الباحث القرآني

﴿أفَرَأيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣]: ما تَذْرُونَهُ في الأرْضِ وتَبْذُرُونَهُ، ﴿أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾ [الواقعة: ٦٤]: أيْ زَرْعًا يَتِمُّ ويَنْبُتُ حَتّى يُنْتَفَعَ بِهِ، والحُطامُ: اليابِسُ المُتَفَتِّتُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبٌّ يُنْتَفَعُ بِهِ. ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ [الواقعة: ٦٥]، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ: تَعْجَبُونَ. وقالَ عِكْرِمَةُ: تَلاوَمُونَ. وقالَ الحَسَنُ: تَنْدَمُونَ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: تَنْفَجِعُونَ، وهَذا كُلُّهُ تَفْسِيرٌ بِاللّازِمِ. ومَعْنى تَفَكَّهُونَ: تَطْرَحُونَ الفُكاهَةَ عَنْ أنْفُسِكم وهي المَسَرَّةُ، ورَجُلٌ فَكِهٌ: مُنْبَسِطُ النَّفْسِ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِشَيْءٍ، وتَفَكَّهَ مِن أخَواتِ تَخَرَّجَ وتَحَوَّبَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿فَظَلْتُمْ﴾ [الواقعة: ٦٥]، بِفَتْحِ الظّاءِ ولامٍ واحِدَةٍ؛ وأبُو حَيْوَةَ وأبُو بَكْرٍ في رِوايَةِ القَيْكِيِّ عَنْهُ: بِكَسْرِها. كَما قالُوا: مَسَّتْ بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِها، وحَكاها الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، (p-٢١٢)وجاءَتْ عَنِ الأعْمَشِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ والجَحْدَرِيُّ: فَظَلِلْتُمْ عَلى الأصْلِ، بِكَسْرِ اللّامِ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ أيْضًا: بِفَتْحِها، والمَشْهُورُ ظَلِلْتُ بِالكَسْرِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿تَفَكَّهُونَ﴾ [الواقعة: ٦٥]؛ وأبُو حَرامٍ: بِالنُّونِ بَدَلَ الهاءِ. قالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: تَفَكَّهَ: تَعَجَّبَ، وتَفَكَّنَ: تَنَدَّمَ. ﴿إنّا لَمُغْرَمُونَ﴾ [الواقعة: ٦٦]، قَبْلَهُ مَحْذُوفٌ: أيْ يَقُولُونَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: إنّا؛ والأعْمَشُ والجَحْدَرِيُّ وأبُو بَكْرٍ: أئِنّا بِهَمْزَتَيْنِ، ﴿لَمُغْرَمُونَ﴾ [الواقعة: ٦٦]: أيْ مُعَذَّبُونَ مِنَ الغَرامِ، وهو أشَدُّ العَذابِ، قالَ: ؎إنْ يُعَذِّبْ يَكُنْ غَرامًا وإنْ يُعْطِ جَزِيلًا فَإنَّهُ لا يُبالِي أوْ لَمُحَمَّلُونَ الغُرْمَ في النَّفَقَةِ إذْ ذَهَبَ عَنّا، غَرِمَ الرَّجُلُ وأغْرَمْتُهُ. ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [الواقعة: ٦٧]: مَحْدُودُونَ، لا حَظَّ لَنا في الخَيْرِ. ﴿الماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ [الواقعة: ٦٨]: هَذا الوَصْفُ يُغْنِي عَنْ وصْفِهِ بِالعَذْبِ. ألا تَرى مُقابِلَهُ، وهو الأُجاجُ ؟ ودَخَلَتِ اللّامُ في ﴿لَجَعَلْناهُ حُطامًا﴾ [الواقعة: ٦٥]، وسَقَطَتْ في قَوْلِهِ: ﴿جَعَلْناهُ أُجاجًا﴾ [الواقعة: ٧٠]، وكِلاهُما فَصِيحٌ. وطَوَّلَ الزَّمَخْشَرِيُّ في مُسَوِّغِ ذَلِكَ، ومُلَخَّصُهُ: أنَّ الحَرْفَ إذا كانَ في مَكانٍ، وعُرِفَ واشْتُهِرَ في ذَلِكَ المَكانِ، جازَ حَذْفُهُ لِشُهْرَةِ أمْرِهِ. فَإنَّ اللّامَ عَلَمٌ لِارْتِباطِ الجُمْلَةِ الثّانِيَةِ بِالأُولى، فَجازَ حَذْفُهُ اسْتِغْناءً بِمَعْرِفَةِ السّامِعِ. وذُكِرَ في كَلامِهِ أنَّ الثّانِيَ امْتَنَعَ لِامْتِناعِ الأوَّلِ، ولَيْسَ كَما ذَكَرَ، إنَّما هَذا قَوْلُ ضُعَفاءِ المُعْرِبِينَ. والَّذِي ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ: أنَّها حَرْفٌ لِما كانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ الأوَّلِ. ويُفْسِدُ قَوْلَ أُولَئِكَ الضُّعَفاءِ قَوْلُهم: لَوْ كانَ إنْسانًا لَكانَ حَيَوانًا، فالحَيَوانِيَّةُ لا تَمْتَنِعُ لِامْتِناعِ الإنْسانِيَّةِ. ثُمَّ قالَ: ويَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ هَذِهِ اللّامَ مُفِيدَةٌ مَعْنى التَّوْكِيدِ لا مَحالَةَ، وأُدْخِلَتْ في آيَةِ المَطْعُومِ دُونَ آيَةِ المَشْرُوبِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ أمْرَ المَطْعُومِ مُقَدَّمٌ عَلى أمْرِ المَشْرُوبِ، وأنَّ الوَعِيدَ بِفَقْدِهِ أشَدُّ وأصْعَبُ مِن قِبَلِ أنَّ المَشْرُوبَ إنَّما يُحْتاجُ إلَيْهِ تَبَعًا لِلْمَطْعُومِ، ولِهَذا قُدِّمَتْ آيَةُ المَطْعُومِ عَلى آيَةِ المَشْرُوبِ. والظّاهِرُ أنَّ ﴿شَجَرَتَها﴾ [الواقعة: ٧٢]، المُرادُ مِنهُ الشَّجَرُ الَّذِي يُقْدَحُ مِنهُ النّارُ. وقِيلَ: المُرادُ بِالشَّجَرَةِ نَفْسُ النّارِ، كَأنَّهُ يَقُولُ: نَوْعُها أوْ جِنْسُها، فاسْتَعارَ الشَّجَرَةَ لِذَلِكَ، وهَذا قَوْلٌ مُتَكَلَّفٌ. ﴿نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً﴾ [الواقعة: ٧٣]: أيْ لِنارِ جَهَنَّمَ، ﴿ومَتاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾ [الواقعة: ٧٣]: أيِ النّازِلِينَ الأرْضَ القُوا، وهي القَفْرُ. وقِيلَ: لِلْمُسافِرِينَ، وهو قَرِيبٌ مِمّا قَبْلَهُ؛ وقَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ: الجائِعِينَ، ضَعِيفٌ جِدًّا. وقَدَّمَ مِن فَوائِدِ النّارِ ما هو أهَمُّ وآكَدُ مِن تَذْكِيرِها بِنارِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أتْبَعَهُ بِفائِدَتِها في الدُّنْيا. وهَذِهِ الأرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ تَعالى ووَقَّفَهم عَلَيْها، مِن أمْرِ خَلْقِهِمْ وما بِهِ قِوامُ عَيْشِهِمْ مِنَ المَطْعُومِ والمَشْرُوبِ. والنّارُ مِن أعْظَمِ الدَّلائِلِ عَلى البَعْثِ، وفِيها انْتِقالٌ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ، وإحْداثُ شَيْءٍ مِن شَيْءٍ، ولِذَلِكَ أمَرَ في آخِرِها بِتَنْزِيهِهِ تَعالى عَمّا يَقُولُ الكافِرُونَ. ووَصَفَ تَعالى نَفْسَهُ بِالعَظِيمِ، إذْ مَن هَذِهِ أفْعالُهُ تَدُلُّ عَلى عَظَمَتِهِ وكِبْرِيائِهِ وانْفِرادِهِ بِالخَلْقِ والإنْشاءِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ ﴿تَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أفَبِهَذا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ﴾ ﴿وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكم ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ ﴿تَرْجِعُونَها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ﴿فَأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ ﴿فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ ﴿وأمّا إنْ كانَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ ﴿فَسَلامٌ لَكَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ ﴿وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ﴾ ﴿فَنُزُلٌ مِن حَمِيمٍ﴾ ﴿وتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ ﴿إنَّ هَذا لَهو حَقُّ اليَقِينِ﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾ . (p-٢١٣)قَرَأ الجُمْهُورُ: (فَلا أُقْسِمُ)، فَقِيلَ: لا زائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ، مِثْلُها في قَوْلِهِ: ﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ﴾ [الحديد: ٢٩]، والمَعْنى: فَأُقْسِمُ. وقِيلَ: المَنفِيُّ المَحْذُوفُ، أيْ فَلا صِحَّةَ لِما يَقُولُ الكُفّارُ. ثُمَّ ابْتَدَأ أُقْسِمُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وبَعْضُ النُّحاةِ؛ ولا يَجُوزُ، لِأنَّ في ذَلِكَ حَذْفَ اسْمِ لا وخَبَرِها، ولَيْسَ جَوابًا لِسائِلٍ سَألَ، فَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ، نَحْوَ قَوْلِهِ (لا) لِمَن قالَ: هَلْ مِن رَجُلٍ في الدّارِ ؟ وقِيلَ: تَوْكِيدُ مُبالَغَةٍ ما، وهي كاسْتِفْتاحِ كَلامٍ شَبَهُهُ في القَسَمِ إلّا في شائِعِ الكَلامِ القَسَمِ وغَيْرِهِ، ومِنهُ. ؎فَلا وأبِي أعْدائِها لا أخُونُها والأوْلى عِنْدِي أنَّها لامٌ أُشْبِعَتْ فَتْحَتُها، فَتَوَلَّدَتْ مِنها ألِفٌ، كَقَوْلِهِ: أعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ العَقْرَبِ وهَذا وإنْ كانَ قَلِيلًا، فَقَدْ جاءَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] بِياءٍ بَعْدَ الهَمْزَةِ، وذَلِكَ في قِراءَةِ هِشامٍ، فالمَعْنى: فَلَأُقْسِمُ، كَقِراءَةِ الحَسَنِ وعِيسى، وخَرَّجَ قِراءَةَ الحَسَنِ أبُو الفَتْحِ عَلى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ فَلَأنا أُقْسِمُ، وتَبِعَهُ عَلى ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ. وإنَّما ذَهَبا إلى ذَلِكَ لِأنَّهُ فِعْلٌ حالٌ، وفي القَسَمِ عَلَيْهِ خِلافٌ. فالَّذِي اخْتارَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وغَيْرُهُ أنَّ فِعْلَ الحالِ لا يَجُوزُ أنْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ، فاحْتاجُوا إلى أنْ يُصَوِّرُوا المُضارِعَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَتَصِيرُ الجُمْلَةُ اسْمِيَّةً، فَيُقْسَمَ عَلَيْها. وذَهَبَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إلى أنَّ جَوازَ القَسَمِ عَلى فِعْلِ الحالِ، وهَذا الَّذِي أخْتارُهُ، فَتَقُولُ: واللَّهِ لَيَخْرُجُ زَيْدٌ، وعَلَيْهِ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيْتِيَ واسِعُ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: في قِراءَةِ الحَسَنِ، ولا يَصِحُّ أنْ تَكُونَ اللّامُ لامَ قَسَمٍ لِأمْرَيْنِ، أحَدُهُما: أنَّ حَقَّها أنْ تُقْرَنَ بِها النُّونُ المُؤَكِّدَةُ، والإخْلالُ بِها ضَعِيفٌ قَبِيحٌ؛ والثّانِي: أنَّ لَأفْعَلَنَّ في جَوابِ القَسَمِ لِلِاسْتِقْبالِ، وفِعْلُ القَسَمِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ لِلْحالِ. انْتَهى. أمّا الأمْرُ الأوَّلُ فَفِيهِ خِلافٌ، فالَّذِي قالَهُ قَوْلُ البَصْرِيِّينَ، وأمّا الكُوفِيُّونَ فَيَخْتارُونَ ذَلِكَ، ولَكِنْ يُجِيزُونَ تَعاقُبَهُما، فَيُجِيزُونَ لَأضْرِبَنَّ زَيْدًا، وأضْرِبَنَّ عَمْرًا. وأمّا الثّانِي فَصَحِيحٌ، لَكِنَّهُ هو الَّذِي رَجَحَ عِنْدَنا أنْ تَكُونَ اللّامُ في لا أُقْسِمُ لامَ القَسَمِ، وأُقْسِمُ فِعْلَ حالٍ، والقَسَمُ قَدْ يَكُونُ جَوابًا لِلْقَسَمِ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا إلّا الحُسْنى﴾ [التوبة: ١٠٧] . فاللّامُ في ﴿ولَيَحْلِفُنَّ﴾ [التوبة: ١٠٧] جَوابُ قَسَمٍ، وهو قَسَمٌ، لَكِنَّهُ لَمّا لَمْ يَكُنْ حَلِفُهم حالًا، بَلْ مُسْتَقْبَلًا، لَزِمَتِ النُّونُ، وهي مُخْلِصَةُ المُضارِعِ لِلِاسْتِقْبالِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿بِمَواقِعِ﴾ جَمْعًا؛ وعُمَرُ وعَبْدُ اللَّهِ وابْنُ عَبّاسٍ وأهْلُ المَدِينَةِ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: (p-٢١٤)بِمَوْقِعِ مُفْرَدًا، مُرادًا بِهِ الجَمْعُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ وغَيْرُهم: هي نُجُومُ القُرْآنِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ﴾، فَعادَ الضَّمِيرُ عَلى ما يُفْهَمُ مِن قَوْلِهِ: ﴿بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾، أيْ نُجُومِ القُرْآنِ. وقِيلَ: النُّجُومُ: الكَواكِبُ ومَواقِعُها. قالَ مُجاهِدٌ وأبُو عُبَيْدَةَ: عِنْدَ طُلُوعِها وغُرُوبِها. وقالَ قَتادَةُ: مَواقِعُها: مَواضِعُها مِنَ السَّماءِ. وقالَ الحَسَنُ: مَواقِعُها عِنْدَ الِانْكِدارِ يَوْمَ القِيامَةِ. وقِيلَ: عِنْدَ الِانْفِضاضِ إثْر العُفارِي، ومَن تَأوَّلَ النُّجُومَ عَلى أنَّها الكَواكِبُ، جَعَلَ الضَّمِيرَ في إنَّهُ يُفَسِّرُهُ سِياقُ الكَلامِ، كَقَوْلِهِ: ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ [ص: ٣٢] . وفِي إقْسامِهِ تَعالى بِمَواقِعِ النُّجُومِ سِرٌّ في تَعْظِيمِ ذَلِكَ لا نَعْلَمُهُ نَحْنُ، وقَدْ أعْظَمَ ذَلِكَ تَعالى فَقالَ: ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ . والجُمْلَةُ المُقْسَمُ عَلَيْها قَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾، وفَصَلَ بَيْنَ القَسَمِ وجَوابِهِ؛ فالظّاهِرُ أنَّهُ اعْتِراضٌ بَيْنَهُما، وفِيهِ اعْتِراضٌ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ بِقَوْلِهِ: (لَوْ تَعْلَمُونَ) . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ﴿وإنَّهُ لَقَسَمٌ﴾ تَأْكِيدٌ لِلْأمْرِ وتَنْبِيهٌ مِنَ المُقْسَمِ بِهِ، ولَيْسَ هَذا بِاعْتِراضٍ بَيْنَ الكَلامَيْنِ، بَلْ هَذا مَعْنًى قُصِدَ التَّهَمُّمِ بِهِ، وإنَّما الِاعْتِراضُ قَوْلُهُ: (لَوْ تَعْلَمُونَ) . انْتَهى. وكَرِيمٌ: وصْفُ مَدْحٍ يَنْفِي عَنْهُ ما لا يَلِيقُ بِهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (كَرِيمٌ): حَسَنٌ مُرْضِيٌّ في جِنْسِهِ مِنَ الكُتُبِ، أوْ نَفّاعٌ جَمُّ المَنافِعِ، أوْ كَرِيمٌ عَلى اللَّهِ تَعالى. ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾: أيْ مَصُونٍ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: الكِتابُ الَّذِي في السَّماءِ. وقالَ عِكْرِمَةُ: التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، كَأنَّهُ قالَ: ذُكِرَ في كِتابٍ مَكْنُونٍ كَرَمُهُ وشَرَفُهُ، فالمَعْنى عَلى هَذا الِاسْتِشْهادِ بِالكُتُبِ المُنَزَّلَةِ. وقِيلَ: ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾: أيْ في مَصاحِفَ لِلْمُسْلِمِينَ مَصُونَةٍ مِنَ التَّبْدِيلِ والتَّغْيِيرِ، ولَمْ تَكُنْ إذْ ذاكَ مَصاحِفُ، فَهو إخْبارٌ بِغَيْبٍ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ وصْفٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ، فالمُطَهَّرُونَ هُمُ المَلائِكَةُ. وقِيلَ: ﴿لا يَمَسُّهُ﴾ صِفَةٌ لِكِتابٍ مَكْنُونٍ، فَإنْ كانَ الكِتابُ هو الَّذِي في السَّماءِ، فالمُطَهَّرُونَ هُمُ المَلائِكَةُ أيْضًا: أيْ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَن سِواهم، وكَذا عَلى قَوْلِ عِكْرِمَةَ: هُمُ المَلائِكَةُ، وإنْ أُرِيدَ بِكِتابٍ مَكْنُونٍ الصُّحُفُ، فالمَعْنى: أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يَمَسَّهُ إلّا مَن هو عَلى طَهارَةٍ مِنَ النّاسِ. وإذا كانَ ﴿المُطَهَّرُونَ﴾ هُمُ المَلائِكَةُ، (فَلا يَمَسُّهُ) نَفْيٌ، ويُؤَيِّدُ المَنفِيَّ ما يَمَسُّهُ عَلى قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وإذا عُنِيَ بِهِمُ المُطَهَّرُونَ مِنَ الكُفْرِ والجَنابَةِ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ نَفْيًا مَحْضًا ويَكُونَ حُكْمُهُ أنَّهُ لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ، وإنْ كانَ يَمَسُّهُ غَيْرُ المُطَهَّرِ، كَما جاءَ: «لا يُعْضَدُ شَجَرُها»، أيِ الحُكْمُ هَذا، وإنْ كانَ قَدْ يَقَعُ العَضَدُ. واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ نَفْيًا أُرِيدَ بِهِ النَّهْيُ، فالضَّمَّةُ في السِّينِ إعْرابٌ. واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ نَهْيًا فَلَوْ فُكَّ ظَهَرُ الجَزْمُ، ولَكِنَّهُ لَمّا أُدْغِمَ كانَ مَجْزُومًا في التَّقْدِيرِ، والضَّمَّةُ فِيهِ لِأجْلِ ضَمَّةِ الهاءِ، كَما جاءَ في الحَدِيثِ: «إنّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ»، إلّا أنَّهُ جُزِمَ، وهو مَجْزُومٌ، ولَمْ يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ في نَحْوِ هَذا مِنَ المَجْزُومِ المُدْغَمِ المُتَّصِلِ بِالهاءِ ضَمِيرِ المُذَكَّرِ إلّا الضَّمَّ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والقَوْلُ بِأنَّ لا يَمَسُّهُ نَهْيٌ، قَوْلٌ فِيهِ ضَعْفٌ، وذَلِكَ أنَّهُ إذا كانَ خَبَرًا، فَهو في مَوْضِعِ الصِّفَةِ وقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (تَنْزِيلٌ) صِفَةٌ، فَإذا جَعَلْناهُ نَهْيًا، جاءَ مَعْناهُ أجْنَبِيًّا مُعْتَرَضًا بَيْنَ الصِّفاتِ، وذَلِكَ لا يَحْسُنُ في وصْفِ الكَلامِ فَتَدَبَّرْهُ. وفي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ ما يَمَسُّهُ، وهَذا يُقَوِّي ما رَجَّحْتُهُ مِنَ الخَبَرِ الَّذِي مَعْناهُ حَقُّهُ وقَدْرُهُ أنْ لا يَمَسَّهُ إلّا طاهِرٌ. انْتَهى. ولا يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ (تَنْزِيلٌ) صِفَةً، بَلْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَيَحْسُنُ إذْ ذاكَ أنْ يَكُونَ ﴿لا يَمَسُّهُ﴾ نَهْيًا. وذَكَرُوا هَنا حُكْمَ مَسِّ المُصْحَفِ، وذَلِكَ مَذْكُورٌ في الفِقْهِ، ولَيْسَ في الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى مَنعِ ذَلِكَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿المُطَهَّرُونَ﴾ اسْمَ مَفْعُولٍ مِن طَهَّرَ مُشَدَّدًا؛ وعِيسى: كَذَلِكَ مُخَفَّفًا مِن أطْهَرَ، ورُوِيَتْ عَنْ نافِعٍ وأبِي عَمْرٍو. وقَرَأ سَلْمانُ الفارِسِيُّ: المُطَهَّرُونَ، بِخَفِّ الطّاءِ وشَدِّ الهاءِ وكَسْرِها اسْمَ فاعِلٍ مِن طَهَرَ، أيِ المُطَهِّرِينَ أنْفُسَهم؛ وعَنْهُ أيْضًا المُطَّهَّرُونَ بِشَدِّهِما، أصْلُهُ المُتَطَهِّرُونَ، فَأُدْغِمَ التّاءُ في الطّاءِ، ورُوِيَتْ عَنِ الحَسَنِ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ. (p-٢١٥)وقُرِئَ: المُتَطَهِّرُونَ. وقُرِئَ: تَنْزِيلًا بِالنَّصْبِ، أيْ نُزِّلَ تَنْزِيلًا، والإشارَةُ في: ﴿أفَبِهَذا الحَدِيثِ﴾ لِلْقُرْآنِ، و(أنْتُمْ): خِطابٌ لِلْكُفّارِ، ﴿مُدْهِنُونَ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مُهاوِدُونَ فِيما لا يَحِلُّ. وقالَ أيْضًا: مُكَذِّبُونَ. ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾: أيْ شُكْرُ ما رَزَقَكُمُ اللَّهُ مِن إنْزالِ القُرْآنِ عَلَيْكم تَكْذِيبُكم بِهِ، أيْ تَضَعُونَ مَكانَ الشُّكْرِ التَّكْذِيبَ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ الرّاجِزِ: ؎مَكانُ شُكْرِ القَوْمِ عِنْدَ المِنَنِ ∗∗∗ كَيُّ الصَّحِيحاتِ وفَقْءُ الأعْيُنِ وقَرَأ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ: وتَجْعَلُونَ شُكْرَكم، وذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِمُخالَفَتِهِ السَّوادَ. وحَكى الهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ أنَّ مِن لُغَةِ أزْدِ شَنُوءَةَ ما رَزَقَ فُلانٌ فُلانًا، بِمَعْنى: ما شَكَرَهُ. قِيلَ: نَزَلَتْ في الأنْواءِ، ونِسْبَةُ السُّقْيا إلَيْها، والرِّزْقُ: المَطَرُ، فالمَعْنى: ما يَرْزُقُكُمُ اللَّهُ مِنَ الغَيْبِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أجْمَعَ المُفَسِّرُونَ عَلى أنَّ الآيَةَ تَوْبِيخٌ لِلْقائِلِينَ في المَطَرِ، هَذا بِنَوْءِ كَذا وكَذا، وهَذا بِنَوْءِ الأسَدِ، وهَذا بِنَوْءِ الجَوْزاءِ، وغَيْرُ ذَلِكَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (تُكَذِّبُونَ) مِنَ التَّكْذِيبِ؛ وعَلِيٌّ والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ: مِنَ الكَذِبِ، فالمَعْنى مِنَ التَّكْذِيبِ أنَّهُ لَيْسَ مِن عِنْدِ اللَّهِ، أيِ القُرْآنُ أوِ المَطَرُ، حَيْثُ يَنْسُبُونَ ذَلِكَ إلى النُّجُومِ. ومِنَ الكَذِبِ قَوْلُهم: في القُرْآنِ سِحْرٌ وافْتِراءٌ، وفي المَطَرِ مِنَ الأنْواءِ. ﴿فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَرْتِيبُ الآيَةِ: فَلَوْلا تَرْجِعُونَها إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ، فَلَوْلا الثّانِيَةُ مُكَرِّرَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، والضَّمِيرُ في تَرْجِعُونَها لِلنَّفْسِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَوْقِيفٌ عَلى مَوْضِعِ عَجْزٍ يَقْتَضِي النَّظَرَ فِيهِ أنَّ اللَّهَ مالِكُ كُلِّ شَيْءٍ. (وأنْتُمْ): إشارَةٌ إلى جَمِيعِ البَشَرِ، ﴿حِينَئِذٍ﴾: حِينَ إذْ بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، (تَنْظُرُونَ): أيْ إلى النّازِعِ في المَوْتِ. وقَرَأ عِيسى: حِينَئِذٍ بِكَسْرِ النُّونِ إتْباعًا لِحَرَكَةِ الهَمْزَةِ في إذْ، ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ﴾ بِالعِلْمِ والقُدْرَةِ، ﴿ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾: مِنَ البَصِيرَةِ بِالقَلْبِ، أوْ (أقْرَبُ): أيْ مَلائِكَتُنا ورُسُلُنا، ﴿ولَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾: مِنَ البَصَرِ بِالعَيْنِ. ثُمَّ عادَ التَّوْقِيفُ والتَّقْدِيرُ ثانِيَةً بِلَفْظِ التَّخْصِيصِ. والمَدِينُ: المَمْلُوكُ. قالَ الأخْطَلُ: ؎رَبَّتْ ورَبّانِي في حِجْرِها ابْنُ مَدِينَةٍ قِيلَ: ابْنُ مَمْلُوكَةٍ يَصِفُ عَبْدًا ابْنَ أمَةٍ، وآخِرُ البَيْتِ: ؎تَراهُ عَلى مَسْحانَةٍ يَتَوَكَّلُ والمَعْنى: فَلَوْلا تَرْجِعُونَ النَّفْسَ البالِغَةَ إلى الحُلْقُومِ إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَمْلُوكِينَ وغَيْرَ مَقْهُورِينَ. ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في تَعْطِيلِكم وكُفْرِكم بِالمُحْيِي المُمِيتِ المُبْدِئِ المُعِيدِ، إذْ كانُوا فِيما ذَهَبُوا إلَيْهِ مِن أنَّ القُرْآنَ سِحْرٌ وافْتِراءٌ، وأنَّ ما نَزَلَ مِنَ المَطَرِ هو بِنَوْءِ كَذا تَعْطِيلٌ لِلصّانِعِ وتَعْجِيزٌ لَهُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَوْلُهُ ﴿تَرْجِعُونَها﴾ سَدَّ مَسَدَّ جَوابِها، والبَياناتُ الَّتِي تَقْتَضِيها التَّخْصِيصاتُ، وإذا مِن قَوْلِهِ: ﴿فَلَوْلا إذا﴾، و”إنْ“ المُتَكَرِّرَةُ، وحَمَلَ بَعْضُ القَوْلِ بَعْضًا إيجازًا واقْتِصارًا. انْتَهى. وتَقُولُ: (إذا) لَيْسَتْ شَرْطِيَّةً، فَتَسُدُّ ﴿تَرْجِعُونَها﴾ مَسَدَّ جَوابِها، بَلْ هي ظَرْفٌ غَيْرُ شَرْطٍ مَعْمُولٌ لِتَرْجِعُونَها المَحْذُوفِ بَعْدَ فَلَوْلا، لِدَلالَةِ تَرْجِعُونَها في التَّخْصِيصِ الثّانِي عَلَيْهِ، فَجاءَ التَّخْصِيصُ الأوَّلُ مُقَيَّدًا بِوَقْتِ بُلُوغِ الحُلْقُومِ، وجاءَ التَّخْصِيصُ الثّانِي مُعَلَّقًا عَلى انْتِفاءِ مَرْبُوبِيَّتِهِمْ، وهم لا يَقْدِرُونَ عَلى رُجُوعِها، إذْ مَرْبُوبِيَّتِهِمْ مَوْجُودَةٌ، فَهم مَقْهُورُونَ لا قُدْرَةَ لَهم ﴿فَأمّا إنْ كانَ﴾: أيِ المُتَوَفّى، ﴿مِنَ المُقَرَّبِينَ﴾: وهُمُ السّابِقُونَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ؛ ﴿فَرَوْحٌ﴾، بِفَتْحِ الرّاءِ؛ وعائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ، وابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، ونُوحٌ القارِئُ، والضَّحّاكُ، والأشْهَبُ، وشُعَيْبُ بْنُ الحَبْحابِ، وسُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ، والرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ، والكَلْبِيُّ، وفَيّاضٌ، وعُبَيْدٌ، وعَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرٍو، ويَعْقُوبُ بْنُ صَيّانَ، وزَيْدٌ، ورُوَيْسٌ عَنْهُ: بِضَمِّها. قالَ الحَسَنُ: الرُّوحُ: الرَّحْمَةُ، لِأنَّها كالحَياةِ لِلْمَرْحُومِ. وقالَ أيْضًا: رُوحُهُ تَخْرُجُ في رَيْحانٍ. وقِيلَ: الرُّوحُ: البَقاءُ، أيْ فَهَذانِ لَهُ مَعًا، وهو الخُلُودُ مَعَ الرِّزْقِ. وقالَ مُجاهِدٌ: الرَّيْحانُ: الرِّزْقُ. وقالَ الضَّحّاكُ: الِاسْتِراحَةُ. وقالَ أبُو العالِيَةِ وقَتادَةُ والحَسَنُ (p-٢١٦)أيْضًا: الرَّيْحانُ، هَذا الشَّجَرُ المَعْرُوفُ في الدُّنْيا، يَلْقى المُقَرَّبُ رَيْحانًا مِنَ الجَنَّةِ. وقالَ الخَلِيلُ: هو ظَرْفُ كُلِّ بَقْلَةٍ طَيِّبَةٍ فِيها أوائِلُ النَّوْرِ. وقالَ ﷺ، في الحَسَنِ والحُسَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: «هُما رَيْحانَتايَ مِنَ الدُّنْيا» . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الرَّيْحانُ: مِمّا تَنْبَسِطُ بِهِ النُّفُوسُ، ﴿فَرَوْحٌ﴾: فَسَلامٌ، فَنُزُلٌ الفاءُ جَوابُ أمّا تَقَدَّمَ. أمّا وهي في تَقْدِيرِ الشَّرْطِ، وإنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ، وإنْ كانَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ، وإنْ كانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ شَرْطٌ؛ وإذا اجْتَمَعَ شَرْطانِ، كانَ الجَوابُ لِلسّابِقِ مِنهُما. وجَوابُ الثّانِي مَحْذُوفٌ، ولِذَلِكَ كانَ فِعْلُ الشَّرْطِ ماضِيَ اللَّفْظِ، أوْ مَصْحُوبًا بِلَمْ، وأغْنى عَنْهُ جَوابُ أمّا، هَذا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. وذَهَبَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ إلى أنَّ الفاءَ جَوابُ إنْ، وجَوابُ أمّا مَحْذُوفٌ، ولَهُ قَوْلٌ مُوافِقٌ لِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ. وذَهَبَ الأخْفَشُ إلى أنَّ الفاءَ جَوابٌ لَأمّا والشَّرْطِ مَعًا، وقَدْ أبْطَلْنا هَذَيْنِ المَذْهَبَيْنِ في كِتابِنا المُسَمّى بِالتَّذْيِيلِ والتَّكْمِيلِ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ، والخِطابُ في ذَلِكَ لِلرَّسُولِ، ﷺ، أيْ لا تَرى فِيهِمْ يا مُحَمَّدُ إلّا السَّلامَةَ مِنَ العَذابِ. ثُمَّ لِكُلِّ مُعْتَبِرٍ مِن أُمَّتِهِ، ﷺ قِبَلٌ لِمَن يُخاطِبُهُ: ﴿مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ . فَقالَ الطَّبَرِيُّ: المَعْنى: فَسَلامٌ لَكَ أنْتَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ. وقالَ قَوْمٌ: المَعْنى: فَيُقالُ لَهم: مُسَلَّمٌ لَكَ إنَّكَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ. وقِيلَ: فَسَلامٌ لَكَ يا صاحِبَ اليَمِينِ مِن إخْوانِكَ أصْحابِ اليَمِينِ، أيْ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿إلّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا﴾ [الواقعة: ٢٦] . والمُكَذِّبُونَ الضّالُّونَ هم أصْحابُ المَشْأمَةِ، أصْحابُ الشِّمالِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: وتَصْلِيَةُ رَفْعًا، عَطْفًا عَلى ﴿فَنُزُلٌ﴾؛ وأحْمَدُ بْنُ مُوسى والمِنقَرِيُّ واللُّؤْلُؤِيُّ عَنْ أبِي عَمْرٍو: بِجَرٍّ عَطْفًا عَلى (مِن حَمِيمٍ) . ولَمّا انْقَضى الإخْبارُ بِتَقْسِيمِ أحْوالِهِمْ وما آلَ إلَيْهِ كُلُّ قِسْمٍ مِنهم، أكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (إنَّ هَذا): أيْ إنَّ هَذا الخَبَرَ المَذْكُورَ في هَذِهِ السُّورَةِ ﴿هُوَ حَقُّ اليَقِينِ﴾، فَقِيلَ: هو مِن إضافَةِ المُتَرادِفَيْنِ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ، كَما تَقُولُ: هَذا يَقِينُ اليَقِينِ وصَوابُ الصَّوابِ، بِمَعْنى أنَّها نِهايَةٌ في ذَلِكَ، فَهُما بِمَعْنًى واحِدٍ أُضِيفَ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ. وقِيلَ: هو مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ إلى صِفَتِهِ جُعِلَ الحَقُّ مُبايِنًا لِلْيَقِينِ، أيِ الثّابِتِ المُتَيَقَّنِ. ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الأقْسامِ الثَّلاثَةِ مُسْهَبًا الكَلامُ فِيهِمْ، أمَرَهُ تَعالى بِتَنْزِيهِهِ عَنْ ما لا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الصِّفاتِ. ولَمّا أعادَ التَّقْسِيمَ مُوجِزًا الكَلامَ فِيهِ، أمَرَهُ أيْضًا بِتَنْزِيهِهِ وتَسْبِيحِهِ والإقْبالِ عَلى عِبادَةِ رَبِّهِ، والإعْراضِ عَنْ أقْوالِ الكَفَرَةِ المُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ والحِسابِ والجَزاءِ. ويَظْهَرُ أنَّ ”سَبِّحْ“ يَتَعَدّى تارَةً بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى﴾ [الأعلى: ١]، ويُسَبِّحُوهُ؛ وتارَةً بِحَرْفِ الجَرِّ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ﴾، والعَظِيمُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِاسْمِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِرَبِّكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب