الباحث القرآني
﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ﴾ قَرَأ الأخَوانِ: (وإنَّ هَذا) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَشْدِيدِ النُّونِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، ﴿فاتَّبِعُوهُ﴾ جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ المُسْتَأْنَفَةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِها، وخَفَّفَ ابْنُ عامِرٍ النُّونَ، وشَدَّدَها الباقُونَ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي إسْحاقَ: (وإنَّ) (p-٢٥٤)كَقِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ، فَأمّا تَخْفِيفُ النُّونِ فَعَلى أنَّهُ حُذِفَ اسْمُ إنَّ وهو ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وخَرَجَتْ قِراءَةُ فَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى وُجُوهٍ: أحَدُها: أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا حُذِفَ مِنها اللّامُ، تَقْدِيرُهُ: ولِأنَّ هَذا ﴿صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ﴾، كَقَوْلِهِ: ﴿وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ [الجن: ١٨]، وقَدْ صَرَّحَ بِاللّامِ في قَوْلِهِ: ﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ [قريش: ١] ﴿إيلافِهِمْ﴾ [قريش: ٢]، (فَلْيَعْبُدُوا) . قالَ الفارِسِيَّ: قِياسُ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ في فَتْحِ الهَمْزَةِ أنْ تَكُونَ الفاءُ زائِدَةً بِمَنزِلَتِها في زَيْدٌ فَقامَ. الوَجْهُ الثّانِي: أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى (أنْ لا تُشْرِكُوا)، أيْ: أتْلُ عَلَيْكم نَفْيَ الإشْراكِ والتَّوْحِيدَ وأتْلُ عَلَيْكم أنَّ هَذا صِراطِي، وهَذا عَلى تَقْدِيرِ أنَّ (أنْ) في (أنْ لا تُشْرِكُوا) مَصْدَرِيَّةٌ، قالَهُ الحَوْفِيُّ، هَكَذا قَرَّرُوا هَذا الوَجْهَ فَجَعَلُوهُ مَعْطُوفًا عَلى البَدَلِ مِمّا حَرَّمَ، وهو ”أنْ لا تُشْرِكُوا“ . وقالَ أبُو البَقاءِ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى المُبْدَلِ مِنهُ، أيْ: أتْلُ الَّذِي حَرَّمَ وأتْلُ أنَّ هَذا ﴿صِراطِي مُسْتَقِيمًا﴾، وهو تَخْرِيجٌ سائِغٌ في الكَلامِ، وعَلى هَذا فالصِّراطُ مُضافٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وهو الرَّسُولُ ﷺ وصِراطُهُ هو صِراطُ اللَّهِ. الوَجْهُ الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلى الضَّمِيرِ في بِهِ، قالَهُ الفَرّاءُ، أيْ: وصّاكم بِهِ، وبِأنَّ حُذِفَتِ الباءُ لِطُولِ أنَّ بِالصِّلَةِ. قالَ الحَوْفِيُّ: وهي مُرادَّةٌ، ولا يَكُونُ في هَذا عَطْفُ مُظْهَرٍ عَلى مُضْمَرٍ لِإرادَتِها. وقالَ أبُو البَقاءِ: هَذا فاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ، أحَدُهُما عَطْفُ المُظْهَرِ عَلى المُضْمَرِ مِن غَيْرِ إعادَةِ الجارِّ، والثّانِي أنَّهُ يَصِيرُ المَعْنى: وصّاكم بِاسْتِقامَةِ الصِّراطِ. وقَرَأ الأعْمَشُ: و﴿هَذا صِراطِي﴾، وكَذا في مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ، ولَمّا فَصَلَ في الآيَتَيْنِ قَبْلُ أجْمَلَ في هَذِهِ إجْمالًا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ما تَقَدَّمَ وجَمِيعُ شَرِيعَتِهِ، والإشارَةُ بِهَذا إلى الإسْلامِ أوِ القُرْآنِ أوْ ما ورَدَ في هَذِهِ السُّورَةِ؛ لِأنَّها كُلَّها في التَّوْحِيدِ وأدِلَّةِ النُّبُوَّةِ وإثْباتِ الدِّينِ وإلى هَذِهِ الآياتِ الَّتِي أعْقَبَتْها هَذِهِ الآيَةُ؛ لِأنَّها المُحْكَماتُ الَّتِي لَمْ تُنْسَخْ في مِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ، أقْوالٌ أرْبَعَةٌ. (فاتَّبِعُوهُ) أمْرٌ بِاتِّباعِهِ كُلِّهِ، والمَعْنى: فاعْمَلُوا بِمُقْتَضاهُ مِن تَحْرِيمٍ وتَحْلِيلٍ وأمْرٍ ونَهْيٍ وإباحَةٍ.
﴿ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي الضَّلالاتُ، قالَ مُجاهِدٌ: البِدَعُ والأهْواءُ والشُّبَهاتُ. وقالَ مُقاتِلٌ: ما حَرَّمُوا عَلى أنْفُسِهِمْ مِنَ الأنْعامِ والحَرْثِ. وقِيلَ: سُبُلُ الكُفْرِ كاليَهُودِيَّةِ والنَّصْرانِيَّةِ والمَجُوسِيَّةِ وما يَجْرِي مُجْراهم في الكُفْرِ والشِّرْكِ، وفي مُسْنَدِ الدّارِمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: «خَطَّ لَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا خَطًّا ثُمَّ قالَ: ”هَذا سَبِيلُ اللَّهِ“، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ ويَسارِهِ ثُمَّ قالَ: ”هَذِهِ سُبُلٌ عَلى كُلِّ سَبِيلٍ مِنها شَيْطانٌ يَدْعُو إلَيْها“، ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ»، وعَنْ جابِرٍ نَحْوٌ مِنهُ في سُنَنِ ابْنِ ماجَهْ. وانْتَصَبَ ”فَتَفَرَّقَ“ لِأجْلِ النَّهْيِ جَوابًا لَهُ، أيْ: فَتَفَرَّقَ، فَحَذَفَ التّاءَ. وقُرِئَ: (فَتَّفَرَقَ) بِتَشْدِيدِ التّاءِ.
﴿ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ كَرَّرَ التَّوْصِيَةَ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، ولَمّا كانَ الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ هو الجامِعَ لِلتَّكالِيفِ، وأمَرَ تَعالى بِاتِّباعِهِ ونَهى عَنْ بُنَيّاتِ الطُّرُقِ، خَتَمَ ذَلِكَ بِالتَّقْوى الَّتِي هي اتِّقاءُ النّارِ، إذْ مَنِ اتَّبَعَ صِراطَهُ نَجّاهُ النَّجاةَ الأبَدِيَّةَ وحَصَلَ عَلى السَّعادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومِن حَيْثُ كانَتِ المُحَرَّماتُ الأُوَلُ لا يَقَعُ فِيها عاقِلٌ قَدْ نَظَرَ بِعَقْلِهِ، جاءَتِ العِبادَةُ ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، والمُحَرَّماتُ الأُخَرُ شَهَواتٌ وقَدْ يَقَعُ فِيها مِنَ العُقَلاءِ مَن لَمْ يَتَذَكَّرْ، ورُكُوبُ الجادَّةِ الكامِلَةِ تَتَضَمَّنُ فِعْلَ الفَضائِلِ وتِلْكَ دَرَجَةُ التَّقْوى.
{"ayah":"وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَ ٰطِی مُسۡتَقِیمࣰا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِیلِهِۦۚ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق