الباحث القرآني
﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ (p-١٢٤)هَذا ابْتِداءُ احْتِجاجٍ عَلى الكُفّارِ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ شُرَكاءَ. قالَ الكِرْمانِيُّ: (أرَأيْتَكم) كَلِمَةُ اسْتِفْهامٍ، وتَعَجُّبٍ، ولَيْسَ لَها نَظِيرٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والمَعْنى: أرَأيْتَكم إنْ خِفْتُمْ عَذابَ اللَّهِ، أوْ خِفْتُمْ هَلاكًا، أوْ خِفْتُمُ السّاعَةَ، أتَدْعُونَ أصْنامَكم، وتَلْجَأُونَ إلَيْها في كَشْفِ ذَلِكَ، إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في قَوْلِكم إنَّها آلِهَةٌ ؟ بَلْ تَدْعُونَ اللَّهَ الخالِقَ الرّازِقَ، فَيَكْشِفُ ما خِفْتُمُوهُ إنْ شاءَ، وتَنْسَوْنَ أصْنامَكُمْ؛ أيْ تَتْرُكُونَهم، فَعَبَّرَ عَنِ التَّرْكِ بِأعْظَمِ وُجُوهِهِ الَّذِي هو مَعَ التَّرْكِ، ذُهُولٌ وإغْفالٌ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ إلَهًا مَن هَذِهِ حالُهُ في الشَّدائِدِ ؟ و﴿أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾ أتاكم خَوْفُهُ وأماراتُهُ، وأوائِلُهُ، مِثْلُ الجَدْبِ والبَأْساءِ والأمْراضِ الَّتِي يُخافُ مِنها الهَلاكُ، كالقُولَنْجِ. ويَدْعُو إلى هَذا التَّأْوِيلِ، أنّا لَوْ قَدَّرْنا إتْيانَ العَذابِ وحُلُولَهُ، لَمْ يَتَرَتَّبْ أنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ؛ لِأنَّ ما قَدْ صَحَّ حُلُولُهُ ومَضى، لا يَصِحُّ كَشْفُهُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِالسّاعَةِ في هَذِهِ الآيَةِ، ساعَةَ مَوْتِ الإنْسانِ انْتَهى. ولا يُضْطَرُّ إلى هَذا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ، بَلْ إذا حَلَّ بِالإنْسانِ العَذابُ، واسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، لا يَدْعُو إلّا اللَّهَ، وقَوْلُهُ: لِأنَّ ما صَحَّ حُلُولُهُ ومَضى، لا يَصِحُّ كَشْفُهُ، لَيْسَ كَما ذَكَرَ؛ لِأنَّ العَذابَ الَّذِي يَحِلُّ بِالإنْسانِ، هو جِنْسٌ مِنهُ ما مَرَّ وانْقَضى، فَذَلِكَ لا يَصِحُّ كَشْفُهُ، ومِنهُ ما هو مُلْتَبِسٌ بِالإنْسانِ في الحالِ، فَيَصِحُّ كَشْفُهُ وإزالَتُهُ، بِقَطْعِ اللَّهِ ذَلِكَ عَنِ الإنْسانِ. وهَذِهِ الآيَةُ تُنْظِرُ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا مَسَّ الإنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أوْ قاعِدًا أوْ قائِمًا فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأنْ لَمْ يَدْعُنا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢]، فَما انْقَضى مِنَ الضُّرِّ الَّذِي مَسَّهُ، لا يَصِحُّ كَشْفُهُ، وما هو مُلْتَبِسٌ بِهِ، كَشَفَهُ اللَّهُ تَعالى، فالضُّرُّ جِنْسٌ كَما أنَّ العَذابَ هُنا جِنْسٌ. وقالَ مُقاتِلٌ: عَذابُ اللَّهِ هو العَذابُ الَّذِي كانَ يَأْتِي الأُمَمَ الخالِيَةَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو المَوْتُ، ويَعْنِي، واللَّهُ أعْلَمُ مُقَدِّماتِهِ مِنَ الشَّدائِدِ. والجُمْهُورُ عَلى أنَّ (السّاعَةُ) هي القِيامَةُ، وأرَأيْتَ: الهَمْزَةُ فِيها لِلِاسْتِفْهامِ، فَإنْ كانَتِ البَصَرِيَّةَ، أوِ الَّتِي لِإصابَةِ الرُّؤْيَةِ، أوِ العِلْمِيَّةَ الباقِيَةَ عَلى بابِها، لَمْ يَجُزْ فِيها إلّا تَحْقِيقُ الهَمْزَةِ، أوْ تَسْهِيلُها بَيْنَ بَيْنَ، ولا يَجُوزُ حَذْفُها. وتَخْتَلِفُ (p-١٢٥)التّاءُ بِاخْتِلافِ المُخاطَبِ، ولا يَجُوزُ إلْحاقُ الكافِ بِها، وإنْ كانَتِ العِلْمِيَّةَ الَّتِي هي بِمَعْنى أخْبَرَنِي، جازَ أنْ تُحَقَّقَ الهَمْزَةُ، وبِهِ قَرَأ الجُمْهُورُ في ﴿أرَأيْتَكُمْ﴾، وأرَأيْتُمْ وأرَأيْتَ، وجازَ أنْ تُسَهَّلَ بَيْنَ بَيْنَ، وبِهِ قَرَأ نافِعٌ، ورُوِيَ عَنْهُ إبْدالُها ألِفًا مَحْضَةً، ويَطُولُ مَدُّها لِسُكُونِها وسُكُونِ ما بَعْدَها. وهَذا البَدَلُ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، إلّا أنَّهُ قَدْ سُمِعَ مِن كَلامِ العَرَبِ، حَكاهُ قُطْرُبُ وغَيْرُهُ، وجازَ حَذْفُها، وبِهِ قَرَأ الكِسائِيُّ، وقَدْ جاءَ ذَلِكَ في كَلامِ العَرَبِ. قالَ الرّاجِزُ:
؎أرَيْتَ إنْ جاءَتْ بِهِ أُمْلُودا
بَلْ قَدْ زَعَمَ الفَرّاءُ أنَّها لُغَةُ أكْثَرِ العَرَبِ، قالَ الفَرّاءُ: لِلْعَرَبِ في أرَأيْتَ لُغَتانِ ومَعْنَيانِ: أحَدُهُما: أنْ تَسْألَ الرَّجُلَ، أرَأيْتَ زَيْدًا ؟ أيْ بِعَيْنِكَ، فَهَذِهِ مَهْمُوزَةٌ، وثانِيهِما: أنْ تَقُولَ: أرَأيْتَ، وأنْتَ تَقُولُ: أخْبِرْنِي فِيها هُنا، تَتْرُكُ الهَمْزَةَ إنْ شِئْتَ، وهو أكْثَرُ كَلامِ العَرَبِ، تُومِئُ إلى تَرْكِ الهَمْزَةِ؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَ المَعْنَيَيْنِ انْتَهى. وإذا كانَتْ بِمَعْنى أخْبِرْنِي، جازَ أنْ تَخْتَلِفَ التّاءُ بِاخْتِلافِ المُخاطَبِ، وجازَ أنْ تَتَّصِلَ بِها الكافُ مُشْعِرَةً بِاخْتِلافِ المُخاطَبِ، وتَبْقى التّاءُ مَفْتُوحَةً، كَحالِها لِلْواحِدِ المُذَكَّرِ. ومَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ أنَّ التّاءَ هي الفاعِلُ، وما لَحِقَها حَرْفٌ يَدُلُّ عَلى اخْتِلافِ المُخاطَبِ، وأغْنى اخْتِلافُهُ عَنِ اخْتِلافِ التّاءِ. ومَذْهَبُ الكِسائِيِّ أنَّ الفاعِلَ هو التّاءُ، وأنَّ أداةَ الخِطابِ اللّاحِقَةَ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الأوَّلِ. ومَذْهَبُ الفَرّاءِ أنَّ التّاءَ هي حَرْفُ خِطابٍ (p-١٢٦)كَهِيَ في أنْتَ، وأنَّ أداةَ الخِطابِ بَعْدَهُ هي في مَوْضِعِ الفاعِلِ، اسْتُعِيرَتْ ضَمائِرُ النَّصْبِ لِلرَّفْعِ، والكَلامُ عَلى هَذِهِ المَذاهِبِ إبْدالًا وتَصْحِيحًا مَذْكُورٌ في عِلْمِ النَّحْوِ، وكَوْنُ أرَأيْتَ وأرَأيْتَكَ بِمَعْنى أخْبِرْنِي، نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ والأخْفَشُ والفَرّاءُ والفارِسِيُّ وابْنُ كَيْسانَ وغَيْرُهم. وذَلِكَ تَفْسِيرُ مَعْنًى، لا تَفْسِيرُ إعْرابٍ، قالُوا: فَتَقُولُ العَرَبُ: أرَأيْتَ زَيْدًا ما صَنَعَ ! فالمَفْعُولُ الأوَّلُ مُلْتَزَمٌ فِيهِ النَّصْبُ، ولا يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلى اعْتِبارِ تَعْلِيقِ أرَأيْتَ، وهو جائِزٌ في عَلِمْتَ ورَأيْتَ الباقِيَةِ عَلى مَعْنى عَلِمْتَ المُجَرَّدَةِ مِن مَعْنى أخْبِرْنِي؛ لِأنَّ أخْبِرْنِي لا تُعَلَّقُ، فَكَذَلِكَ ما كانَ بِمَعْناها، والجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي. قالَ سِيبَوَيْهِ: وتَقُولُ أرَأيْتَكَ زَيْدًا أبُو مَن هو ؟ وأرَأيْتَكَ عَمْرًا أعِنْدَكَ هو أمْ عِنْدَ فُلانٍ ؟ لا يَحْسُنُ فِيهِ إلّا النَّصْبُ في زَيْدٍ، ألا تَرى أنَّكَ لَوْ قُلْتَ: أرَأيْتَ أبُو مَن أنْتَ ؟، وأرَأيْتَ أزَيْدٌ ثَمَّ أمْ فُلانٌ لَمْ يَحْسُنْ؛ لِأنَّ فِيهِ مَعْنى أخْبِرْنِي عَنْ زَيْدٍ. ثُمَّ قالَ سِيبَوَيْهِ: وصارَ الِاسْتِفْهامُ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثّانِي. وقَدِ اعْتَرَضَ كَثِيرٌ مِنَ النُّحاةِ عَلى سِيبَوَيْهِ وخالَفُوهُ، وقالُوا: كَثِيرًا ما تُعَلَّقُ (أرَأيْتَ)، وفي القُرْآنِ مِن ذَلِكَ كَثِيرٌ، مِنهُ ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾، ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ [العلق: ٩] ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ١٠]، ﴿أرَأيْتَ إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ [العلق: ١٣] ﴿ألَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١٤] . وقالَ الشّاعِرُ:
؎أرَأيْتَ إنْ جاءَتْ بِهِ أُمْلُودًا
؎مُرَجَّلًا ويَلْبَسُ البُرُودا ∗∗∗ أقائِلُنَّ أحْضَرُوا الشُّهُودا
وذَهَبَ ابْنُ كَيْسانَ إلى أنَّ الجُمْلَةَ الِاسْتِفْهامِيَّةَ في أرَأيْتَ زَيْدًا ما صَنَعَ ؟ بَدَلٌ مِن أرَأيْتَ. وزَعَمَ أبُو الحَسَنِ أنَّ أرَأيْتَكَ إذا كانَتْ بِمَعْنى أخْبِرْنِي، فَلا بُدَّ بَعْدَها مِنَ الِاسْمِ المُسْتَخْبَرِ عَنْهُ، وتَلْزَمُ الجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ الِاسْتِفْهامَ؛ لِأنَّ أخْبِرْنِي مُوافِقٌ لِمَعْنى الِاسْتِفْهامِ، وزَعَمَ أيْضًا أنَّها تَخْرُجُ عَنْ بابِها بِالكُلِّيَّةِ، وتُضَمَّنُ مَعْنى (أما)، أوْ تَنَبَّهْ، وجَعَلَ مِن ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قالَ أرَأيْتَ إذْ أوَيْنا إلى الصَّخْرَةِ فَإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ﴾ [الكهف: ٦٣] . وقَدْ أمْعَنّا الكَلامَ عَلى أرَأيْتَ، ومَسائِلُها في كِتابِنا المُسَمّى بِالتَّذْيِيلِ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ، وجَمَعْنا فِيهِ ما لا يُوجَدُ مَجْمُوعًا في كِتابٍ، فَيُوقَفُ عَلَيْهِ فِيهِ، ونَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلى كُلِّ مَكانٍ تَقَعُ فِيهِ أرَأيْتَ، في القُرْآنِ بِخُصُوصِيَّتِهِ. (p-١٢٧)فَنَقُولُ الَّذِي نَخْتارُهُ أنَّها باقِيَةٌ عَلى حُكْمِها مِنَ التَّعَدِّي إلى اثْنَيْنِ، فالأوَّلُ مَنصُوبٌ، والَّذِي لَمْ نَجِدْهُ بِالِاسْتِقْراءِ إلّا جُمْلَةً اسْتِفْهامِيَّةً، أوْ قَسَمِيَّةً، فَإذا تَقَرَّرَ هَذا، فَنَقُولُ: المَفْعُولُ الأوَّلُ في هَذِهِ الآيَةِ مَحْذُوفٌ، والمَسْألَةُ مِن بابِ التَّنازُعِ، تَنازَعَ (أرَأيْتَكم)، والشَّرْطُ عَلى عَذابِ اللَّهِ، فَأُعْمِلَ الثّانِي، وهو (أتاكم)، فارْتَفَعَ عَذابُ بِهِ، ولَوْ أُعْمِلَ الأوَّلُ لَكانَ التَّرْكِيبُ (عَذابَ)، بِالنَّصْبِ، ونَظِيرُهُ اضْرِبْ إنْ جاءَكَ زَيْدٌ، عَلى إعْمالِ (جاءَكَ)، ولَوْ نُصِبَ لَجازَ، وكانَ مِن إعْمالِ الأوَّلِ، وأمّا المَفْعُولُ الثّانِي، فَهي الجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ مِن ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾، والرّابِطُ لِهَذِهِ الجُمْلَةِ بِالمَفْعُولِ الأوَّلِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ لِكَشْفِهِ، والمَعْنى: قُلْ أرَأيْتَكم عَذابَ اللَّهِ إنْ أتاكم، أوِ السّاعَةَ إنْ أتَتْكم، أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ لِكَشْفِهِ، أوْ كَشْفِ نَوارٍ لَها، وزَعَمَ أبُو الحَسَنِ أنَّ ﴿أرَأيْتَكُمْ﴾ في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى أمّا. قالَ: وتَكُونُ أبَدًا بَعْدَ الشَّرْطِ وظُرُوفِ الزَّمانِ، والتَّقْدِيرُ: أمّا إنْ أتاكم عَذابُهُ والِاسْتِفْهامُ جَوابُ أرَأيْتَ، لا جَوابَ الشَّرْطِ، وهَذا إخْراجٌ لِأرَأيْتَ عَنْ مَدْلُولِها بِالكُلِّيَّةِ، وقَدْ ذَكَرْنا تَخْرِيجَها عَلى ما اسْتَقَرَّ فِيها، فَلا نَحْتاجُ إلى هَذا التَّأْوِيلِ البَعِيدِ. وعَلى ما زَعَمَ أبُو الحَسَنِ، لا يَكُونُ لِأرَأيْتَ مَفْعُولانِ، ولا مَفْعُولٌ واحِدٌ. وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ مَفْعُولَ (أرَأيْتَكم) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، تَقْدِيرُهُ: أرَأيْتَكم عِبادَتَكُمُ الأصْنامَ، هَلْ تَنْفَعُكم عِنْدَ مَجِيءِ السّاعَةِ ؟ ودَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ . وقالَ آخَرُونَ: لا تَحْتاجُ هُنا إلى جَوابِ مَفْعُولٍ؛ لِأنَّ الشَّرْطَ وجَوابَهُ قَدْ حَصَّلا مَعْنى المَفْعُولِ، وهَذانِ القَوْلانِ ضَعِيفانِ، وأمّا جَوابُ الشَّرْطِ، فَذَهَبَ الحَوْفِيُّ إلى أنَّ جَوابَهُ (أرَأيْتَكم) قُدِّمَ لِدُخُولِ ألِفِ الِاسْتِفْهامِ عَلَيْهِ، وهَذا لا يَجُوزُ عِنْدَنا، وإنَّما يَجُوزُ تَقْدِيمُ جَوابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ في مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ وأبِي زَيْدٍ والمُبَرِّدِ. وذَهَبَ غَيْرُهُ إلى أنَّهُ مَحْذُوفٌ، فَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَقالَ: إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ، أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ مَن تَدْعُونَ ؟ وإصْلاحُهُ بِدُخُولِ الفاءِ؛ أيْ فَمَن تَدْعُونَ ؟ لِأنَّ الجُمْلَةَ الِاسْتِفْهامِيَّةَ إذا وقَعَتْ جَوابًا لِلشَّرْطِ، فَلا بُدَّ فِيها مِنَ الفاءِ ؟ وقَدَّرَهُ غَيْرُهُ؛ إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ، أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ، دَعَوْتُمُ اللَّهَ، ودَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ الشَّرْطُ بِقَوْلِهِ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾، كَأنَّهُ قِيلَ: أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ انْتَهى. فَلا يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ الشَّرْطُ بِقَوْلِهِ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ﴾ لِأنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ لَكانَ جَوابًا لِلشَّرْطِ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَوابًا لِلشَّرْطِ؛ لِأنَّ جَوابَ الشَّرْطِ إذا كانَ اسْتِفْهامًا بِالحَرْفِ، لا يَكُونُ إلّا بِـ (هَلْ) مُقَدَّمًا عَلَيْها الفاءُ، نَحْوَ إنْ قامَ زَيْدٌ فَهَلْ تُكْرِمُهُ ؟ ولا يَجُوزُ ذَلِكَ في الهَمْزَةِ، لا تَتَقَدَّمُ الفاءُ عَلى الهَمْزَةِ ولا تَتَأخَّرُ عَنْها، فَلا يَجُوزُ إنْ قامَ زَيْدٌ فَأتُكْرِمُهُ ؟ ولا أفَتُكْرِمُهُ، ولا أتُكْرِمَنَّهُ، بَلْ إذا جاءَ الِاسْتِفْهامُ جَوابًا لِلشَّرْطِ، لَمْ يَكُنْ إلّا بِما يَصِحُّ وُقُوعُهُ بَعْدَ الفاءِ لا قَبْلَها، هَكَذا نَقَلَهُ الأخْفَشُ عَنِ العَرَبِ، ولا يَجُوزُ أيْضًا مِن وجْهٍ آخَرَ؛ لِأنّا قَدْ قَرَّرْنا أنَّ (أرَأيْتَكَ) مُتَعَدٍّ إلى اثْنَيْنِ: أحَدُهُما في هَذِهِ الآيَةِ مَحْذُوفٌ، وأنَّهُ مِن بابِ التَّنازُعِ، والآخَرُ وقَعَتِ الجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ مَوْقِعَهُ، فَلَوْ جَعَلْتَها جَوابًا لِلشَّرْطِ لَبَقِيَتْ (أرَأيْتَكم) مُتَعَدِّيَةً إلى واحِدٍ، وذَلِكَ لا يَجُوزُ، وأيْضًا التِزامُ العَرَبِ في الشَّرْطِ الجائِي بَعْدَ أرَأيْتَ، مُضِيَّ الفِعْلِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ جَوابَ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ لِأنَّهُ لا يُحْذَفُ جَوابُ الشَّرْطِ إلّا عِنْدَ مُضِيِّ فِعْلِهِ، قالَ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتَكم إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾، ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أخَذَ اللَّهُ سَمْعَكم وأبْصارَكُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦]، ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا﴾ [يونس: ٥٠]، ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أخَذَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٤٦]، ﴿أفَرَأيْتَ إنْ مَتَّعْناهم سِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢٠٥]، ﴿أرَأيْتَ إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ [العلق: ١٣] ﴿ألَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١٤] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ؛ وقالَ الشّاعِرُ:
؎أرَأيْتَ إنْ جاءَتْ بِهِ أُمْلُودا
وأيْضًا فَمَجِيءُ الجُمَلِ الِاسْتِفْهامِيَّةِ مُصَدَّرَةً بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ، دَلِيلٌ عَلى أنَّها لَيْسَتْ جَوابَ الشَّرْطِ، إذْ لا يَصِحُّ وُقُوعُها جَوابًا لِلشَّرْطِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: إنْ عُلِّقَتِ الشَّرْطِيَّةُ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ﴾، فَما تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: (p-١٢٨)﴿أوْ أتَتْكُمُ السّاعَةُ﴾ ! وقَوارِعُ السّاعَةِ لا تُكْشَفُ عَنِ المُشْرِكِينَ، قُلْتُ: قَدِ اشْتَرَطَ في الكَشْفِ المَشِيئَةَ، وهو قَوْلُهُ: إنْ شاءَ إيذانًا بِأنَّهُ إنْ فَعَلَ، كانَ لَهُ وجْهٌ مِنَ الحِكْمَةِ، إلّا أنَّهُ لا يَفْعَلُ لِوَجْهٍ آخَرَ مِنَ الحِكْمَةِ أرْجَحَ مِنهُ انْتَهى. وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ الشَّرْطُ بِقَوْلِهِ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ﴾، وقَدِ اسْتَدَلَّ لِلْفاعِلِ أنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ. وتُلُخِّصَ في جَوابِ الشَّرْطِ أقْوالٌ: أحَدُها؛ أنَّهُ مَذْكُورٌ، وهو (أرَأيْتَكم)، المُتَقَدِّمُ، والآخَرُ أنَّهُ مَذْكُورٌ، وهو ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ . والثّالِثُ: أنَّهُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: مَن تَدْعُونَ. والرّابِعُ: أنَّهُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: دَعَوْتُمُ اللَّهَ، هَذا ما وجَدْناهُ مَنقُولًا. والَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ غَيْرُ هَذِهِ الأقْوالِ، وهو أنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا لِدَلالَةِ (أرَأيْتَكم) عَلَيْهِ، وتَقْدِيرُهُ: ﴿إنْ أتاكم عَذابُ اللَّهِ﴾، فَأخْبِرُونِي عَنْهُ، أتَدْعُونَ غَيْرَ اللَّهِ لِكَشْفِهِ ؟ كَما تَقُولُ: أخْبِرْنِي عَنْ زَيْدٍ إنْ جاءَكَ ما تَصْنَعُ بِهِ ؟ التَّقْدِيرُ: إنْ جاءَكَ فَأخْبِرْنِي، فَحُذِفَ الجَوابُ لِدَلالَةِ أخْبِرْنِي عَلَيْهِ، ونَظِيرُ ذَلِكَ أنْتَ ظالِمٌ إنْ فَعَلْتَ، التَّقْدِيرُ: فَأنْتَ ظالِمٌ، فَحُذِفَ فَأنْتَ ظالِمٌ، وهو جَوابُ الشَّرْطِ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وهَذا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَدَّرْناهُ هو الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَواعِدُ العَرَبِيَّةِ. و(غَيْرَ اللَّهِ) عَنى بِهِ الأصْنامَ الَّتِي كانُوا يَعْبُدُونَها، وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ هُنا بَعْدَ الهَمْزَةِ، يَدُلُّ عَلى الإنْكارِ عَلَيْهِمْ دُعاءَ الأصْنامِ، إذْ لا يُنْكَرُ الدُّعاءُ، إنَّما يُنْكَرُ أنَّ الأصْنامَ تُدْعى، كَما تَقُولُ: أزَيْدًا تَضْرِبُ ؟ لا تُنْكِرُ الضَّرْبَ، ولَكِنْ تُنْكِرُ أنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ زَيْدًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَكَّتَهم بِقَوْلِهِ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ بِمَعْنى أتَخُصُّونَ آلِهَتَكم بِالدَّعْوَةِ فِيما هو عادَتُكم إذا أصابَكم ضُرٌّ، أمْ تَدْعُونَ اللَّهَ دُونَها ؟ انْتَهى. وقَدَّرَهُ بِمَعْنى أتَخُصُّونَ؛ لِأنَّ عِنْدَهُ تَقْدِيمَ المَفْعُولِ مُؤْذِنٌ بِالتَّخْصِيصِ والحَصْرِ، وقَدْ تَكَلَّمْنا فِيما سَبَقَ في ذَلِكَ، وأنَّهُ لا يَدُلُّ عَلى الحَصْرِ والتَّخْصِيصِ. وهَذِهِ الآيَةُ عِنْدَ عُلَماءِ البَيانِ مِن بابِ اسْتِدْراجِ المُخاطَبِ، وهو أنْ يُلِينَ الخِطابَ، ويَمْزُجَهُ بِنَوْعٍ مِنَ التَّلَطُّفِ والتَّعَطُّفِ، حَتّى يُوقِعَ المُخاطَبَ في أمْرٍ يَعْتَرِفُ بِهِ، فَتَقُومَ الحُجَّةُ عَلَيْهِ. واللَّهُ تَعالى خاطَبَ هَؤُلاءِ الكُفّارَ بِلِينٍ مِنَ القَوْلِ، وذَكَرَ لَهم أمْرًا لا يُنازِعُونَ فِيهِ، وهو أنَّهم كانُوا إذا مَسَّهُمُ الضُّرُّ، دَعَوُا اللَّهَ لا غَيْرَهُ. وجَوابُ ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دَعْواكم أنَّ غَيْرَ اللَّهِ إلَهٌ، فَهَلْ تَدْعُونَهُ لِكَشْفِ ما يَحِلُّ بِكم مِنَ العَذابِ ؟ ﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ﴾ . (إيّاهُ) ضَمِيرُ نَصْبٍ مُنْفَصِلٌ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] مُسْتَوْفًى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُنا (إيّاهُ) اسْمٌ مُضْمَرٌ أُجْرِي مَجْرى المُظْهَراتِ في أنَّهُ يُضافُ أبَدًا انْتَهى. وهَذا مُخالِفٌ لِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ؛ لِأنَّ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أنَّ ما اتَّصَلَ بِإيّا مِن دَلِيلِ تَكَلُّمٍ أوْ خِطابٍ أوْ غَيْبَةٍ، وهو حَرْفٌ لا اسْمٌ، أُضِيفَ إلَيْهِ إيّا؛ لِأنَّ المُضْمَرَ عِنْدَهُ لا يُضافُ؛ لِأنَّهُ أعْرَفُ المَعارِفِ، فَلَوْ أُضِيفَ لَزِمَ مِن ذَلِكَ تَنَكُّرُهُ حَتّى يُضافَ، ويَصِيرَ إذْ ذاكَ مَعْرِفَةً بِالإضافَةِ، لا يَكُونُ مُضْمَرًا، وهَذا فاسِدٌ. ومَجِيئُهُ هُنا مُقَدَّمًا عَلى فِعْلِهِ دَلِيلٌ عَلى الِاعْتِناءِ بِذِكْرِ المَفْعُولِ، وعِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّ تَقْدِيمَهُ دَلِيلٌ عَلى الحَصْرِ والِاخْتِصاصِ؛ ولِذَلِكَ قالَ: بَلْ تَخُصُّونَهُ بِالدُّعاءِ دُونَ الآلِهَةِ. والِاخْتِصاصُ عِنْدَنا والحَصْرُ فُهِمَ مِن سِياقِ الكَلامِ، لا مِن تَقْدِيمِ المَفْعُولِ عَلى العامِلِ. و(بَلْ) هُنا لِلْإضْرابِ والِانْتِقالِ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ مِن غَيْرِ إبْطالٍ؛ لِما تَضَمَّنَهُ الكَلامُ السّابِقُ مِن مَعْنى النَّفْيِ؛ لِأنَّ مَعْنى الجُمْلَةِ السّابِقَةِ النَّفْيُ، وتَقْدِيرُها: ما تَدْعُونَ أصْنامَكم لِكَشْفِ العَذابِ. وهَذا كَلامٌ حَقٌّ لا يُمْكِنُ فِيهِ الإضْرابُ، يَعْنِي الإبْطالَ. و(ما) مِن قَوْلِهِ: ﴿ما تَدْعُونَ﴾ الأظْهَرُ أنَّها مَوْصُولَةٌ؛ أيْ فَيَكْشِفُ الَّذِي تَدْعُونَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ ظَرْفِيَّةً انْتَهى. ويَكُونَ مَفْعُولُ (يَكْشِفُ) مَحْذُوفًا؛ أيْ فَيَكْشِفُ العَذابَ مُدَّةَ دُعائِكُمْ؛ أيْ ما دُمْتُمْ داعِيهِ، وهَذا فِيهِ حَذْفُ المَفْعُولِ، وخُرُوجٌ عَنِ الظّاهِرِ لِغَيْرِ حاجَةٍ، ويُضْعِفُهُ وصْلُ (ما) الظَّرْفِيَّةُ بِالمُضارِعِ، وهو قَلِيلٌ جِدًّا، إنَّما بابُها أنْ تُوصَلَ بِالماضِي، تَقُولُ: ألّا أُكَلِّمَكَ ما طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ولِذَلِكَ عِلَّةُ أمّا ذُكِرَتْ في عِلْمِ النَّحْوِ قالَ ابْنُ (p-١٢٩)عَطِيَّةَ: ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً عَلى حَذْفٍ في الكَلامِ. وقالَ الزَّجّاجُ: وهو مِثْلُ واسْألِ القَرْيَةَ انْتَهى. ويَكُونُ تَقْدِيرُ المَحْذُوفِ، فَيَكْشِفُ مُوجِبَ دُعائِكم، وهو العَذابُ، وهَذِهِ دَعْوى مَحْذُوفٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنٍ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ. والضَّمِيرُ في (إلَيْهِ) عائِدٌ عَلى (ما) المَوْصُولَةِ؛ أيْ إلى كَشْفِهِ، ودَعا بِالنِّسْبَةِ إلى مُتَعَلِّقِ الدُّعاءِ، يَتَعَدّى بِـ (إلى)، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وإذا دُعُوا إلى اللَّهِ﴾ [النور: ٤٨] الآيَةَ؛ وقالَ الشّاعِرُ:
؎وإنْ دَعَوْتِ إلى جُلّى ومَكْرُمَةٍ ∗∗∗ يَوْمًا سَراةَ كِرامِ النّاسِ فادْعِينا
وتَتَعَدّى بِاللّامِ أيْضًا؛ قالَ الشّاعِرُ:
؎وإنْ أُدْعَ لِلْجُلّى أكُنْ مِن حُماتِها
وقالَ آخَرُ:
؎دَعَوْتُ لَمّا نابَنِي مُسَوَّرا
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والضَّمِيرُ في (إلَيْهِ) يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ إلى اللَّهِ بِتَقْدِيرِ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ انْتَهى. وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّ دَعا بِالنِّسْبَةِ إلى مُجِيبِ الدُّعاءِ، إنَّما يَتَعَدّى لِمَفْعُولٍ بِهِ دُونَ حَرْفِ جَرٍّ، قالَ تَعالى: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ﴾ [البقرة: ١٨٦] . ومِن كَلامِ العَرَبِ: دَعَوْتُ اللَّهَ سَمِيعًا ولا تَقُولُ بِهَذا المَعْنى دَعَوْتُ إلى اللَّهِ، إلّا أنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُصَحَّحَ كَلامُهُ بِدَعْوى التَّضْمِينِ، ضَمَّنَ يَدْعُونَ مَعْنى يَلْجَأُونَ، كَأنَّهُ قِيلَ: فَيَكْشِفُ ما يَلْجَأُونَ فِيهِ بِالدُّعاءِ إلى اللَّهِ، لَكِنَّ التَّضْمِينَ لَيْسَ بِقِياسٍ، ولا يُصارُ إلَيْهِ إلّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، ولا ضَرُورَةَ هُنا تَدْعُو إلَيْهِ. وعَلَّقَ تَعالى الكَشْفَ بِمَشِيئَتِهِ، فَإنْ شاءَ أنْ يَتَفَضَّلَ بِالكَشْفِ، فَعَلَ، وإنْ لَمْ يَشَأْ، لَمْ يَفْعَلْ، لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إنْ شاءَ: إنْ أرادَ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكم، ولَمْ تَكُنْ مَفْسَدَةً انْتَهى. وفي قَوْلِهِ: ولَمْ تَكُنْ مَفْسَدَةً دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ، وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ﴾ النِّسْيانُ حَقِيقَةٌ، والذُّهُولُ والغَفْلَةُ عَنِ الأصْنامِ؛ لِأنَّ الشَّخْصَ إذا دَهَمَهُ ما لا طاقَةَ لَهُ بِدَفْعِهِ، تَجَرَّدَ خاطِرُهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ، إلّا مِنَ اللَّهِ الكاشِفِ لِذاكَ الدّاهِمِ، فَيَكادُ يَصِيرُ المَلْجَأُ إلى التَّعَلُّقِ بِاللَّهِ والذُّهُولِ عَنْ مَن سِواهُ، فَلا يَذْكُرُ غَيْرَ اللَّهِ القادِرِ عَلى كَشْفِ ما دَهَمَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿وتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ﴾ وتَكْرَهُونَ آلِهَتَكم، وهَذا فِيهِ بُعْدٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَتْرُكُونَهم، وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ هَذا، وسَبَقَهُ إلَيْهِ الزَّجّاجُ، فَقالَ: تَتْرُكُونَهم لِعِلْمِكم أنَّهم في الحَقِيقَةِ لا يَضُرُّونَ ولا يَنْفَعُونَ. وقالَ النَّحّاسُ: هو مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ﴾ [طه: ١١٥] . وقِيلَ: يُعْرِضُونَ إعْراضَ النّاسِي لِلْيَأْسِ مِنَ النَّجاةِ مِن قَبْلِهِ. و(ما) مَوْصُولَةٌ؛ أيْ وتَنْسَوْنَ الَّذِي تُشْرِكُونَ. وقِيلَ: (ما) مَصْدَرِيَّةٌ؛ أيْ وتَنْسَوْنَ إشْراكَكم، ومَعْنى هَذِهِ الجُمَلِ، بَلْ لا مَلْجَأ لَكم إلّا اللَّهُ تَعالى، وأصْنامُكم مُطْرَحَةٌ مَنسِيَّةٌ، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.
{"ayahs_start":40,"ayahs":["قُلۡ أَرَءَیۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","بَلۡ إِیَّاهُ تَدۡعُونَ فَیَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَیۡهِ إِن شَاۤءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ"],"ayah":"بَلۡ إِیَّاهُ تَدۡعُونَ فَیَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَیۡهِ إِن شَاۤءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق