الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ﴾ ﴿وما لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ ﴿وما هو بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ﴾ ﴿ولا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ رتَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ ﴿لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ﴾ ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ ﴿وإنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ﴿وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ مِنكم مُكَذِّبِينَ﴾ ﴿وإنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلى الكافِرِينَ﴾ ﴿وإنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ . (p-٣٢٨)تَقَدَّمَ الكَلامُ في ”لا“ قَبْلَ القَسَمِ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] وقِراءَةُ الحَسَنِ: لَأُقْسِمُ بِجَعْلِها لا ما دَخَلَتْ عَلى أقُسِمَ. وقِيلَ: ”لا“ هُنا نَفْيٌ لِلْقَسَمِ، أيْ: لا يَحْتاجُ في هَذا إلى قَسَمٍ لِوُضُوحِ الحَقِّ في ذَلِكَ، وعَلى هَذا فَجَوابُهُ جَوابُ القَسَمِ. قالَ مُقاتِلٌ: سَبَبُ ذَلِكَ أنَّ الوَلِيدَ قالَ: إنَّ مُحَمَّدًا ساحِرٌ، وقالَ أبُو جَهْلٍ: شاعِرٌ، وقالَ: كاهِنٌ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وما لا تُبْصِرُونَ﴾ عامٌّ في جَمِيعِ مَخْلُوقاتِهِ. وقالَ عَطاءٌ: ما تُبْصِرُونَ مِن آثارِ القُدْرَةِ، وما لا تُبْصِرُونَ مِن أسْرارِ القُدْرَةِ. وقِيلَ: ﴿وما لا تُبْصِرُونَ﴾: المَلائِكَةُ. وقِيلَ: الأجْسادُ والأرْواحُ. (إنَّهُ) أيْ: إنَّ القُرْآنَ ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾: هو مُحَمَّدٌ ﷺ في قَوْلِ الأكْثَرِينَ، ويُؤَيِّدُهُ: ﴿وما هو بِقَوْلِ شاعِرٍ﴾ وما بَعْدَهُ، ونَسَبَ القَوْلَ إلَيْهِ؛ لِأنَّهُ هو مُبَلِّغُهُ والعامِلُ بِهِ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ ومُقاتِلٌ وابْنُ قُتَيْبَةَ: هو جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إذْ هو الرَّسُولُ عَنِ اللَّهِ. ونَفى تَعالى أنْ يَكُونَ قَوْلَ شاعِرٍ لِمُبايَنَتِهِ لِضُرُوبِ الشِّعْرِ. ولا قَوْلَ كاهِنٍ؛ لِأنَّهُ ورَدَ بِسَبَبِ الشَّياطِينِ. وانْتَصَبَ (قَلِيلًا) عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أوْ لِزَمانٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: تُؤْمِنُونَ إيمانًا قَلِيلًا أوْ زَمانًا قَلِيلًا. وكَذا التَّقْدِيرُ في: ﴿قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ والقِلَّةُ هو إقْرارُهم إذا سُئِلُوا مَن خَلَقَهم قالُوا: اللَّهُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ونُصِبَ (قَلِيلًا) بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ (تُؤْمِنُونَ) وما تَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ نافِيَةً فَيَنْتَفِي إيمانُهُمُ البَتَّةَ. ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ ”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ، والمُتَّصِفُ بِالقِلَّةِ هو الإيمانُ اللُّغَوِيُّ؛ لِأنَّهم قَدْ صَدَّقُوا بِأشْياءَ يَسِيرَةٍ لا تُغْنِي عَنْهم شَيْئًا، إذْ كانُوا يُصَدِّقُونَ أنَّ الخَيْرَ والصِّلَةَ والعَفافَ الَّذِي كانَ يَأْمُرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هو حَقٌّ صَوابٌ. انْتَهى. أمّا قَوْلُهُ: ونُصِبَ ”قَلِيلًا“ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ تُؤْمِنُونَ فَلا يَصِحُّ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ الدّالَّ عَلَيْهِ (تُؤْمِنُونَ) إمّا أنْ تَكُونَ ما نافِيَةً أوْ مَصْدَرِيَّةً، كَما ذَهَبَ إلَيْهِ. فَإنْ كانَتْ نافِيَةً، فَذَلِكَ الفِعْلُ المُضْمَرُ الدّالُّ عَلَيْهِ تُؤْمِنُونَ المَنفِيُّ بِما يَكُونُ مَنفِيًّا، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: ما تُؤْمِنُونَ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ، والفِعْلُ المَنفِيُّ بِما لا يَجُوزُ حَذْفُهُ ولا حَذْفَ ما لا يَجُوزُ زَيْدًا ما أضْرَبَهُ، عَلى تَقْدِيرِ ما أضْرَبَ زَيْدًا ما أضْرَبَهُ، وإنْ كانَتْ مَصْدَرِيَّةً كانَتْ ”ما“ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الفاعِلِيَّةِ بِـ (قَلِيلًا) أيْ: قَلِيلًا إيمانُكم، ويَبْقى ”قَلِيلًا“ لا يَتَقَدَّمُهُ ما يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ حَتّى يَعْمَلَ ولا ناصِبَ لَهُ؛ وإمّا في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لا خَبَرَ لَهُ؛ لِأنَّ ما قَبْلَهُ مَنصُوبٌ لا مَرْفُوعٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والقِلَّةُ في مَعْنى العَدَمِ، أيْ: لا تُؤْمِنُونَ ولا تَذَكَّرُونَ البَتَّةَ، والمَعْنى: ما أكْفَرَكم وما أغْفَلَكم. انْتَهى. ولا يُرادُ بِـ (قَلِيلًا) هُنا النَّفْيُ المَحْضُ، كَما زَعَمَ، وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا في أقَلَّ، نَحْوُ: أقَلُّ رَجُلٍ يَقُولُ ذَلِكَ إلّا زَيْدًا، وفي قَلَّ نَحْوُ: قَلَّ رَجُلٌ يَقُولُ ذَلِكَ إلّا زَيْدًا. وقَدْ تُسْتَعْمَلُ في قَلِيلٍ وقَلِيلَةٍ إذا كانا مَرْفُوعَيْنِ، نَحْوُ ما جَوَّزُوا في قَوْلِهِ: ؎قَلِيلٍ بِها الأصْواتُ إلّا بُغامُها أمّا إذا كانَ مَنصُوبًا نَحْوُ: قَلِيلًا ضَرَبْتُ، أوْ قَلِيلًا ما ضَرَبْتُ، عَلى أنْ تَكُونَ ما مَصْدَرِيَّةً، فَإنَّ ذَلِكَ لا يَجُورُ؛ لِأنَّهُ في: قَلِيلًا ضَرَبْتُ (p-٣٢٩)مَنصُوبٌ بِـ (ضَرَبْتُ) ولَمْ تَسْتَعْمِلِ العَرَبُ قَلِيلًا إذا انْتَصَبَ بِالفِعْلِ نَفْيًا، بَلْ مُقابِلًا لِكَثِيرٍ. وأمّا في (قَلِيلًا ما ضَرَبْتُ) عَلى أنْ تَكُونَ ما مَصْدَرِيَّةً، فَتَحْتاجُ إلى رَفْعِ قَلِيلٍ؛ لِأنَّ ما المَصْدَرِيَّةُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ وأبُو عَمْرٍو بِخِلافٍ عَنْهُما. والجَحْدَرِيُّ والحَسَنُ: يُؤْمِنُونَ، يَذَّكَّرُونَ: بِالياءِ فِيهِما. وباقِي السَّبْعَةِ بِتاءِ الخِطابِ. وأُبَيٌّ: بِياءَيْنِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (تَنْزِيلٌ) بِالرَّفْعِ. وأبُو السَّمّالِ: تَنْزِيلًا بِالنَّصْبِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ولَوْ تَقَوَّلَ﴾ والتَّقَوُّلُ أنْ يَقُولَ الإنْسانُ عَنْ آخَرَ إنَّهُ قالَ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ. وقَرَأ ذَكْوانُ وابْنُهُ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ مُضارِعُ قالَ، وهَذِهِ القِراءَةُ مُعْتَرَضَةٌ بِما صَرَّحَتْ بِهِ قِراءَةُ الجُمْهُورِ. وقُرِئَ: ولَوْ تُقُوِّلَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وحُذِفَ الفاعِلُ وقامَ المَفْعُولُ مَقامَهُ، وهو (بَعْضَ) إنْ كانَ قُرِئَ مَرْفُوعًا. وإنْ كانَ قُرِئَ مَنصُوبًا بِعَلَيْنا قامَ مَقامَ الفاعِلِ، والمَعْنى: ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُتَقَوِّلٌ. ولا يَكُونُ الضَّمِيرُ في تَقَوَّلَ عائِدٌ عَلى الرَّسُولِ ﷺ لِاسْتِحالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنهُ، فَنَحْنُ نَمْنَعُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ في حَقِّهِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. والأقاوِيلُ جَمْعُ الجَمْعِ، وهو أقْوالٌ كَبَيْتٍ وأبْياتٍ وأبايِيتٍ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وسَمّى الأقْوالَ المَنقُولَةَ أقاوِيلَ تَصْغِيرًا لَها وتَحْقِيرًا، كَقَوْلِكَ: الأعاجِيبُ والأضاحِيكُ، كَأنَّها جَمْعُ أُفْعُولَةٍ مِنَ القَوْلِ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: (بِاليَمِينِ) المُرادُ بِهِ الجارِحَةُ. فَقالَ الحَسَنُ: المَعْنى قَطَعْناهُ عِبْرَةً ونَكالًا، والباءُ عَلى هَذا زائِدَةٌ. وقِيلَ: الأخْذُ عَلى ظاهِرِهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والمَعْنى ولَوِ ادَّعى مُدَّعٍ عَلَيْنا شَيْئًا لَمْ نَقُلْهُ لَقَتَلْناهُ صَبْرًا، كَما تَفْعَلُ المُلُوكُ بِمَن يَتَكَذَّبُ عَلَيْهِمْ مُعاجَلَةً بِالسَّخَطِ والِانْتِقامِ، فَصَوَّرَ قَتْلَ الصَّبْرِ بِصُورَتِهِ لِيَكُونَ أهْوَلَ، وهو أنْ يُؤْخَذَ بِيَدِهِ وتُضْرَبَ رَقَبَتُهُ، وخُصَّ اليَمِينُ عَلى اليَسارِ؛ لِأنَّ القَتّالَ إذا أرادَ أنْ يُوقِعَ الضَّرْبَ في قَفاهُ أخَذَ بِيُسارُهُ، وإذا أرادَ أنْ يُوقِعَهُ في جِيدِهِ وأنْ يُلْحِفَهُ بِالسَّيْفِ، وهو أشَدُّ عَلى المَصْبُورِ لِنَظَرِهِ إلى السَّيْفِ، أُخِذَ بِيَمِينِهِ. ومَعْنى ﴿لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ﴾: لَأخَذْنا بِيَمِينِهِ، كَما أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾: لَقَطَعْنا وتِينَهُ. انْتَهى، وهو قَوْلٌ لِلْمُتَقَدِّمِينَ حَسَّنَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِتَكْثِيرِ ألْفاظِهِ ومَصاغِها. قالُوا: المَعْنى لَأخَذْنا بِيَدِهِ الَّتِي هي اليَمِينُ عَلى جِهَةِ الإذْلالِ والصَّغارِ، كَما يَقُولُ السُّلْطانُ إذا أرادَ عُقُوبَةَ رَجُلٍ: يا غُلامُ خُذْ بِيَدِهِ وافْعَلْ كَذا، قالَهُ أوْ قَرِيبًا مِنهُ الطَّبَرِيُّ. وقِيلَ: اليَمِينُ هُنا مَجازٌ. فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِاليَمِينِ: بِالقُوَّةِ، مَعْناهُ لَنِلْنا مِنهُ عِقابَهُ بِقُوَّةٍ مِنّا. وقالَ مُجاهِدٌ: بِالقُدْرَةِ. وقالَ السُّدِّيُّ: عاقَبْناهُ بِالحَقِّ ومَن عَلى هَذا صِلَةٌ. وقالَ نِفْطَوَيْهِ: لَقَبَضْنا بِيَمِينِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ. وقِيلَ: لَنَزَعْنا مِنهُ قُوَّتَهُ. وقِيلَ: لَأذْلَلْناهُ وأعْجَزْناهُ. ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وهو نِياطُ القَلْبِ. وقالَ مُجاهِدٌ: حَبْلُ القَلْبِ الَّذِي في الظَّهْرِ وهو النُّخاعُ. والمَوْتُونُ الَّذِي قُطِعَ وتِينُهُ، والمَعْنى: لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا لَأذْهَبْنا حَياتَهُ مُعَجَّلًا، والضَّمِيرُ في عَنْهُ الظّاهِرُ أنَّهُ يَعُودُ عَلى الَّذِي تَقَوَّلَ، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ عَلى القَتْلِ، أيْ: لا يَقْدِرُ أحَدٌ مِنكم أنْ يَحْجِزَهُ عَنْ ذَلِكَ ويَدْفَعَهُ عَنْهُ، والخِطابُ في ”مِنكم“ لِلنّاسِ، والظّاهِرُ في (حاجِزِينَ) أنْ يَكُونَ خَبَرًا لِـ (ما) عَلى لُغَةِ الحِجازِ؛ لِأنَّ حاجِزِينَ هو مَحَطُّ الفائِدَةِ، ويَكُونُ ”مِنكم“ لَوْ تَأخَّرَ لَكانَ صِفَةً لِأحَدٍ، فَلَمّا تَقَدَّمَ صارَ حالًا، وفي جَوازِ هَذا نَظَرٌ. أوْ يَكُونُ لِلْبَيانِ، أوْ تَتَعَلَّقُ بِحاجِزِينَ، كَما تَقُولُ: ما فِيكَ زَيْدٌ راغِبًا، ولا يَمْنَعُ هَذا الفَصْلُ مِنَ انْتِصابِ خَبَرِ ”ما“ . وقالَ الحَوْفِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ: ”حاجِزِينَ“ نَعْتٌ لِأحَدٍ عَلى اللَّفْظِ، وجُمِعَ عَلى المَعْنى؛ لِأنَّهُ في مَعْنى الجَماعَةِ يَقَعُ في النَّفْيِ العامِّ لِلْواحِدِ والجَمْعِ والمُذَكِّرِ والمُؤَنَّثِ، ومِنهُ: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] وقَوْلُهُ: ﴿لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] مَثَّلَ بِهِما الزَّمَخْشَرِيُّ، وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى ذَيْنِكَ في مَوْضِعَيْهِما. وفي الحَدِيثِ: ”لَمْ تَحِلَّ لِأحَدٍ سُودِ الرُّؤُوسِ قَبْلَكم“ . وإذا كانَ ”حاجِزِينَ“ نَعْتًا فَـ ”مِن أحَدٍ“ مُبْتَدَأٌ والخَبَرُ ”مِنكم“، ويَضْعُفُ هَذا القَوْلُ؛ لِأنَّ النَّفْيَ يَتَسَلَّطُ عَلى الخَبَرِ وهو كَيْنُونَتُهُ ”مِنكم“، فَلا يَتَسَلَّطُ عَلى الحَجْزِ. وإذا كانَ (حاجِزِينَ) (p-٣٣٠)خَبَرًا. تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَيْهِ وصارَ المَعْنى: ما أحَدٌ مِنكم يَحْجِزُهُ عَنْ ما يُرِيدُ بِهِ مِن ذَلِكَ. ﴿وإنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ﴾ أيْ: وإنَّ القُرْآنَ أوِ الرَّسُولَ، ﷺ . ﴿وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ مِنكم مُكَذِّبِينَ﴾: وعِيدٌ، أيْ: مُكَذِّبِينَ بِالقُرْآنِ أوْ بِالرَّسُولِ، ﷺ . ﴿وإنَّهُ لَحَسْرَةٌ﴾ أيِ: القُرْآنُ مِن حَيْثُ كَفَرُوا بِهِ، ويَرَوْنَ مَن آمَنَ بِهِ يُنَعَّمُ وهم مُعَذَّبُونَ. وقالَ مُقاتِلٌ: وإنَّ تَكْذِيبَهم بِالقُرْآنِ لَحَسْرَةٌ عَلَيْهِمْ، عادَ الضَّمِيرُ عَلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِن قَوْلِهِ: (مُكَذِّبِينَ) كَقَوْلِهِ: ؎إذا نَهى السَّفِيهُ جَرى إلَيْهِ أيْ: لِلسَّفَهِ. (وإنَّهُ) أيْ: وإنَّ القُرْآنَ ﴿لَحَقُّ اليَقِينِ﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ وسَبَقَ الكَلامُ عَلى إضافَةِ (حَقٍّ) إلى اليَقِينِ في آخِرِ الواقِعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب