الباحث القرآني
وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أأمِنتُمْ مَن في السَّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإذا هي تَمُورُ﴾ ﴿أمْ أمِنتُمْ مَن في السَّماءِ أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكم حاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ ﴿ولَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرٌ﴾ ﴿أوْ لَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ فَوْقَهم صافّاتٍ ويَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا الرَّحْمَنُ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ ﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي هو جُنْدٌ لَكم يَنْصُرُكم مِن دُونِ الرَّحْمَنِ إنِ الكافِرُونَ إلّا في غُرُورٍ﴾ ﴿أمَّنْ هَذا الَّذِي يَرْزُقُكم إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا في عُتُوٍّ ونُفُورٍ﴾ ﴿أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ أهْدى أمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿قُلْ هو الَّذِي أنْشَأكم وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصارَ والأفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ ﴿قُلْ هو الَّذِي ذَرَأكم في الأرْضِ وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ﴿قُلْ إنَّما العِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿فَلَمّا رَأوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقِيلَ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أهْلَكَنِي اللَّهُ ومَن مَعِيَ أوْ رَحِمَنا فَمَن يُجِيرُ الكافِرِينَ مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ ﴿قُلْ هو الرَّحْمَنُ آمَنّا بِهِ وعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَن هو في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُكم غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكم بِماءٍ مَعِينٍ﴾ .
(p-٣٠٢)قَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو والبَزِّيُّ: (أأمِنتُمْ) بِتَحْقِيقِ الأُولى وتَسْهِيلِ الثّانِيَةِ، وأدْخَلَ أبُو عَمْرٍو وقالُونُ بَيْنَهُما ألِفًا، وقُنْبُلٌ: بِإبْدالِ الأُولى واوًا لِضَمَّةِ ما قَبْلَها، وعَنْهُ وعَنْ ورْشٍ أوْجُهٌ غَيْرُ هَذِهِ. والكُوفِيُّونَ وابْنُ عامِرٍ بِتَحْقِيقِهِما. مَن في السَّماءِ هَذا مَجازٌ، وقَدْ قامَ البُرْهانُ العَقْلِيُّ عَلى أنَّهُ - تَعالى - لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ في جِهَةٍ، ومَجازُهُ أنَّ مَلَكُوتَهُ في السَّماءِ لِأنَّ ”في السَّماءِ“ هو صِلَةُ مَن، فَفِيهِ الضَّمِيرُ الَّذِي كانَ في العامِلِ فِيهِ، وهو اسْتَقَرَّ، أيْ مَن في السَّماءِ هو، أيْ مَلَكُوتُهُ، فَهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، ومَلَكُوتُهُ في كُلِّ شَيْءٍ. لَكِنْ خَصَّ السَّماءَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّها مَسْكَنُ مَلائِكَتِهِ وثَمَّ عَرْشُهُ وكُرْسِيُّهُ واللَّوْحُ المَحْفُوظُ، ومِنها تَنْزِلُ قَضاياهُ وكُتُبُهُ وأمْرُهُ ونَهْيُهُ، أوْ جاءَ هَذا عَلى طَرِيقِ اعْتِقادِهِمْ، إذْ كانُوا مُشَبِّهَةً، فَيَكُونُ المَعْنى: أأمِنتُمْ مَن تَزْعُمُونَ أنَّهُ في السَّماءِ ؟ وهو المُتَعالِي عَنِ المَكانِ. وقِيلَ: ”مَن“ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ خالِقُ مَن في السَّماءِ. وقِيلَ: ”مَن“ هُمُ المَلائِكَةُ. وقِيلَ: جِبْرِيلُ، وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بِالخَسْفِ وغَيْرُهُ. وقِيلَ: ”مَن“ بِمَعْنى عَلى، ويُرادُ بِالعُلُوِّ القَهْرُ والقُدْرَةُ لا بِالمَكانِ، وفي التَّحْرِيرِ: الإجْماعُ مُنْعَقِدٌ عَلى أنَّهُ لَيْسَ في السَّماءِ بِمَعْنى الِاسْتِقْرارِ؛ لِأنَّ مَن قالَ مِنَ المُشَبِّهَةِ والمُجَسِّمَةِ أنَّهُ عَلى العَرْشِ لا يَقُولُ بِأنَّهُ في السَّماءِ. أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ وهو ذَهابُها سَفَلًا فَإذا هي تَمُورُ أيْ: تَذْهَبُ أوْ تَتَمَوَّجُ، كَما يَذْهَبُ التُّرابُ في الرِّيحِ. وقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الحاصِبِ في سُورَةِ الإسْراءِ، والنَّذِيرُ والنَّكِيرُ مَصْدَرانِ بِمَعْنى الإنْذارِ والإنْكارِ، وقالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ:
؎فَأنْذَرَ مِثْلَها نُصْحًا قُرَيْشًا مِنَ الرَّحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نَذِيرًا
وأثْبَتَ ورْشٌ ياءَ نَذِيرِي ونَكِيرِي، وحَذَفَها باقِي السَّبْعَةِ. ولَمّا حَذَّرَهم ما يُمْكِنُ إحْلالُهُ بِهِمْ مِنَ الخَسْفِ وإرْسالِ الحاصِبِ، نَبَّهَهم عَلى الِاعْتِبارِ بِالطَّيْرِ وما أحْكَمَ مِن خَلْقِها، وعَنْ عَجْزِ آلِهَتِهِمْ عَنْ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، وناسَبَ ذَلِكَ الِاعْتِبارَ بِالطَّيْرِ، إذْ قَدْ تَقَدَّمَهُ ذِكْرُ الحاصِبِ، وقَدْ أهْلَكَ اللَّهُ أصْحابَ الفِيلِ بِالطَّيْرِ والحاصِبِ الَّذِي رَمَتْهم بِهِ، فَفِيهِ إذْكارُقُرَيْشٍ بِهَذِهِ القِصَّةِ، وأنَّهُ - تَعالى - لَوْ شاءَ لَأهْلَكَهم بِحاصِبٍ تَرْمِي بِهِ الطَّيْرُ، كَما فَعَلَ بِأصْحابِ الفِيلِ. (صافّاتٍ) باسِطَةً أجْنِحَتَها صافَّتَها حَتّى كَأنَّها ساكِنَةٌ (ويَقْبِضْنَ) ويَضْمُمْنَ الأجْنِحَةَ إلى جَوانِبِهِنَّ، وهاتانِ حالَتانِ لِلطّائِرِ يَسْتَرِيحُ مِن إحْداهُما إلى الأُخْرى. وعَطَفَ الفِعْلَ عَلى الِاسْمِ لَمّا كانَ في مَعْناهُ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ - تَعالى -: فالمُغِيراتِ صُبْحًا فَأثَرْنَ عَطَفَ الفِعْلَ عَلى الِاسْمِ لَمّا كانَ المَعْنى: فاللّاتِي أغَرْنَ صُبْحًا فَأثَرْنَ، ومِثْلُ هَذا العَطْفِ فَصِيحٌ، وعَكْسُهُ أيْضًا جائِزٌ إلّا عِنْدَ السُّهَيْلِيِّ فَإنَّهُ قَبِيحٌ، نَحْوُ قَوْلِهِ:
؎باتَ يُغْشِيها بِعَضْبٍ باتِرٍ ∗∗∗ يَقْصِدُ في أسْوُقِها وجائِرُ
أيْ: قاصِدٌ في أسْوُقِها وجائِرٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (صافّاتٍ) باسِطاتٍ أجْنِحَتَهُنَّ في الجَوِّ عِنْدَ طَيَرانِها؛ لِأنَّهُنَّ إذا بَسَطْنَها صَفَفْنَ قَوادِمَها صَفًّا (ويَقْبِضْنَ) ويَضْمُمْنَها إذا ضَرَبْنَ بِها جُنُوبَهُنَّ. (فَإنْ قُلْتَ) لِمَ قِيلَ: (ويَقْبِضْنَ) ولَمْ يَقُلْ وقابِضاتٍ ؟ (قُلْتُ): أصْلُ الطَّيَرانِ هو صَفُّ الأجْنِحَةِ؛ لِأنَّ الطَّيَرانَ في الهَواءِ كالسِّباحَةِ في الماءِ، والأصْلُ في السِّباحَةِ مَدُّ الأطْرافِ وبَسْطُها. وأمّا القَبْضُ فَطارِئٌ عَلى البَسْطِ؛ لِلِاسْتِظْهارِ بِهِ عَلى التَّحَرُّكِ، فَجِيءَ بِما هو طارِئٌ غَيْرُ أصْلٍ بِلَفْظِ الفِعْلِ عَلى مَعْنى أنَّهُنَّ صافّاتٌ، ويَكُونُ مِنهُنَّ القَبْضُ تارَةً بَعْدَ تارَةٍ، كَما يَكُونُ مِنَ السّابِحِ. انْتَهى. ومُلَخَّصُهُ أنَّ الغالِبَ هو البَسْطُ، فَكَأنَّهُ هو الثّابِتُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالِاسْمِ. والقَبْضُ مُتَجَدِّدٌ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالفِعْلِ بِـ ما يُمْسِكُهُنَّ إلّا الرَّحْمَنُ أيْ: بِقُدْرَتِهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وبِما دَبَّرَ لَهُنَّ مِنَ القَوادِمِ والخَوافِي، وبَنى الأجْسامَ عَلى شَكْلٍ وخَصائِصَ قَدْ يَأْتِي مِنها الجَرْيُ في الجَوِّ إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يَعْلَمُ كَيْفَ يَخْلُقُ وكَيْفَ يُدَبِّرُ العَجائِبَ. انْتَهى، وفِيهِ نُزُوعٌ إلى قَوْلِ (p-٣٠٣)أهْلِ الطَّبِيعَةِ. ونَحْنُ نَقُولُ: إنَّ أثْقَلَ الأشْياءِ إذا أرادَ إمْساكَها في الهَواءِ، واسْتِعْلاءَها إلى العَرْشِ كانَ ذَلِكَ، وإذا أرادَ إنْزالَ ما هو أخَفُّ سُفْلًا إلى مُنْتَهى ما يَنْزِلُ كانَ، ولَيْسَ ذَلِكَ مَعْذُوقًا بِشَكْلٍ، لا مِن ثِقَلٍ ولا خِفَّةٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ما يُمْسِكُهُنَّ مُخَفَّفًا. والزُّهْرِيُّ مُشَدَّدًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (أمَّنْ) بِإدْغامِ مِيمِ أمْ في مِيمِ مَن، إذِ الأصْلُ أمْ مَن، وأمْ هُنا بِمَعْنى بَلْ خاصَّةً؛ لِأنَّ الَّذِي بَعْدَها هو اسْمُ اسْتِفْهامٍ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، وهَذا خَبَرٌ، والمَعْنى: مَن هو ناصِرُكم إنِ ابْتَلاكم بِعَذابِهِ. وكَذَلِكَ مَن هو رازِقُكم إنْ أمْسَكَ رِزْقَهُ، والمَعْنى: لا أحَدَ يَنْصُرُكم ولا يَرْزُقُكم. وقَرَأ طَلْحَةُ: ”أمَن“ بِتَخْفِيفِ المِيمِ ونَقْلِها إلى الثّانِيَةِ كالجَماعَةِ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: ومَعْناهُ أهَذا الَّذِي هو جُنْدٌ لَكم يَنْصُرُكم، أمِ الَّذِي يَرْزُقُكم ؟ فَلَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهامِ، ومَعْناهُ التَّقْرِيعُ والتَّوْبِيخُ. انْتَهى. بَلْ لَجُّوا تَمادَوْا في عُتُوٍّ في تَكَبُّرٍ وعِنادٍ (ونُفُورٍ) شِرادٌ عَنِ الحَقِّ لِثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ. وقِيلَ: هَذا إشارَةٌ إلى أصْنامِهِمْ.
أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ. قالَ قَتادَةُ نَزَلَتْ مُخْبِرَةً عَنْ حالِ القِيامَةِ، وأنَّ الكُفّارَ يَمْشُونَ فِيها عَلى وُجُوهِهِمْ، والمُؤْمِنُونَ يَمْشُونَ عَلى اسْتِقامَةٍ. وقِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ «كَيْفَ يَمْشِي الكافِرُ عَلى وجْهِهِ ؟ فَقالَ: إنَّ الَّذِي أمْشاهُ في الدُّنْيا عَلى رِجْلَيْهِ قادِرٌ أنْ يُمْشِيَهُ في الآخِرَةِ عَلى وجْهِهِ» . فالمَشْيُ عَلى قَوْلِ قَتادَةَ حَقِيقَةٌ. وقِيلَ: هو مَجازٌ، ضُرِبَ مَثَلًا لِلْكافِرِ والمُؤْمِنِ في الدُّنْيا. فَقِيلَ: عامٌّ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ والضَّحّاكِ، نَزَلَتْ فِيهِما. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: نَزَلَتْ في أبِي جَهْلٍ والرَّسُولِ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقِيلَ: في أبِي جَهْلٍ وحَمْزَةَ، والمَعْنى: أنَّ الكافِرَ في اضْطِرابِهِ وتَعَسُّفِهِ في عَقِيدَتِهِ وتَشابُهِ الأمْرِ عَلَيْهِ، كالماضِي في انْخِفاضٍ وارْتِفاعٍ، كالأعْمى يَتَعَثَّرُ كُلَّ ساعَةٍ فَيَخِرُّ لِوَجْهِهِ. وأمّا المُؤْمِنُ، فَإنَّهُ لِطُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ بِالإيمانِ، وكَوْنِهِ قَدْ وضَحَ لَهُ الحَقُّ، كالماشِي صَحِيحَ البَصَرِ مُسْتَوِيًا لا يَنْحَرِفُ عَلى طَرِيقٍ واضِحِ الِاسْتِقامَةِ لا حُزُونَ فِيها، فَآلَةُ نَظَرِهِ صَحِيحَةٌ ومَسْلَكُهُ لا صُعُوبَةَ فِيهِ. و(مُكِبًّا) حالٌ مِن أكَبَّ، وهو لا يَتَعَدّى، وكَبَّ مُتَعَدٍّ، قالَ - تَعالى -: ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهم في النّارِ﴾ [النمل: ٩٠] والهَمْزَةُ فِيهِ لِلدُّخُولِ في الشَّيْءِ أوْ لِلصَّيْرُورَةِ، ومُطاوِعُ كَبَّ انْكَبَّ، تَقُولُ: كَبَبْتُهُ فانْكَبَّ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولا شَيْءَ مِن بِناءِ افْعَلَّ مُطاوِعًا، ولا يُتْقَنُ نَحْوَ هَذا إلّا حَمَلَةُ كِتابِ سِيبَوَيْهِ، وهَذا الرَّجُلُ كَثِيرُ التَّبَجُّحِ بِكِتابِ سِيبَوَيْهِ، وكَمْ مِن نَصٍّ في كِتابِ سِيبَوَيْهِ عَمِيَ بَصَرُهُ وبَصِيرَتُهُ، حَتّى أنَّ الإمامَ أبا الحَجّاجِ يُوسُفَ بْنَ مَعْزُوزٍ صَنَّفَ كِتابًا يَذْكُرُ فِيهِ ما غَلِطَ فِيهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وما جَهِلَهُ مِن نُصُوصِ كِتابِ سِيبَوَيْهِ. وأهْدى: (أفْعَلُ) تَفْضِيلٌ مِنَ الهُدى في الظّاهِرِ، وهو نَظِيرُ: العَسَلُ أحْلى أمِ الخَلُّ ؟ وهَذا الِاسْتِفْهامُ لا تُرادُ حَقِيقَتُهُ، بَلِ المُرادُ مِنهُ أنَّ كُلَّ سامِعٍ يُجِيبُ بِأنَّ الماشِيَ سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أهْدى. وانْتَصَبَ (قَلِيلًا) عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، و”ما“ زائِدَةٌ، و”تَشْكُرُونَ“ مُسْتَأْنِفٌ أوْ حالٌ مُقَدَّرَةٌ، أيْ: تَشْكُرُونَ شُكْرًا قَلِيلًا. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ظاهِرُهُ أنَّهم يَشْكُرُونَ قَلِيلًا، وما عَسى أنْ يَكُونَ لِلْكافِرِينَ شُكْرٌ، وهو قَلِيلٌ غَيْرُ نافِعٍ. وأمّا أنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ الشُّكْرِ جُمْلَةً فَعَبَّرَ بِالقِلَّةِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: هَذِهِ أرْضٌ قَلَّ ما تُنْبِتُ كَذا، وهي لا تُنْبِتُهُ البَتَّةَ. انْتَهى. وتَقَدَّمَ نَظِيرُ قَوْلِهِ والرَّدُّ عَلَيْهِ في ذَلِكَ. (ذَرَأكم) بَثَّكم، والحَشْرُ: البَعْثُ، والوَعْدُ المُشارُ إلَيْهِ هو وعْدُ يَوْمِ القِيامَةِ، أيْ: مَتى إنْجازُ هَذا الوَعْدِ ؟ .
فَلَمّا رَأوْهُ زُلْفَةً أيْ: رَأوُا العَذابَ وهو المَوْعُودُ بِهِ، ”زُلْفَةً“ أيْ: قُرْبًا، أيْ: ذا قُرْبٍ. وقالَ الحَسَنُ: عَيانًا. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: حاضِرًا. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ مَكانًا ذا زُلْفَةٍ، فانْتَصَبَ عَلى الظَّرْفِ. ”سِيئَتْ“ أيْ: ساءَتْ رُؤْيَتُهُ وُجُوهَهم، وظَهَرَ فِيها السُّوءُ والكَآبَةُ، وغَشِيَها السَّوادُ كَمَن يُساقُ إلى القَتْلِ. وأخْلَصَ الجُمْهُورُ كَسْرَةَ السِّينِ، وأشَمَّها الضَّمَّ أبُو جَعْفَرٍ والحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ وشَيْبَةُ وابْنُ وثّابٍ، وطَلْحَةُ وابْنُ عامِرٍ ونافِعٌ والكِسائِيُّ. ”وقِيلَ“ لَهم، أيْ: تَقُولُ لَهُمُ الزَّبانِيَةُ ومَن يُوَبِّخُهم. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”تَدَّعُونَ“ بِشَدِّ الدّالِ مَفْتُوحَةً، فَقِيلَ: مِنَ (p-٣٠٤)الدَّعْوى. قالَ الحَسَنُ: تَدَّعُونَ أنَّهُ لا جَنَّةَ ولا نارَ. وقِيلَ: تَطْلُبُونَ وتَسْتَعْجِلُونَ، وهو مِنَ الدُّعاءِ، ويُقَوِّي هَذا القَوْلَ قِراءَةُ أبِي رَجاءٍ والضَّحّاكِ والحَسَنِ، وقَتادَةَ وابْنِ يَسارٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وسَلّامٍ ويَعْقُوبَ: ”تَدْعُونَ“ بِسُكُونِ الدّالِ، وهي قِراءَةُ ابْنِ أبِي عَبْلَةَ وأبِي زَيْدٍ وعِصْمَةَ، عَنْ أبِي بَكْرٍ، والأصْمَعِيِّ عَنْ نافِعٍ. رُوِيَ أنَّ الكُفّارَ كانُوا يَدْعُونَ عَلى الرَّسُولِ ﷺ وأصْحابِهِ بِالهَلاكِ. وقِيلَ: كانُوا يَتَآمَرُونَ بَيْنَهم بِأنْ يُهْلِكُوهم بِالقَتْلِ ونَحْوِهِ، فَأُمِرَ أنْ يَقُولَ: ”إنْ أهْلَكَنِيَ اللَّهُ“ كَما تُرِيدُونَ، ”أوْ رَحِمَنا“ بِالنَّصْرِ عَلَيْكم، فَمَن يَحْمِيكم مِنَ العَذابِ الَّذِي سَبَّبَهُ كُفْرُكم ؟ ولَمّا قالَ: ”أوْ رَحِمَنا“ قالَ: ”هو الرَّحْمَنُ“، ثُمَّ ذَكَرَ ما بِهِ النَّجاةُ وهو الإيمانُ والتَّفْوِيضُ إلى اللَّهِ تَعالى. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”فَسَتَعْلَمُونَ“ بِتاءِ الخِطابِ، والكِسائِيُّ: بِياءِ الغَيْبَةِ نَظَرًا إلى قَوْلِهِ: فَمَن يُجِيرُ الكافِرِينَ. ولَمّا ذَكَرَ العَذابَ، وهو مُطْلَقُ ذِكْرِ فَقْدِ ما بِهِ حَياةُ النُّفُوسِ وهو الماءُ، وهو عَذابٌ مَخْصُوصٌ. والغَوْرُ مَشْرُوحٌ في الكَهْفِ، والمَعِينُ في قَدْ أفْلَحَ، وجَوابُ ”إنْ أهْلَكَنِيَ“: ”فَمَن يُجِيرُ“، وجَوابُ ”إنْ أصْبَحَ“: ”فَمَن يَأْتِيكم“، وتُلِيَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِنْدَ بَعْضِ المُسْتَهْزِئِينَ فَقالَ: تَجِيءُ بِهِ الفُوسُ والمَعاوِيلُ، فَذَهَبَ ماءُ عَيْنَيْهِ.
{"ayahs_start":16,"ayahs":["ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِیَ تَمُورُ","أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یُرۡسِلَ عَلَیۡكُمۡ حَاصِبࣰاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَیۡفَ نَذِیرِ","وَلَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ","أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰۤفَّـٰتࣲ وَیَقۡبِضۡنَۚ مَا یُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَـٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءِۭ بَصِیرٌ","أَمَّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی هُوَ جُندࣱ لَّكُمۡ یَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَـٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَـٰفِرُونَ إِلَّا فِی غُرُورٍ","أَمَّنۡ هَـٰذَا ٱلَّذِی یَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّوا۟ فِی عُتُوࣲّ وَنُفُورٍ","أَفَمَن یَمۡشِی مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦۤ أَهۡدَىٰۤ أَمَّن یَمۡشِی سَوِیًّا عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","قُلۡ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِیلࣰا مَّا تَشۡكُرُونَ","قُلۡ هُوَ ٱلَّذِی ذَرَأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ","وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡعِلۡمُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَاۤ أَنَا۠ نَذِیرࣱ مُّبِینࣱ","فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةࣰ سِیۤـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَقِیلَ هَـٰذَا ٱلَّذِی كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ","قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِنۡ أَهۡلَكَنِیَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِیَ أَوۡ رَحِمَنَا فَمَن یُجِیرُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ مِنۡ عَذَابٍ أَلِیمࣲ","قُلۡ هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَیۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ","قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَاۤؤُكُمۡ غَوۡرࣰا فَمَن یَأۡتِیكُم بِمَاۤءࣲ مَّعِینِۭ"],"ayah":"قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِنۡ أَهۡلَكَنِیَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِیَ أَوۡ رَحِمَنَا فَمَن یُجِیرُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ مِنۡ عَذَابٍ أَلِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق