الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وجَنى الجَنَّتَيْنِ دانٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿كَأنَّهُنَّ الياقُوتُ والمَرْجانُ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلّا الإحْسانُ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿ومِن دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿مُدْهامَّتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِما فاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمّانٌ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿حُورٌ مَقْصُوراتٌ في الخِيامِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ﴾ .
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: تَجْتَنِيهِ قائِمًا وقاعِدًا ومُضْطَجِعًا، لا يَرُدُّ يَدَهُ بُعْدٌ ولا شَوْكٌ وقَرَأ عِيسى: بِفَتْحِ الجِيمِ وكَسْرِ النُّونِ، كَأنَّهُ أمالَ النُّونَ، وإنْ كانَتِ الألِفُ قَدْ حُذِفَتْ في اللَّفْظِ، كَما أمالَ أبُو عَمْرٍو: حَتِّي نَرى اللَّهَ. وقُرِئَ: وجِنى بِكَسْرِ الجِيمِ. والضَّمِيرُ في (فِيهِنَّ) عائِدٌ عَلى الجِنانِ الدّالِّ عَلَيْهِنَّ جَنَّتانِ، إذْ كُلُّ فَرْدٍ فُرِّدَ لَهُ جَنَّتانِ، فَصَحَّ أنَّها جِنانٌ كَثِيرَةٌ، وإنْ كانَ الجَنَّتانِ أُرِيدَ بِهِما حَقِيقَةُ التَّثْنِيَةِ، وإنَّ لِكُلِّ جِنْسٍ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ جَنَّةً واحِدَةً، فالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلى ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الجَنَّةُ مِنَ المَجالِسِ والقُصُورِ والمَنازِلِ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى الفُرُشِ، أيْ فِيهِنَّ مُعِدّاتٌ لِلِاسْتِمْتاعِ، وهو قَوْلٌ (p-١٩٨)حَسَنٌ قَرِيبُ المَأْخَذِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِيهِنَّ في هَذِهِ الآلاءِ المَعْدُودَةِ مِنَ الجَنَّتَيْنِ والعَيْنَيْنِ والفاكِهَةِ والجَنى. انْتَهى، وفِيهِ بُعْدٌ. وقالَ الفَرّاءُ: كُلُّ مَوْضِعٍ مِنَ الجَنَّةِ جَنَّةٌ، فَلِذَلِكَ قالَ: (فِيهِنَّ)، والطَّرْفُ أصْلُهُ مَصْدَرٌ، فَلِذَلِكَ وُحِّدَ. والظّاهِرُ أنَّهُنَّ اللَّواتِي يَقْصُرْنَ أعْيُنَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ، فَلا يَنْظُرْنَ إلى غَيْرِهِمْ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: تَقُولُ لِزَوْجِها: وعِزَّةِ رَبِّي ما أرى في الجَنَّةِ أحْسَنَ مِنكَ. وقِيلَ: الطَّرْفُ طَرْفُ غَيْرِهِنَّ، أيْ قَصَّرْنَ عَيْنَيْ مَن يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ عَنِ النَّظَرِ إلى غَيْرِهِنَّ.
﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمْ يَفْتَضَّهُنَّ قَبْلَ أزْواجِهِنَّ. وقِيلَ: لَمْ يَطَأْهُنَّ عَلى أيْ وجْهٍ كانَ الوَطْءُ مِنِ افْتِضاضٍ أوْ غَيْرِهِ، وهو قَوْلُ عِكْرِمَةَ. والضَّمِيرُ في (قَبْلَهم) عائِدٌ عَلى مَن عادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ في (مُتَّكِئِينَ) . وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِكَسْرِ مِيمِ يَطْمِثْهُنَّ في المَوْضِعَيْنِ. وطَلْحَةُ وعِيسى وأصْحابُ عَبْدِ اللَّهِ وعَلِيٌّ: بِالضَّمِّ. وقَرَأ ناسٌ: بِضَمِّ الأوَّلِ وكَسْرِ الثّانِي، وناسٌ بِالعَكْسِ، وناسٌ بِالتَّخْيِيرِ، والجَحْدَرِيُّ: بِفَتْحِ المِيمِ فِيهِما. ونَفْيُ وطْئِهِنَّ عَنِ الإنْسِ ظاهِرٌ وأمّا عَنِ الجِنِّ فَقالَ مُجاهِدٌ والحَسَنُ: قَدْ تُجامَعُ نِساءُ البَشَرِ مَعَ أزْواجِهِنَّ إذا لَمْ يَذْكُرِ الزَّوْجُ اللَّهَ تَعالى، فَنَفى هُنا جَمِيعَ المُجامِعِينَ. وقالَ ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ: الجِنُّ في الجَنَّةِ لَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ مِنَ الجِنِّ نَوْعِهِمْ، فَنَفى الِافْتِضاضَ عَنِ البَشَرِيّاتِ والجِنِّيّاتِ. قالَ قَتادَةُ: (كَأنَّهُنَّ) عَلى صَفاءِ الياقُوتِ وحُمْرَةِ المَرْجانِ، لَوْ أدْخَلْتَ في الياقُوتِ سِلْكًا، ثُمَّ نَظَرْتَ إلَيْهِ، لَرَأيْتَهُ مِن ورائِهِ. انْتَهى. وفي التِّرْمِذِيِّ: «أنَّ المَرْأةَ مِن نِساءِ الجَنَّةِ لَيُرى بَياضُ ساقِها مِن وراءِ سَبْعِينَ حُلَّةٍ ومُخُّها» . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الياقُوتُ والمَرْجانُ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي يُرْتاحُ بِحُسْنِها، فَشَبَّهَ بِهِما فِيما يَحْسُنُ التَّشْبِيهُ بِهِ، فالياقُوتُ في إمِّلاسِهِ وشُفُوفِهِ، والمَرْجانُ في إمِّلاسِهِ وجَمالِ مَنظَرِهِ، وبِهَذا النَّحْوِ مِنَ النَّظَرِ سَمَّتِ العَرَبُ النِّساءَ بِذَلِكَ، كَدُرَّةَ بِنْتِ أبِي لَهَبٍ، ومَرْجانَةَ أُمِّ سَعِيدٍ. انْتَهى.
﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ﴾ في العَمَلِ، ﴿إلّا الإحْسانُ﴾ في الثَّوابِ ؟ وقِيلَ: هَلْ جَزاءُ التَّوْحِيدِ إلّا الجَنَّةُ ؟ وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ: إلّا الحِسانُ. يَعْنِي بِالحِسانِ الحُورَ العِينَ.
﴿ومِن دُونِهِما﴾: أيْ مِن دُونِ تَيْنِكَ الجَنَّتَيْنِ في المَنزِلَةِ والقَدْرِ، (جَنَّتانِ) لِأصْحابِ اليَمِينِ، والأُولَيانِ هُما لِلسّابِقِينَ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ والأكْثَرُونَ. وقالَ الحَسَنُ: الأُولَيانِ لِلسّابِقِينَ، والأُخْرَيانِ لِلتّابِعِينَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿ومِن دُونِهِما﴾ في القُرْبِ لِلْمُنَعَّمِينَ، والمُؤَخَّرَتا الذِّكْرِ أفْضَلُ مِنَ الأُولَيانِ. يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ وصَفَ عَيْنَيْ هاتَيْنِ بِالنَّضْخِ، وتَيْنِكَ بِالجَرْيِ فَقَطْ؛ وهاتَيْنِ بِالدُّهْمَةِ مُنْشِدَةُ النِّعْمَةِ، وتَيْنِكَ بِالأفْنانِ، وكُلُّ جَنَّةٍ ذاتُ أفْنانٍ. ورَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذا القَوْلَ فَقالَ: لِلْمُقَرَّبِينَ جَنَّتانِ مِن دُونِهِمْ مِن أصْحابِ اليَمِينِ ادْهامَّتا مِن شِدَّةِ الخُضْرَةِ، ورَجَّحَ غَيْرُهُ القَوْلَ الأوَّلَ بِذِكْرِ جَرْيِ العَيْنَيْنِ والنَّضْخِ دُونَ الجَرْيِ، وبِقَوْلِهِ فِيهِما: ﴿مِن كُلِّ فاكِهَةٍ﴾ [الرحمن: ٥٢]، وفي المُتَأخِّرَتَيْنِ: ﴿فِيهِما فاكِهَةٌ﴾، وبِالِاتِّكاءِ عَلى ما بَطائِنُهُ مِن دِيباجٍ وهو الفُرُشُ، وفي المُتَأخِّرَتَيْنِ الِاتِّكاءُ عَلى الرَّفْرَفِ، وهو كِسْرُ الخِباءِ، والفُرُشُ المُعَدَّةُ لِلِاتِّكاءِ أفْضَلُ، والعَبْقَرِيُّ: الوَشْيُ والدِّيباجُ أعْلى مِنهُ، والمُشَبَّهُ بِالياقُوتِ والمَرْجانِ أفْضَلُ في الوَصْفِ مِن خَيْراتٍ حِسانٍ، والظّاهِرُ النَّضْخُ بِالماءِ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: بِالمِسْكِ والعَنْبَرِ والكافُورِ في دُورِ أهْلِ الجَنَّةِ، كَما يَنْضَخُ رَشُّ المَطَرِ. وعَنْهُ أيْضًا بِأنْواعِ الفَواكِهِ والماءِ.
﴿ونَخْلٌ ورُمّانٌ﴾ عَطَفَ فاكِهَةً فاقْتَضى العَطْفُ أنْ لا يَنْدَرِجا في الفاكِهَةِ، قالَهُ بَعْضُهم. وقالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وغَيْرُهُ: كَرَّرَهُما وهُما مِن أفْضَلِ الفاكِهَةِ تَشْرِيفًا لَهُما وإشارَةً بِهِما، كَما قالَ تَعالى: ﴿ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البقرة: ٩٨] . وقِيلَ: لِأنَّ النَّخْلَ ثَمَرُهُ فاكِهَةٌ وطَعامٌ والرُّمّانَ فاكِهَةٌ ودَواءٌ، فَلَمْ يُخْلَصا لِلتَّفَكُّهِ.
﴿فِيهِنَّ خَيْراتٌ﴾، جَمْعُ خَيْرَةٍ: وصْفٌ بُنِيَ عَلى فَعْلَةٍ مِنَ الخَيْرِ، كَما بَنَوْا مِنَ الشَّرِّ فَقالُوا: شَرَّةٌ. وقِيلَ: مُخَفَّفٌ مِن خَيِّرَةٍ، وبِهِ قَرَأ بَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ وأبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ وابْنُ مِقْسَمٍ، أيْ بِشَدِّ الياءِ. ورُوِيَ عَنْ أبِي عَمْرٍو بِفَتْحِ الياءِ، كَأنَّهُ جَمْعُ خايِرَةٍ، جُمِعَ عَلى فَعْلَةٍ، وفَسَّرَ الرَّسُولُ ﷺ، (p-١٩٩)لِأُمِّ سَلَمَةَ ذَلِكَ فَقالَ: (خَيِّراتُ الأخْلاقِ حِسانُ الوُجُوهِ) .
﴿حُورٌ مَقْصُوراتٌ﴾: أيْ قُصِرْنَ في أماكِنِهِنَّ، والنِّساءُ تُمْدَحُ بِذَلِكَ، إذْ مُلازَمَتُهُنَّ البُيُوتَ تَدُلُّ عَلى صِيانَتِهِنَّ، كَما قالَ قَيْسُ بْنُ الأسْلَتِ:
؎وتَكْسَلُ عَنْ جاراتِها فَيَزُرْنَها وتَغْفُلُ عَنْ أبْياتِهِنَّ فَتُعْذَرُ
قالَ الحَسَنُ: لَسْنَ بِطَوّافاتٍ في الطُّرُقِ، وخِيامُ الجَنَّةِ: بُيُوتُ اللُّؤْلُؤِ. وقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ: هي دُرٌّ مُجَوَّفٌ، ورَواهُ عَبْدُ اللَّهِ «عَنِ النَّبِيِّ، ﷺ، ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ﴾: أيْ قَبْلَ أصْحابِ الجَنَّتَيْنِ»، ودَلَّ عَلَيْهِمْ ذِكْرُ الجَنَّتَيْنِ.
﴿مُتَّكِئِينَ﴾، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نُصِبَ عَلى الِاخْتِصاصِ.
﴿عَلى رَفْرَفٍ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ: فُضُولُ المَجْلِسِ والبُسُطِ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: رِياضُ الجَنَّةِ مِن رَفَّ البَيْتُ تَنَعَّمَ وحَسُنَ. وقالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الزَّرابِيُّ. وقالَ الحَسَنُ وابْنُ كَيْسانَ: المَرافِقُ. وقَرَأ الفَرّاءُ وابْنُ قُتَيْبَةَ: المَجالِسُ. وعَبْقَرِيٌّ، قالَ الحَسَنُ: بُسُطٌ حِسانٌ فِيها صُوَرٌ وغَيْرُ ذَلِكَ يُصْنَعُ بِعَبْقَرٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الزَّرابِيُّ. وقالَ مُجاهِدٌ: الدِّيباجُ الغَلِيظُ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الطَّنافِسُ. قالَ الفَرّاءُ: الثَّخانُ مِنها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿عَلى رَفْرَفٍ﴾، ووُصِفَ بِالجَمْعِ لِأنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، الواحِدُ مِنها رَفْرَفَةٌ، واسْمُ الجِنْسِ يَجُوزُ فِيهِ أنْ يُفْرَدَ نَعْتُهُ وأنْ يُجْمَعَ لِقَوْلِهِ: ﴿والنَّخْلَ باسِقاتٍ﴾ [ق: ١٠]، وحَسَّنَ جَمْعَهُ هُنا مُقابَلَتُهُ لِحِسانٍ الَّذِي هو فاصِلَةٌ. وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ، وقَرَأ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ، ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ، والجَحْدَرِيُّ، ومالِكُ بْنُ دِينارٍ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وزُهَيْرٌ العُرْقُبِيُّ وغَيْرُهُ: رَفارِفَ. جَمْعٌ لا يَنْصَرِفُ، خُضْرٍ. بِسُكُونِ الضّادِ، وعَباقِرِيَّ. بِكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الياءِ مُشَدَّدَةً؛ وعَنْهم أيْضًا: ضَمُّ الضّادِ؛ وعَنْهم أيْضًا: فَتْحُ القافِ. قالَ: فَأمّا مَنعُ الصَّرْفِ مِن عَباقِرِيَّ، وهي الثِّيابُ المَنسُوبَةُ إلى عَبْقَرٍ، وهو مَوْضِعٌ تُجْلَبُ مِنهُ الثِّيابُ عَلى قَدِيمِ الأزْمانِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ بِمُجاوَرَتِها، وإلّا فَلا يَكُونُ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مِن ياءَيِ النَّسَبِ وجْهٌ إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. انْتَهى. وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: عَلى رَفارِفَ خُضْرٍ، وعَباقِرِيٌّ النَّبِيُّ ﷺ، والجَحْدَرِيُّ وابْنُ مُحَيْصِنٍ. وقَدْ رُوِيَ عَمَّنْ ذَكَرْنا عَلى رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقِرِيٍّ بِالصَّرْفِ، وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ. وقَرَأ أبُو مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ، وكانَ نَحْوِيًّا: عَلى رَفارِفَ خِضارٍ، يَعْنِي: عَلى وزْنِ فِعالٍ. وقالَ صاحِبُ الكامِلِ: ”رَفارِفَ“ جَمْعٌ، عَنِ ابْنِ مُصَرِّفٍ وابْنِ مِقْسَمٍ وابْنِ مُحَيْصِنٍ، واخْتارَهُ شِبْلٌ وأبُو حَيْوَةَ والجَحْدَرِيُّ والزَّعْفَرانِيُّ، وهو الِاخْتِيارُ لِقَوْلِهِ: ﴿خُضْرٍ﴾، وعَباقِرِيَّ بِالجَمْعِ وبِكَسْرِ القافِ مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ، ابْنُ مِقْسَمٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ، ورُوِيَ عَنْهُما التَّنْوِينُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وقَرَأ زُهَيْرٌ العُرْقُبِيُّ: رَفارِفٍ. بِالجَمْعِ والصَّرْفِ، وعَنْهُ: عَباقَرِيَّ بِفَتْحِ القافِ والياءِ، عَلى أنَّ اسْمَ المَوْضِعِ عَباقَرُ بِفَتْحِ القافِ، والصَّحِيحُ في اسْمِ المَوْضِعِ عَبْقَرٌ. انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، ورَوى أبُو حاتِمٍ: عَباقَرِيَّ بِفَتْحِ القافِ ومَنعِ الصَّرْفِ، وهَذا لا وجْهَ لِصِحَّتِهِ. انْتَهى. وقَدْ يُقالُ: لَمّا مَنَعَ الصَّرْفَ رَفارِفَ، شاكَلَهُ في عَباقَرِيَّ، كَما قَدْ يُنَوَّنُ ما لا يَنْصَرِفُ لِلْمُشاكَلَةِ يُمْنَعُ مِنَ الصَّرْفِ لِلْمُشاكَلَةِ. وقَرَأ ابْنُ هُرْمُزٍ: خُضْرٌ بِضَمِّ الضّادِ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: وهي لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. انْتَهى، ومِنهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
؎أيُّها الفِتْيانُ في مَجْلِسِنا ∗∗∗ جَرِّدُوا مِنها وِرادًا وشُقُرْ
وقالَ آخَرُ:
؎وما انْتَمَيْتُ إلى خَوَرٍ ولا كُسُفٍ ∗∗∗ ولا لِئامٍ غَداةَ الرَّوْعِ أوْزاعِ
فَشُقُرُ جَمْعُ أشْقَرَ، وكُسُفٌ جَمْعُ أكْسَفَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ذِي الجَلالِ﴾ صِفَةً لِرَبِّكَ. وابْنُ عامِرٍ وأهْلُ الشّامِ: ذُو صِفَةً لِلِاسْمِ، وفي حَرْفِ أبِي عَبْدِ اللَّهِ وأُبَيٍّ: ذِي الجَلالِ، كَقِراءَتِهِما في المَوْضِعِ الأوَّلِ، والمُرادُ هُنا بِالِاسْمِ المُسَمّى. وقِيلَ: اسْمٌ مُقْحَمٌ، كالوَجْهِ في ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧]، ويَدُلُّ عَلَيْهِ إسْنادُ ﴿تَبارَكَ﴾ لِغَيْرِ (p-٢٠٠)الِاسْمِ في مَواضِعَ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] ﴿تَبارَكَ الَّذِي إنْ شاءَ﴾ [الفرقان: ١٠]، ﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ [الملك: ١] . وقَدْ صَحَّ الإسْنادُ إلى الِاسْمِ لِأنَّهُ بِمَعْنى العُلُوِّ، فَإذا عَلا الِاسْمُ، فَما ظَنُّكَ بِالمُسَمّى ؟ ولَمّا خَتَمَ تَعالى نِعَمَ الدُّنْيا بِقَوْلِهِ: ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ﴾ [الرحمن: ٢٧]، خَتَمَ نِعَمَ الآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ﴾ وناسَبَ هُنالِكَ ذِكْرَ البَقاءِ والدَّيْمُومَةِ لَهُ تَعالى، إذْ ذَكَرَ فَناءَ العالَمِ، وناسَبَ هُنا ذِكْرَ ما اشْتُقَّ مِنَ البَرَكَةِ، وهي النُّمُوُّ والزِّيادَةُ، إذْ جاءَ ذَلِكَ عَقِبَ ما امْتَنَّ بِهِ عَلى المُؤْمِنِينَ، وما آتاهم في دارِ كَرامَتِهِ مِنَ الخَيْرِ وزِيادَتِهِ ودَيْمُومَتِهِ، ويا ذا الجَلالِ والإكْرامِ مِنَ الصِّفاتِ الَّتِي جاءَ في الحَدِيثِ أنْ يُدْعى اللَّهُ بِها، قالَ ﷺ: «ألِظُّوا بِيا ذا الجَلالِ والإكْرامِ» .
{"ayahs_start":54,"ayahs":["مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَاۤىِٕنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقࣲۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَیۡنِ دَانࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِنَّ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","كَأَنَّهُنَّ ٱلۡیَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","هَلۡ جَزَاۤءُ ٱلۡإِحۡسَـٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَـٰنُ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","مُدۡهَاۤمَّتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِمَا عَیۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِمَا فَـٰكِهَةࣱ وَنَخۡلࣱ وَرُمَّانࣱ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِنَّ خَیۡرَ ٰتٌ حِسَانࣱ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","حُورࣱ مَّقۡصُورَ ٰتࣱ فِی ٱلۡخِیَامِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرࣲ وَعَبۡقَرِیٍّ حِسَانࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","تَبَـٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِی ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ"],"ayah":"فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق