الباحث القرآني

سُورَةُ الجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ وهي إحْدى عَشْرَةَ آيَةً ﷽ ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿وآخَرِينَ مِنهم لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [الجمعة: ٥] ﴿قُلْ يا أيُّها الَّذِينَ هادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أنَّكم أوْلِياءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الجمعة: ٦] ﴿ولا يَتَمَنَّوْنَهُ أبَدًا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ﴾ [الجمعة: ٧] ﴿قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنهُ فَإنَّهُ مُلاقِيكم ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: ٨] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: ٩] ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠] ﴿وإذا رَأوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها وتَرَكُوكَ قائِمًا قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾ [الجمعة: ١١] (p-٢٦٥)السِّفْرُ: الكِتابُ المُجْتَمِعُ الأوْراقِ مُنَضَّدَةً. ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿وآخَرِينَ مِنهم لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [الجمعة: ٥] ﴿قُلْ ياأيُّها الَّذِينَ هادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أنَّكم أوْلِياءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الجمعة: ٦] ﴿ولا يَتَمَنَّوْنَهُ أبَدًا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ﴾ [الجمعة: ٧] ﴿قُلْ إنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنهُ فَإنَّهُ مُلاقِيكم ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: ٨] ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: ٩] ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠] ﴿وإذا رَأوْا تِجارَةً أوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْها وتَرَكُوكَ قائِمًا قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ومِنَ التِّجارَةِ واللَّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾ [الجمعة: ١١] . (p-٢٦٦)هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ. وقِيلَ: مَكِّيَّةٌ، وهو خَطَأٌ، لِأنَّ أمْرَ اليَهُودِ وانْفِضاضَ النّاسِ في الجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ إلّا بِالمَدِينَةِ. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها: أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ تَأْيِيدَ مَن آمَنَ عَلى أعْدائِهِمْ، أتْبَعَهُ بِذِكْرِ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ تَعالى وسَعَةِ مُلْكِهِ وتَقْدِيسِهِ وذِكْرِ ما أنْعَمَ بِهِ عَلى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ﷺ، مِن بَعْثَتِهِ إلَيْهِمْ، وتِلاوَتِهِ عَلَيْهِمْ كِتابَهُ، وتَزْكِيَتِهِمْ، فَصارَتْ أُمَّتُهُ غالِبَةً سائِرَ الأُمَمِ، قاهِرَةً لَها، مُنْتَشِرَةَ الدَّعْوَةِ، كَما انْتَشَرَتْ دَعْوَةُ الحَوارِيِّينَ في زَمانِهِمْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (المَلِكِ) بِجَرِّهِ وجَرِّ ما بَعْدَهُ؛ وأبُو وائِلٍ ومَسْلَمَةُ بْنُ مُحارِبٍ ورُؤْبَةُ وأبُو الدِّينارِ الأعْرابِيُّ: بِالرَّفْعِ عَلى إضْمارِ هو، وحَسَّنَهُ الفَصْلُ الَّذِي فِيهِ طُولٌ بَيْنَ المَوْصُوفِ والصِّفَةِ، وكَذَلِكَ جاءَ عَنْ يَعْقُوبَ. وقَرَأ أبُو الدِّينارِ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: القَدُّوسُ بِفَتْحِ القافِ؛ والجُمْهُورُ: بِالضَّمِّ. ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ﴾ الآيَةَ: تَقَدَّمَ الكَلامُ في نَظِيرِها في آلِ عِمْرانَ وفي نِسْبَةِ الأُمِّيِّ. (وآخَرِينَ): الظّاهِرُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى (الأُمِّيِّينَ)، أيْ وفي آخَرِينَ مِنَ الأُمِّيِّينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ بَعْدُ، وسَيَلْحَقُونَ. وقِيلَ: (وآخَرِينَ) مَنصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلى الضَّمِيرِ في (ويُعَلِّمُهم)، أسْنَدَ تَعْلِيمَ الآخَرِينَ إلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَجازًا لَمّا تَناسَقَ التَّعْلِيمُ إلى آخِرِ الزَّمانِ وتَلا بَعْضُهُ بَعْضًا، فَكَأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وجَدَ مِنهُ. وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ وغَيْرُهُ: وآخَرِينَ هم فارِسُ، وجاءَ نَصًّا عَنْهُ في صَحِيحِ البُخارِيِّ ومُسْلِمٍ، ولَوْ فُهِمَ مِنهُ الحَصْرُ في فارِسَ لَمْ يَجُزْ أنْ يُفَسَّرَ بِهِ الآيَةُ، ولَكِنْ فَهِمَ المُفَسِّرُونَ مِنهُ أنَّهُ تَمْثِيلٌ. فَقالَ مُجاهِدٌ وابْنُ جُبَيْرٍ: الرُّومُ والعَجَمُ. وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا وعِكْرِمَةُ ومُقاتِلٌ: التّابِعِينَ مِن أبْناءِ العَرَبِ لِقَوْلِهِ: (مِنهم)، أيْ في النَّسَبِ. وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا والضَّحّاكُ وابْنُ حِبّانَ: طَوائِفُ مِنَ النّاسِ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ: أهْلُ اليَمَنِ. وعَنْ مُجاهِدٍ أيْضًا: أبْناءُ الأعاجِمِ؛ وعَنِ ابْنِ زَيْدٍ أيْضًا: هُمُ التّابِعُونَ؛ وعَنِ الضَّحّاكِ أيْضًا: العَجَمُ؛ وعَنْ أبِي رَوْقٍ: الصِّغارُ بَعْدَ الكِبارِ، ويَنْبَغِي أنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الأقْوالُ عَلى التَّمْثِيلِ، كَما حَمَلُوا قَوْلَ الرَّسُولِ، ﷺ، في فارِسَ: (وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ) في تَمْكِينِهِ رَجُلًا أُمِّيًّا مِن ذَلِكَ الأمْرِ العَظِيمِ وتَأْيِيدِهِ واخْتِيارِهِ مِن سائِرِ البَشَرِ. ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ﴾: أيْ إيتاءُ النُّبُوَّةِ وجَعْلُهُ خَيْرَ خَلْقِهِ واسِطَةً بَيْنَهُ وبَيْنَ خَلْقِهِ. ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ﴾ [الجمعة: ٥]: هُمُ اليَهُودُ المُعاصِرُونَ لِلرَّسُولِ، ﷺ، كُلِّفُوا القِيامَ بِأوامِرِها ونَواهِيها، ولَمْ يُطِيقُوا القِيامَ بِها حِينَ كَذَّبُوا الرَّسُولَ، ﷺ، وهي ناطِقَةٌ بِنُبُوَّتِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: حُمِّلُوا مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ ويَحْيى بْنُ عَمْرٍو وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. شَبَّهَ صِفَتَهم بِصِفَةِ الحِمارِ الَّذِي يَحْمِلُ كُتُبًا، فَهو لا يَدْرِي ما عَلَيْهِ، أكُتُبٌ هي أمْ صَخْرٌ وغَيْرُ ذَلِكَ ؟ وإنَّما يُدْرِكُ مِن ذَلِكَ ما يَلْحَقُهُ مِنَ التَّعَبِ بِحَمْلِها. وقالَ الشّاعِرُ في نَحْوِ ذَلِكَ: ؎زَوامِلُ لِلْإشْعارِ لا عِلْمَ عِنْدَهم بِجَيِّدِها إلّا كَعِلْمِ الأباعِرِ ؎لَعَمْرُكُ ما يَدْرِي البَعِيرُ إذا غَدا ∗∗∗ بِأوْساقِهِ أوْ راحَ ما في الغَرائِرِ وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: حِمارٌ مُنَكَّرًا؛ والمَأْمُونُ بْنُ هارُونَ: يُحَمَّلُ بِشَدِّ المِيمِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. والجُمْهُورُ: الحِمارُ مُعَرَّفًا، ويَحْمِلُ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، ويَحْمِلُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوِ الجَرِّ عَلى الوَصْفِ، لِأنَّ الحِمارَ كاللَّئِيمِ في قَوْلِهِ: ؎ولَقَدْ أمُرُّ عَلى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي انْتَهى. وهَذا الَّذِي قالَهُ قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ، وهو أنَّ مَثَلَ هَذا مِنَ المَعارِفِ يُوصَفُ بِالجُمَلِ، وحَمَلُوا عَلَيْهِ ﴿وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ﴾ [يس: ٣٧]، وهَذا وأمْثالُهُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ في مَوْضِعِ الحالِ، لا في مَوْضِعِ الصِّفَةِ. ووَصْفُهُ بِالمَعْرِفَةِ ذِي اللّامِ دَلِيلٌ عَلى تَعْرِيفِهِ مَعَ ما في ذَلِكَ المَذْهَبِ مِن هَدْمِ ما ذَكَرَهُ المُتَقَدِّمُونَ مِن أنَّ المَعْرِفَةَ لا تُنْعَتُ (p-٢٦٧)إلّا بِالمَعْرِفَةِ والجُمَلُ نَكِراتٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب