الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: (p-١٧٩)﴿كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ ﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا في يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ ﴿تَنْزِعُ النّاسَ كَأنَّهم أعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ ﴿ولَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ ﴿فَقالُوا أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إنّا إذًا لَفي ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ ﴿أؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنا بَلْ هو كَذّابٌ أشِرٌ﴾ ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الكَذّابُ الأشِرُ﴾ ﴿إنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ فِتْنَةً لَهم فارْتَقِبْهم واصْطَبِرْ﴾ ﴿ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهم كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ ﴿فَنادَوْا صاحِبَهم فَتَعاطى فَعَقَرَ﴾ ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ ﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ﴾ ﴿ولَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ . تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ عادٍ مُطَوَّلَةً ومُتَوَسِّطَةً، وهُنا ذَكَرَها تَعالى مُوجَزَةً، كَما ذَكَرَ قِصَّةَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مُوجَزَةً. ولَمّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْمِ نُوحٍ عِلْمٌ، ذَكَرَ ”قَوْمُ“ مُضافًا إلى نُوحٍ. ولَمّا كانَتْ عادٌ عَلَمًا لِقَوْمِ هُودٍ، ذَكَرَ العَلَمَ، لِأنَّهُ أبْلَغُ في الذِّكْرِ مِنَ التَّعْرِيفِ بِالإضافَةِ. وتَكَرَّرَ التَّهْوِيلُ بِالِاسْتِفْهامِ قَبْلَ ذِكْرِ ما حَلَّ بِهِمْ وبَعْدَهُ، لِغَرابَةِ ما عُذِّبُوا بِهِ مِنَ الرِّيحِ، وانْفِرادِهِمْ بِهَذا النَّوْعِ مِنَ العَذابِ، ولِأنَّ الِاخْتِصارَ داعِيَةُ الِاعْتِبارِ والتَّدَبُّرِ والصَّرْصَرِ البارِدَةِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ وقَتادَةُ. وقِيلَ المُصَوِّتَةُ. والجُمْهُورُ عَلى إضافَةِ يَوْمٍ إلى نَحْسٍ، وسُكُونِ الحاءِ. وقَرَأ الحَسَنُ: بِتَنْوِينِ يَوْمٍ وكَسْرِ الحاءِ، جَعَلَهُ صِفَةً لِلْيَوْمِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي أيّامٍ نَحِساتٍ﴾ [فصلت: ١٦] . ﴿مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: ٢]، قالَ قَتادَةُ: اسْتَمَرَّ بِهِمْ حَتّى بَلَّغَهم جَهَنَّمَ. وعَنِ الحَسَنِ والضَّحّاكِ: كانَ مَرًّا عَلَيْهِمْ. ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ، والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ لَيْسَ يَوْمًا مُعَيَّنًا، بَلْ أُرِيدَ بِهِ الزَّمانُ والوَقْتُ، كَأنَّهُ قِيلَ: في وقْتِ نَحْسٍ. ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ قالَ في سُورَةِ فُصِّلَتْ: ﴿فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا في أيّامٍ نَحِساتٍ﴾ [فصلت: ١٦] . وقالَ في الحاقَّةِ: ﴿سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة: ٧]، إلّا أنْ يَكُونَ ابْتِداءُ الرِّيحِ في يَوْمِ الأرْبِعاءِ، فَعَبَّرَ بِوَقْتِ الِابْتِداءِ، وهو يَوْمُ الأرْبِعاءِ، فَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَها. ﴿تَنْزِعُ النّاسَ﴾: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلرِّيحِ، وأنْ يَكُونَ حالًا مِنها، لِأنَّها وُصِفَتْ فَقُرِّبَتْ مِنَ المَعْرِفَةِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ تَنْزِعُ مُسْتَأْنَفًا، وجاءَ الظّاهِرُ مَكانَ المُضْمَرِ لِيَشْمَلَ ذُكُورَهم وإناثَهم، إذْ لَوْ عادَ بِضَمِيرِ المَذْكُورِينَ، لَتُوُهِّمَ أنَّهُ خاصٌّ بِهِمْ، أيْ تَقْلَعُهم مِن أماكِنِهِمْ. قالَ مُجاهِدٌ: يُلْقى الرَّجُلُ عَلى رَأْسِهِ، فَتُفَتَّتُ رَأْسُهُ وعُنُقُهُ وما يَلِي ذَلِكَ مِن بَدَنِهِ. وقِيلَ: كانُوا يَصْطَفُّونَ آخِذِي بَعْضِهِمْ بِأيْدِي بَعْضٍ، ويَدْخُلُونَ في الشِّعابِ، ويَحْفِرُونَ الحُفَرَ فَيَنْدَسُّونَ فِيها، فَتَنْزِعُهم وتَدُقُّ رِقابَهم. والجُمْلَةُ التَّشْبِيهِيَّةُ حالٌ مِنَ النّاسِ، وهي حالٌ مُقَدَّرَةٌ. وقالَ الطَّبَرِيُّ: في الكَلامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَتَتْرُكُهم. ﴿كَأنَّهم أعْجازُ نَخْلٍ﴾: فالكافُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالمَحْذُوفِ، شَبَّهَهم بِأعْجازِ النَّخْلِ المُنْقَعِرِ، إذْ تَساقَطُوا عَلى الأرْضِ أمْواتًا وهم جُثَثٌ عِظامٌ طِوالٌ. والأعْجازُ: الأُصُولُ بِلا فُرُوعٍ قَدِ انْقَلَعَتْ مِن مَغارِسِها. وقِيلَ: كانَتِ الرِّيحُ تَقْطَعُ رُءُوسَهم، فَتَبْقى أجْسادًا بِلا رُءُوسٍ، فَأشْبَهَتْ أعْجازَ النَّخْلِ الَّتِي انْقَلَعَتْ مِن مَغْرِسِها. وقَرَأ أبُو نَهِيكٍ: أعْجُزُ عَلى وزْنِ أفْعُلٍ، نَحْوُ ضَبُعٍ وأضْبُعٍ. والنَّخْلُ اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وإنَّما ذُكِّرَ هُنا لِمُناسَبَةِ الفَواصِلِ، وأُنِّثَ في قَوْلِهِ: ﴿أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] في الحاقَّةِ لِمُناسَبَةِ الفَواصِلِ أيْضًا. وقَرَأ أبُو السَّمّالِ، فِيما ذَكَرَ الهُذَلِيُّ في كِتابِهِ الكامِلِ، وأبُو عَمْرٍو الدّانِيُّ: بِرَفْعِهِما. فَـ ﴿أبَشَرٌ﴾ [التغابن: ٦]: مُبْتَدَأٌ، وواحِدٌ صِفَتُهُ، والخَبَرُ نَتَّبِعُهُ. ونَقَلَ ابْنُ خالَوَيْهِ وصاحِبُ اللَّوامِحِ وابْنُ عَطِيَّةَ رَفْعَ أبَشَرٌ ونَصْبَ واحِدًا عَنْ أبِي السَّمّالِ. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: فَأمّا رَفْعُ ”أبَشَرٌ“ فَبِإضْمارِ الخَبَرِ بِتَقْدِيرِ: أبَشَرٌ مِنّا يُبْعَثُ إلَيْنا، أوْ يُرْسَلُ، أوْ نَحْوُهُما ؟ وأمّا انْتِصابُ واحِدًا فَعَلى الحالِ، إمّا مِمّا قَبْلَهُ بِتَقْدِيرِ: أبَشَرٌ كائِنٌ مِنّا في الحالِ تُوَحِّدُهُ، وإمّا مِمّا بَعْدَهُ بِمَعْنى: (p-١٨٠)نَتَّبِعُهُ في تَوَحُّدِهِ، أوْ في انْفِرادِهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ورَفْعُهُ إمّا عَلى إضْمارِ فِعْلٍ مَبْنِيٍّ لِلْمَفْعُولِ، التَّقْدِيرُ: أيُنَبَّأُ بَشَرٌ ؟ وإمّا عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ في قَوْلِهِ: ﴿نَتَّبِعُهُ﴾، وواحِدًا عَلى هَذِهِ القِراءَةِ حالٌ إمّا مِنَ الضَّمِيرِ في نَتَّبِعُهُ، وإمّا مِنَ المُقَدَّرِ مَعَ مِنّا، كَأنَّهُ يَقُولُ: أبَشَرٌ كائِنٌ مِنّا واحِدًا ؟ وفي هَذا نَظَرٌ. وقَوْلُهم ذَلِكَ حَسَدٌ مِنهم واسْتِبْعادُ أنْ يَكُونَ نَوْعُ البَشَرِ يَفْضُلُ بَعْضُهُ بَعْضًا هَذا الفَضْلَ، فَقالُوا: نَكُونُ جَمْعًا ونَتَّبِعُ واحِدًا، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ، ويُفِيضُ نُورَ الهُدى عَلى مَن رَضِيَهُ. انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ أنْكَرُوا أنْ يَتَّبِعُوا بَشَرًا مِنهم واحِدًا ؟ قُلْتُ: قالُوا: أبَشَرًا إنْكارًا ؟ لِأنْ يَتَّبِعُوا مِثْلَهم في الجِنْسِيَّةِ، وطَلَبُوا أنْ يَكُونُوا مِن جِنْسٍ أعْلى مِن جِنْسِ البَشَرِ، وهُمُ المَلائِكَةُ، وقالُوا مِنّا، لِأنَّهُ إذا كانَ مِنهم، كانَتِ المُماثَلَةُ أقْوى، وقالُوا واحِدًا إنْكارًا لِأنْ تَتَّبِعَ الأُمَّةُ رَجُلًا واحِدًا، وأرادُوا واحِدًا مِن أبْنائِهِمْ لَيْسَ بِأشْرَفِهِمْ ولا أفْضَلِهِمْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ. ﴿أأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنا﴾: أيْ أأُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ مِن بَيْنِنا ؟ وفِينا مَن هو أحَقُّ مِنهُ بِالِاخْتِيارِ لِلنُّبُوَّةِ. انْتَهى، وهو حَسَنٌ، عَلى أنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ اللَّفْظِ ما لا يَحْتَمِلُهُ. (إنّا إذًا): أيْ إنِ اتَّبَعْناهُ، فَنَحْنُ في ضَلالٍ: أيْ بُعْدٍ عَنِ الصَّوابِ وحَيْرَةٍ. وقالَ الضَّحّاكُ: في تِيهٍ. وقالَ وهْبٌ: بُعْدٌ عَنِ الحَقِّ، ﴿وسُعُرٍ﴾: أيْ عَذابٍ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وعَنْهُ وجُنُونٍ يُقالُ: ناقَةٌ مَسْعُورَةٌ إذا كانَتْ تُفْرِطُ في سَيْرِها كَأنَّها مَجْنُونَةٌ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎كَأنَّ بِها سُعُرًا إذا العِيسُ هَزَّها زَمِيلٌ وإزْجاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ وقالَ قَتادَةُ: وسُعُرٍ: عَناءٌ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: وسُعُرٍ جَمْعُ سَعِيرٍ، وهو وقُودُ النّارِ، أيْ في خَطَرٍ كَمَن هو في النّارِ. انْتَهى. ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يَقُولُ لَهم: إنْ لَمْ تَتَّبِعُونِي كُنْتُمْ في ضَلالٍ عَنِ الحَقِّ وسُعُرٍ: أيْ نِيرانٍ، فَعَكَسُوا عَلَيْهِ فَقالُوا: إنِ اتَّبَعْناكَ كُنّا إذًا كَما تَقُولُ. ثُمَّ زادُوا في الإنْكارِ والِاسْتِبْعادِ فَقالُوا: (أأُلْقِيَ): أيْ أأُنْزِلَ ؟ قِيلَ: وكَأنَّهُ يَتَضَمَّنُ العَجَلَةَ في الفِعْلِ، والعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ هَذا الفِعْلَ، ومِنهُ: ﴿وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩]، ﴿إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥] . والذِّكْرُ هُنا: الوَحْيُ والرِّسالَةُ وما جاءَهم مِنَ الحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ. ثُمَّ قالُوا: لَيْسَ الأمْرُ كَما تَزْعُمُ بَلْ هو القُرْآنُ. ﴿أشِرٌ﴾: أيْ بَطِرٌ، يُرِيدُ العُلُوَّ عَلَيْنا، وأنْ يَقْتادَنا ويَتَمَلَّكَ طاعَتَنا. وقَرَأ قَتادَةُ وأبُو قِلابَةَ: بَلْ هو الكَذّابُ الأشِرُ، بِلامِ التَّعْرِيفِ فِيهِما وبِفَتْحِ الشِّينِ وشَدِّ الرّاءِ، وكَذا الأشِرُ الحَرْفُ الثّانِي. وقَرَأ الحَرْفَ الثّانِيَ مُجاهِدٌ، فِيما ذَكَرَ صاحِبُ اللَّوامِحِ وأبُو قَيْسٍ الأوْدِيُّ الأُشُرُ بِثَلاثِ ضَمّاتٍ وتَخْفِيفِ الرّاءِ. ويُقالُ: أشِرٌ وأشُرٌ، كَحَذِرٍ وحَذُرٍ، فَضَمَّةُ الشِّينِ لُغَةٌ وضَمُّ الهَمْزَةِ تَبَعٌ لِضَمَّةِ الشِّينِ. وحَكى الكِسائِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ ضَمَّ الشِّينِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ هَذا الحَرْفَ الآخِرَ ﴿الأشِرُ﴾ أفْعَلَ تَفْضِيلٍ، وإتْمامُ خَيْرٍ وشَرٍّ في أفْعَلِ التَّفْضِيلِ قَلِيلٌ. وحَكى ابْنُ الأنْبارِيِّ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: هو أخْيَرُ وهو أشَرُّ. قالَ الرّاجِزُ. ؎بِلالٌ خَيْرُ النّاسِ وابْنُ الأخْيَرِ وقالَ أبُو حاتِمٍ: لا تَكادُ العَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِالأخْيَرِ والأشَرِّ إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وأنْشَدَ قَوْلَ رُؤْبَةَ بِلالٌ البَيْتَ. وقَرَأ عَلِيٌّ والجُمْهُورُ: سَيَعْلَمُونَ بِياءِ الغَيْبَةِ، وهو مِن إعْلامِ اللَّهِ تَعالى لِصالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ وابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ وطَلْحَةُ وابْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ: بِتاءِ الخِطابِ: أيْ قُلْ لَهم يا صالِحُ وعْدًا يُرادُ بِهِ الزَّمانُ المُسْتَقْبَلُ، لا اليَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ خِطابِهِمْ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ يَوْمَ العَذابِ الحالِّ بِهِمْ في الدُّنْيا، وأنْ يَكُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، وقالَ الطِّرِمّاحُ: ؎ألا عَلِّلانِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوائِحِ ∗∗∗ وقَبْلَ اضْطِرابِ النَّفْسِ بَيْنَ الجَوانِحِ ؎وقَبْلَ غَدٍ يا لَهْفَ نَفْسِي في ∗∗∗ غَدٍ إذا راحَ أصْحابِي ولَسْتُ بِرائِحِ أرادَ وقْتَ المَوْتِ، ولَمْ يُرِدْ غَدًا بِعَيْنِهِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا﴾ تَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ بِبَيانِ انْكِشافِ الأمْرِ، والمَعْنى: أنَّهم هُمُ الكَذّابُونَ الأشِرُونَ. وأوْرَدَ ذَلِكَ مَوْرِدَ الإبْهامِ والِاحْتِمالِ، وإنْ كانُوا هُمُ المَعْنِيِّينَ (p-١٨١)بِقَوْلِهِ تَعالى، حِكايَةً عَنْ قَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ﴾ [هود: ٣٩]، والمَعْنِيُّ بِهِ قَوْمُهُ، وكَذا قَوْلُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ومَن هو كاذِبٌ﴾ [هود: ٩٣]؛ وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنَّ ∗∗∗ أنِّي وأيُّكَ فارِسُ الأحْزابِ وإنَّما عَنى أنَّهُ فارِسُ الأحْزابِ، لا الَّذِي خاطَبَهُ. ﴿إنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾: أيِ ابْتِلاءً واخْتِبارًا، وآنَسَ بِذَلِكَ صالِحًا. ولَمّا هَدَّدَهم بِقَوْلِهِ: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا﴾، وكانُوا قَدِ ادَّعَوْا أنَّهُ كاذِبٌ، قالُوا: ما الدَّلِيلُ عَلى صِدْقِكَ ؟ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ﴾: أيْ مُخْرِجُوها مِنَ الهَضْبَةِ الَّتِي سَألُوها. ﴿فارْتَقِبْهُمْ﴾: أيْ فانْتَظِرْهم وتَبَصَّرْ ما هم فاعِلُونَ، ﴿واصْطَبِرْ﴾ عَلى أذاهم ولا تَعْجَلْ حَتّى يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ. ﴿ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ﴾: أيْ ماءَ البِئْرِ الَّذِي لَهم، ﴿قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾: أيْ بَيْنَ ثَمُودَ وبَيْنَ النّاقَةِ غَلَّبَ ثَمُودَ، فالضَّمِيرُ في بَيْنَهم لَهم ولِلنّاقَةِ. أيْ لَهم شِرْبُ يَوْمٍ، ولِلنّاقَةِ شِرْبُ يَوْمٍ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: قِسْمَةٌ بِكَسْرِ القافِ؛ ومُعاذٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: بِفَتْحِها. ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ أيْ مَحْضُورٌ لَهم ولِلنّاقَةِ. وتَقَدَّمَتْ قِصَّةُ النّاقَةِ مُسْتَوْفاةً، فَأغْنى عَنْ إعادَتِها، وهُنا مَحْذُوفٌ، أيْ فَكانُوا عَلى هَذِهِ الوَتِيرَةِ مِن قِسْمَةِ الماءِ، فَمَلُّوا ذَلِكَ وعَزَمُوا عَلى عَقْرِ النّاقَةِ. ﴿فَنادَوْا صاحِبَهُمْ﴾، وهو قُدارُ بْنُ سالِفٍ، ﴿فَتَعاطى﴾: هو مُطاوِعُ عاطى، وكَأنَّ هَذِهِ الفِعْلَةَ تَدافَعَها النّاسُ وعاطاها بَعْضُهم بَعْضًا، فَتَعاطاها قُدارُ وتَناوَلَ العَقْرَ بِيَدِهِ. ولَمّا كانُوا راضِينَ، نُسِبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ في قَوْلِهِ: ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ﴾ [الأعراف: ٧٧]، وفي قَوْلِهِ: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها﴾ [الشمس: ١٤] . والصَّيْحَةُ الَّتِي أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ. يُرْوى أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ صاحَ في طَرَفِ مَنازِلِهِمْ، فَتَفَتَّتُوا وهَمَدُوا وصارُوا ﴿كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ﴾ وهو ما تَفَتَّتَ وتَهَضَّمَ مِنَ الشَّجَرِ. والمُحْتَظِرُ: الَّذِي يَعْمَلُ الحَظِيرَةَ، فَإنَّهُ تَتَفَتَّتُ مِنهُ حالَةَ العَمَلِ وتَتَساقَطُ أجْزاءٌ مِمّا يَعْمَلُ بِهِ، أوْ يَكُونُ الهَشِيمُ ما يَبِسَ مِنَ الحَظِيرَةِ بِطُولِ الزَّمانِ، تَطَأُهُ البَهائِمُ فَيَتَهَشَّمُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِكَسْرِ الظّاءِ؛ وأبُو حَيْوَةَ وأبُو السَّمّالِ وأبُو رَجاءٍ وأبُو عَمْرِو بْنُ عُبَيْدٍ: بِفَتْحِها، وهو مَوْضِعُ الِاحْتِظارِ. وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ، أيْ كَهَشِيمِ الِاحْتِظارِ، وهو ما تَفَتَّتَ حالَةَ الِاحْتِظارِ. والحَظِيرَةُ تَصْنَعُها العَرَبُ وأهْلُ البَوادِي لِلْمَواشِي والسُّكْنى مِنَ الأغْصانِ والشَّجَرِ المُورِقِ والقَصَبِ. والحَظْرُ: المَنعُ؛ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ، أنَّ المُحْتَظِرَ هو المُحْتَرِقُ. قالَ قَتادَةُ: كَهَشِيمٍ مُحْتَرِقٍ؛ وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: هو التُّرابُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الحائِطِ البالِي. وقِيلَ: المُحْتَظَرُ بِفَتْحِ الظّاءِ هو الهَشِيمُ نَفْسُهُ، فَيَكُونُ مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ إلى صِفَتِهِ، كَمَسْجِدِ الجامِعِ عَلى مَن تَأوَّلَهُ كَذَلِكَ، وكانَ هُنا قِيلَ: بِمَعْنى صارَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب