الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها غافِلُونَ﴾ الإشارَةُ بِذَلِكَ إلى أقْرَبِ مَذْكُورٍ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، وهو إتْيانُ الرُّسُلِ قاصِّينَ الآياتِ ومُنْذِرِينَ بِالحَشْرِ والحِسابِ والجَزاءِ بِسَبَبِ انْتِفاءِ إهْلاكِ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها لَمْ يَنْتَهُوا بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ، والإعْذارِ إلَيْهِمْ، والتَّقَدُّمِ بِالإخْبارِ بِما يَحِلُّ بِهِمْ إذا لَمْ يَتَّبِعُوا الرُّسُلَ، وفي الحَدِيثِ: «لَيْسَ أحَدٌ أحَبُّ إلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ»، فَمِن أجْلِ ذَلِكَ أنْزَلَ الكِتابَ وأرْسَلَ الرُّسُلَ. وقالَ الزَّجّاجُ قَرِيبًا مِن هَذا، أيْ: ذَلِكَ الَّذِي قَصَصْنا عَلَيْكَ مِن أمْرِ الرُّسُلِ وأمَرِ عَذابِ مَن كَذَّبَ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذا، أيْ: لا يُهْلِكُهم حَتّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولًا. وقِيلَ: الإشارَةُ بِذَلِكَ إلى السُّؤالِ وهو ﴿ألَمْ يَأْتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] أنْ لَمْ يَكُنْ، أيْ: لِبَيانِ أنْ لَمْ يَكُنْ، حَكاهُ التِّبْرِيزِيُّ. وقالَ الماتُرِيدِيُّ: الإشارَةُ إلى ما وُجِدَ مِنهم مَنِ التَّكْذِيبِ والمَعاصِي، ويُحْتَمَلُ أنْ يُشارَ بِهِ إلى الهَلاكِ الَّذِي كانَ بِالأُمَمِ الخالِيَةِ. انْتَهى. ولا يَسْتَقِيمُ هَذانِ القَوْلانِ مَعَ قَوْلِهِ ﴿أنْ لَمْ يَكُنْ﴾؛ لِأنَّ المَعاصِيَ أوِ الإهْلاكَ لَيْسَ مُعَلَّلًا بِأنْ لَمْ يَكُنْ، وجَوَّزُوا في ذَلِكَ الرَّفْعَ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ، أيْ: ذَلِكَ الأمْرُ، وخَبَرٌ مَحْذُوفُ المُبْتَدَأِ، أيِ: الأمْرُ ذَلِكَ، والنَّصْبَ عَلى فَعَلْنا ذَلِكَ، و﴿أنْ لَمْ يَكُنْ﴾ تَعْلِيلٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ أنِ النّاصِبَةَ لِلْمُضارِعِ والمُخَفَّفَةَ مِنَ الثَّقِيلَةِ، أيْ: لِأنَّ الشَّأْنَ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ، وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ لا يَكُونَ ﴿أنْ لَمْ يَكُنْ﴾ تَعْلِيلًا فَأجازَ فِيهِ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿وقَضَيْنا إلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أنَّ دابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ﴾ [الحجر: ٦٦]، فَإذا كانَ تَعْلِيلًا فَهو عَلى إسْقاطِ حَرْفِ العِلَّةِ عَلى الخِلافِ أمَوْضِعُهُ نَصْبٌ أوْ جَرٌّ، وإنْ كانَ بَدَلًا فَهو في مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ لِأنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمْ يَذْكُرْ في ذَلِكَ إلّا أنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيِ: الأمْرُ ذَلِكَ، و”بِظُلْمٍ“ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُضافًا إلى اللَّهِ، أيْ: ظالِمًا لَهم، كَقَوْلِهِ: ﴿وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ [هود: ١١٧]، ومَعْنى ﴿وأهْلُها غافِلُونَ﴾ أيْ: دُونَ أنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ بِالنِّذارَةِ ﴿وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعُبَيْدٍ﴾ [فصلت: ٤٦]، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُضافًا إلى القُرى، أيْ: ظالِمَةٌ دُونَ أنْ يُنْذِرَهم، وهَذا مَعْنى قَوْلِ القُشَيْرِيِّ: أيْ لا يُهْلِكُهم بِذُنُوبِهِمْ ما لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِمُ الرُّسُلَ، وهَذا الوَجْهُ ألْيَقُ؛ لِأنَّ الأوَّلَ يُوهِمُ أنَّهُ تَعالى لَوْ آخَذَهم قَبْلَ بِعْثَةِ الرُّسُلِ كانَ ظالِمًا، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَنا؛ لِأنَّهُ تَعالى يَحْكُمُ ما يَشاءُ ويَفْعَلُ ما يُرِيدُ، وعِنْدَ المُعْتَزِلَةِ: لَوْ أهْلَكَهم وهم غافِلُونَ لَمْ يَنْتَهُوا بِكِتابٍ ولا رَسُولٍ لَكانَ ظالِمًا، وهو مُتَعالٍ عَنِ الظُّلْمِ وعَنْ كُلِّ قَبِيحٍ. وقِيلَ: (بِظُلْمٍ) بِشِرْكِ مَن أشْرَكَ مِنهم، فَهو مِثْلُ ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤] . وقالَ الماتُرِيدِيُّ: أيْ لَمْ يَكُنْ يُهْلِكُهم بِظُلْمِ أنْفُسِهِمْ إهْلاكَ اسْتِئْصالٍ وتَعْذِيبٍ إلّا بَعْدَ تَقَدُّمِ وعِيدٍ أوْ سُؤالِهِمُ العَذابَ، ولا يُهْلِكُهم مَعَ الغَفْلَةِ عَنِ الظُّلْمِ والعِصْيانِ؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ سُنَّتُهُ هَكَذا، لِئَلّا يَقُولُوا: لَوْلا أرْسَلَتْ إلَيْنا، وكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنهُ ورَحْمَةٌ. وقالَ مُجاهِدٌ: لا يُهْلِكُهم بِظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وقِيلَ: بِظُلْمِ واحِدٍ مِنهم. وقِيلَ: بِجِنْسِ الظُّلْمِ، حَتّى يَرْتَكِبُوا مَعَ الظُّلْمِ غَيْرَهُ مِمّا لا يَرْضاهُ اللَّهُ مِن سائِرِ القَبائِحِ، ذَكَرَهُ التِّبْرِيزِيُّ. ومَعْنى ﴿وأهْلُها غافِلُونَ﴾ أيْ: لا يُبَيِّنُ لَهم كَيْفِيَّةَ الحالِ ولا يُزِيلُ عَدَدَهم، ولَيْسَ المَعْنى أنَّهم غافِلُونَ عَمّا يُوعَظُونَ بِهِ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ أَن لَّمۡ یَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا غَـٰفِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق