَتِ الخَبَرِيَّةُ في القُرْآنِ، ولَمْ يَأْتِ تَمْيِيزُها في القُرْآنِ إلّا مَجْرُورًا بِمِن، وأحْكامُها في نَوْعَيْها مَذْكُورَةٌ في كُتُبِ النَّحْوِ. القَيْلُولَةُ: نَوْمُ نِصْفِ النَّهارِ وهي القائِلَةُ. قالَهُ اللَّيْثُ، وقالَ الأزْهَرِيُّ: الِاسْتِراحَةُ نِصْفَ النَّهارِ إذا اشْتَدَّ الحَرُّ ولَمْ يَكُنْ نَوْمٌ، وقالَ الفَرّاءُ: قالَ يَقِيلُ قَيْلُولَةً وقَيْلًا وقائِلَةً ومَقِيلًا اسْتَراحَ وسَطَ النَّهارِ. العَيْشُ: الحَياةُ عاشَ يَعِيشُ عَيْشًا ومَعاشًا وعِيشَةً ومَعِيشَةً ومَعِيشًا. قالَ رُؤْبَةُ:
؎إلَيْكَ أشْكُو شَدَّةَ المَعِيشِ وجَهْدَ أيّامٍ نَتَفْنَ رِيشِي
غَوى يَغْوِي غَيًّا وغَوايَةً: فَسَدَ عَلَيْهِ أمْرُهُ وفَسَدَ هو في نَفْسِهِ، ومِنهُ غَوى الفَصِيلُ: أكْثَرَ مِن شُرْبِ لَبَنِ أُمِّهِ حَتّى فَسَدَ جَوْفُهُ وأشْرَفَ عَلى الهَلاكِ، وقِيلَ أصْلُهُ الهَلاكُ ومِنهُ ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] .
الشَّمائِلُ: (p-٢٦٥)جَمْعُ شِمالٍ وهو جَمْعُ تَكْسِيرٍ وجَمْعُهُ في القِلَّةِ عَلى أشْمُلٍ. قالَ الشّاعِرُ:
؎يَأْتِي لَها مِن أيْمُنٍ وأشْمُلِ
وشِمالٌ يُطْلَقُ عَلى اليَدِ اليُسْرى وعَلى ناحِيَتِها، والشَّمائِلُ أيْضًا جَمْعُ شَمالٍ وهي الرِّيحُ، والشَّمائِلُ أيْضًا الأخْلاقُ يُقالُ: هو حَسَنُ الشَّمائِلِ. ذَأمَهُ: عابَهُ يَذْأمُهُ ذَأْمًا بِسُكُونِ الهَمْزَةِ، ويَجُوزُ إبْدالُها ألِفًا. قالَ الشّاعِرُ:
؎صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْها غِشاوَةٌ ∗∗∗ فَلَمّا انْجَلَتْ قَطَعْتُ نَفْسِي أذِيمُها
وفِي المَثَلِ: لَنْ تَعْدَمِ الحَسْناءُ ذَأْمًا. وقِيلَ: أرَدْتَ أنْ تَذِيمَهُ فَمَدَحْتَهُ، وقالَ اللَّيْثُ ذَأمْتَهُ حَقَّرْتَهُ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وابْنُ الأنْبارِيِّ: ذَأمَهُ وذَمَّهُ، دَحَرَهُ أبْعَدَهُ وأقْصاهُ دُحُورًا. قالَ الشّاعِرُ:
؎دَحَرْتُ بَنِي الحَصِيبِ إلى قُدَيْدٍ ∗∗∗ وقَدْ كانُوا ذَوِي أشَرٍ وفَخْرِ
وسْوَسَ: تَكَلَّمَ كَلامًا خَفِيًّا يُكَرِّرِهُ، والوَسْواسُ صَوْتُ الحُلِيِّ شُبِّهَ الهَمْسُ بِهِ، وهو فِعْلٌ لا يَتَعَدّى إلى مَنصُوبٍ، نَحْوُ ولْوَلَتْ ووَعْوَعَ. قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: رَجُلٌ مُوَسْوِسٌ، بِكَسْرِ الواوِ، ولا يُقالُ: مُوَسْوَسٌ بِفَتْحِها. وقالَ غَيْرُهُ: يُقالُ مُوَسْوَسٌ لَهُ ومُوَسْوَسٌ إلَيْهِ. وقالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ صَيّادًا:
؎وسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ ∗∗∗ لَمّا دَنا الصَّيْدُ دَنا مِنَ الوَهَقْ
يَقُولُ: لَمّا أحَسَّ بِالصَّيْدِ وأرادَ رَمْيَهُ وسَوَسَ في نَفْسِهِ أيُخْطِئُ أمْ يُصِيبُ. قالَ الأزْهَرِيُّ: وسْوَسَ ووَرْوَرَ مَعْناهُما واحِدٌ، نَصَحَ: بَذَلَ المَجْهُودَ في تَبْيِينِ الخَيْرِ، وهو ضِدُّ غَشَّ ويَتَعَدّى بِنَفْسِهِ وبِاللّامِ نَصَحْتُ زَيْدًا ونَصَحْتُ لِزَيْدٍ، ويَبْعُدُ أنْ يَكُونَ يَتَعَدّى لِواحِدٍ بِنَفْسِهِ ولِآخَرَ بِحَرْفِ الجَرِّ، وأصْلُهُ نَصَحْتُ لِزَيْدٍ، مِن قَوْلِهِمْ نَصَحْتُ لِزَيْدٍ الثَّوْبَ بِمَعْنى خِطْتُهُ خِلافًا لِمَن ذَهَبَ إلى ذَلِكَ. ذاقَ الشَّيْءَ يَذُوقُهُ ذَوْقًا: مَسَّهُ بِلِسانِهِ، أوْ بِفَمِهِ، ويُطْلَقُ عَلى الأكْلِ. طَفِقَ، بِكَسْرِ الفاءِ وفَتْحِها، ويُقالُ: طَبَّقَ بِالباءِ وهي بِمَعْنى أخَذَ مِن أفْعالِ المُقارَبَةِ. خَصَفَ النَّعْلَ: وضَعَ جِلْدًا عَلى جِلْدٍ وجَمَعَ بَيْنَهُما بِسَيْرٍ، والخَصْفُ الخَرْزُ. الرِّيشُ مَعْرُوفٌ وهو لِلطّائِرِ، ويُسْتَعْمَلُ في مَعانٍ يَأْتِي ذِكْرُها في تَفْسِيرِ المُرَكَّباتِ، واشْتَقُّوا مِنهُ قالُوا: راشَهُ يَرِيشُهُ، وقِيلَ الرَّيْشُ مَصْدَرُ راشَ. النَّزْعُ: الإزالَةُ والجَذْبُ بِقُوَّةٍ.
﴿المص﴾ ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ كُلُّها قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وعَطاءٌ، وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ، والضَّحّاكُ، وغَيْرُهم، وقالَ مُقاتِلٌ: إلّا قَوْلَهُ: ﴿واسْألْهم عَنِ القَرْيَةِ﴾ [الأعراف: ١٦٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] فَإنَّ ذَلِكَ مَدَنِيٌّ ورُوِيَ هَذا أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٢٦٦)وقِيلَ إلى قَوْلِهِ: ﴿وإذْ نَتَقْنا﴾ [الأعراف: ١٧١] واعْتِلاقُ هَذِهِ السُّورَةِ بِما قَبْلَها هو أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ تَعالى قَوْلَهُ: ﴿وهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: ١٥٥] واسْتَطْرَدَ مِنهُ لِما بَعْدَهُ وإلى قَوْلِهِ آخِرَ السُّورَةِ ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَكم خَلائِفَ الأرْضِ﴾ [الأنعام: ١٦٥] وذَكَرَ ابْتِلاءَهم فِيما آتاهم وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا بِالتَّكالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ ذَكَرَ ما يَكُونُ بِهِ التَّكالِيفُ وهو الكِتابُ الإلَهِيُّ وذِكْرُ الأمْرِ بِاتِّباعِهِ، كَما أمَرَ في قَوْلِهِ: ﴿وهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: ١٥٥] . وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذِهِ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ أوائِلَ السُّورَةِ في أوَّلِ البَقَرَةِ، وذَكَرَ ما حَدَسَهُ النّاسُ فِيها ولَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلى شَيْءٍ مِن تَفْسِيرِهِمْ يُعَيِّنُ ما قالُوا، وزادُوا هُنا لِأجْلِ الصّادِ أنَّ مَعْناهُ أنا اللَّهُ أعْلَمُ وأفْصِلُ. رَواهُ أبُو الضُّحى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أوِ المُصَوِّرُ. قالَهُ السُّدِّيُّ: أوِ اللَّهُ المَلِكُ النَّصِيرُ. قالَهُ بَعْضُهم، أوْ أنا اللَّهُ المَصِيرُ إلَيَّ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ، أوِ المَصِيرُ كِتابٌ، فَحَذَفَ الياءَ والرّاءَ تَرْخِيمًا وعَبَّرَ عَنِ المَصِيرِ بِـ ﴿المص﴾ . قالَهُ التِّبْرِيزِيُّ. وقِيلَ عَنْهُ: أنا اللَّهُ الصّادِقُ. وقِيلَ: مَعْناهُ ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١] . قالَهُ الكِرْمانِيُّ. قالَ: واكْتَفى بِبَعْضِ الكَلامِ. وهَذِهِ الأقْوالُ في الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ لَوْلا أنَّ المُفَسِّرِينَ شَحَنُوا بِها كُتُبَهم خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ لَضَرَبْنا عَنْ ذِكْرِها صَفْحًا فَإنَّ ذِكْرَها يَدُلُّ عَلى ما لا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ مِن تَأْوِيلاتِ الباطِنِيَّةِ وأصْحابِ الألْغازِ والرُّمُوزِ ونَهْيُهُ تَعالى أنْ يَكُونَ في صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنهُ أيْ مِن سَبَبِهِ لِما تَضَمَّنَهُ مِن أعْباءِ الرِّسالَةِ وتَبْلِيغِها لِمَن لَمْ يُؤْمِن بِكِتابٍ ولا اعْتَقَدَ صِحَّةَ رِسالَةٍ وتَكْلِيفَ النّاسِ أحْكامَها وهَذِهِ أُمُورٌ صَعْبَةٌ ومَعانِيها يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وأسْنَدَ النَّهْيَ إلى الحَرَجِ ومَعْناهُ نَهْيُ المُخاطَبِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْحَرَجِ، وكانَ أبْلَغَ مِن نَهْيِ المُخاطَبِ لِما فِيهِ مِن أنَّ الحَرَجَ لَوْ كانَ مِمّا يُنْهى لَنَهَيْناهُ عَنْكَ فانْتَهِ أنْتَ عَنْهُ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ ولِأنَّ فِيهِ تَنْزِيهَ نَبِيِّهِ ﷺ بِأنْ يَنْهاهُ فَيَأْتِي التَّرْكِيبُ فَلا تَحْرَجْ مِنهُ؛ لِأنَّ ما أنْزَلَهُ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ يُناسِبُ أنْ يُسَرَّ بِهِ ويَنْشَرِحَ لِما فِيهِ مِن تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ وتَشْرِيفِهِ حَيْثُ أهَّلَهُ لِإنْزالِ كِتابِهِ عَلَيْهِ وجَعَلَهُ سَفِيرًا بَيْنَهُ وبَيْنَ خَلْقِهِ فَلِهَذِهِ الفَوائِدِ عَدَلَ عَنْ أنْ يَنْهاهُ، ونَهى الحَرَجَ وفُسِّرَ الحَرَجُ هُنا بِالشَّكِّ وهو تَفْسِيرٌ قَلِقٌ، وسُمِّيَ الشَّكُّ حَرَجًا؛ لِأنَّ الشّاكَّ ضَيِّقُ الصَّدْرِ كَما أنَّ المُتَيَقِّنَ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ وإنْ صَحَّ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَيَكُونُ مِمّا تَوَجَّهَ فِيهِ الخِطابُ إلَيْهِ لَفْظًا وهو لِأُمَّتِهِ مَعْنًى، أيْ فَلا يَشُكُّوا أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ. وقالَ الحَسَنُ: الحَرَجُ هُنا الضِّيقُ أيْ لا يَضِيقُ صَدْرُكَ مِن تَبْلِيغِ ما أُرْسِلْتَ بِهِ خَوْفًا مِن أنْ لا تَقُومَ بِحَقِّهِ. وقالَ الفَرّاءُ: مَعْناهُ لا يَضِيقُ صَدْرُكَ بِأنْ يُكَذِّبُوكَ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الحَدِيثِ أسَفًا﴾ [الكهف: ٦] وقِيلَ: الحَرَجُ هُنا الخَوْفُ أيْ لا تَخَفْ مِنهم وإنْ كَذَّبُوكَ وتَمالَئُوا عَلَيْكَ. قالُوا: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الخِطابُ لَهُ ولِأُمَّتِهِ، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في ”مِنهُ“ عائِدٌ عَلى الكِتابِ، وقِيلَ عَلى التَّبْلِيغِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ المَعْنى. وقِيلَ عَلى التَّكْذِيبِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ المَعْنى، وقِيلَ عَلى الإنْزالِ، وقِيلَ عَلى الإنْذارِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا التَّخْصِيصُ كُلُّهُ لا وجْهَ لَهُ إذِ اللَّفْظُ يَعُمُّ جَمِيعَ الجِهاتِ الَّتِي هي مِن سَبَبِ الكِتابِ ولِأجْلِهِ وذَلِكَ يَسْتَغْرِقُ التَّبْلِيغَ والإنْذارَ وتَعَرُّضَ المُشْرِكِينَ وتَكْذِيبَ المُكَذِّبِينَ وغَيْرَ ذَلِكَ.
و﴿فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ﴾ اعْتِراضٌ في أثْناءِ الكَلامِ، ولِذَلِكَ قالَ بَعْضُ النّاسِ إنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وتَأْخِيرًا.
و(لِتُنْذِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِأُنْزِلَ. انْتَهى. وكَذا قالَ الحَوْفِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ: إنَّ اللّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أُنْزِلَ﴾ [الأعراف: ٣] وقالَهُ قَبْلَهُمُ الفَرّاءُ ولَزِمَ مِن قَوْلِهِمْ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾ اعْتِراضًا بَيْنَ العامِلِ والمَعْمُولِ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: التَّقْدِيرُ: فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ كَيْ تُنْذِرَ بِهِ فَجَعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِما تَعَلَّقَ بِهِ في صَدْرِكَ وكَذا عَلَّقَهُ بِهِ صاحِبُ النَّظْمِ فَعَلى هَذا لا تَكُونُ الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً، وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وأبُو البَقاءِ الوَجْهَيْنِ إلّا أنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ قالَ: فَإنْ قُلْتَ: بِمَ يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ قُلْتُ: بِأُنْزِلَ أيْ أُنْزِلَ إلَيْكَ لِإنْذارِكَ بِهِ، أوْ بِالنَّهْيِ؛ (p-٢٦٧)لِأنَّهُ إذا لَمْ يُخِفْهم أنْذَرَهم ولِذَلِكَ إذا أيْقَنَ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ شَجَّعَهُ اليَقِينُ عَلى الإنْذارِ؛ لِأنَّ صاحِبَ اليَقِينِ جَسُورٌ مُتَوَكِّلٌ عَلى عِصْمَتِهِ. انْتَهى. فَقَوْلُهُ، أوْ بِالنَّهْيِ ظاهِرُهُ أنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّهْيِ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ فَلا يَكُنْ كانَ عِنْدَهم في تَعْلِيقِ المَجْرُورِ والعَمَلِ في الظَّرْفِ فِيهِ خِلافٌ، ومَبْناهُ عَلى أنَّهُ هَلْ تَدُلُّ كانَ النّاقِصَةُ عَلى الحَدَثِ أمْ لا ؟ فَمَن قالَ إنَّها تَدُلُّ عَلى الحَدَثِ جَوَّزَ فِيها ذَلِكَ، ومَن قالَ إنَّها لا تَدُلُّ عَلَيْهِ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ، وأعْرَبَ الفَرّاءُ وغَيْرُهُ ﴿المص﴾ مُبْتَدَأً و﴿كِتابٌ﴾ خَبَرَهُ وأعْرَبَ أيْضًا ﴿كِتابٌ﴾ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هَذا كِتابٌ، و(ذِكْرى) هو مَصْدَرُ ذَكَرَ بِتَخْفِيفِ الكافِ، وجَوَّزُوا فِيهِ أنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفٌ عَلى كِتابٍ، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ وهو ذِكْرى، والنَّصْبُ عَلى المَصْدَرِ عَلى إضْمارِ فِعْلٍ مَعْطُوفٍ عَلى ﴿لِتُنْذِرَ﴾ أيْ وتَذْكُرَ ذِكْرى، أوْ عَلى مَوْضِعِ لِتُنْذِرَ؛ لِأنَّ مَوْضِعَهُ نَصْبٌ فَيَكُونُ إذْ ذاكَ مَعْطُوفًا عَلى المَعْنى كَما عُطِفَتِ الحالُ عَلى مَوْضِعِ المَجْرُورِ في قَوْلِهِ: ﴿دَعانا لِجَنْبِهِ أوْ قاعِدًا أوْ قائِمًا﴾ [يونس: ١٢] ويَكُونُ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ وكَما تَقُولُ: جِئْتُكَ لِلْإحْسانِ وشَوْقًا إلَيْكَ، والجَرُّ عَلى مَوْضِعِ النّاصِبَةِ ﴿لِتُنْذِرَ﴾ المُنْسَبِكِ مِنها ومِنَ الفِعْلِ مَصْدَرٌ، التَّقْدِيرُ: لِإنْذارِكَ بِهِ وذِكْرى. وقالَ قَوْمٌ: هو مَعْطُوفٌ عَلى الضَّمِيرِ مِن بِهِ وهو مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ، وتَعاوُرُ النَّصْبِ والجَرِّ هو عَلى مَعْنًى، وتَذْكِيرٌ مَصْدَرُ ذَكَّرَ المُشَدَّدِ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: النُّفُوسُ قِسْمانِ جاهِلَةٌ غَرِيقَةٌ في طَلَبِ اللَّذّاتِ الجُسْمانِيَّةِ وشَرِيفَةٌ مُشْرِقَةٌ بِالأنْوارِ الإلَهِيَّةِ، مُسْتَشْعِرَةٌ بِالحَوادِثِ الرُّوحانِيَّةِ فَبُعِثَتِ الأنْبِياءُ والرُّسُلُ في حَقِّ القِسْمِ الأوَّلِ لِلْإنْذارِ والتَّخْوِيفِ لَمّا غَرِقُوا في بَحْرِ الغَفْلَةِ ورَقْدَةِ الجاهِلِيَّةِ احْتاجُوا إلى مُوقِظٍ ومُنَبِّهٍ، وفي حَقِّ القِسْمِ الثّانِي لِتَذْكِيرٍ وتَنْبِيهٍ؛ لِأنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ بِمُقْتَضى جَواهِرِها الأصْلِيَّةِ مُسْتَشْعِرَةً بِالِانْجِذابِ إلى عالَمِ القُدْسِ والِاتِّصالِ بِالحَضْرَةِ الصَّمَدِيَّةِ إلّا أنَّهُ رُبَّما غَشِيَها مِن غَواشِي عالَمِ الحِسِّ فَيَعْرِضُ نَوْعُ ذُهُولٍ، فَإذا سَمِعَتْ دَعْوَةَ الأنْبِياءِ واتَّصَلَ بِها أرْواحُ رُسُلِ اللَّهِ تَذَكَّرَتْ مَرْكَزَها وأبْصَرَتْ مَنشَأها واشْتاقَتْ إلى ما حَصَلَ هُناكَ مِنَ الرُّوحِ والرّاحَةِ والرَّيْحانِ. فَثَبَتَ أنَّهُ تَعالى إنَّما أنْزَلَ الكِتابَ عَلى رَسُولِهِ لِيَكُونَ إنْذارًا في حَقِّ طائِفَةٍ، وذِكْرى في حَقِّ أُخْرى، وهو كَلامٌ فَلْسَفِيٌّ خارِجٌ عَنْ كَلامِ المُتَشَرِّعِينَ وهَكَذا كَلامُ هَذا الرَّجُلِ أعاذَنا اللَّهُ مِنهُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["الۤمۤصۤ","كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَیۡكَ فَلَا یَكُن فِی صَدۡرِكَ حَرَجࣱ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"الۤمۤصۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق