﴿فَذَكِّرۡ فَمَاۤ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنࣲ وَلَا مَجۡنُونٍ ٢٩ أَمۡ یَقُولُونَ شَاعِرࣱ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَیۡبَ ٱلۡمَنُونِ ٣٠ قُلۡ تَرَبَّصُوا۟ فَإِنِّی مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِینَ ٣١ أَمۡ تَأۡمُرُهُمۡ أَحۡلَـٰمُهُم بِهَـٰذَاۤۚ أَمۡ هُمۡ قَوۡمࣱ طَاغُونَ ٣٢ أَمۡ یَقُولُونَ تَقَوَّلَهُۥۚ بَل لَّا یُؤۡمِنُونَ ٣٣ فَلۡیَأۡتُوا۟ بِحَدِیثࣲ مِّثۡلِهِۦۤ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِینَ ٣٤ أَمۡ خُلِقُوا۟ مِنۡ غَیۡرِ شَیۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَـٰلِقُونَ ٣٥ أَمۡ خَلَقُوا۟ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۚ بَل لَّا یُوقِنُونَ ٣٦ أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَاۤىِٕنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلۡمُصَۣیۡطِرُونَ ٣٧ أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمࣱ یَسۡتَمِعُونَ فِیهِۖ فَلۡیَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ ٣٨ أَمۡ لَهُ ٱلۡبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلۡبَنُونَ ٣٩ أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ أَجۡرࣰا فَهُم مِّن مَّغۡرَمࣲ مُّثۡقَلُونَ ٤٠ أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَیۡبُ فَهُمۡ یَكۡتُبُونَ ٤١ أَمۡ یُرِیدُونَ كَیۡدࣰاۖ فَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ هُمُ ٱلۡمَكِیدُونَ ٤٢ أَمۡ لَهُمۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ٤٣ وَإِن یَرَوۡا۟ كِسۡفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ سَاقِطࣰا یَقُولُوا۟ سَحَابࣱ مَّرۡكُومࣱ ٤٤ فَذَرۡهُمۡ حَتَّىٰ یُلَـٰقُوا۟ یَوۡمَهُمُ ٱلَّذِی فِیهِ یُصۡعَقُونَ ٤٥ یَوۡمَ لَا یُغۡنِی عَنۡهُمۡ كَیۡدُهُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ ٤٦ وَإِنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ عَذَابࣰا دُونَ ذَ ٰلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ٤٧ وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡیُنِنَاۖ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ حِینَ تَقُومُ ٤٨ وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَإِدۡبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ ٤٩﴾ [الطور ٢٩-٤٩]
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ:
﴿فَذَكِّرْ فَما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ ولا مَجْنُونٍ﴾ ﴿أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ﴾ ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإنِّي مَعَكم مِنَ المُتَرَبِّصِينَ﴾ ﴿أمْ تَأْمُرُهم أحْلامُهم بِهَذا أمْ هم قَوْمٌ طاغُونَ﴾ ﴿أمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ ﴿أمْ خُلِقُوا مِن غَيْرِ شَيْءٍ أمْ هُمُ الخالِقُونَ﴾ ﴿أمْ خَلَقُوا السَّماواتِ والأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ﴾ ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ﴾ ﴿أمْ لَهم سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهم بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ ﴿أمْ لَهُ البَناتُ ولَكُمُ البَنُونَ﴾ ﴿أمْ تَسْألُهم أجْرًا فَهم مِن مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ ﴿أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهم يَكْتُبُونَ﴾ ﴿أمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ المَكِيدُونَ﴾ ﴿أمْ لَهم إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿وإنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ﴾ ﴿فَذَرْهم حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهم كَيْدُهم شَيْئًا ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ ﴿وإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذَلِكَ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وإدْبارَ النُّجُومِ﴾ .
لَمّا تَقَدَّمَ إقْسامُ اللَّهِ تَعالى عَلى وُقُوعِ العَذابِ، وذَكَرَ أشْياءَ مِن أحْوالِ المُعَذَّبِينَ والنّاجِينَ، أمَرَهُ بِالتَّذْكِيرِ، إنْذارًا لِلْكافِرِ، وتَبْشِيرًا لِلْمُؤْمِنِ، ودُعاءً إلى اللَّهِ تَعالى بِنَشْرِ رِسالَتِهِ، ثُمَّ نَفى عَنْهُ ما كانَ الكُفّارُ يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ مِنَ الكِهانَةِ والجُنُونِ، إذْ كانا طَرِيقَيْنِ إلى الإخْبارِ بِبَعْضِ المُغَيَّباتِ، وكانَ لِلْجِنِّ بِهِما مُلابَسَةٌ لِلْإنْسِ. ومِمَّنْ كانَ يَنْسُبُهُ إلى الكِهانَةِ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، ومِمَّنْ كانَ يَنْسُبُهُ إلى الجُنُونِ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَذَكِّرْ) فاثْبُتْ عَلى تَذْكِيرِ النّاسِ ومَوْعِظَتِهِمْ، ولا يُثَبِّطَنَّكَ قَوْلُهم كاهِنٌ أوْ مَجْنُونٌ، ولا تُبالِ بِهِ، فَإنَّهُ قَوْلٌ باطِلٌ مُتَناقِضٌ. فَإنَّ الكاهِنَ يَحْتاجُ في كَهانَتِهِ إلى فِطْنَةٍ ودِقَّةِ نَظَرٍ، والمَجْنُونُ مُغَطًّى عَلى عَقْلِهِ؛ وما أنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعالى وإنْعامِهِ عَلَيْكَ بِصِدْقِ النُّبُوَّةِ ورَصافَةِ العَقْلِ، أحَدَ هَذَيْنِ. انْتَهى. وقالَ الحَوْفِيُّ:
﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِما دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ، وهو اعْتِراضٌ بَيْنَ اسْمِ ما وخَبَرِها، والتَّقْدِيرُ: ما أنْتَ في حالِ إذْكارِكَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ. قالَ أبُو البَقاءِ: الباءُ في مَوْضِعِ الحالِ، والعامِلُ في بِكاهِنٍ أوْ مَجْنُونٍ، والتَّقْدِيرُ: ما أنْتَ كاهِنًا ولا مَجْنُونًا مُلْتَبِسًا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ. انْتَهى. وتَكُونُ حالًا لازِمَةً لا مُنْتَقِلَةً، لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ما زالَ مُلْتَبِسًا بِنِعْمَةِ رَبِّهِ. وقِيلَ:
﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ مُقْسَمٌ بِها، كَأنَّهُ قِيلَ: ونِعْمَةِ رَبِّكَ ما أنْتَ كاهِنٌ ولا مَجْنُونٌ، فَتَوَسَّطَ المُقْسَمُ بِهِ بَيْنَ الِاسْمِ والخَبَرِ، كَما تَقُولُ: ما زَيْدٌ واللَّهِ بِقائِمٍ. ولَمّا نَفى عَنْهُ الكِهانَةَ والجُنُونَ اللَّذَيْنِ كانَ بَعْضُ الكُفّارِ يَنْسُبُونَهُما إلَيْهِ، ذَكَرَ نَوْعًا آخَرَ مِمّا كانُوا يَقُولُونَهُ.
رُوِيَ أنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعَتْ في دارِ النَّدْوَةِ، وكَثُرَتْ آراؤُهم فِيهِ، ﷺ، حَتّى قالَ قائِلٌ مِنهم، وهم بَنُو عَبْدِ الدّارِ، قالَهُ الضَّحّاكُ: تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ المَنُونِ، فَإنَّهُ شاعِرٌ سَيَهْلِكُ، كَما هَلَكَ زُهَيْرٌ والنّابِغَةُ والأعْشى، فافْتَرَقُوا عَلى هَذِهِ المَقالَةِ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ. وقَوْلُ مَن قالَ ذَلِكَ هو مِن نَقْصِ الفِطْرَةِ بِحَيْثُ لا يُدْرِكُ الشِّعْرَ، وهو الكَلامُ المَوْزُونُ عَلى طَرِيقَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنَ النَّثْرِ الَّذِي لَيْسَ هو عَلى ذَلِكَ المِضْمارِ، ولا شَكَّ أنَّ بَعْضَهم كانَ يُدْرِكُ ذَلِكَ، إذْ كانَ فِيهِمْ شُعَراءُ، ولَكِنَّهم تَمالَئُوا مَعَ أُولَئِكَ النّاقِصِي الفِطْرَةِ عَلى قَوْلِهِمْ: هو شاعِرٌ، جَحْدًا لِآياتِ اللَّهِ بَعْدَ اسْتِيقانِها. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يُتَرَبَّصُ بِالياءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ بِهِ، (رَيْبُ): مَرْفُوعٌ، ورَيْبُ المَنُونِ: حَوادِثُ الدَّهْرِ، فَإنَّهُ لا يَدُومُ عَلى حالٍ، قالَ الشّاعِرُ:
تَرَبَّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلَّها تُطَلَّقُ يَوْمًا أوْ يَمُوتُ حَلِيلُها
وقالَ الهِنْدِيُّ:
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ ∗∗∗ والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَن يَجْزَعُ
﴿قُلْ تَرَبَّصُوا﴾: هو أمْرُ تَهْدِيدٍ مِنَ المُتَرَبِّصِينَ هَلاكَكم، كَما تَتَرَبَّصُونَ هَلاكِي.
﴿أمْ تَأْمُرُهم أحْلامُهُمْ﴾: عُقُولُهم بِهَذا، أيْ بِقَوْلِهِمْ كاهِنٌ وشاعِرٌ ومَجْنُونٌ، وهو قَوْلٌ مُتَناقِضٌ، وكانَتْ قُرَيْشٌ تُدْعى أهْلَ الأحْلامِ والنُّهى. وقِيلَ لِعَمْرِو بْنِ العاصِ: ما بالُ قَوْمِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا وقَدْ وصَفَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِالعَقْلِ ؟ فَقالَ: تِلْكَ عُقُولٌ كادَها اللَّهُ، أيْ لَمْ يَصْحَبْها التَّوْفِيقُ.
﴿أمْ تَأْمُرُهُمْ﴾، قِيلَ: أمْ بِمَعْنى الهَمْزَةِ، أيْ أتَأْمُرُهم ؟ وقَدَّرَها مُجاهِدٌ بِـ بَلْ، والصَّحِيحُ أنَّها تَتَقَدَّرُ بِـ بَلْ والهَمْزَةِ.
﴿أمْ هم قَوْمٌ طاغُونَ﴾: أيْ مُجاوِزُونَ الحَدَّ في العِنادِ مَعَ ظُهُورِ الحَقِّ. وقَرَأ مُجاهِدٌ: بَلْ هم، مَكانَ: (أمْ هم)، وكَوْنُ الأحْلامِ آمِرَةً مَجازًا لَمّا أدَّتْ إلى ذَلِكَ جُعِلَتْ آمِرَةً كَقَوْلِهِ:
﴿أصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ [هود: ٨٧] . وحَكى الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الخَلِيلِ أنَّهُ قالَ: كُلُّ ما في سُورَةِ والطُّورِ مِن أمْ فاسْتِفْهامٌ ولَيْسَ بِعَطْفٍ. تَقَوَّلَهُ: اخْتَلَقَهُ مِن قِبَلِ نَفْسِهِ، كَما قالَ:
﴿ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ [الحاقة: ٤٤] . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَقَوَّلَهُ مَعْناهُ: قالَ عَنِ الغَيْرِ أنَّهُ قالَهُ، فَهو عِبارَةٌ عَنْ كَذِبٍ مَخْصُوصٍ. انْتَهى.
﴿بَلْ لا يُؤْمِنُونَ﴾: أيْ لِكُفْرِهِمْ وعِنادِهِمْ، ثُمَّ عَجَّزَهم بِقَوْلِهِ تَعالى:
﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كانُوا صادِقِينَ﴾: أيْ مُماثِلٍ لِلْقُرْآنِ في نَظْمِهِ ورَصْفِهِ مِنَ البَلاغَةِ، وصِحَّةِ المَعانِي والإخْبارِ بِقِصَصِ الأُمَمِ السّالِفَةِ والمُغَيَّباتِ، والحُكْمُ إنْ كانُوا صادِقِينَ في أنَّهُ تَقَوَّلَهُ، فَلْيَقُولُوا هم مِثْلَهُ، إذْ هو واحِدٌ مِنهم، فَإنْ كانُوا صادِقِينَ فَلْيَكُونُوا مِثْلَهُ في التَّقَوُّلِ. فَقَرَأ الجَحْدَرِيُّ وأبُو السَّمّالِ:
﴿بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾، عَلى الإضافَةِ: أيْ بِحَدِيثِ رَجُلٍ مِثْلِ الرَّسُولِ في كَوْنِهِ أُمِّيًّا لَمْ يَصْحَبْ أهْلَ العِلْمِ ولا رَحَلَ عَنْ بَلَدِهِ، أوْ مِثْلِهِ في كَوْنِهِ واحِدًا مِنهم، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِثْلُهُ في العَرَبِ فَصاحَةً، فَلْيَأْتِ بِمِثْلِ ما أتى بِهِ، ولَنْ يَقْدِرَ عَلى ذَلِكَ أبَدًا.
﴿أمْ خُلِقُوا مِن غَيْرِ شَيْءٍ﴾: أيْ مِن غَيْرِ شَيْءٍ حَيٍّ كالجَمادِ، فَهم لا يُؤْمَرُونَ ولا يُنْهَوْنَ، كَما هي الجَماداتُ عَلَيْهِ، قالَهُ الطَّبَرِيُّ. وقِيلَ:
﴿مِن غَيْرِ شَيْءٍ﴾: أيْ مِن غَيْرِ عِلَّةٍ ولا لِغايَةِ عِقابٍ وثَوابٍ، فَهم لِذَلِكَ لا يَسْمَعُونَ ولا يَتَشَرَّعُونَ، وهَذا كَما تَقُولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا مِن غَيْرِ عِلَّةٍ: أيْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، فَمِن لِلسَّبَبِ، وفي القَوْلِ الأوَّلِ لِابْتِداءِ الغايَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
﴿أمْ خُلِقُوا﴾: أمْ أُحْدِثُوا وقُدِّرُوا التَّقْدِيرَ الَّذِي عَلَيْهِ فِطْرَتُهم؛
﴿مِن غَيْرِ شَيْءٍ﴾: مِن غَيْرِ مُقَدِّرٍ، أمْ هُمُ الَّذِينَ خَلَقُوا أنْفُسَهم حَيْثُ لا يَعْبُدُونَ الخالِقَ ؟
﴿بَل لا يُوقِنُونَ﴾: أيْ إذا سُئِلُوا: مَن خَلَقَكم وخَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ ؟ قالُوا: اللَّهُ، وهم شاكُّونَ فِيما يَقُولُونَ لا يُوقِنُونَ. أمْ خُلِقُوا مِن غَيْرِ رَبٍّ ولا خالِقٍ ؟ أيْ أمْ أُحْدِثُوا وبَرَزُوا لِلْوُجُودِ مِن غَيْرِ إلَهٍ يُبْرِزُهم ويُنْشِئُهم ؟
﴿أمْ هُمُ الخالِقُونَ﴾ لِأنْفُسِهِمْ، فَلا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، ولا يَأْتَمِرُونَ بِأوامِرِهِ، ولا يَنْتَهُونَ عَنْ مَناهِيهِ. والقِسْمانِ باطِلانِ، وهم يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، فَدَلَّ عَلى بُطْلانِهِمْ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ثُمَّ وقَفَهم عَلى جِهَةِ التَّوْبِيخِ عَلى أنْفُسِهِمْ، أهُمُ الَّذِينَ خَلَقُوا الأشْياءَ فَهم لِذَلِكَ يَتَكَبَّرُونَ ؟ ثُمَّ خَصَّصَ مِن تِلْكَ الأشْياءِ السَّماواتِ والأرْضَ لِعِظَمِها وشَرَفِها في المَخْلُوقاتِ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم لا يُوقِنُونَ ولا يَنْظُرُونَ نَظَرًا يُؤَدِّيهِمْ إلى اليَقِينِ.
﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ﴾، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خَزائِنُ الرِّزْقِ، حَتّى يَرْزُقُوا النُّبُوَّةَ مَن شاءُوا، أوْ: أعِنْدَهم خَزائِنُ عِلْمِهِ حَتّى يَخْتارُوا لَها مَنِ اخْتِيارُهُ حِكْمَةٌ ومَصْلَحَةٌ ؟
﴿أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ﴾: الأرْبابُ الغالِبُونَ حَتّى يُدَبِّرُوا أمْرَ الرُّبُوبِيَّةِ ويَبْنُوا الأُمُورَ عَلى إرادَتِهِمْ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أمْ عِنْدَهُمُ الِاسْتِغْناءُ عَنِ اللَّهِ تَعالى في جَمِيعِ الأُمُورِ، لِأنَّ المالَ والصِّحَّةَ والقُوَّةَ وغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأشْياءِ كُلِّها مِن خَزائِنِ اللَّهِ تَعالى. وقالَ الزَّهْراوِيُّ: وقِيلَ يُرِيدُ بِالخَزائِنِ العِلْمَ، وهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ إذا تُؤُمِّلَ وبُسِطَ. وقالَ الرُّمّانِيُّ: خَزائِنُهُ تَعالى: مَقْدُوراتُهُ. انْتَهى. والمُسَيْطِرُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُسَلَّطُ القاهِرُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: المُصَيْطِرُونَ بِالصّادِ؛ وهِشامٌ وقُنْبُلٌ وحَفْصٌ: بِخِلافٍ عَنْهُ بِالسِّينِ، وهو الأصْلُ؛ ومَن أبْدَلَها صادًا، فَلِأجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ وهو الطّاءُ، وأشَمَّ خَلْقٌ عَنْ حَمْزَةَ وخَلّادٍ عَنْهُ بِخِلافٍ عَنْهُ الزّايَ.
﴿أمْ لَهم سُلَّمٌ﴾ مَنصُوبٌ إلى السَّماءِ،
﴿يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾: أيْ عَلَيْهِ أوْ مِنهُ، إذْ حُرُوفُ الجَرِّ قَدْ يَسُدُّ بَعْضُها مَسَدَّ بَعْضٍ، وقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: صاعِدِينَ فِيهِ، ومَفْعُولُ يَسْتَمِعُونَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: الخَبَرُ بِصِحَّةِ ما يَدَّعُونَهُ، وقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: ما يُوحى إلى المَلائِكَةِ مِن عِلْمِ الغَيْبِ حَتّى يَعْلَمُوا ما هو كائِنٌ مِن تَقَدُّمِ هَلاكِهِ عَلى هَلاكِهِمْ وظَفَرِهِمْ في العاقِبَةِ دُونَهُ كَما يَزْعُمُونَ.
﴿بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾: أيْ بِحُجَّةٍ واضِحَةٍ بِصِدْقِ اسْتِماعِهِمْ مُسْتَمِعَهم،
﴿أمْ تَسْألُهم أجْرًا﴾ عَلى الإيمانِ بِاللَّهِ وتَوْحِيدِهِ واتِّباعِ شَرْعِهِ، (فَهُمُ) مِن ذَلِكَ المَغْرَمِ الثَّقِيلِ اللّازِمِ (مُثْقَلُونَ)، فاقْتَضى زُهْدَهم في اتِّباعِكَ.
﴿أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ﴾: أيِ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ،
﴿فَهم يَكْتُبُونَ﴾: أيْ يُثْبِتُونَ ذَلِكَ لِلنّاسِ شَرْعًا، وذَلِكَ عِبادَةُ الأوْثانِ وتَسْيِيبُ السَّوائِبِ وغَيْرُ ذَلِكَ مِن سِيَرِهِمْ. وقِيلَ: المَعْنى فَهم يَعْلَمُونَ مَتى يَمُوتُ مُحَمَّدٌ ﷺ الَّذِي يَتَرَبَّصُونَ بِهِ، ويَكْتُبُونَ بِمَعْنى: يَحْكُمُونَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنِي أمْ عِنْدَهُمُ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، فَهم يَكْتُبُونَ ما فِيهِ ويُخْبِرُونَ.
﴿أمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا﴾: أيْ بِكَ وبِشَرْعِكَ، وهو كَيْدُهم بِهِ في دارِ النَّدْوَةِ،
﴿فالَّذِينَ كَفَرُوا﴾: أيْ فَهم، وأبْرَزَ الظّاهِرَ تَنْبِيهًا عَلى العِلَّةِ، أوِ الَّذِينَ كَفَرُوا عامٌّ فَيَنْدَرِجُونَ فِيهِ،
﴿هُمُ المَكِيدُونَ﴾: أيِ الَّذِينَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ وبالُ كَيْدِهِمْ، ويَحِيقُ بِهِمْ مَكْرُهم، وذَلِكَ أنَّهم قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وسَمّى غَلَبَتَهم كَيْدًا، إذْ كانَتْ عُقُوبَةَ الكَيْدِ.
﴿أمْ لَهم إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ يَعْصِمُهم ويَدْفَعُ عَنْهم في صُدُورِ إهْلاكِهِمْ، ثُمَّ نَزَّهَ تَعالى نَفْسَهُ،
﴿عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ مِنَ الأصْنامِ والأوْثانِ.
﴿وإنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ﴾: كانَتْ قُرَيْشٌ قَدِ اقْتَرَحَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، فِيما اقْتَرَحَتْ مِن قَوْلِهِمْ:
﴿أوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢]، فَأخْبَرَ تَعالى أنَّهم لَوْ رَأوْا ذَلِكَ عَيانًا، حَسَبَ اقْتِراحِهِمْ، لَبَلَغَ بِهِمْ عُتُوُّهم وجَهْلُهم أنْ يُغالِطُوا أنْفُسَهم فِيما عايَنُوهُ، وقالُوا: هو سَحابٌ مَرْكُومٌ، تَراكَمَ بَعْضُهُ عَلى بَعْضٍ مُمْطِرُنا، ولَيْسَ بِكِسَفٍ ساقِطٍ لِلْعَذابِ. (فَذَرْهم): أمْرُ مُوادَعَةٍ مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ:
﴿حَتّى يُلاقُوا﴾؛ وأبُو حَيْوَةَ: حَتّى يَلْقَوْا، مُضارِعُ لَقِيَ، (يَوْمَهُمُ): أيْ يَوْمَ مَوْتِهِمْ واحِدًا واحِدًا، والصَّعْقُ: العَذابُ، أوْ يَوْمَ بَدْرٍ، لِأنَّهم عُذِّبُوا فِيهِ، أوْ يَوْمَ القِيامَةِ، أقْوالٌ، ثالِثُها قَوْلُ الجُمْهُورِ، لِأنَّ صَعْقَتَهُ تَعُمُّ جَمِيعَ الخَلائِقِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: يَصْعَقُونَ، بِفَتْحِ الياءِ. وقَرَأ عاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وأهْلُ مَكَّةَ: في قَوْلِ شِبْلِ بْنِ عُبادَةَ، وفَتَحَها أهْلُ مَكَّةَ، كالجُمْهُورِ في قَوْلِ إسْماعِيلَ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ: بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ العَيْنِ، مِن أصْعَقَ رُباعِيًّا.
﴿وإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾: أيْ لِهَؤُلاءِ الظَّلَمَةِ،
﴿عَذابًا دُونَ ذَلِكَ﴾: أيْ دُونَ يَوْمِ القِيامَةِ وقَبْلَهُ، وهو يَوْمُ بَدْرٍ والفَتْحِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ. وقالَ البَراءُ بْنُ عازِبٍ وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: هو عَذابُ القَبْرِ. وقالَ الحَسَنُ وابْنُ زَيْدٍ: مَصائِبُهم في الدُّنْيا. وقالَ مُجاهِدٌ: هو الجُوعُ والقَحْطُ سَبْعَ سِنِينَ.
﴿فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا﴾: عِبارَةٌ عَنِ الحِفْظِ والكِلاءَةِ، وجُمِعَ لِأنَّهُ أُضِيفَ إلى ضَمِيرِ الجَماعَةِ، وحِينَ كانَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا، أفْرَدَ العَيْنَ، قالَ تَعالى:
﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] . وقَرَأ أبُو السَّمّالِ: بِأعْيُنّا، بِنُونٍ واحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ.
﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [طه: ١٣٠]، قالَ أبُو الأحْوَصِ عَوْفُ بْنُ مالِكٍ: هو التَّسْبِيحُ المَعْرُوفُ، وهو قَوْلُ سُبْحانَ اللَّهِ عِنْدَ كُلِّ قِيامٍ. وقالَ عَطاءٌ: حِينَ تَقُومُ مِن كُلِّ مَجْلِسٍ، وهو قَوْلُ ابْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: حِينَ تَقُومُ مِن مَنامِكَ. وقِيلَ: هو صَلاةُ التَّطَوُّعِ. وقِيلَ: الفَرِيضَةُ. وقالَ الضَّحّاكُ: حِينَ تَقُومُ إلى الصَّلاةِ تَقُولُ:
«سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تَبارَكَ اسْمُكَ، وتَعالى جَدُّكَ، ولا إلَهَ غَيْرُكَ» . وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: حِينَ تَقُومُ مِنَ القائِلَةِ والتَّسْبِيحِ، إذْ ذاكَ هو صَلاةُ الظُّهْرِ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: اذْكُرِ اللَّهَ بِلِسانِكَ حِينَ تَقُومُ مِن فِراشِكَ إلى أنْ تَدْخُلَ في الصَّلاةِ.
﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾: قَبْلَ صَلاةِ المَغْرِبِ والعِشاءِ.
﴿وإدْبارَ النُّجُومِ﴾: صَلاةُ الصُّبْحِ. وعَنْ عَمْرٍو وعَلِيٍّ وأبِي هُرَيْرَةَ والحَسَنِ: إنَّها النَّوافِلُ،
﴿وإدْبارَ النُّجُومِ﴾: رَكْعَتا الفَجْرِ. وقَرَأ سالِمُ بْنُ أبِي الجَعْدِ والمِنهالُ بْنُ عَمْرٍو ويَعْقُوبُ: وأدْبارَ، بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، بِمَعْنى: وأعْقابَ النُّجُومِ.
* * *سُورَةُ النَّجْمِ مَكِّيَّةٌ وهي اثْنَتانِ وسِتُّونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: ١] ﴿ما ضَلَّ صاحِبُكم وما غَوى﴾ [النجم: ٢] ﴿وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى﴾ [النجم: ٣] ﴿إنْ هو إلّا وحْيٌ يُوحى﴾ [النجم: ٤] ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى﴾ [النجم: ٥] ﴿ذُو مِرَّةٍ فاسْتَوى﴾ [النجم: ٦] ﴿وهُوَ بِالأُفُقِ الأعْلى﴾ [النجم: ٧] ﴿ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى﴾ [النجم: ٨] ﴿فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى﴾ [النجم: ٩] ﴿فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى﴾ [النجم: ١٠] ﴿ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى﴾ [النجم: ١١] ﴿أفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى﴾ [النجم: ١٢] ﴿ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى﴾ [النجم: ١٣] ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى﴾ [النجم: ١٤] ﴿عِنْدَها جَنَّةُ المَأْوى﴾ [النجم: ١٥] ﴿إذْ يَغْشى السِّدْرَةَ ما يَغْشى﴾ [النجم: ١٦] ﴿ما زاغَ البَصَرُ وما طَغى﴾ [النجم: ١٧] ﴿لَقَدْ رَأى مِن آياتِ رَبِّهِ الكُبْرى﴾ [النجم: ١٨] ﴿أفَرَأيْتُمُ اللّاتَ والعُزّى﴾ [النجم: ١٩] ﴿ومَناةَ الثّالِثَةَ الأُخْرى﴾ [النجم: ٢٠] ﴿ألَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنْثى﴾ [النجم: ٢١] ﴿تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ [النجم: ٢٢] ﴿إنْ هي إلّا أسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أنْتُمْ وآباؤُكم ما أنْزَلَ اللَّهُ بِها مِن سُلْطانٍ إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وما تَهْوى الأنْفُسُ ولَقَدْ جاءَهم مِن رَبِّهِمُ الهُدى﴾ [النجم: ٢٣] ﴿أمْ لِلْإنْسانِ ما تَمَنّى﴾ [النجم: ٢٤] ﴿فَلِلَّهِ الآخِرَةُ والأُولى﴾ [النجم: ٢٥] ﴿وكَمْ مِن مَلَكٍ في السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهم شَيْئًا إلّا مِن بَعْدِ أنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشاءُ ويَرْضى﴾ [النجم: ٢٦] ﴿إنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ المَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثى﴾ [النجم: ٢٧] ﴿وما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إنْ يَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ [النجم: ٢٨] ﴿فَأعْرِضْ عَنْ مَن تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إلّا الحَياةَ الدُّنْيا﴾ [النجم: ٢٩] ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهم مِنَ العِلْمِ إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى﴾ [النجم: ٣٠] ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنى﴾ [النجم: ٣١] ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ هو أعْلَمُ بِكم إذْ أنْشَأكم مِنَ الأرْضِ وإذْ أنْتُمْ أجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهاتِكم فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكم هو أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى﴾ [النجم: ٣٢] ﴿أفَرَأيْتَ الَّذِي تَوَلّى﴾ [النجم: ٣٣] ﴿وأعْطى قَلِيلًا وأكْدى﴾ [النجم: ٣٤] ﴿أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهو يَرى﴾ [النجم: ٣٥] ﴿أمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما في صُحُفِ مُوسى﴾ [النجم: ٣٦] ﴿وإبْراهِيمَ الَّذِي وفّى﴾ [النجم: ٣٧] ﴿ألّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [النجم: ٣٨] ﴿وأنْ لَيْسَ لِلْإنْسانِ إلّا ما سَعى﴾ [النجم: ٣٩] ﴿وأنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى﴾ [النجم: ٤٠] ﴿ثُمَّ يُجْزاهُ الجَزاءَ الأوْفى﴾ [النجم: ٤١] ﴿وأنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهى﴾ [النجم: ٤٢] ﴿وأنَّهُ هو أضْحَكَ وأبْكى﴾ [النجم: ٤٣] ﴿وأنَّهُ هو أماتَ وأحْيا﴾ [النجم: ٤٤] ﴿وأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [النجم: ٤٥] ﴿مِن نُطْفَةٍ إذا تُمْنى﴾ [النجم: ٤٦] ﴿وأنَّ عَلَيْهِ النَّشْأةَ الأُخْرى﴾ [النجم: ٤٧] ﴿وأنَّهُ هو أغْنى وأقْنى﴾ [النجم: ٤٨] ﴿وأنَّهُ هو رَبُّ الشِّعْرى﴾ [النجم: ٤٩] ﴿وأنَّهُ أهْلَكَ عادًا الأُولى﴾ [النجم: ٥٠] ﴿وثَمُودَ فَما أبْقى﴾ [النجم: ٥١] ﴿وقَوْمَ نُوحٍ مِن قَبْلُ إنَّهم كانُوا هم أظْلَمَ وأطْغى﴾ [النجم: ٥٢] ﴿والمُؤْتَفِكَةَ أهْوى﴾ [النجم: ٥٣] ﴿فَغَشّاها ما غَشّى﴾ [النجم: ٥٤] ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ [النجم: ٥٥] ﴿هَذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولى﴾ [النجم: ٥٦] ﴿أزِفَتِ الآزِفَةُ﴾ [النجم: ٥٧] ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ﴾ [النجم: ٥٨] ﴿أفَمِن هَذا الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ﴾ [النجم: ٥٩] ﴿وتَضْحَكُونَ ولا تَبْكُونَ﴾ [النجم: ٦٠] ﴿وأنْتُمْ سامِدُونَ﴾ [النجم: ٦١] ﴿فاسْجُدُوا لِلَّهِ واعْبُدُوا﴾ [النجم: ٦٢] المِرَّةُ: القُوَّةُ مِن أمْرَرْتُ الحَبْلَ، إذا أحْكَمْتَ فَتْلَهُ. وقالَ قُطْرُبٌ: تَقُولُ العَرَبُ لِكُلِّ جَزِلِ الرَّأْيِ حَصِيفِ العَقْلِ إنَّهُ لَذُو مِرَّةٍ، قالَ:
وإنِّي لَذُو مِرَّةٍ مُرَّةٍ إذا رَكِبَتْ خالَةٌ خالَها
تَدَلّى العِذْقُ تَدَلِّيًا: امْتَدَّ مِن عُلُوٍّ إلى جِهَةِ السُّفْلِ، فَيُسْتَعْمَلُ في القُرْبِ مِنَ العُلُوِّ، قالَهُ الفَرّاءُ وابْنُ الأعْرابِيِّ. قالَ أُسامَةُ الهُذَلِيُّ:
تَدَلّى عَلَيْنا وهْوَ زُرْقُ حَمامَةٍ ∗∗∗ إذا طُحْلُبٌ في مُنْتَهى القَيْظِ هامِدُ
القابُ والقَيْبُ، والقادَةُ والقَيْدُ: المِقْدارُ. القَوْسُ مَعْرُوفٌ وهو: آلَةٌ لِرَمْيِ السِّهامِ، وتَخْتَلِفُ أشْكالُهُ. السِّدْرَةُ: شَجَرَةُ النَّبْقِ. الضِّيزى: الجائِرَةُ مِن ضازَهُ يَضِيزُهُ إذا ضامَهُ. قالَ الشّاعِرُ:
ضازَتْ بَنُو أسَدٍ بِحُكْمِهِمْ ∗∗∗ إذْ يَجْعَلُونَ الرَّأْسَ كالذَّنَبِ
وأصْلُها ضُوزى عَلى وزْنِ فُعْلى، نَحْوَ: حُبْلى وأُنْثى ورُيّا، فَفُعِلَ بِها ما فُعِلَ بِبُيَّضَ لِتَسْلَمَ الياءُ، ولا يُوجَدُ فِعْلى بِكَسْرِ الفاءِ في الصِّفاتِ، كَذا قالَ سِيبَوَيْهِ. وحَكى ثَعْلَبٌ: مِشْيَةٌ جُبْكى، ورَجُلٌ كِيصى. وحَكى غَيْرُهُ: امْرَأةٌ عِزْهى، وامْرَأةٌ سِعْلى؛ والمَعْرُوفُ: عِزْماةٌ وسِعْلاةٌ. وقالَ الكِسائِيُّ: ضازَ يَضِيزُ ضِيزى، وضازَ يَضُوزُ ضِوْزى، وضَأزَ يَضْأزُ ضِأْزًا. اللَّمَمُ: ما قَلَّ وصَغُرَ، ومِنهُ اللَّمَمُ: المَسُّ مِنَ الجُنُونِ، وألَمَّ بِالمَكانِ: قَلَّ لُبْثُهُ فِيهِ، وألَمَّ بِالطَّعامِ: قَلَّ أكْلُهُ مِنهُ. وقالَ المُبَرِّدُ: أصْلُ اللَّمَمِ أنْ يَلِمَّ بِالشَّيْءِ مِن غَيْرِ أنْ يَرْكَبَهُ، يُقالُ: ألَمَّ بِكَذا، إذا قارَبَهُ ولَمْ يُخالِطْهُ. وقالَ الأزْهَرِيُّ: العَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الإلْمامَ في المُقارَبَةِ والدُّنُوِّ، يُقالُ: ألَمَّ يَفْعَلُ كَذا، بِمَعْنى: كادَ يَفْعَلُ. قالَ جَرِيرٌ:
بِنَفْسِي مَن تَجْنِيهِ عَزِيزٌ ∗∗∗ عَلَيَّ ومَن زِيارَتُهُ لِمامُ
وقالَ آخَرُ:
لِقاءُ أخِلّاءِ الصَّفا لِمامُ
الأجِنَّةُ: جَمْعُ جَنِينٍ، وهو الوَلَدُ في البَطْنِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاسْتِتارِهِ، والِاجْتِنانُ: الِاسْتِتارُ. أكْدى: أصْلُهُ مِنَ الكُدْيَةِ، يُقالُ لِمَن حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ وصَلَ إلى حَجَرٍ لا يَتَهَيَّأُ لَهُ فِيها حَفْرٌ: قَدْ أكْدى، ثُمَّ اسْتَعْمَلَتْهُ العَرَبُ لِمَن أعْطى ولَمْ يُتْمِمْ، ولِمَن طَلَبَ شَيْئًا فَلَمْ يَبْلُغْ آخِرَهُ. قالَ الحُطَيْئَةُ:
فَأعْطى قَلِيلًا ثُمَّ أكْدى عَطاءَهُ ∗∗∗ ومَن يَبْذُلِ المَعْرُوفَ في النّاسِ يُحْمَدُ
وقالَ الكِسائِيُّ وغَيْرُهُ: أكْدى الحافِرُ، إذا بَلَغَ كُدْيَةً أوْ جَبَلًا ولا يُمْكِنُهُ أنْ يَحْفِرَ، وحَفَرَ فَأكْدى: إذا وصَلَ إلى الصُّلْبِ، ويُقالُ: كَدِيَتْ أصابِعُهُ إذا كَلَّتْ مِنَ الحَفْرِ، وكَدا البَيْتُ: قَلَّ رَيْعُهُ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: أكْدى الرَّجُلُ: قَلَّ خَيْرُهُ. أقْنى، قالالجَوْهَرِيُّ: قَنِيَ يَقْنى قِنًى، كَغَنِيَ يَغْنى غِنًى، ويَتَعَدّى بِتَغْيِيرِ الحَرَكَةِ، فَتَقُولُ: قَنَيْتُ المالَ: أيْ كَسَبْتُهُ، نَحْوَ شَتَرْتُ عَيْنَ الرَّجُلِ وشَتَرَها اللَّهُ، ثُمَّ تَعَدّى بَعْدَ ذَلِكَ بِالهَمْزَةِ أوِ التَّضْعِيفِ، فَتَقُولُ: أقْناهُ اللَّهُ مالًا، وقَنّاهُ اللَّهُ مالًا، وقالَ الشّاعِرُ:
كَمْ مِن غَنِيٍّ أصابَ الدَّهْرُ ثَرْوَتَهُ ∗∗∗ ومِن فَقِيرٍ تَقَنّى بَعْدَ الإقْلالِ
أيْ: تَقَنّى المالَ، ويُقالُ: أقْناهُ اللَّهُ مالًا، وأرْضاهُ مِنَ القِنْيَةِ. قالَ أبُو زَيْدٍ: تَقُولُ العَرَبُ لِمَن أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ المَعِزِ: أُعْطِيَ القِنى، ومَن أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ الضَّأْنِ: أُعْطِيَ الغِنى، ومَن أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ الإبِلِ: أُعْطِيَ المُنى. الشِّعْرى: هو الكَوْكَبُ المُضِيءُ الَّذِي يَطْلُعُ بَعْدَ الجَوْزاءِ، وطُلُوعُهُ في شِدَّةِ الحَرِّ، ويُقالُ لَهُ: مُرْزِمُ الجَوْزاءِ، وهُما الشِّعْرَيانِ: العُبُورُ الَّتِي في الجَوْزاءِ، والشِّعْرى الغُمَيْصاءُ الَّتِي في الذِّراعِ، وتَزْعُمُ العَرَبُ أنَّهُما أُخْتا سُهَيْلٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وتُسَمّى كَلْبَ الجَبّارِ، وهُما شِعْرَيانِ: الغُمَيْصاءُ والعُبُورُ، ومِن كَذِبِ العَرَبِ أنَّ سُهَيْلًا والشِّعْرى كانا زَوْجَيْنِ فانْحَدَرَ سُهَيْلٌ وصارَ يَمانِيًّا، فَأتْبَعَتْهُ الشِّعْرى العُبُورَ، فَعَبَرَتِ المَجَرَّةَ، فَسُمِّيَتِ العُبُورَ، وأقامَتِ الغُمَيْصاءُ لِأنَّها أخْفى مِنَ الأُخْرى. أزِفَ: قَرُبَ، قالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
بانَ الشَّبابُ وهَذا الشِّيبُ قَدْ أزِفا ∗∗∗ ولا أرى لِشَبابٍ بائِنٍ خَلَفا
وقالَ النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ:
أزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أنَّ رِكابَنا ∗∗∗ لَمّا تَزَلْ بِرِحالِنا وكَأنَّ قَدِ
ويُرْوى: أفِدَ التَّرَحُّلُ. سَمَدَ: لَهى ولَعِبَ، قالَ الشّاعِرُ:
ألا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ سامِدٌ ∗∗∗ كَأنَّكَ لا تَفْنى ولا أنْتَ هالِكُ
وقالَ آخَرُ:
قِيلَ قُمْ فانْظُرْ إلَيْهِمْ ∗∗∗ ثُمَّ دَعْ عَنْكَ السُّمُودا
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: السُّمُودُ: الغِناءُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، يَقُولُونَ: يا جارِيَةُ اسْمُدِي لَنا: أيْ غَنِّي لَنا.