الباحث القرآني
وتَخْرِيجُ ﴿هُمُ العَدُوُّ﴾ [المنافقون: ٤] عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِيَحْسَبُونَ تَخْرِيجٌ مُتَكَلَّفٌ بَعِيدٌ عَنِ الفَصاحَةِ، بَلِ المُتَبادِرِ إلى الذِّهْنِ السَّلِيمِ أنْ يَكُونَ ﴿هُمُ العَدُوُّ﴾ [المنافقون: ٤] إخْبارًا مِنهُ - تَعالى - بِأنَّهم، وإنْ أظْهَرُوا الإسْلامَ وأتْباعُهم، هُمُ المُبالِغُونَ في عَداوَتِكَ، (p-٢٧٣)ولِذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ أمْرُهُ - تَعالى - إيّاهُ بِحَذَرِهِمْ، فَقالَ: (فاحْذَرْهم) فالأمْرُ بِالحَذَرِ مُتَسَبِّبٌ عَنْ إخْبارِهِ بِأنَّهم هُمُ العَدُوُّ. و﴿قاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ [المنافقون: ٤] دُعاءٌ يَتَضَمَّنُ إبْعادَهم، وأنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ.
﴿أنّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: ٤] أيْ: كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ، وفِيهِ تَعَجُّبٌ مِن ضَلالِهِمْ وجَهْلِهِمْ. ولَمّا أخْبَرَهُ - تَعالى - بِعَداوَتِهِمْ، أمَرَهُ بِحَذَرِهِمْ، فَلا يَثِقُ بِإظْهارِ مَوَدَّتِهِمْ، ولا بِلِينِ كَلامِهِمْ. و﴿قاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ [المنافقون: ٤] كَلِمَةُ ذَمٍّ وتَوْبِيخٍ، وقالَتِ العَرَبُ: قاتَلَهُ اللَّهُ ما أشْعَرَهُ. يَضَعُونَهُ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ، ومَن قاتَلَهُ اللَّهُ فَهو مَغْلُوبٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى هو القاهِرُ لِكُلِّ مُعانِدٍ. وكَيْفَ اسْتِفْهامٌ، أيْ: كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ ولا يَرَوْنَ رُشْدَ أنْفُسِهِمْ ؟ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ”أنّى“ ظَرْفًا لِقاتَلَهم، كَأنَّهُ قالَ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ كَيْفَ انْصَرَفُوا أوْ صُرِفُوا، فَلا يَكُونُ في هَذا القَوْلِ اسْتِفْهامٌ عَلى هَذا. انْتَهى. ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ أنّى لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِ، بَلْ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا اسْتِفْهامًا، إمّا بِمَعْنى أيْنَ، أوْ بِمَعْنى مَتى، أوْ بِمَعْنى كَيْفَ، أوْ شَرْطًا بِمَعْنى أيْنَ. وعَلى هَذِهِ التَّقادِيرِ لا يَعْمَلُ فِيها ما قَبْلَها، ولا تَتَجَرَّدُ لِمُطْلَقِ الظَّرْفِيَّةِ بِحالٍ مِن غَيْرِ اعْتِبارِ ما ذَكَرْناهُ، فالقَوْلُ بِذَلِكَ باطِلٌ.
ولَمّا صَدَّقَ اللَّهُ زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ فِيما أخْبَرَ بِهِ عَنِ ابْنِ سَلُولَ، مَقَتَ النّاسُ ابْنَ سَلُولَ ولامَهُ المُؤْمِنُونَ مِن قَوْمِهِ، وقالَ لَهُ بَعْضُهم: امْضِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ واعْتَرِفْ بِذَنْبِكَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ، فَلَوّى رَأْسَهُ إنْكارًا لِهَذا الرَّأْيِ، وقالَ لَهم: لَقَدْ أشَرْتُمْ عَلَيَّ بِالإيمانِ فَآمَنتُ، وأشَرْتُمْ عَلَيَّ بِأنْ أُعْطِيَ زَكاةَ مالِي فَفَعَلْتُ، ولَمْ يَبْقَ لَكم إلّا أنْ تَأْمُرُونِي بِالسُّجُودِ لِمُحَمَّدٍ، و(يَسْتَغْفِرْ) مَجْزُومٌ عَلى جَوابِ الأمْرِ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَطْلُبُ عامِلَيْنِ، أحَدُهُما (يَسْتَغْفِرْ) والآخَرُ (تَعالَوْا) فَأعْمَلَ الثّانِيَ عَلى المُخْتارِ عِنْدَ أهْلِ البَصْرَةِ، ولَوْ أعْمَلَ الأوَّلَ لَكانَ التَّرْكِيبُ: تَعالَوْا يُسْتَغْفَرْ لَكم إلى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ . وقَرَأ مُجاهِدٌ ونافِعٌ وأهْلُ المَدِينَةِ وأبُو حَيْوَةَ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ والمُفَضَّلُ وأبانٌ عَنْ عاصِمٍ والحَسَنِ ويَعْقُوبَ بِخِلافٍ عَنْهُما: (لَوَوْا) بِفَتْحِ الواوِ. وأبُو جَعْفَرٍ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وعِيسى وأبُو رَجاءٍ والأعْرَجُ وباقِي السَّبْعَةِ بِشَدِّها لِلتَّكْثِيرِ. ولَيُّ رُءُوسِهِمْ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ، واسْتِغْفارُ الرَّسُولِ لَهم، هو اسْتِتابَتُهم مِنَ النِّفاقِ، فَيَسْتَغْفِرُ لَهم إذْ كانَ اسْتِغْفارُهُ مُتَسَبِّبًا عَنِ اسْتِتابَتِهِمْ، فَيَتُوبُونَ وهم يَصُدُّونَ عَنِ المَجِيءِ واسْتِغْفارِ الرَّسُولِ. وقُرِئَ: ”يَصُدُّونَ“ ويَصُدُّونَ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، وأتَتْ بِالمُضارِعِ لِيَدُلَّ عَلى اسْتِمْرارِهِمْ ﴿وهم مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [المنافقون: ٥] جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ أيْضًا.
ولَمّا سَبَقَ في عِلْمِهِ - تَعالى - أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ البَتَّةَ، سَوّى بَيْنَ اسْتِغْفارِهِ لَهم وعَدَمِهِ. وحَكى مَكِّيٌّ أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - كانَ اسْتَغْفَرَ لَهم؛ لِأنَّهم أظْهَرُوا لَهُ الإسْلامَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - في بَراءَةَ ﴿إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهم سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة: ٨٠] وقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: «سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَهم زِيادَةً عَلى السَبْعِينَ»، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَلَمْ يَبْقَ لِلِاسْتِغْفارِ وجْهٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”أسْتَغْفَرْتَ“ بِهَمْزَةِ التَّسْوِيَةِ الَّتِي أصْلُها هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ، وطُرِحَ ألِفُ الوَصْلِ. وأبُو جَعْفَرٍ: بِمَدَّةٍ عَلى الهَمْزَةِ. قِيلَ: هي عِوَضٌ مِن هَمْزَةِ الوَصْلِ، وهي مِثْلُ المَدَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ [الأنعام: ١٤٣] لَكِنَّ هَذِهِ المَدَّةَ في الِاسْمِ لِئَلّا يَلْتَبِسَ الِاسْتِفْهامُ بِالخَبَرِ، ولا يَحْتاجُ ذَلِكَ في الفِعْلِ؛ لِأنَّ هَمْزَةَ الوَصْلِ فِيهِ مَكْسُورَةٌ. وعَنْ أبِي جَعْفَرٍ أيْضًا: ضَمُّ مِيمِ ”عَلَيْهِمُ“ إذْ أصْلُها الضَّمُّ، ووَصْلُ الهَمْزَةِ. ورَوى مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ العَنْبَرِيُّ، عَنْ أبِي عَمْرٍو كَسْرَ المِيمِ عَلى أصْلِ التِقاءِ السّاكِنَيْنِ، ووَصْلَ الهَمْزَةِ، فَتَسْقُطُ في القِراءَتَيْنِ، واللَّفْظُ خَبَرٌ، والمَعْنى عَلى الِاسْتِفْهامِ، والمُرادُ التَّسْوِيَةُ، وجازَ حَذْفُ الهَمْزَةِ لِدَلالَةِ أمْ عَلَيْها، كَما دَلَّتْ عَلى حَذْفِها في قَوْلِهِ:
بِسَبْعٍ رَمَيْنا الجَمْرَ أمْ بِثَمانِ
يُرِيدُ: أبِسَبْعٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: آسْتَغْفَرْتَ، إشْباعًا لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ لِلْإظْهارِ والبَيانِ، لا قَلْبَ هَمْزَةِ الوَصْلِ ألِفًا كَما في: آلسِّحْرِ، وآللَّهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ: ”آسْتَغْفَرْتَ“ بِمَدَّةٍ عَلى الهَمْزَةِ، وهي ألِفُ التَّسْوِيَةِ. وقَرَأ (p-٢٧٤)أيْضًا: بِوَصْلِ الألْفِ دُونِ هَمْزٍ عَلى الخَبَرِ، وفي هَذا كُلِّهِ ضَعْفٌ؛ لِأنَّهُ في الأُولى أثْبَتَ هَمْزَةَ الوَصْلِ وقَدْ أغْنَتْ عَنْها هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ، وفي الثّانِيَةِ حَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهامِ وهو يُرِيدُها، وهَذا مِمّا لا يُسْتَعْمَلُ إلّا في الشِّعْرِ.
﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾: إشارَةٌ إلى ابْنِ سَلُولَ ومَن وافَقَهُ مِن قَوْمِهِ، سَفَّهَ أحْلامَهم في أنَّهم ظَنُّوا أنَّ رِزْقَ المُهاجِرِينَ بِأيْدِيهِمْ، وما عَلِمُوا أنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ - تَعالى - .
﴿لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾: إنْ كانَ اللَّهُ - تَعالى - حَكى نَصَّ كَلامِهِمْ، فَقَوْلُهم: ﴿عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ هو عَلى سَبِيلِ الهَزْءِ كَقَوْلِهِمْ: ﴿وقالُوا ياأيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦] أوْ لِكَوْنِهِ جَرى عِنْدَهم مَجْرى اللَّعِبِ، أيْ: هو مَعْرُوفٌ بِإطْلاقِ هَذا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، إذْ لَوْ كانُوا مُقِرِّينَ بِرِسالَتِهِ ما صَدَرَ مِنهم ما صَدَرَ. فالظّاهِرُ أنَّهم لَمْ يَنْطِقُوا بِنَفْسِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، ولَكِنَّهُ - تَعالى عَبَّرَ - بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِهِ ﷺ إكْرامًا لَهُ وإجْلالًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”يَنْفَضُّوا“ أيْ: يَتَفَرَّقُوا عَنِ الرَّسُولِ. والفَضْلُ بْنُ عِيسى: ”يَنْفَضُّوا“ مِنِ انْفَضَّ القَوْمُ، فَنِيَ طَعامُهم، فَنَفَضَ الرَّجُلُ وِعاءَهُ، والفِعْلُ مِن بابِ ما يُعَدّى بِغَيْرِ الهَمْزَةِ، وبِالهَمْزَةِ لا يَتَعَدّى. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وحَقِيقَتُهُ حانَ لَهم أنْ يَنْفُضُوا مَزاوِدَهم. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ﴾ فالأعَزُّ فاعِلٌ، والأذَلُّ مَفْعُولٌ، وهو مِن كَلامِ ابْنِ سَلُولَ، كَما تَقَدَّمَ. ويَعْنِي بِالأعَزِّ: نَفْسَهُ وأصْحابَهُ، وبِالأذَلِّ: المُؤْمِنِينَ. والحَسَنُ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ والمُسَيَّبِيُّ في اخْتِيارِهِ: لَنُخْرِجَنَّ بِالنُّونِ، ونَصَبَ الأعَزَّ والأذَلَّ، فالأعَزُّ مَفْعُولٌ، والأذَلُّ حالٌ. وقَرَأ الحَسَنُ فِيما ذَكَرَ أبُو عَمْرٍو الدّانِيُّ: ”لَنَخْرُجَنَّ“ بِنُونِ الجَماعَةِ مَفْتُوحَةً وضَمِّ الرّاءِ، ونَصْبِ الأعَزِّ عَلى الِاخْتِصاصِ، كَما قالَ: نَحْنُ العَرَبَ أقْرى النّاسِ لِلضَّيْفِ؛ ونَصْبِ الأذَلِّ عَلى الحالِ، وحَكى هَذِهِ القِراءَةَ أبُو حاتِمٍ. وحَكى الكِسائِيُّ والفَرّاءُ أنَّ قَوْمًا قَرَأُوا: لَيَخْرُجَنَّ بِالياءِ مَفْتُوحَةً وضَمِّ الرّاءِ، فالفاعِلُ الأعَزُّ، ونُصِبَ الأذَلُّ عَلى الحالِ. وقُرِئَ: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وبِالياءِ، الأعَزُّ مَرْفُوعٌ بِهِ (الأذَلَّ) نَصْبًا عَلى الحالِ. ومَجِيءُ الحالِ بِصُورَةِ المَعْرِفَةِ مُتَأوَّلٌ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، فَما كانَ مِنها بِألْ فَعَلى زِيادَتِها، لا أنَّها مَعْرِفَةٌ. ولَمّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ ولَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذِهِ الآيَةَ، جاءَ إلى أبِيهِ فَقالَ: أنْتَ واللَّهِ يا أبَتِ الذَّلِيلُ، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ العَزِيزُ. فَلَمّا دَنا مِنَ المَدِينَةِ، جَرَّدَ السَّيْفَ عَلَيْهِ ومَنَعَهُ الدُّخُولَ حَتّى يَأْذَنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وكانَ فِيما قالَ لَهُ: وراءَكَ لا تَدْخُلُها حَتّى تَقُولَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الأعَزُّ وأنا الأذَلُّ، فَلَمْ يَزَلْ حَبِيسًا في يَدِهِ حَتّى أذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَخْلِيَتِهِ. وفي هَذا الحَدِيثِ أنَّهُ قالَ لِأبِيهِ: لَئِنْ لَمْ تَشْهَدْ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ بِالعِزَّةِ لَأضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قالَ: أفاعِلٌ أنْتَ ؟ قالَ: نَعَمْ، فَقالَ: أشْهَدُ أنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ. وقِيلَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما -: إنَّ فِيكَ تِيهًا، فَقالَ: لَيْسَ بِتِيهٍ ولَكِنَّهُ عِزَّةٌ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ.
﴿لا تُلْهِكم أمْوالُكُمْ﴾ بِالسَّعْيِ في نَمائِها والتَّلَذُّذِ بِجَمْعِها، ﴿ولا أوْلادُكُمْ﴾ بِسُرُورِكم بِهِمْ وبِالنَّظَرِ في مَصالِحِهِمْ في حَياتِكم وبَعْدَ مَماتِكم ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾: هو عامٌّ في الصَّلاةِ والثَّناءِ عَلى اللَّهِ تَعالى بِالتَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ وغَيْرِ ذَلِكَ والدُّعاءِ. وقالَ نَحْوًا مِنهُ الحَسَنُ وجَماعَةٌ. وقالَ الضَّحّاكُ وعَطاءٌ: أكَّدَ هُنا الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ. وقالَ الحَسَنُ أيْضًا: جَمِيعُ الفَرائِضِ. وقالَ الكَلْبِيُّ: الجِهادُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ . وقِيلَ: القُرْآنُ.
﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أيِ: الشُّغُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالمالِ والوَلَدِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ حَيْثُ آثَرُوا العاجِلَ عَلى الآجِلِ، والفانِي عَلى الباقِي.
﴿وأنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ﴾ قالَ الجُمْهُورُ: المُرادُ الزَّكاةُ. وقِيلَ: عامٌّ في المَفْرُوضِ والمَندُوبِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ في مانِعِي الزَّكاةِ، واللَّهِ لَوْ رَأى خَيْرًا ما سَألَ الرَّجْعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: أما تَتَّقِي اللَّهَ ؟ يَسْألُ المُؤْمِنُونَ الكَرَّةَ، قالَ: نَعَمْ أنا أقْرَأُ عَلَيْكم بِهِ قُرْآنًا، يَعْنِي أنَّها نَزَلَتْ في المُؤْمِنِينَ، وهُمُ المُخاطَبُونَ بِها.
﴿لَوْلا أخَّرْتَنِي﴾ أيْ: هَلّا أخَّرْتَ مَوْتِي إلى زَمانٍ قَلِيلٍ ؟ وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”فَأصَّدَّقَ“ وهو مَنصُوبٌ عَلى (p-٢٧٥)جَوابِ الرَّغْبَةِ. وأُبَيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ وابْنُ جُبَيْرٍ: (فَأتَصَدَّقَ) عَلى الأصْلِ. وقَرَأ جُمْهُورُ السَّبْعَةِ: ”وأكُنْ“ مَجْزُومًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ”وأكُنْ“ بِالجَزْمِ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ ”فَأصَّدَّقَ“ كَأنَّهُ قِيلَ: إنْ أخَّرْتَنِي أصَّدَّقْ وأكُنْ. انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَطْفًا عَلى المَوْضِعِ؛ لِأنَّ التَّقْدِيرَ: إنْ تُؤَخِّرْنِي أصَّدَّقْ وأكُنْ، هَذا مَذْهَبُ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ. فَأمّا ما حَكاهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الخَلِيلِ فَهو غَيْرُ هَذا، وهو أنَّهُ جَزَمَ وأكُنْ عَلى تَوَهُّمِ الشَّرْطِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالتَّمَنِّي، ولا مَوْضِعَ هُنا؛ لِأنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِظاهِرٍ، وإنَّما يُعْطَفُ عَلى المَوْضِعِ؛ حَيْثُ يَظْهَرُ الشَّرْطُ كَقَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ ويَذَرُهُمْ﴾ [الأعراف: ١٨٦] . فَمَن قَرَأ بِالجَزْمِ عَطَفَ عَلى مَوْضِعِ ﴿فَلا هادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦]؛ لِأنَّهُ لَوْ وقَعَ هُنالِكَ فِعْلٌ كانَ مَجْزُومًا. انْتَهى. والفَرْقُ بَيْنَ العَطْفِ عَلى المَوْضِعِ والعَطْفِ عَلى التَّوَهُّمِ، أنَّ العامِلَ في العَطْفِ عَلى المَوْضِعِ مَوْجُودٌ دُونَ مُؤَثِّرِهِ، والعامِلُ في العَطْفِ عَلى التَّوَهُّمِ مَفْقُودٌ وأثَرُهُ مَوْجُودٌ. وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ جُبَيْرٍ وأبُو رَجاءٍ وابْنُ أبِي إسْحاقَ ومالِكُ بْنُ دِينارٍ، والأعْمَشُ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحَسَنِ العَنْبَرِيُّ، وأبُو عَمْرٍو: وأكُونَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى ”فَأصَّدَّقَ“ وكَذا في مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وأُبَيٍّ. وقَرَأ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: وأكُونُ بِضَمِّ النُّونِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، أيْ: وأنا أكُونُ، وهو وعْدُ الصَّلاحِ.
﴿ولَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا﴾: فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلى المُبادَرَةِ بِأعْمالِ الطّاعاتِ حِذارًا أنْ يَجِيءَ الأجَلُ، وقَدْ فَرَّطَ ولَمْ يَسْتَعِدَّ لِلِقاءِ اللَّهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”تَعْمَلُونَ“ بِتاءِ الخِطابِ لِلنّاسِ كُلِّهِمْ. وأبُو بَكْرٍ: بِالياءِ، خَصَّ الكُفّارَ بِالوَعِيدِ، ويُحْتَمَلُ العُمُومُ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ","یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ","وَأَنفِقُوا۟ مِن مَّا رَزَقۡنَـٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِیۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","وَلَن یُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَاۤءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَأَنفِقُوا۟ مِن مَّا رَزَقۡنَـٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِیۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق