الباحث القرآني

﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إلّا مِثْلَها وهم لا يُظْلَمُونَ﴾: رَوى الخُدْرِيُّ، وابْنُ عُمَرَ أنَّها نَزَلَتْ في الأعْرابِ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ الهِجْرَةِ ضُوعِفَتْ لَهُمُ الحَسَنَةُ بِعَشْرٍ وضُوعِفَ لِلْمُهاجِرِينَ تِسْعَمِائَةٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقالَ: يُحْتاجُ إلى إسْنادٍ يَقْطَعُ العُذْرَ؛ انْتَهى. ولَمّا ذَكَرَ أنَّهُ يُنَبِّئُهم بِفِعْلِهِمْ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ المُجازاةِ، ولَمّا كانَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا﴾ [الأنعام: ١٥٩] مُشْعِرًا بِقِسْمَيْهِ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلى دِينِهِ قَسَّمَ المُجازِينَ إلى جاءَ بِحَسَنَةٍ وجاءَ بِسَيِّئَةٍ، وفُسِّرَتِ الحَسَنَةُ بِالإيمانِ، وعَشْرُ أمْثالِها تَضْعِيفُ أُجُورِهِ أيْ ثَوابُ عَشْرِ أمْثالِها في الجَنَّةِ، وفُسِّرَتِ السَّيِّئَةُ بِالكُفْرِ ومِثْلُها النّارُ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ الخُدْرِيِّ، وابْنِ عُمَرَ. وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ومُجاهِدٌ والقاسِمُ بْنُ أبِي بَزَّةَ وغَيْرُهم: الحَسَنَةُ هُنا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ والسَّيِّئَةُ الكُفْرُ، والظّاهِرُ أنَّ العَدَدَ مُرادٌ. وقالَ الماتُرِيدِيُّ: لَيْسَ عَلى التَّحْدِيدِ حَتّى لا يُزادَ عَلَيْهِ ولا يُنْقَصَ مِنهُ، بَلْ عَلى التَّعْظِيمِ لِذَلِكَ، إذْ هَذا العَدَدُ لَهُ خَطَرٌ عِنْدَ النّاسِ، أوْ عَلى التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِ: ﴿كَعَرْضِ السَّماءِ والأرْضِ﴾ [الحديد: ٢١] . وقالَ: ﴿مَن جاءَ﴾ ولَمْ يَقُلْ مَن عَمِلَ لِيُعْلَمَ أنَّ النَّظَرَ إلى ما خُتِمَ بِهِ وقُبِضَ عَلَيْهِ دُونَ ما وُجِدَ مِنهُ مِنَ العَمَلِ، فَكَأنَّهُ قالَ: مَن خُتِمَ لَهُ بِالحَسَنَةِ وكَذَلِكَ السَّيِّئَةُ. انْتَهى. وأنَّثَ عَشْرًا وإنْ كانَ مُضافًا إلى جَمْعٍ مُفْرَدٍ (مِثْلٌ) وهو مُذَكَّرٌ رَعْيًا لِلْمَوْصُوفِ المَحْذُوفِ، إذْ مُفْرَدُهُ مُؤَنَّثٌ، والتَّقْدِيرُ: فَلَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ أمْثالِها، ونَظِيرُهُ في التَّذْكِيرِ مَرَرْتُ بِثَلاثَةِ نَسّاباتٍ راعى المَوْصُوفَ المَحْذُوفَ، أيْ بِثَلاثَةِ رِجالٍ نَسّاباتٍ. وقِيلَ: أنَّثَ عَشْرًا وإنْ كانَ مُضافًا إلى ما مُفْرَدُهُ مُذَكَّرٌ لِإضافَةِ أمْثالٍ إلى مُؤَنَّثٍ وهو ضَمِيرُ الحَسَنَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ﴾ [يوسف: ١٠] . قالَهُ أبُو عَلِيٍّ وغَيْرُهُ. وقِيلَ: الحَسَنَةُ والسَّيِّئَةُ عامّانِ وهو الظّاهِرُ ولَيْسا مَخْصُوصَيْنِ بِالكُفْرِ والإيمانِ ويَكُونُ ﴿ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ مَخْصُوصًا بِمَن أرادَ اللَّهُ تَعالى وقَضى بِمُجازاتِهِ عَلَيْها، ولَمْ يَقَضِ أنْ يَغْفِرَ لَهُ، وكَوْنُهُ لَهُ عَشْرُ أمْثالِها لا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يُزادُ إنْ كانَ مَفْهُومُ العَدَدِ قَوِيًّا في الدَّلالَةِ إذْ تَكُونُ العَشْرَ هي الجَزاءُ عَلى الحَسَنَةِ وما زادَ فَهو فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ كَما قالَ: ﴿واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] . وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ جُبَيْرٍ وعِيسى بْنُ عُمَرَ والأعْمَشُ ويَعْقُوبُ والقَزّازُ عَنْ عَبْدِ الوارِثِ عَشْرٌ بِالتَّنْوِينِ. أمْثالُها بِالرَّفْعِ عَلى الصِّفَةِ لِعَشْرٍ ولا يَلْزَمُ مِنَ المِثْلِيَّةِ أنْ يَكُونَ في النَّوْعِ، بَلْ يُكْتَفى أنْ يَكُونَ في قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ، إذِ النَّعِيمُ السَّرْمَدِيُّ والعَذابُ المُؤَبَّدُ لَيْسا مُشْتَرِكَيْنِ في نَوْعِ ما كانَ مَثَلًا لَهُما، لَكِنَّ النَّعِيمَ مُشْتَرِكٌ مَعَ الحَسَنَةِ في كَوْنِهِما حَسَنَتَيْنِ، والعَذابَ مُشْتَرِكٌ مَعَ السَّيِّئَةِ في كَوْنِهِما يَسُوءانِ، وظاهِرُ مَن جاءَ العُمُومُ. وقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالأعْرابِ الَّذِينَ أسْلَمُوا كَما ذُكِرَ في سَبَبِ النُّزُولِ. وقِيلَ: بِمَن آمَنَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهم. وقِيلَ: بِهَذِهِ الأُمَّةِ وهي أدْنى المُضاعَفَةِ. وقِيلَ: العَشْرُ عَلى بَعْضِ الأعْمالِ والسَّبْعُونَ عَلى بَعْضِها. ﴿وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ لا يُنْقَصُ مِن ثَوابِهِمْ ولا يُزادُ في عِقابِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب