الباحث القرآني

(سُورَةُ الحاقَّةِ مَكِّيَّةٌ وهي اثْنَتانِ وخَمْسُونَ آيَةً) (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ﴿الحاقَّةُ﴾ ﴿ما الحاقَّةُ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما الحاقَّةُ﴾ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بِالقارِعَةِ﴾ ﴿فَأمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ﴾ ﴿وأمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ﴾ ﴿سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُومًا فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعى كَأنَّهم أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] ﴿فَهَلْ تَرى لَهم مِن باقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٨] ﴿وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن قَبْلَهُ والمُؤْتَفِكاتُ بِالخاطِئَةِ﴾ [الحاقة: ٩] ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأخَذَهم أخْذَةً رابِيَةً﴾ [الحاقة: ١٠] ﴿إنّا لَمّا طَغى الماءُ حَمَلْناكم في الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١] ﴿لِنَجْعَلَها لَكم تَذْكِرَةً وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٢] ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ﴾ [الحاقة: ١٣] ﴿وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤] ﴿فَيَوْمَئِذٍ وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الحاقة: ١٥] ﴿وانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهي يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٦] ﴿والمَلَكُ عَلى أرْجائِها ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهم يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٧] ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنكم خافِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٨] ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ﴾ [الحاقة: ١٩] ﴿إنِّي ظَنَنْتُ أنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٠] ﴿فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] ﴿فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢٢] ﴿قُطُوفُها دانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما أسْلَفْتُمْ في الأيّامِ الخالِيَةِ﴾ [الحاقة: ٢٤] ﴿وأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٥] ﴿ولَمْ أدْرِ ما حِسابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٦] ﴿يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ﴾ [الحاقة: ٢٧] ﴿ما أغْنى عَنِّي مالِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٨] ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٩] ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ [الحاقة: ٣٠] ﴿ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ [الحاقة: ٣١] ﴿ثُمَّ في سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعًا فاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة: ٣٢] ﴿إنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ﴾ [الحاقة: ٣٣] ﴿ولا يَحُضُّ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ﴾ [الحاقة: ٣٤] ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ ها هُنا حَمِيمٌ﴾ [الحاقة: ٣٥] ﴿ولا طَعامٌ إلّا مِن غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦] ﴿لا يَأْكُلُهُ إلّا الخاطِئُونَ﴾ [الحاقة: ٣٧] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ﴾ [الحاقة: ٣٨] ﴿وما لا تُبْصِرُونَ﴾ [الحاقة: ٣٩] ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة: ٤٠] ﴿وما هو بِقَوْلٍ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة: ٤١] ﴿ولا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ [الحاقة: ٤٢] ﴿تَنْزِيلٌ مِن رَبِ العالَمِينَ﴾ [الحاقة: ٤٣] ﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ [الحاقة: ٤٤] ﴿لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ﴾ [الحاقة: ٤٥] ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٦] ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] ﴿وإنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الحاقة: ٤٨] ﴿وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ مِنكم مُكَذِّبِينَ﴾ [الحاقة: ٤٩] ﴿وإنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلى الكافِرِينَ﴾ [الحاقة: ٥٠] ﴿وإنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ﴾ [الحاقة: ٥١] ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ [الحاقة: ٥٢] . الحُسُومُ، قالَ الفَرّاءُ: مِن حَسَمَ الدّاءَ، أيْ: تابَعَ (p-٣١٩)بِالمِكْواةِ عَلَيْهِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎فَفَرَّقَ بَيْنَ جَمْعِهِمْ زَمانٌ تَتابَعَ فِيهِ أعْوامٌ حُسُومُ وقالَ المُبَرِّدُ: حَسَمْتُ الشَّيْءَ: فَصَلْتُهُ عَنْ غَيْرِهِ، ومِنهُ الحُسامُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فَأرْسَلَتْ رِيحًا دَبُورًا عَقِيمًا ∗∗∗ فَدارَتْ عَلَيْهِمْ فَكانَتْ حُسُومًا وقالَ اللَّيْثُ: الحُسُومُ، الشُّؤْمُ. يُقالُ: هَذِهِ لَيالِي الحُسُومِ أيْ: تَحْسِمُ الخَيْرَ عَنْ أهْلِها، وقالَهُ في الصِّحاحِ. صَرْعى: هَلْكى، الواحِدُ صَرِيعٌ، وهي الشَّيْءُ ضَعُفَ وتَداعى لِلسُّقُوطِ. قالَ ابْنُ شَجَرَةَ: مِن قَوْلِهِمْ وهي السِّقاءُ إذا انْحَرَقَ، ومِن أمْثالِهِمْ قَوْلُ الرّاجِزِ: ؎خَلِّ سَبِيلَ مَن وهي سِقاؤُهُ ∗∗∗ ومَن هُرِيقَ بِالفَلاةِ ماؤُهُ الأرْجاءُ: الجَوانِبُ، واحِدُها رَجًا، أيْ: جانِبٌ مِن حائِطٍ أوْ بِئْرٍ ونَحْوِهِ، وهو مِن ذَواتِ الواوِ، ولِذَلِكَ بَرَزَتْ في التَّثْنِيَةِ. قالَ الشّاعِرُ: ؎كَأنْ لَمْ تَرا قَبْلِي أسِيرًا مُقَيَّدًا ∗∗∗ ولا رَجُلًا يَرْمِي بِهِ الرَّجَوانِ (وقالَ الآخَرُ): ؎فَلا يَرْمِي بِهِ الرَّجَوانِ إنِّي ∗∗∗ أقَلُّ اليَوْمَ مَن يُغْنِي مَكانِي هاءَ بِمَعْنى خُذْ، فِيها لُغاتٌ ذَكَرْناها في شَرْحِ التَّسْهِيلِ. وقالَ الكِسائِيُّ وابْنُ السِّكِّيتِ: العَرَبُ تَقُولُ: هاءَ يا رَجُلُ، ولِلِاثْنَيْنِ رَجُلَيْنِ أوِ امْرَأتَيْنِ: هاؤُما، ولِلرَّجُلِ هاؤُمُ، ولِلْمَرْأةِ هاءِ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ مِن غَيْرِ ياءٍ، ولِلنِّساءِ هاؤُنَّ. قِيلَ: ومَعْنى هاؤُمُ، خُذُوا، ومِنهُ الخَبَرُ في الرِّبا إلّا هاءً وهاءً أيْ: يَقُولُ كُلُّ واحِدٍ لِصاحِبِهِ خُذْ. وقِيلَ: تَعالَوْا، وزَعَمَ القُتَبِيُّ أنَّ الهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنَ الكافِ، وهَذا ضَعِيفٌ إلّا إنْ كانَ عَنى أنَّها تَحُلُّ مَحَلَّها في لُغَةِ مَن قالَ: هاكَ وهاكَ وهاكُما وهاكم وهاكُنَّ، فَيُمْكِنُ أنَّهُ بَدَلٌ صِناعِيٌّ؛ لِأنَّ الكافَ لا تُبْدَلُ مِنَ الهَمْزَةِ ولا الهَمْزَةُ مِنها. وقِيلَ: هاؤُمُ كَلِمَةٌ وُضِعَتْ لِإجابَةِ الدّاعِي عِنْدَ الفَرَحِ والنَّشاطِ. وفي الحَدِيثِ، «أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ناداهُ أعْرابِيٌّ بِصَوْتٍ عالٍ، فَجاوَبَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”هاؤُمُ“»، بِصَوْلَةِ صَوْتِهِ. وزَعَمَ قَوْمٌ أنَّها مُرَكَّبَةٌ في الأصْلِ، والأصْلُ هاءَ أمُّوا، ثُمَّ نَقَلَهُ التَّخْفِيفُ والِاسْتِعْمالُ. وزَعَمَ قَوْمٌ أنَّ هَذِهِ المِيمَ ضَمِيرُ جَماعَةِ الذُّكُورِ. القُطُوفُ جُمِعَ قِطْفٍ: وهو ما يُجْتَنى مِنَ الثَّمَرِ ويُقْطَفُ. السِّلْسِلَةُ مَعْرُوفَةٌ، وهي حِلَقٌ يَدْخُلُ في حِلَقٍ عَلى سَبِيلِ الطُّولِ. الذِّراعُ مُؤَنَّثٌ، وهو مَعْرُوفٌ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎أرْمِي عَلَيْها وهي فَرْعٌ أجْمَعُ ∗∗∗ وهي ثَلاثُ أذْرُعٍ وأُصْبُعُ حَضَّ عَلى الشَّيْءِ: حَمَلَ عَلى فِعْلِهِ بِتَوْكِيدٍ. الغِسْلِينُ، قالَ اللُّغَوِيُّونَ: ما يَجْرِي مِنَ الجِراحِ إذا غُسِلَتْ. الوَتِينُ: عِرْقٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ القَلْبُ، إذا انْقَطَعَ ماتَ صاحِبُهُ. وقالَ الكَلْبِيُّ: عِرْقٌ بَيْنَ العِلْباءِ والحُلْقُومِ، والعِلْباءُ: عَصَبُ العُنُقِ، وهُما عِلْباوانِ بَيْنَهُما العِرْقُ. وقِيلَ: عِرْقٌ غَلِيظٌ تُصادِفُهُ شَفْرَةُ النّاحِرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشَّمّاخِ: ؎إذا بَلَّغْتِنِي وحَمَلْتِ رَحْلِي ∗∗∗ عَرابَةَ فاشْرَقِي بِدَمِ الوَتِينِ (p-٣٢٠)﴿الحاقَّةُ﴾ ﴿ما الحاقَّةُ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما الحاقَّةُ﴾ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بِالقارِعَةِ﴾ ﴿فَأمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ﴾ ﴿وأمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ﴾ ﴿سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُومًا فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعى كَأنَّهم أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] ﴿فَهَلْ تَرى لَهم مِن باقِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٨] ﴿وجاءَ فِرْعَوْنُ ومَن قَبْلَهُ والمُؤْتَفِكاتُ بِالخاطِئَةِ﴾ [الحاقة: ٩] ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأخَذَهم أخْذَةً رابِيَةً﴾ [الحاقة: ١٠] ﴿إنّا لَمّا طَغى الماءُ حَمَلْناكم في الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١] ﴿لِنَجْعَلَها لَكم تَذْكِرَةً وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٢] ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ﴾ [الحاقة: ١٣] ﴿وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤] ﴿فَيَوْمَئِذٍ وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الحاقة: ١٥] ﴿وانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهي يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٦] ﴿والمَلَكُ عَلى أرْجائِها ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهم يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٧] ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنكم خافِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٨] . هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها: أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِ السُّعَداءِ والأشْقِياءِ، وقالَ: ﴿ذَرْنِي ومَن يُكَذِّبُ بِهَذا الحَدِيثِ﴾ [القلم: ٤٤] ذَكَرَ حَدِيثَ القِيامَةِ وما أعَدَّ اللَّهُ تَعالى لِأهْلِ السَّعادَةِ وأهْلِ الشَّقاوَةِ، وأدْرَجَ بَيْنَهُما شَيْئًا مِن أحْوالِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، كَعادٍ وثَمُودَ وفِرْعَوْنَ، لِيَزْدَجِرَ بِذِكْرِهِمْ وما جَرى عَلَيْهِمُ الكُفّارُ الَّذِينَ عاصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وكانَتِ العَرَبُ عالِمَةً بِهَلاكِ عادٍ وثَمُودَ ٧٣ وفِرْعَوْنَ، فَقَصَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. ﴿الحاقَّةُ﴾: المُرادُ بِها القِيامَةُ والبَعْثُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ؛ لِأنَّها حَقَّتْ لِكُلِّ عامِلٍ عَمَلَهُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ: لِأنَّها تُبْدِي حَقائِقَ الأشْياءِ. وقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ الأمْرَ يَحِقُّ فِيها، فَهي مِن بابِ لَيْلٍ نائِمٍ. والحاقَّةُ اسْمُ فاعِلٍ مِن حَقَّ الشَّيْءُ: إذا ثَبَتَ ولَمْ يُشَكَّ في صِحَّتِهِ. وقالَ الأزْهَرِيُّ: حاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ أحُقُّهُ أيْ: غالَبْتُهُ فَغَلَبْتُهُ. فالقِيامَةُ حاقَّةٌ؛ لِأنَّها تُحَقِّقُ كُلَّ مُحاقٍّ في دِينِ اللَّهِ بِالباطِلِ، أيْ كُلَّ مُخاصِمٍ فَتَغْلِبُهُ. وقِيلَ: الحاقَّةُ مَصْدَرٌ كالعاقِبَةِ والعافِيَةِ، والحاقَّةُ مُبْتَدَأٌ، (وما) مُبْتَدَأٌ ثانٍ، والحاقَّةُ خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الحاقَّةِ، والرّابِطُ تَكْرارُ المُبْتَدَأِ بِلَفْظِهِ نَحْوَ: زَيْدٌ ما زَيْدٌ، (وما) اسْتِفْهامٌ لا يُرادُ حَقِيقَتُهُ بَلِ التَّعْظِيمُ، وأكْثَرُ ما يَرْبُطُ بِتَكْرارِ المُبْتَدَأِ إذا أُرِيدَ، يَعْنِي التَّعْظِيمَ والتَّهْوِيلَ. ﴿وما أدْراكَ ما الحاقَّةُ﴾: مُبالَغَةٌ في التَّهْوِيلِ، والمَعْنى أنَّ فِيها ما لَمْ يُدْرَ ولَمْ يُحِطْ بِهِ وصْفٌ مِن أُمُورِها الشّاقَّةِ وتَفْصِيلِ أوْصافِها. (وما) اسْتِفْهامٌ أيْضًا مُبْتَدَأٌ (وأدْراكَ) الخَبَرُ، والعائِدُ عَلى (ما) ضَمِيرُ الرَّفْعِ في (أدْراكَ) (وما) مُبْتَدَأٌ، والحاقَّةُ خَبَرٌ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأدْراكَ، و”أدْراكَ“ مُعَلَّقَةٌ. وأصْلُ دَرى أنْ يُعَدّى بِالباءِ، وقَدْ تُحْذَفُ عَلى قِلَّةٍ، فَإذا دَخَلَتْ هَمْزَةُ النَّقْلِ تَعَدّى إلى واحِدٍ بِنَفْسِهِ، وإلى الآخَرِ بِحَرْفِ الجَرِّ، فَقَوْلُهُ: (p-٣٢١)﴿ما الحاقَّةُ﴾ بَعْدَ أدْراكَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بَعْدَ إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ. و”القارِعَةُ“ مِن أسْماءِ القِيامَةِ؛ لِأنَّها تَقْرَعُ القُلُوبَ بِصَدْمَتِها. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَقْرَعُ النّاسَ بِالأقْراعِ والأهْوالِ، والسَّماءَ بِالِانْشِقاقِ والِانْفِطارِ، والأرْضَ والجِبالَ بِالدَّكِّ والنَّسْفِ، والنُّجُومَ بِالطَّمْسِ والِانْكِدارِ. فَوَضَعَ الضَّمِيرَ لِيَدُلَّ عَلى مَعْنى القَرْعِ في الحاقَّةِ زِيادَةً في وصْفِ شِدَّتِها. ولَمّا ذَكَرَها وفَخَّمَها، أتْبَعَ ذَلِكَ ذِكْرَ مَن كَذَّبَ بِها وما حَلَّ بِهِمْ بِسَبَبِ التَّكْذِيبِ؛ تَذْكِيرًا لِأهْلِ مَكَّةَ وتَخْوِيفًا لَهم مِن عاقِبَةِ تَكْذِيبِهِمْ. انْتَهى. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (فَأُهْلِكُوا) رُباعِيًّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (فَهَلَكُوا) مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. قالَ قَتادَةُ: ”بِالطّاغِيَةِ“ بِالصَّيْحَةِ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ كُلِّ صَيْحَةٍ. وقالَ مُجاهِدٌ وابْنُ زَيْدٍ: بِسَبَبِ الفِعْلَةِ الطّاغِيَةِ الَّتِي فَعَلُوها. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ زَيْدٍ أيْضًا، وأبُو عُبَيْدَةَ ما مَعْناهُ: الطّاغِيَةُ مَصْدَرٌ كالعاقِبَةِ، فَكَأنَّهُ قالَ: بِطُغْيانِهِمْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١] . وقِيلَ: الطّاغِيَةُ عاقِرُ النّاقَةِ، والهاءُ فِيهِ لِلْمُبالَغَةِ، كَرَجُلٍ راوِيَةٍ، وأُهْلِكُوا كُلُّهم لِرِضاهم بِفِعْلِهِ. وقِيلَ: بِسَبَبِ الفِئَةِ الطّاغِيَةِ. واخْتارَ الطَّبَرِيُّ وغَيْرُهُ أنَّ الطّاغِيَةَ هي الصَّيْحَةُ، وتَرْجِيحُ ذَلِكَ مُقابَلَةُ سَبَبِ الهَلاكِ في ثَمُودَ بِسَبَبِ الهَلاكِ في عادٍ، وهو قَوْلُهُ: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ وتَقَدَّمَ القَوْلُ في ﴿صَرْصَرٍ﴾ في سُورَةِ القَمَرِ ﴿عاتِيَةٍ﴾: عَتَتْ عَلى خُزّانِها فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ مِقْدارٍ، أوْ عَلى عادٍ فَما قَدَرُوا عَلى أنْ يَتَسَتَّرُوا مِنها، أوْ وُصِفَتْ بِذَلِكَ اسْتِعارَةً لِشِدَّةِ عَصْفِها، والتَّسْخِيرُ هو اسْتِعْمالُ الشَّيْءِ بِاقْتِدارٍ عَلَيْهِ. فَمَعْنى ﴿سَخَّرَها عَلَيْهِمْ﴾ [الحاقة: ٧] أيْ: أقامَها وأدامَها ﴿سَبْعَ لَيالٍ﴾ [الحاقة: ٧]: بَدَتْ عَلَيْهِمْ صُبْحَ الأرْبِعاءِ لِثَمانٍ بَقِينَ مِن شَوّالٍ إلى آخِرِ الأرْبِعاءِ تَمامَ الشَّهْرِ ﴿حُسُومًا﴾ [الحاقة: ٧] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ، ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ وأبُو عُبَيْدَةَ: تِباعًا لَمْ يَتَخَلَّلْها انْقِطاعٌ. وقالَ الخَلِيلُ: شُؤْمًا ونَحْسًا. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿حُسُومًا﴾ [الحاقة: ٧] جَمْعُ حاسِمٍ، أيْ: تِلْكَ الأيّامُ قَطَّعَتْهم بِالإهْلاكِ، ومِنهُ حَسْمُ العِلَلِ والحُسامُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإنْ كانَ مَصْدَرًا، فَإمّا أنْ يَنْتَصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أيْ: تَحْسِمُ حُسُومًا بِمَعْنى تَسْتَأْصِلُ اسْتِئْصالًا، أوْ تَكُونُ صِفَةً، كَقَوْلِكَ: ذاتُ حُسُومٍ، أوْ تَكُونُ مَفْعُولًا لَهُ، أيْ: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ لِلِاسْتِئْصالِ. وقَرَأ السُّدِّيُّ: حُسُومًا بِالفَتْحِ، حالًا مِنَ الرِّيحِ، أيْ: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ مُسْتَأْصِلَةً. وقِيلَ: هي أيّامُ العَجْزِ، وهي آخِرُ الشِّتاءِ. وأسْماؤُها: الصِّنُّ والصِّنَّبْرُ والوَبْرُ والآمِرُ والمُؤْتَمِرُ والمُعَلِّلُ ومُطْفِئُ الجَمْرِ. وقِيلَ: مُكَفِّي الطَّعْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب