الباحث القرآني
﴿قُلْ لا أقُولُ لَكم عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أعْلَمُ الغَيْبَ ولا أقُولُ لَكم إنِّي مَلَكٌ إنْ أتَّبِعُ إلّا ما يُوحى إلَيَّ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ لا أدَّعِي ما يُسْتَبْعَدُ في العُقُولِ أنْ يَكُونَ لِبَشَرٍ مِن مِلْكِ خَزائِنِ اللَّهِ - وهي قَسْمُهُ بَيْنَ الخَلْقِ وأرْزاقُهُ - وعِلْمِ الغَيْبِ وأنِّي مِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ هم أشْرَفُ جِنْسٍ خَلَقَهُ اللَّهُ وأفْضَلُهُ وأقْرَبُهُ مَنزِلَةً مِنهُ، أيْ لَمْ أدَّعِ الأُلُوهِيَّةَ ولا المَلَكِيَّةَ لِأنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الإلَهِيَّةِ مَنزِلَةٌ أرْفَعُ مِن مَنزِلَةِ المَلائِكَةِ حَتّى تَسْتَبْعِدُونَ دَعْوايَ وتَسْتَنْكِرُونَها، وإنَّما أدَّعِي ما كانَ مِثْلُهُ لِكَثِيرٍ مِنَ البَشَرِ وهو النُّبُوَّةُ. انْتَهى. وما قالَهُ مِن أنَّ المَعْنى إنِّي أقُولُ لَكم: إنِّي لَسْتُ بِإلَهٍ فَأتَّصِفُ بِصِفاتِهِ مِن كَيْنُونَةِ خَزائِنِهِ عِنْدِي وعِلْمِ الغَيْبِ، وهو قَوْلُ الطَّبَرِيِّ، والأظْهَرُ أنَّهُ يُرِيدُ أنَّهُ بَشَرٌ لا شَيْءَ عِنْدَهُ مِن خَزائِنِ اللَّهِ ولا مِن قُدْرَتِهِ ولا يَعْلَمُ شَيْئًا مِمّا غابَ عَنْهُ، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وأمّا قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ في المَلائِكَةِ: هم أشْرَفُ جِنْسٍ خَلَقَهُ اللَّهُ وأفْضَلُهُ وأقْرَبُهُ مَنزِلَةً فَهو جارٍ عَلى مَذْهَبِ المُعْتَزِلَةِ مِن أنَّ المَلَكَ أفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ، وقَدِ اسْتَدَلَّ الجُبّائِيُّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ المَلائِكَةَ أفْضَلُ مِنَ الأنْبِياءِ قالَ: لِأنَّ مَعْنى الآيَةِ لا أدَّعِي مَنزِلَةً فَوْقَ مَنزِلَتِي، فَلَوْلا أنَّ المَلَكَ أفْضَلُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ. قالَ القاضِي: إنْ كانَ الغَرَضُ مِمّا نَفى طَرِيقَةَ التَّواضُعِ فالأقْرَبُ أنْ يَدُلَّ عَلى أنَّ المَلَكَ أفْضَلُ، وإنْ كانَ نَفْيُ قُدْرَتِهِ عَنْ أفْعالٍ لا يَقْوى عَلَيْها إلّا المَلائِكَةُ لَمْ يَدُلَّ عَلى كَوْنِهِمْ أفْضَلَ. انْتَهى. وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ولا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: ١٧٢] . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وتُعْطِي قُوَّةُ اللَّفْظِ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ المَلَكَ أفْضَلُ مِنَ البَشَرِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِلازِمٍ مِن هَذا المَوْضِعِ، وإنَّما الَّذِي يَلْزَمُ مِنهُ أنَّ المَلَكَ أعْظَمُ مَوْقِعًا في أنْفُسِهِمْ وأقْرَبُ إلى اللَّهِ، والتَّفْضِيلُ يُعْطِيهِ المَعْنى عَطاءً خَفِيًّا وهو ظاهِرٌ مِن آياتٍ أُخَرَ، وهي مَسْألَةُ خِلافٍ، و﴿ما يُوحى﴾ يُرِيدُ بِهِ القُرْآنَ وسائِرَ ما يَأْتِي بِهِ المَلَكُ أيْ في ذَلِكَ عِبَرٌ وآياتٌ لِمَن تَأمَّلَ ونَظَرَ. انْتَهى. وقالَ الكَلْبِيُّ: ﴿خَزائِنُ اللَّهِ﴾ مَقْدُوراتُهُ مِن إغْناءِ الفَقِيرِ وإفْقارِ الغَنِيِّ. وقالَ مُقاتِلٌ: الرَّحْمَةُ والعَذابُ. وقِيلَ: آياتُهُ. وقِيلَ: مَجْمُوعُ هَذا لِقَوْلِهِ ﴿وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ﴾ [الحجر: ٢١] . قِيلَ: وهَذِهِ الثَّلاثُ جَوابٌ لِما سَألَهُ المُشْرِكُونَ، فالأوَّلُ جَوابٌ لِقَوْلِهِمْ: إنْ (p-١٣٤)كُنْتَ رَسُولًا فاسْألِ اللَّهَ حَتّى يُوَسِّعَ عَلَيْنا خَزائِنَ الدُّنْيا، والثّانِي: جَوابٌ لِقَوْلِهِمْ إنْ كُنْتَ رَسُولًا فَأخْبِرْنا بِما يَقَعُ في المُسْتَقْبَلِ مِنَ المَصالِحِ والمَضارِّ فَنَسْتَعِدَّ لِتَحْصِيلِ تِلْكَ ودَفْعِ هَذِهِ، والثّالِثُ: جَوابُ قَوْلِهِمْ: مالِ هَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي في الأسْواقِ ؟ انْتَهى.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (فَإنْ قُلْتَ): أعْلَمُ الغَيْبَ ما مَحَلُّهُ مِنَ الإعْرابِ ؟ قُلْتُ: النَّصْبُ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ قَوْلِهِ: ﴿خَزائِنُ اللَّهِ﴾؛ لِأنَّهُ مِن جُمْلَةِ المَقُولِ، كَأنَّهُ قالَ: لا أقُولُ لَكم هَذا القَوْلَ ولا هَذا القَوْلَ، انْتَهى. ولا يَتَعَيَّنُ ما قالَهُ، بَلِ الظّاهِرُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى لا أقُولُ لا مَعْمُولٌ لَهُ، فَهو أُمِرَ أنْ يُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الجُمَلِ الثَّلاثِ فَهي مَعْمُولَةٌ لِلْأمْرِ الَّذِي هو قُلْ، وغايَرَ في مُتَعَلِّقِ النَّفْيِ فَنَفى قَوْلَهُ: ﴿عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ﴾ وقَوْلَهُ: ﴿إنِّي مَلَكٌ﴾ ونَفى عِلْمَ الغَيْبِ، ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ، ولا أقُولُ إنِّي أعْلَمُ الغَيْبَ لِأنَّ كَوْنَهُ لَيْسَ عِنْدَهُ خَزائِنُ اللَّهِ مِن أرْزاقِ العِبادِ وقَسْمِهِمْ مَعْلُومٌ ذَلِكَ لِلنّاسِ كُلِّهِمْ، فَنَفى ادِّعاءَهُ ذَلِكَ، وكَوْنَهُ بِصُورَةِ البَشَرِ مَعْلُومٌ أيْضًا لِمَعْرِفَتِهِمْ بِوِلادَتِهِ ونَشْأتِهِ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ، فَنَفى أيْضًا ادِّعاءَهُ ذَلِكَ ولَمْ يَنْفِهِما مَن أصِلِهِما لِأنَّ انْتِفاءَ ذَلِكَ مِن أصْلِهِ مَعْلُومٌ عِنْدَهم، فَنَفى أنْ يُكابِرَهم في ادِّعاءِ شَيْءٍ يَعْلَمُونَ خِلافَهُ قَطْعًا. ولَمّا كانَ عِلْمُ الغَيْبِ أمْرًا يُمْكِنُ أنْ يَظْهَرَ عَلى لِسانِ البَشَرِ بَلْ قَدْ يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ كالكُهّانِ وضُرّابِ الرَّمْلِ والمُنَجِّمِينَ، وكانَ قَدْ أخْبَرَ بِأشْياءَ مِنَ المُغَيَّباتِ وطابَقَتْ ما أخْبَرَ بِهِ نَفى عِلْمَ الغَيْبِ مِن أصْلِهِ فَقالَ: ﴿ولا أعْلَمُ الغَيْبَ﴾، تَنْصِيصًا عَلى مَحْضِ العُبُودِيَّةِ والِافْتِقارِ. وأنَّ ما صَدَرَ عَنْهُ مِن إخْبارٍ بِغَيْبٍ إنَّما هو مِنَ الوَحْيِ الوارِدِ عَلَيْهِ لا مِن ذاتِ نَفْسِهِ، فَقالَ: ﴿إنْ أتَّبِعُ إلّا ما يُوحى إلَيَّ﴾ كَما قالَ فِيما حَكى اللَّهُ عَنْهُ ﴿ولَوْ كُنْتُ أعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وما مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: ١٨٨] وكَما أُثِرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «لا أعْلَمُ ما وراءَ هَذا الجِدارِ إلّا أنْ يُعْلِمَنِي رَبِّي»، وجاءَ هَذا النَّفْيُ عَلى سَبِيلِ التَّرَقِّي، فَنَفى أوَّلًا ما تَتَعَلَّقُ بِهِ رَغَباتُ النّاسِ أجْمَعِينَ مِنَ الأرْزاقِ الَّتِي هي قِوامُ الحَياةِ الجُسْمانِيَّةِ، ثُمَّ نَفى ثانِيًا ما تَتَعَلَّقُ بِهِ وتَتَشَوَّفُ إلَيْهِ النُّفُوسُ الفاضِلَةُ مِن مَعْرِفَةِ ما يَجْهَلُونَ وتَعَرُّفِ ما يَقَعُ مِنَ الكَوائِنِ، ثُمَّ نَفى ثالِثًا ما هو مُخْتَصٌّ بِذاتِهِ مِن صِفَةِ المَلائِكَةِ الَّتِي هي مُبايِنَةٌ لِصِفَةِ البَشَرِيَّةِ، فَتَرَقّى في النَّفْيِ مِن عامٍّ إلى خاصٍّ إلى أخَصَّ، ثُمَّ حَصَرَ ما هو عَلَيْهِ في أحْوالِهِ كُلِّها بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ أتَّبِعُ إلّا ما يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ أنا مُتَّبِعٌ ما أوْحى اللَّهُ غَيْرُ شارِعٍ شَيْئًا مِن جِهَتِي، وظاهِرُهُ حُجَّةٌ لِنُفاةِ القِياسِ.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ﴾ أيْ لا يَسْتَوِي النّاظِرُ المُفَكِّرُ في الآياتِ والمُعْرِضُ الكافِرُ الَّذِي يُهْمِلُ النَّظَرَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الكافِرُ والمُؤْمِنُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الضّالُّ والمُهْتَدِي. وقِيلَ: الجاهِلُ والعالِمُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَثَلٌ لِلضُّلّالِ والمُهْتَدِينَ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَثَلًا لِمَنِ اتَّبَعَ ما يُوحى إلَيْهِ ومَن لَمْ يَتَّبِعْ أوْ لِمَنِ ادَّعى المُسْتَقِيمَ وهو النُّبُوَّةُ والمُحالَ وهو الأُلُوهِيَّةُ والمَلَكِيَّةُ.
﴿أفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾ هَذا عَرْضٌ وتَحْضِيضٌ مَعْناهُ الأمْرُ أيْ فَفَكِّرُوا ولا تَكُونُوا ضالِّينَ أشْباهَ العُمْيِ، أوْ فَكِّرُوا فَتَعْلَمُونَ أنِّي لا أتَّبِعُ إلّا ما يُوحى إلَيَّ، أوْ فَتَعْلَمُونَ أنِّي لا أدَّعِي ما لا يَلِيقُ بِالبَشَرِ.
{"ayah":"قُل لَّاۤ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِی خَزَاۤىِٕنُ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ وَلَاۤ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّی مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّۚ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق