الباحث القرآني
(p-٢١٨)﴿آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فالَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وأنْفَقُوا لَهم أجْرٌ كَبِيرٌ﴾ ﴿وما لَكم لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والرَّسُولُ يَدْعُوكم لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكم وقَدْ أخَذَ مِيثاقَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وإنَّ اللَّهَ بِكم لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وما لَكم ألّا تُنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ ولِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ والأرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكم مَن أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقاتَلَ أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِن بَعْدُ وقاتَلُوا وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ ولَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ﴾ .
لَمّا ذَكَرَ تَعالى تَسْبِيحَ العالَمِ لَهُ، وما احْتَوى عَلَيْهِ مِنَ المُلْكِ والتَّصَرُّفِ، وما وصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الصِّفاتِ العُلا وخَتَمَها بِالعالِمِ بِخَفِيّاتِ الصُّدُورِ، أمَرَ تَعالى عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالثَّباتِ عَلى الإيمانِ وإدامَتِهِ والنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى. قالَ الضَّحّاكُ: نَزَلَتْ في غَزْوَةِ تَبُوكَ.
﴿مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾: أيْ لَيْسَتْ لَكم بِالحَقِيقَةِ، وإنَّما انْتَقَلَتْ إلَيْكم مِن غَيْرِكم. وكَما وصَلَتْ إلَيْكم تَتْرُكُونَها لِغَيْرِكم، وفِيهِ تَزْهِيدٌ فِيما بِيَدِ النّاسِ، إذْ مَصِيرُهُ إلى غَيْرِهِ، ولَيْسَ لَهُ مِنهُ إلّا ما جاءَ في الحَدِيثِ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مالِي مالِي، وهَلْ لَكَ مِن مالِكَ إلّا ما أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ أوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَ أوْ تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيْتَ» . وقِيلَ لِأعْرابِيٍّ: لِمَن هَذِهِ الإبِلُ ؟ فَقالَ: هي لِلَّهِ تَعالى عِنْدِي. أوْ يَكُونُ المَعْنى: إنَّهُ تَعالى أنْشَأ هَذِهِ الأمْوالَ، فَمَتَّعَكم بِها وجَعَلَكم خُلَفاءَ في التَّصَرُّفِ فِيها، فَأنْتُمْ فِيها بِمَنزِلَةِ الوُكَلاءِ، فَأنْفِقُوا مِنها في حُقُوقِ اللَّهِ تَعالى.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى ما لِلْمُؤْمِنَ المُنْفِقِ مِنَ الأجْرِ، ووَصَفَهَ بِالكَرَمِ لِيَصْرَعَهُ في أنْواعِ الثَّوابِ. قِيلَ: وفِيهِ إشارَةٌ إلى عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، حَيْثُ بَذَلَ تِلْكَ النَّفَقَةَ العَظِيمَةَ في جَيْشِ العُسْرَةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿وما لَكم لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، وهو اسْتِفْهامٌ عَلى سَبِيلِ التَّأْنِيبِ والإنْكارِ: أيْ كَيْفَ لا تَثْبُتُونَ عَلى الإيمانِ ؟ ودَواعِي ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ، وذَلِكَ رِكْزَةٌ فِيكم مِن دَلائِلِ العَقْلِ. ومُوجِبُ ذَلِكَ مِنَ السَّمْعِ في قَوْلِهِ: ﴿والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾ لِهَذا الوَصْفِ الجَلِيلِ. وقَدْ تَقَدَّمَ أخْذُ المِيثاقِ عَلَيْكم بِالإيمانِ، فَدَواعِي الإيمانِ مَوْجُودَةٌ، وأسْبابُهُ حاصِلَةٌ، فَلا مانِعَ مِنهُ، ولا عُذْرَ في تَرْكِهِ. و﴿لا تُؤْمِنُونَ﴾ حالٌ، كَما تَقُولُ: ما لَكَ لا تَقُومُ تُنْكِرُ عَلَيْهِ انْتِفاءَ قِيامِهِ ؟ (والرَّسُولُ): الواوُ واوُ الحالِ، فالجُمْلَةُ بَعْدَهُ حالٌ، وقَدْ أخَذَ حالٌ ثالِثَةٌ، وهَذا المِيثاقُ قِيلَ: هو الَّذِي أخَذَ عَلَيْهِمْ حِينَ الإخْراجِ مِن ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقِيلَ: ما نُصِبَ مِنَ الأدِلَّةِ ورُكِزَ في العُقُولِ مِنَ النَّظَرِ فِيها.
﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾: شَرْطٌ وجَوابُهُ مَحْذُوفٌ، أيْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لِمُوجِبٍ ما، فَهَذا هو المُوجِبُ لِإيمانِكم، أوْ إنْ كُنْتُمْ مِمَّنْ يُؤْمِنُ، فَما لَكَمَ لا تُؤْمِنُونَ والحالَةُ هَذِهِ ؟ وهي دُعاءُ الرَّسُولِ وأخْذُ المِيثاقِ. وقالَ الطَّبَرِيُّ: إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ فالآنَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿وقَدْ أخَذَ﴾ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، (مِيثاقَكم) بِالنَّصْبِ؛ وأبُو عَمْرٍو: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، مِيثاقَكم رَفْعًا. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: في قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وإنَّما المَعْنى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿والرَّسُولُ يَدْعُوكم لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكم وقَدْ أخَذَ مِيثاقَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يَقْتَضِي أنْ يُقَدَّرَ بِأثَرِهِ، فَأنْتُمْ في رُتَبٍ شَرِيفَةٍ وأقْدارٍ رَفِيعَةٍ.
﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾: أيْ إنْ دُمْتُمْ عَلى ما بَدَأْتُمْ بِهِ.
ولَمّا ذَكَرَ تَوْطِئَةَ ما يُوجِبُ الإيمانَ دُعاءَ الرَّسُولِ إيّاهم لِلْإيمانِ، ذَكَرَ أنَّهُ تَعالى هو المُنَزِّلُ عَلى رَسُولِهِ، ﷺ، ما دَعا بِهِ إلى الإيمانِ، وذَلِكَ الآياتُ البَيِّناتُ المُعْجِزاتُ، لِيُخْرِجَكم مِن ظُلُماتِ الكُفْرِ إلى نُورِ الإيمانِ، أيِ اللَّهُ تَعالى، إذْ هو المُخْبِرُ عَنْهُ، أوِ الرَّسُولُ، ﷺ، لِأنَّهُ أقْرَبُ. وقُرِئَ في السَّبْعَةِ: (يُنَزِّلُ) مُضارِعًا، فَبَعْضٌ ثَقَّلَ وبَعْضٌ خَفَّفَ. وقِراءَةُ الحَسَنِ: بِالوَجْهَيْنِ؛ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ والأعْمَشُ: أنْزَلَ ماضِيًا، ووَصَفَ نَفْسَهُ تَعالى بِالرَّأْفَةِ والرَّحْمَةِ تَأْنِيسًا لَهم.
ولَمّا كانَ قَدْ أمَرَهم بِالإيمانِ والإنْفاقِ، ثُمَّ تَرَكَ تَأْنِيبَهم عَلى تَرْكِ الإيمانِ مَعَ حُصُولِ مُوجِبِهِ، أنَّبَهم عَلى تَرْكِ الإنْفاقِ في سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ قِيامِ الدّاعِي لِذَلِكَ، وهو أنَّهم يَمُوتُونَ فَيُخَلِّفُونَهُ. ونَبَّهَ عَلى هَذا المُوجِبِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وهَذا مِن أبْلَغِ البَعْثِ عَلى الإنْفاقِ. وأنْ لا تُنْفِقُوا تَقْدِيرُهُ: في أنْ لا تُنْفِقُوا، فَمَوْضِعُهُ جَرٌّ أوْ نَصْبٌ عَلى الخِلافِ، وأنْ لَيْسَتْ زائِدَةً بَلْ مَصْدَرِيَّةً. وقالَ (p-٢١٩)الأخْفَشُ: في قَوْلِهِ: ﴿وما لَنا ألّا نُقاتِلَ﴾ [البقرة: ٢٤٦]، إنَّها زائِدَةٌ عامِلَةٌ تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُ: وما لَنا لا نُقاتِلُ، فَلِذَلِكَ عَلى مَذْهَبِهِ في تِلْكَ هُنا تَكُونُ أنْ، وتَقْدِيرُهُ: وما لَكم لا تُنْفِقُونَ، وقَدْ رُدَّ مَذْهَبُهُ في كُتُبِ النَّحْوِ.
﴿لا يَسْتَوِي مِنكم مَن أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقاتَلَ﴾، قِيلَ: نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، إذْ كانَ أوَّلَ مَن أسْلَمَ وهاجَرَ وأنْفَقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وكَذا مَن تابَعَهُ في السَّبْقِ في ذَلِكَ، ولِذَلِكَ قالَ: ﴿أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً﴾ . وقِيلَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ أنَّ ناسًا مِنَ الصَّحابَةِ أنْفَقُوا نَفَقاتٍ جَلِيلَةً حَتّى قِيلَ: إنَّ هَؤُلاءِ أعْظَمُ أجْرًا مِن كُلِّ مَن أنْفَقَ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَضَمَّنَتْ تَبايُنَ ما بَيْنَ المُنْفِقِينَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿مِن قَبْلِ الفَتْحِ﴾؛ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، قِيلَ: بِغَيْرِ مِن. والفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، وهو المَشْهُورُ، وقَوْلُ قَتادَةَ وزَيْدِ بْنِ أسْلَمَ ومُجاهِدٍ. وقالَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ والشَّعْبِيُّ: هو فَتْحُ الحُدَيْبِيَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في أوَّلِ سُورَةِ الفَتْحِ كَوْنُهُ فَتْحًا، ورَفَعَهُ أبُو سَعِيدٍ إلى النَّبِيِّ، ﷺ: «إنَّ أفْضَلَ ما بَيْنَ الهِجْرَتَيْنِ فَتْحُ الحُدَيْبِيَةِ» . والظّاهِرُ أنَّ (مَن) فاعِلُ (لا يَسْتَوِي)، وحُذِفَ مُقابِلُهُ، وهو مَن أنْفَقَ مِن بَعْدِ الفَتْحِ وقاتَلَ، لِوُضُوحِ المَعْنى.
(أُولَئِكَ): أيِ الَّذِينَ أنْفَقُوا قَبْلَ الفَتْحِ وقَبْلَ انْتِشارِ الإسْلامِ وفُشُوِّهِ واسْتِيلاءِ المُسْلِمِينَ عَلى أُمِّ القُرى، وهُمُ السّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ الَّذِينَ جاءَ في حَقِّهِمْ قَوْلُهُ، ﷺ: «لَوْ أنْفَقَ أحَدُكم مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ» . وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ الفاعِلَ بِـ ”لا يَسْتَوِي“ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى الإنْفاقِ، أيْ لا يَسْتَوِي، هو الإنْفاقُ، أيْ جِنْسُهُ، إذْ مِنهُ ما هو قَبْلَ الفَتْحِ وبَعْدَهُ؛ ومَن أنْفَقَ مُبْتَدَأٌ، وأُولَئِكَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ما بَعْدَهُ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ خَبَرِ مَن، وهَذا فِيهِ تَفْكِيكٌ لِلْكَلامِ، وخُرُوجٌ عَنِ الظّاهِرِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ. وحَذْفُ المَعْطُوفِ لِدَلالَةِ المُقابِلِ كَثِيرَةٌ، فَأنْفَقَ لا سِيَّما المَعْطُوفِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ وضْعُ الفِعْلِ، وهو يَسْتَوِي. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (وكُلًّا) بِالنَّصْبِ، وهو المَفْعُولُ الأوَّلُ لِوَعَدَ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وعَبْدُ الوارِثِ مِن طَرِيقِ المادِرِ أيْ: وكُلٌّ بِالرَّفْعِ والظّاهِرُ أنَّهُ مُبْتَدَأٌ، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ في مَوْضِعِ الخَبَرِ، وقَدْ أجازَ ذَلِكَ الفَرّاءُ وهِشامٌ، ورُدَّ في السَّبْعَةِ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ؛ وإنْ كانَ غَيْرُهُما مِنَ النُّحاةِ قَدْ خَصَّ حَذْفَ الضَّمِيرِ الَّذِي حُذِفَ مِن مِثْلِ وعَدَ بِالضَّرُورَةِ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎وخالِدٌ تَحْمَدُ ساداتُنا بِالحَقِّ لا تَحْمَدُ بِالباطِلِ
يُرِيدُهُ: تَحْمَدُهُ ساداتُنا، وفَرَّ بَعْضُهم مِن جَعْلِ وعَدَ خَبَرًا فَقالَ: كُلُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ تَقْدِيرُهُ: وأُولَئِكَ كُلُّ، ووَعَدَ صِفَةٌ، وحَذْفُ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ مِنَ الجُمْلَةِ الواقِعَةِ صِفَةً أكْثَرُ مِن حَذْفِهِ مِنها إذا كانَتْ خَبَرًا، نَحْوَ قَوْلِهِ:
؎وما أدْرِي أغَيَّرَهم تَناءٍ ∗∗∗ وطُولُ العَهْدِ أمْ مالٌ أصابُوا
يُرِيدُ: أصابُوهُ، فَأصابُوهُ صِفَةٌ لِمالٍ، وقَدْ حُذِفَ الضَّمِيرُ العائِدُ عَلى المَوْصُوفِ والحُسْنى: تَأْنِيثُ الأحْسَنِ، وفَسَّرَهُ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ بِالجَنَّةِ. والوَعْدُ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ في الآخِرَةِ والنَّصْرَ والغَنِيمَةَ في الدُّنْيا.
﴿واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾: فِيهِ وعْدٌ ووَعِيدٌ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِ قَوْلِهِ: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ﴾، إعْرابًا وقِراءَةً وتَفْسِيرًا، في سُورَةِ البَقَرَةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُنا الرَّفْعُ يَعْنِي في يُضاعِفُهُ عَلى العَطْفِ، أوْ عَلى القَطْعِ والِاسْتِئْنافِ. وقَرَأ عاصِمٌ: فَيُضاعِفَهُ بِالنَّصْبِ بِالفاءِ عَلى جَوابِ الِاسْتِفْهامِ، وفي ذَلِكَ قَلَقٌ. قالَ أبُو عَلِيٍّ، يَعْنِي الفارِسِيَّ: لِأنَّ السُّؤالَ لَمْ يَقَعْ عَلى القَرْضِ، وإنَّما وقَعَ السُّؤالُ عَلى فاعِلِ القَرْضِ، وإنَّما تَنْصِبُ الفاءُ فِعْلًا مَرْدُودًا عَلى فِعْلٍ مُسْتَفْهَمٍ عَنْهُ، لَكِنَّ هَذِهِ الفِرْقَةَ، يَعْنِي مِنَ القُرّاءِ، حَمَلَتْ ذَلِكَ عَلى المَعْنى، كَأنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ﴾ بِمَنزِلَةِ أنْ لَوْ قالَ: أيُقْرِضُ اللَّهَ أحَدٌ فَيُضاعِفَهُ ؟ (p-٢٢٠)انْتَهى.
وهَذا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو عَلِيٍّ مِن أنَّهُ إنَّما تَنْصِبُ الفاءُ فِعْلًا مَرْدُودًا عَلى فِعْلٍ مُسْتَفْهَمٍ عَنْهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ يَجُوزُ إذا كانَ الِاسْتِفْهامُ بِأدَواتِهِ الِاسْمِيَّةِ نَحْوُ: مَن يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ ؟ وأيْنَ بَيْتُكَ فَأزُورَكَ ؟ ومَتى تَسِيرُ فَأُرافِقَكَ ؟ وكَيْفَ تَكُونُ فَأصْحَبَكَ ؟ فالِاسْتِفْهامُ هُنا واقِعٌ عَنْ ذاتِ الدّاعِي، وعَنْ ظَرْفِ المَكانِ وظَرْفِ الزَّمانِ والحالِ، لا عَنِ الفِعْلِ. وحَكى ابْنُ كَيْسانَ عَنِ العَرَبِ: أيْنَ ذَهَبَ زَيْدٌ فَنَتْبَعَهُ ؟ وكَذَلِكَ: كَمْ مالُكَ فَنَعْرِفَهُ ؟ ومَن أبُوكَ فَنُكْرِمَهُ ؟ بِالنَّصْبِ بَعْدَ الفاءِ. وقِراءَةُ فَيُضاعِفَهُ بِالنَّصْبِ قِراءَةٌ مُتَواتِرَةٌ، والفِعْلُ وقَعَ صِلَةً لِلَّذِي، والَّذِي صِفَةٌ لِذا، وذا خَبَرٌ لِمَن. وإذا جازَ النَّصْبُ في نَحْوِ هَذا، فَجَوازُهُ في المُثُلِ السّابِقَةِ أحْرى، مَعَ أنَّ سَماعَ ابْنِ كَيْسانَ ذَلِكَ مَحْكِيًّا عَنِ العَرَبِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ﴾ هو زِيادَةٌ عَلى التَّضْعِيفِ المُتَرَتِّبِ عَلى القَرْضِ، أيْ ولَهُ مَعَ التَّضْعِيفِ أجْرٌ كَرِيمٌ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِینَ فِیهِۖ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَأَنفَقُوا۟ لَهُمۡ أَجۡرࣱ كَبِیرࣱ","وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ یَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُوا۟ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِیثَـٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","هُوَ ٱلَّذِی یُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لِّیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ","وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِیرَ ٰثُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا یَسۡتَوِی مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَـٰتَلَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةࣰ مِّنَ ٱلَّذِینَ أَنفَقُوا۟ مِنۢ بَعۡدُ وَقَـٰتَلُوا۟ۚ وَكُلࣰّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ","مَّن ذَا ٱلَّذِی یُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا فَیُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥۤ أَجۡرࣱ كَرِیمࣱ"],"ayah":"ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِینَ فِیهِۖ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَأَنفَقُوا۟ لَهُمۡ أَجۡرࣱ كَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق