الباحث القرآني
﴿وكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا﴾ الكافُ لِلتَّشْبِيهِ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، والإشارَةُ بِذَلِكَ إلى فُتُونٍ سابِقٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أُمَمِ رُسُلٍ وإرْسالِهِمْ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ، وتَقْسِيمِ أُمَمِهِمْ إلى مُؤْمِنٍ ومُكَذِّبٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ أتْباعَ الرُّسُلِ مُخْتَلِفُونَ وواقِعٌ فِيهِمُ الفُتُونُ لا مَحالَةَ، كَما وقَعَ في هَذِهِ الأُمَّةِ، فَشَبَّهَ تَعالى ابْتِلاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ واخْتِبارَها بِابْتِلاءِ الأُمَمِ السّالِفَةِ، أيْ حالُ هَذِهِ الأُمَّةِ حالُ الأُمَمِ السّابِقَةِ في فُتُونِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، والفُتُونُ بِالغِنى والفَقْرِ، أوْ بِالشَّرَفِ والوَضاعَةِ، والقُوَّةِ والضَّعْفِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومِثْلُ ذَلِكَ الفَتْنِ العَظِيمِ فَتْنُ بَعْضِ النّاسِ بِبَعْضٍ، أيِ ابْتَلَيْناهم بِهِ وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَقُولُونَ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا﴾ أيْ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالتَّوْفِيقِ لِإصابَةِ الحَقِّ ولِما يُسْعِدُهم عِنْدَهُ مِن دُونِنا ونَحْنُ المُقَدَّمُونَ والرُّؤَساءُ وهُمُ العَبِيدُ والفُقَراءُ، إنْكارًا لِأنْ يَكُونَ أمْثالُهم عَلى الحَقِّ ومَمْنُونًا عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا بِالخَيْرِ، نَحْوُ: ﴿أؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنا﴾ [القمر: ٢٥]، ﴿لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١]، ومَعْنى فَتَنّاهم لِيَقُولُوا ذَلِكَ: خِذْلانُهم فافْتَتَنُوا حَتّى كانَ افْتِتانُهم سَبَبًا لِهَذا القَوْلِ لِأنَّهُ لا يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ هَذا إلّا مَخْذُولٌ مُتَقَوِّلٌ، انْتَهى. وآخِرُ كَلامِهِ عَلى طَرِيقَةِ المُعْتَزِلَةِ مِن تَأْوِيلِ الفِتْنَةِ الَّتِي نَسَبَها (p-١٣٩)تَعالى إلَيْهِ بِالخِذْلانِ جَرْيًا عَلى عادَتِهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ابْتِلاءُ المُؤْمِنِينَ بِالمُشْرِكِينَ هو ما يَلْقَوْنَ مِنهم مِنَ الأذى، وابْتِلاءُ المُشْرِكِينَ بِالمُؤْمِنِينَ هو أنْ يَرى الرَّجُلُ الشَّرِيفُ مِنَ المُشْرِكِينَ قَوْمًا لا شَرَفَ لَهم قَدْ عَظَّمَهم هَذا الدِّينُ وجَعَلَ لَهم عِنْدَ نَبِيِّهِمْ قَدْرًا ومَنزِلَةً، والإشارَةُ بِذَلِكَ إلى ما ذُكِرَ مِن ظُلْمِهِمْ أنْ تَطْرُدَ الضَّعَفَةَ. انْتَهى. ولا يَنْتَظِمُ هَذا التَّشْبِيهُ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: ومِثْلُ ذَلِكَ أيْ طَلَبِ الطَّرْدِ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ، والَّذِي يَتَبادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ إنَّكَ إذا قُلْتَ: ضَرَبْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، إنَّما يُفْهَمُ مِنهُ مِثْلَ ذَلِكَ الضَّرْبِ لا أنَّهُ تَقَعُ المُماثَلَةُ في غَيْرِهِ، واللّامُ في ﴿لِيَقُولُوا﴾ الظّاهِرُ أنَّها لامُ كَيْ، أيْ هَذا الِابْتِلاءُ لِكَيْ يَقُولُوا هَذِهِ المَقالَةَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِفْهامِ لِأنْفُسِهِمْ والمُناجاةِ لَها، ويَصِيرُ المَعْنى: ابْتَلَيْنا أشْرافَ الكُفّارِ بِضُعَفاءِ المُؤْمِنِينَ لِيَتَعَجَّبُوا في نُفُوسِهِمْ مِن ذَلِكَ ويَكُونَ سَبَبًا لِلنَّظَرِ لِمَن هُدِيَ، ومَن أثْبَتَ أنَّ اللّامَ تَكُونُ لِلصَّيْرُورَةِ جَوَّزَ هُنا أنْ تَكُونَ لِلصَّيْرُورَةِ ويَكُونَ قَوْلُهم عَلى سَبِيلِ الِاسْتِحْقاقِ، و(هَؤُلاءِ) إشارَةٌ إلى المُؤْمِنِينَ، و﴿مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ بِزَعْمِهِمْ أنَّ دِينَهم مِنهُ تَعالى.
﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ هَذا اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ التَّقْرِيرُ والرَّدُّ عَلى أُولَئِكَ القائِلِينَ، أيِ اللَّهُ أعْلَمُ بِمَن يَشْكُرُ فَيَضَعُ فِيهِ هِدايَتَهُ دُونَ مَن يَكْفُرُ فَلا يَهْدِيهِ، وجاءَ لَفْظُ الشُّكْرِ هُنا في غايَةٍ مِنَ الحُسْنِ إذْ تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِمْ: ﴿أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ أنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَناسَبَ ذِكْرُ الإنْعامِ لَفْظَ الشُّكْرِ، والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِهَؤُلاءِ المُنْعَمِ عَلَيْهِمُ الشّاكِرِينَ لِنَعْمائِهِ، وتَضَمَّنَ العِلْمُ مَعْنى الثَّوابِ والجَزاءِ لَهم عَلى شُكْرِهِمْ فَلَيْسُوا مَوْضِعَ اسْتِخْفافِكم ولا اسْتِعْجابِكم. وقِيلَ: بِالشّاكِرِينَ مَن مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالإيمانِ دُونَ الرُّؤَساءِ الَّذِينَ عَلِمَ مِنهُمُ الكُفْرَ. وقِيلَ: مَن يَشْكُرُ عَلى الإسْلامِ إذا هَدَيْتُهُ. وقِيلَ: بِمَن يُوَفَّقُ لِلْإيمانِ كَبِلالٍ ومَن دُونَهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيِ اللَّهُ أعْلَمُ بِمَن يَقَعُ مِنهُ الإيمانُ والشُّكْرُ فَيُوَفِّقُهُ لِلْإيمانِ وبِمَن يُصَمِّمُ عَلى كُفْرِهِ فَيَخْذُلُهُ ويَمْنَعُهُ التَّوْفِيقَ. انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لِّیَقُولُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنۢ بَیۡنِنَاۤۗ أَلَیۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











