الباحث القرآني
سُورَةُ الحَدِيدِ مَدَنِيَّةٌ وهي تِسْعٌ وعِشْرُونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ والأرْضِ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ يُحْيِي ويُمِيتُ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ وما يَخْرُجُ مِنها وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وما يَعْرُجُ فِيها وهو مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وإلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وهو عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ .
قالَ النَّقّاشُ وغَيْرُهُ: هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ بِإجْماعٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وقالَ غَيْرُهُ، كالزَّمَخْشَرِيِّ: هي مَكِّيَّةٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لا خِلافَ أنَّ فِيها قُرْآنًا مَدَنِيًّا، لَكِنْ يُشْبِهُ صَدْرُها أنْ (p-٢١٧)يَكُونُ مَكِّيًّا.
ومُناسَبَةُ أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ لِآخِرِ ما قَبْلَها واضِحَةٌ، لِأنَّهُ تَعالى أمَرَ بِالتَّسْبِيحِ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ التَّسْبِيحَ المَأْمُورَ بِهِ قَدْ فَعَلَهُ والتَزَمَهُ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ، وأتى سَبِّحْ بِلَفْظِ الماضِي، ويُسَبِّحُ بِلَفْظِ المُضارِعِ، وكُلُّهُ يَدُلُّ عَلى الدَّيْمُومَةِ والِاسْتِمْرارِ، وإنَّ ذَلِكَ دَيْدَنُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ. والتَّسْبِيحُ هُنا عِنْدَ الأكْثَرِينَ بِمَعْنى التَّنْزِيهِ المَعْرُوفِ في قَوْلِهِمْ: سُبْحانَ اللَّهِ، فَقِيلَ: هو حَقِيقَةٌ في الجَمِيعِ، وقِيلَ: فِيمَن يُمْكِنُ التَّسْبِيحُ مِنهم، وقِيلَ: مَجازٌ، بِمَعْنى: أنَّ أثَرَ الصَّنْعَةِ فِيها يُنَبِّهُ الرّائِي عَلى التَّسْبِيحِ. وقِيلَ: التَّسْبِيحُ هُنا الصَّلاةُ، فَفي الجَمادِ بَعِيدٌ، وفي الكافِرِ سُجُودُ ظِلِّهِ صَلاتُهُ، وفي المُؤْمِنِ ذَلِكَ سائِغٌ، واللّامُ في (لِلَّهِ)، إمّا أنْ تَكُونَ بِمَنزِلَةِ اللّامِ في: نَصَحْتُ لِزَيْدٍ، يُقالُ: سَبِّحِ اللَّهَ، كَما يُقالُ؛ نَصَحْتُ زَيْدًا، فَجِيءَ بِاللّامِ لِتَقْوِيَةِ وُصُولِ الفِعْلِ إلى المَفْعُولِ؛ وإمّا أنْ تَكُونَ لامَ التَّعْلِيلِ، أيْ أحْدِثِ التَّسْبِيحَ لِأجْلِ اللَّهِ، أيْ لِوَجْهِهِ خالِصًا.
﴿يُحْيِي ويُمِيتُ﴾: جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ لِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ . لَمّا أخْبَرَ بِأنَّهُ لَهُ المُلْكُ، أخْبَرَ عَنْ ذاتِهِ بِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ العَظِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ بِهِما تَمامُ التَّصَرُّفِ في المُلْكِ، وهو إيجادُ ما شاءَ وإعْدامُ ما شاءَ، ولِذَلِكَ أعْقَبَ بِالقُدْرَةِ الَّتِي بِها الإحْياءُ والإماتَةُ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ، أيْ هو يُحْيِي ويُمِيتُ. وأنْ يَكُونَ حالًا، وذُو الحالِ الضَّمِيرُ في لَهُ، والعامِلُ فِيها العامِلُ في الجارِّ والمَجْرُورِ.
﴿هُوَ الأوَّلُ﴾: الَّذِي لَيْسَ لِوُجُودِهِ بِدايَةٌ مُفْتَتَحَةٌ، (والآخِرُ): أيِ الدّائِمُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نِهايَةٌ مُنْقَضِيَةٌ. وقِيلَ: الأوَّلُ الَّذِي كانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، والآخِرُ الَّذِي يَبْقى بَعْدَ هَلاكِ كُلِّ شَيْءٍ. (والظّاهِرُ) بِالأدِلَّةِ ونَظَرِ العُقُولِ في صِفَتِهِ، (والباطِنُ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُدْرَكٍ بِالحَواسِّ. وقالَ أبُو بَكْرٍ الوَرّاقُ: الأوَّلُ بِالأزَلِيَّةِ، والآخِرُ بِالأبَدِيَّةِ. وقِيلَ: (الظّاهِرُ) العالِي عَلى كُلِّ شَيْءٍ، الغالِبُ لَهُ مَن ظَهَرَ عَلَيْهِ إذا عَلاهُ وغَلَبَهُ؛ (والباطِنُ): الَّذِي بَطَنَ كُلَّ شَيْءٍ، أيْ عَلِمَ باطِنَهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ؛ فَإنْ قُلْتَ: فَما مَعْنى الواوِ ؟ قُلْتُ: الواوُ الأُولى مَعْناها الدَّلالَةُ عَلى أنَّهُ الجامِعُ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ الأوَّلِيَّةِ والآخِرِيَّةِ؛ والثّانِيَةُ عَلى أنَّهُ الجامِعُ بَيْنَ الظُّهُورِ والخَفاءِ؛ وأمّا الوُسْطى فَعَلى أنَّهُ الجامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ ومَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ. فَهو المُسْتَمِرُّ الوُجُودِ في جَمِيعِ الأوْقاتِ الماضِيَةِ والآتِيَةِ، وهو في جَمِيعِها ظاهِرٌ وباطِنٌ جامِعُ الظُّهُورِ بِالأدِلَّةِ والخَفاءِ، فَلا يُدْرَكُ بِالحَواسِّ؛ وفي هَذا حُجَّةٌ عَلى مَن جَوَّزَ إدْراكَهُ في الآخِرَةِ بِالحاسَّةِ. انْتَهى، وفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ.
﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ﴾ مِنَ المَطَرِ والأمْواتِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ﴿وما يَخْرُجُ مِنها﴾ مِنَ النَّباتِ والمَعادِنِ وغَيْرِها، ﴿وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ﴾ مِنَ المَلائِكَةِ والرَّحْمَةِ والعَذابِ وغَيْرِهِ، ﴿وما يَعْرُجُ فِيها﴾ مِنَ المَلائِكَةِ وصالِحِ الأعْمالِ وسَيِّئِها، ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾: أيْ بِالعِلْمِ والقُدْرَةِ. قالَ الثَّوْرِيُّ: المَعْنى عِلْمُهُ مَعَكم، وهَذِهِ آيَةٌ أجْمَعَتِ الأُمَّةُ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ فِيها، وأنَّها لا تُحْمَلُ عَلى ظاهِرِها مِنَ المَعِيَّةِ بِالذّاتِ، وهي حُجَّةٌ عَلى مَن مَنَعَ التَّأْوِيلَ في غَيْرِها مِمّا يُجْرى مَجْراها مِنِ اسْتِحالَةِ الحَمْلِ عَلى ظاهِرِها. وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: فِيمَن يَمْتَنِعُ مِن تَأْوِيلِ ما لا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى ظاهِرِهِ، وقَدْ تَأوَّلَ هَذِهِ الآيَةَ، وتَأوَّلَ «الحَجَرُ الأسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ في الأرْضِ»، لَوِ اتَّسَعَ عَقْلُهُ لَتَأوَّلَ غَيْرَ هَذا مِمّا هو في مَعْناهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ؛ (تُرْجَعُ)، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ والحَسَنُ وابْنُ أبِي إسْحاقَ والأعْرَجُ: مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ؛ والأُمُورُ عامٌّ في جَمِيعِ المَوْجُوداتِ أعْراضِها وجَواهِرِها. وتَقَدَّمَ شَرْحُ ما قَبْلَ هَذا وما بَعْدَهُ، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ","هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ","هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ یَعۡلَمُ مَا یَلِجُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا یَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا یَعۡرُجُ فِیهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ","لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ","یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِۚ وَهُوَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"],"ayah":"سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق