الباحث القرآني

﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أخَذَ اللَّهُ سَمْعَكم وأبْصارَكم وخَتَمَ عَلى قُلُوبِكم مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِهِ﴾ لَمّا ذَكَرَ أوَّلًا تَهْدِيدَهم بِإتْيانِ العَذابِ أوِ السّاعَةِ كانَ ذَلِكَ أعْظَمَ مِن هَذا التَّهْدِيدِ، فَأكَّدَ خِطابَ الضَّمِيرِ بِحَرْفِ الخِطابِ فَقِيلَ ﴿أرَأيْتَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٠] ولَمّا كانَ هَذا التَّهْدِيدُ أخَفَّ مِن ذَلِكَ لَمْ يُؤَكَّدْ بِهِ، بَلِ اكْتُفِيَ بِخِطابِ الضَّمِيرِ فَقِيلَ أرَأيْتُمْ، وفي تِلْكَ وهَذِهِ الِاسْتِدْلالُ عَلى تَوْحِيدِ اللَّهِ - تَعالى - وأنَّهُ المُتَصَرِّفُ في العالَمِ الكاشِفُ لِلْعَذابِ والرّادُّ لِما شاءَ بَعْدَ الذَّهابِ، وأنَّ آلِهَتَهم لا تُغْنِي عَنْهم شَيْئًا، والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ ﴿أخَذَ اللَّهُ سَمْعَكم وأبْصارَكُمْ﴾ أنَّهُ ذَهابُ الحاسَّةِ (p-١٣٢)السَّمْعِيَّةِ والبَصَرِيَّةِ فَيَكُونُ أخْذًا حَقِيقِيًّا. وقِيلَ: هو أخْذٌ مَعْنَوِيٌّ والمُرادُ إذْهابُ نُورِ البَصَرِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ العَمى، وإذْهابُ سَمْعِ الأُذُنِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الصَّمَمُ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى إفْرادِ السَّمْعِ وجَمْعِ الأبْصارِ وعَلى الخَتْمِ عَلى القُلُوبِ في أوَّلِ البَقَرَةِ فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. ومَفْعُولُ ﴿أرَأيْتُمْ﴾ الأوَّلُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: قُلْ أرَأيْتُمْ سَمْعَكم وأبْصارَكم إنْ أخَذَها اللَّهُ، والمَفْعُولُ الثّانِي هو الجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ كَما تَقُولُ: أرَأيْتُكَ زَيْدًا ما يَصْنَعُ، وقَدْ قَرَّرْنا أنَّ ذَلِكَ مِن بابِ الإعْمالِ، أعْمَلَ الثّانِيَ وحَذَفَ مِنَ الأوَّلِ، وأوْضَحْنا كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ في الآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ، والضَّمِيرُ في (بِهِ) أفْرَدَهُ إجْراءً لَهُ مَجْرى اسْمِ الإشارَةِ كَأنَّهُ قِيلَ: تَأْتِيكم بِذَلِكَ، أوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِما أخَذَ وخَتَمَ عَلَيْهِ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى السَّمْعِ بِالتَّصْرِيحِ وتَدْخُلُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ. وقِيلَ: هو عائِدٌ عَلى الهُدى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى لِأنَّ أخْذَ السَّمْعِ والبَصَرِ والخَتْمَ عَلى القُلُوبِ سَبَبُ الضَّلالِ وسَدٌّ لِطُرُقِ الهِدايَةِ، و(مَن إلَهٌ) اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ تَوْقِيفُهم عَلى أنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ سِواهُ، فالتَّعَلُّقُ بِغَيْرِهِ لا يَنْفَعُ. قالَ الحَوْفِيُّ: وحَرْفُ الشَّرْطِ وما اتَّصَلَ بِهِ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ، والعامِلُ في الحالِ أرَأيْتُمْ كَقَوْلِهِ: اضْرِبْهُ إنْ خَرَجَ، أيْ خارِجًا، وجَوابُ الشَّرْطِ ما تَقَدَّمَ مِمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ. انْتَهى. وهَذا الإعْرابُ تَخْلِيطٌ. ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هم يَصْدِفُونَ﴾ رَوى أبُو قُرَّةَ المُسَيِّبِيُّ عَنْ نافِعٍ: بِهُ انْظُرْ، بِضَمِّ الهاءِ، وهي قِراءَةُ الأعْرَجِ. وانْظُرْ خِطابٌ لِلسّامِعِ، وتَصْرِيفُ الآياتِ، قالَ مُقاتِلٌ: نُخَوِّفُهم بِأخْذِ الأسْماعِ والأبْصارِ والقُلُوبِ وبِما صُنِعَ بِالأُمَمِ السّالِفَةِ. وقالَ ابْنُ فُورَكٍ: تَصْرِيفُها: مَرَّةٌ تَأْتِي بِالنِّقْمَةِ ومَرَّةٌ تَأْتِي بِالنِّعْمَةِ ومَرَّةٌ بِالتَّرْغِيبِ ومَرَّةٌ بِالتَّرْهِيبِ. وقِيلَ: نُتابِعُ لَهُمُ الحُجَجَ ونَضْرِبُ لَهُمُ الأمْثالَ. وقِيلَ: نُوَجِّهُها إلى الإنْشاءِ والإفْناءِ والإهْلاكِ. وقِيلَ: الآياتُ عَلى صِحَّةِ تَوْحِيدِهِ وصِدْقِ نَبِيِّهِ، والصَّدْفُ والصُّدُوفُ الإعْراضُ والنُّفُورُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ: يَصْدِفُونَ: يُعْرِضُونَ ولا يَعْتَبِرُونَ. وقَرَأ بَعْضُ القُرّاءِ: كَيْفَ نَصْرِفُ، مِن صَرَفَ ثُلاثِيًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب