الباحث القرآني
﴿وانْشَقَّتِ السَّماءُ﴾ أيِ: انْفَطَرَتْ وتَمَيَّزَ بَعْضُها مِن بَعْضٍ فَهي يَوْمَ إذٍ انْشَقَّتْ ﴿واهِيَةٌ﴾: ضَعِيفَةٌ لِتَشَقُّقِها بَعْدَ أنْ كانَتْ شَدِيدَةً ﴿أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقًا أمِ السَّماءُ﴾ [النازعات: ٢٧] أوْ مُنْخَرِقَةً، كَما يُقالُ: وهي السِّقاءُ انْخَرَقَ. وقِيلَ انْشِقاقُها لِنُزُولِ المَلائِكَةِ، قالَ تَعالى: ﴿ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالغَمامِ ونُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٥] . وقِيلَ: انْشِقاقُها لِهَوْلِ يَوْمِ القِيامَةِ.
﴿والمَلَكُ عَلى أرْجائِها﴾ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عَلى حافّاتِها حِينَ تَنْشَقُّ، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في حافّاتِها عائِدٌ عَلى السَّماءِ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ والضَّحّاكُ: عَلى حافّاتِ الأرْضِ، يَنْزِلُونَ إلَيْها يَحْفَظُونَ أطْرافَها، وإنْ لَمْ يَجْرِ لَها ذِكْرٌ قَرِيبٌ. كَما رُوِيَ أنَّ اللَّهَ تَعالى يَأْمُرُ مَلائِكَةَ سَماءِ الدُّنْيا، فَيَقِفُونَ صَفًّا عَلى حافّاتِ الأرْضِ، ثُمَّ مَلائِكَةَ الثّانِيَةِ فَيَصُفُّونَ حَوْلَهم، ثُمَّ مَلائِكَةَ كُلِّ سَماءٍ، فَكُلَّما نَدَّ أحَدٌ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ وجَدَ الأرْضَ أُحِيطَ بِها. (والمَلَكُ): اسْمُ جِنْسٍ يُرادُ بِهِ المَلائِكَةُ. وقالالزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ) ما الفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِكَ: (والمَلَكُ) وبَيْنَ أنْ يُقالَ والمَلائِكَةُ ؟ (قُلْتُ): المَلَكُ أعَمُّ مِنَ المَلائِكَةِ. ألا تَرى أنَّ قَوْلَكَ ما مِن مَلَكٍ إلّا وهو شاهِدٌ، أعَمُّ مِن قَوْلِكَ ما مِن مَلائِكَةٍ ؟ انْتَهى. ولا يَظْهَرُ أنَّ المَلَكَ أعَمُّ مِنَ المَلائِكَةِ؛ لِأنَّ المُفْرَدَ المُحَلّى بِالألِفِ واللّامِ الجِنْسِيَّةِ قُصاراهُ أنْ يُرادَ بِهِ الجَمْعُ المُحَلّى بِهِما، ولِذَلِكَ صَحَّ الِاسْتِثْناءُ مِنهُ، فَقُصاراهُ أنْ يَكُونَ كالجَمْعِ المُحَلّى بِهِما. وأمّا دَعْواهُ أنَّهُ أعَمُّ مِنهُ بِقَوْلِهِ ألا تَرى إلَخْ، فَلَيْسَ دَلِيلًا عَلى دَعْواهُ؛ لِأنَّ مِن مَلَكٍ نَكِرَةٌ مُفْرَدَةٌ في سِياقِ النَّفْيِ قَدْ دَخَلَتْ عَلَيْها (مِن) المُخْلَصَةُ لِلِاسْتِغْراقِ، فَشَمَلَتْ كُلَّ مَلَكٍ، فانْدَرَجَ تَحْتَها الجَمْعُ لِوُجُودِ الفَرْدِ فِيهِ؛ فانْتَفى كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ، بِخِلافِ (مِن مَلائِكَةٍ) فَإنَّ (مِن) دَخَلَتْ عَلى جَمْعٍ مُنَكَّرٍ، فَعَمَّ كُلَّ جَمْعٍ جُمِعَ مِنَ المَلائِكَةِ، ولا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ انْتِفاءُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنَ المَلائِكَةِ. لَوْ قُلْتَ: ما في الدّارِ مِن رِجالٍ، جازَ أنْ يَكُونَ فِيها واحِدٌ؛ لِأنَّ النَّفْيَ إنَّما انْسَحَبَ عَلى جَمْعٍ، ولا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفاءِ الجَمْعِ أنْ يَنْتَفِيَ المُفْرَدُ. ”والمَلَكُ“ في الآيَةِ لَيْسَ في سِياقِ نَفْيٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (مِن) فَيَكُونُ (p-٣٢٤)أعَمَّ مِن جَمْعٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (مِن) وإنَّما جِيءَ بِهِ مُفْرَدًا لِأنَّهُ أخَفُّ؛ ولِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿عَلى أرْجائِها﴾ يَدُلُّ عَلى الجَمْعِ؛ لِأنَّ الواحِدَ بِما هو واحِدٌ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ عَلى أرْجائِها في وقْتٍ واحِدٍ، بَلْ في أوْقاتٍ. والمُرادُ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ، أنَّ المَلائِكَةَ عَلى أرْجائِها، لا أنَّهُ مَلَكٌ واحِدٌ يَنْتَقِلُ عَلى أرْجائِها في أوْقاتٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي أنَّها تَنْشَقُّ، وهي مَسْكَنُ المَلائِكَةِ، فَيَنْضَوُونَ إلى أطْرافِها وما حَوْلَها مِن حافّاتِها. انْتَهى. والضَّمِيرُ في ”فَوْقِهِمْ“ عائِدٌ عَلى ”المَلَكِ“ ضَمِيرُ جَمْعٍ عَلى المَعْنى؛ لِأنَّهُ يُرادُ بِهِ الجِنْسُ، قالَ مَعْناهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى المَلائِكَةِ الحامِلِينَ، أيْ: فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ. وقِيلَ: عَلى العالَمِ كُلِّهِمْ. والظّاهِرُ أنَّ التَّمْيِيزَ المَحْذُوفَ في قَوْلِهِ: (ثَمانِيَةٌ) أمْلاكٌ، أيْ: ثَمانِيَةُ أشْخاصٍ مِنَ المَلائِكَةِ. وعَنِ الضَّحّاكِ: ثَمانِيَةُ صُفُوفٍ. وعَنِ الحَسَنِ، اللَّهُ أعْلَمُ كَمْ هم، أثَمانِيَةُ صُفُوفٍ أمْ ثَمانِيَةُ أشْخاصٍ ؟ وذَكَرُوا في صِفاتِ هَؤُلاءِ الثَّمانِيَةِ أشْكالًا مُتَكاذِبَةً ضَرَبْنا عَنْ ذِكْرِها صَفْحًا.
(يَوْمئِذٍ) أيْ: يَوْمَ إذْ كانَ ما ذُكِرَ ﴿تُعْرَضُونَ﴾ أيْ: لِلْحِسابِ، و”تُعْرَضُونَ“ هو جَوابُ قَوْلِهِ: ﴿فَإذا نُفِخَ﴾ [الحاقة: ١٣] . فَإنْ كانَتِ النَّفْخَةُ هي الأُولى، فَجازَ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ اتَّسَعَ في اليَوْمِ فَجُعِلَ ظَرْفًا لِلنَّفْخِ، ووُقُوعُ الواقِعَةِ وجَمِيعُ الكائِناتِ بَعْدَها، وإنْ كانَتِ النَّفْخَةُ هي الثّانِيَةُ، فَلا يَحْتاجُ إلى اتِّساعٍ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (فَيَوْمئِذٍ) مَعْطُوفٌ عَلى ”فَإذا“، و﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ بَدَلٌ مِن (فَيَوْمئِذٍ) وما بَعْدَ هَذِهِ الظُّرُوفِ واقِعٌ في يَوْمِ القِيامَةِ. والخِطابُ في ﴿تُعْرَضُونَ﴾ لِجَمِيعِ العالَمِ المُحاسَبِينَ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَأى مُوسى في القِيامَةِ عَرْضَتانِ فِيهِما مَعاذِيرُ وتَوْقِيفٌ وخُصُوماتٌ، وثالِثَةٌ تَتَطايَرُ فِيها الصُّحُفُ لِلْأيْمانِ والشَّمائِلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لا تَخْفى﴾ بِتاءِ التَّأْنِيثِ. وعَلِيٌّ وابْنُ وثّابٍ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ مِقْسَمٍ، عَنْ عاصِمٍ وابْنِ سَعْدانَ: بِالياءِ ﴿خافِيَةٌ﴾: سَرِيرَةٌ وحالٌ كانَتْ تَخْفى في الدُّنْيا.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاۤءُ فَهِیَ یَوۡمَىِٕذࣲ وَاهِیَةࣱ","وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰۤ أَرۡجَاۤىِٕهَاۚ وَیَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ ثَمَـٰنِیَةࣱ","یَوۡمَىِٕذࣲ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِیَةࣱ"],"ayah":"یَوۡمَىِٕذࣲ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِیَةࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











