الباحث القرآني

سُورَةُ الطُّورِ مَكِّيَّةٌ وهي تِسْعٌ وأرْبَعُونَ آيَةً ﷽ ﴿والطُّورِ﴾ ﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ ﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ ﴿ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾ ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا﴾ ﴿وتَسِيرُ الجِبالُ سَيْرًا﴾ ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ ﴿هَذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ ﴿فاكِهِينَ بِما آتاهم رَبُّهم ووَقاهم رَبُّهم عَذابَ الجَحِيمِ﴾ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وزَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهم ذُرِّيَّتُهم بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهم وما ألَتْناهم مِن عَمَلِهِمْ مِن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ﴾ ﴿وأمْدَدْناهم بِفاكِهَةٍ ولَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ ﴿يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيها ولا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] ﴿ويَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهم كَأنَّهم لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور: ٢٤] ﴿وأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الطور: ٢٥] ﴿قالُوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهْلِنا مُشْفِقِينَ﴾ [الطور: ٢٦] ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا ووَقانا عَذابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧] ﴿إنّا كُنّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إنَّهُ هو البَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: ٢٨] ﴿فَذَكِّرْ فَما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ ولا مَجْنُونٍ﴾ [الطور: ٢٩] ﴿أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإنِّي مَعَكم مِنَ المُتَرَبِّصِينَ﴾ [الطور: ٣١] ﴿أمْ تَأْمُرُهم أحْلامُهم بِهَذا أمْ هم قَوْمٌ طاغُونَ﴾ [الطور: ٣٢] ﴿أمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الطور: ٣٣] ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ [الطور: ٣٤] ﴿أمْ خُلِقُوا مِن غَيْرِ شَيْءٍ أمْ هُمُ الخالِقُونَ﴾ [الطور: ٣٥] ﴿أمْ خَلَقُوا السَّماواتِ والأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ﴾ [الطور: ٣٦] ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] ﴿أمْ لَهم سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهم بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ [الطور: ٣٨] ﴿أمْ لَهُ البَناتُ ولَكُمُ البَنُونَ﴾ [الطور: ٣٩] ﴿أمْ تَسْألُهم أجْرًا فَهم مِن مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [الطور: ٤٠] ﴿أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهم يَكْتُبُونَ﴾ [الطور: ٤١] ﴿أمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ المَكِيدُونَ﴾ [الطور: ٤٢] ﴿أمْ لَهم إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [الطور: ٤٣] ﴿وإنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور: ٤٤] ﴿فَذَرْهم حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: ٤٥] ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهم كَيْدُهم شَيْئًا ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ [الطور: ٤٦] ﴿وإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذَلِكَ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الطور: ٤٧] ﴿واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] ﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وإدْبارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] الرَّقُّ، بِالفَتْحِ والكَسْرِ: جِلْدٌ رَقِيقٌ يُكْتَبُ فِيهِ، وجَمْعُهُ رُقُوقٌ. والرِّقُّ بِالكَسْرِ: المَمْلُوكُ. مارَ الشَّيْءُ: ذَهَبَ وجاءَ. وقالَ الأخْفَشُ وأبُو عُبَيْدَةَ: تَكَفَّأ، وأنْشَدَ الأعْشى: ؎كَأنَّ مِشْيَتَها مِن بَيْتِ جارَتِها مَرُّ السَّحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ ويُرْوى: مَرْوَ السَّحابَةِ. الدَّعُّ: الدَّفْعُ في الضِّيقِ بِشِدَّةٍ وإهانَةٍ. السَّمُومُ: الرِّيحُ الحارَّةُ الَّتِي تَدْخُلُ المَسامَّ، ويُقالُ: سَمَّ يَوْمُنا فَهو مَسْمُومٌ، والجَمْعُ سَمائِمُ. وقالَ ثَعْلَبٌ: شِدَّةُ الحَرِّ، أوْ شِدَّةُ البَرْدِ في النَّهارِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: السَّمُومُ بِالنَّهارِ، وقَدْ يَكُونُ بِاللَّيْلِ؛ والحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وقَدْ يَكُونُ بِالنَّهارِ. وقَدْ يُسْتَعْمَلُ السَّمُومُ في لَفْحِ البَرْدِ، وهو في لَفْحِ الحَرِّ والشَّمْسِ أكْثَرُ. المَنُونُ: الدَّهْرُ، ورَيْبُهُ: حَوادِثُهُ. وقِيلَ: اسْمٌ لِلْمَوْتِ. المُسَيْطِرُ: المُتَسَلِّطُ. وحَكى أبُو عُبَيْدَةَ: سَطَّرْتَ عَلَيَّ، إذا اتَّخَذْتَنِي خَوَلًا، ولَمْ يَأْتِ في كَلامِ العَرَبِ اسْمٌ عَلى مُفَيْعِلٍ إلّا خَمْسَةٌ: مُهَيْمِنٌ ومُحَيْمِرٌ ومُبَيْطِرٌ ومُسَيْطِرٌ ومُبَيْقِرٌ. فالمُحَيْمِرُ اسْمُ جَبَلٍ، والبَواقِي أسْماءُ (p-١٤٥)فاعِلِينَ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. ﴿والطُّورِ﴾ ﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ ﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ ﴿ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾ ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا﴾ ﴿وتَسِيرُ الجِبالُ سَيْرًا﴾ ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ ﴿هَذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ ﴿فاكِهِينَ بِما آتاهم رَبُّهم ووَقاهم رَبُّهم عَذابَ الجَحِيمِ﴾ ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وزَوَّجْناهم بِحُورٍ عِينٍ﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهم ذُرِّيَّتُهم بِإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهم وما ألَتْناهم مِن عَمَلِهِمْ مِن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ﴾ ﴿وأمْدَدْناهم بِفاكِهَةٍ ولَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ ﴿يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيها ولا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] ﴿ويَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهم كَأنَّهم لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور: ٢٤] ﴿وأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الطور: ٢٥] ﴿قالُوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهْلِنا مُشْفِقِينَ﴾ [الطور: ٢٦] ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا ووَقانا عَذابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧] ﴿إنّا كُنّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إنَّهُ هو البَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: ٢٨] . (p-١٤٦)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. ومُناسَبَتُها لِآخِرِ ما قَبْلَها ظاهِرَةٌ، إذْ في آخِرِ تِلْكَ: ﴿فَإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أصْحابِهِمْ﴾ [الذاريات: ٥٩]، وقالَ هُنا: ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ . الطُّورُ: الجَبَلُ، والظّاهِرُ أنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، لا جَبَلٌ مُعَيَّنٌ، وفي الشَّأْمِ جَبَلٌ يُسَمّى الطُّورَ، وهو طُورُ سَيْناءَ. فَقالَ نَوْفٌ البِكالِيُّ: إنَّهُ الَّذِي أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ لِفَضْلِهِ عَلى الجِبالِ. قِيلَ: وهو الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسى، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. والكِتابُ المَسْطُورُ: القُرْآنُ، أوِ المُنْتَسَخُ مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، أوِ التَّوْراةُ، أوْ هي الإنْجِيلُ والزَّبُورُ، أوِ الكِتابُ الَّذِي فِيهِ أعْمالُ الخَلْقِ، أوِ الصُّحُفُ الَّتِي تُعْطى يَوْمَ القِيامَةِ بِالأيْمانِ والشَّمائِلِ، أقْوالٌ آخِرُها لِلْفَرّاءِ، ولا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ شَيْءٌ مِنها عَلى التَّعْيِينِ، إنَّما تُورَدُ عَلى الِاحْتِمالِ. وقَرَأ أبُو السَّمّالِ: في رِقٍّ، بِكَسْرِ الرّاءِ، ﴿مَنشُورٍ﴾: أيْ مَبْسُوطٍ. وقِيلَ: مَفْتُوحٌ لا خَتْمَ عَلَيْهِ. وقِيلَ: مَنشُورٌ لائِحٌ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: مَنشُورٌ ما بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ. ﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾، قالَ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ: هو بَيْتٌ في السَّماءِ مُسامِتُ الكَعْبَةِ يُقالُ لَهُ الضُّراحُ، والضَّرِيحُ أيْضًا، وهو الَّذِي ذُكِرَ في حَدِيثِ الإسْراءِ، قالَ جِبْرِيلُ: «هَذا البَيْتُ المَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ آخِرَ ما عَلَيْهِمْ» . وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ وابْنُ زَيْدٍ: في كُلِّ سَماءٍ بَيْتٌ مَعْمُورٌ، وفي كُلِّ أرْضٍ كَذَلِكَ. وسَألَ ابْنُ الكَوّا عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَقالَ: بَيْتٌ فَوْقَ سَبْعِ سَمَواتٍ تَحْتَ العَرْشِ يُقالُ لَهُ الضُّراحُ. وقالَ الحَسَنُ: البَيْتُ المَعْمُورُ: الكَعْبَةُ، يُعَمِّرُهُ اللَّهُ كُلَّ سَنَةٍ بِسِتِّمِائَةِ ألْفٍ، فَإنْ عَجَزَ مِنَ النّاسِ أتَمَّهُ اللَّهُ بِالمَلائِكَةِ. ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾: السَّماءُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو العَرْشُ، وهو سَقْفُ الجَنَّةِ. ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾، قالَ مُجاهِدٌ وشِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ والضَّحّاكُ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ والأخْفَشُ: هو البَحْرُ المُوقَدُ نارًا. ورُوِيَ أنَّ البَحْرَ هو جَهَنَّمُ. وقالَ قَتادَةُ: البَحْرُ المَسْجُورُ: المَمْلُوءُ، وهَذا مَعْرُوفٌ مِنَ اللُّغَةِ، ورَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ بِوُجُودِ ماءِ البَحْرِ كَذَلِكَ، ولا يُنافِي ما قالَهُ مُجاهِدٌ، لِأنَّ سَجَرْتَ التَّنُّورَ مَعْناهُ: مَلَأْتَهُ بِما يَحْتَرِقُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المَسْجُورُ: الَّذِي ذَهَبَ ماؤُهُ. ورَوى ذُو الرُّمَّةِ الشّاعِرُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَتْ أمَةٌ لِتَسْتَقِيَ، فَقالَتْ: إنَّ الحَوْضَ مَسْجُورٌ: أيْ فارِغٌ، ولَيْسَ لِذِي الرُّمَّةِ حَدِيثٌ إلّا هَذا، فَيَكُونُ مِنَ الأضْدادِ. ويُرْوى أنَّ البِحارَ يَذْهَبُ ماؤُها يَوْمَ القِيامَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: المَسْجُورُ: المَحْبُوسُ، ومِنهُ ساجُورُ الكَلْبِ: وهي القِلادَةُ مِن عُودٍ أوْ حَدِيدٍ تُمْسِكُهُ، ولَوْلا أنَّ البَحْرَ يُمْسَكُ، لَفاضَ عَلى الأرْضِ. وقالَ الرَّبِيعُ: المَسْجُورُ: المُخْتَلِطُ العَذْبُ بِالمِلْحِ. وقِيلَ: المَفْجُورُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ: ﴿وإذا البِحارُ فُجِّرَتْ﴾ [الإنفطار: ٣] . والجُمْهُورُ: عَلى أنَّ البَحْرَ المُقْسَمَ بِهِ هو (p-١٤٧)بَحْرُ الدُّنْيا، ويُؤَيِّدُهُ: ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦] . وعَنْ عَلِيٍّ وابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ في السَّماءِ تَحْتَ العَرْشِ فِيهِ ماءٌ غَلِيظٌ يُقالُ لَهُ بَحْرُ الحَياةِ، يُمْطَرُ العِبادُ مِنهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الأُولى أرْبَعِينَ صَباحًا، فَيَنْبُتُونَ في قُبُورِهِمْ. وقالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: هو جَهَنَّمُ، وسَمّاها بَحْرًا لِسَعَتِها وتَمَوُّجِها. كَما جاءَ في الفَرَسِ: وإنْ وجَدْناهُ لَبَحْرًا. قِيلَ: ويَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ في القَسَمِ بِالطُّورِ والبَحْرِ والبَيْتِ، لِكَوْنِها أماكِنَ خَلْوَةٍ مَعَ اللَّهِ تَعالى، خاطَبَ مِنها رَبُّهم رُسُلَهُ. فالطُّورُ، قالَ فِيهِ مُوسى: ﴿أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، والبَيْتُ المَعْمُورُ لِمُحَمَّدٍ، ﷺ، والبَحْرُ المَسْجُورُ لِيُونُسَ، قالَ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]، فَشُرِّفَتْ هَذِهِ الأماكِنُ بِهَذِهِ الأسْبابِ. والقَسَمُ بِكِتابٍ مَسْطُورٍ، لِأنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كانَ لَهم مَعَ اللَّهِ في هَذِهِ الأماكِنِ كَلامٌ. واقْتِرانُهُ بِالطُّورِ دَلَّ عَلى ذَلِكَ. والقَسَمُ بِالسَّقْفِ المَرْفُوعِ لِبَيانِ رِفْعَةِ البَيْتِ المَعْمُورِ. انْتَهى. ونَكَّرَ ”وكِتابٍ“، لِأنَّهُ شامِلٌ لِكُلِّ كِتابٍ أنْزَلَهُ اللَّهُ شُمُولَ البَدَلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ شُمُولَ العُمُومِ، كَقَوْلِهِ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ [التكوير: ١٤] . وكَوْنُهُ في رَقٍّ، يَدُلُّ عَلى ثُبُوتِهِ، وأنَّهُ لا يَتَخَطّى الرُّءُوسَ. ووَصْفُهُ بِمَنشُورٍ يَدُلُّ عَلى وُضُوحِهِ، فَلَيْسَ كالكِتابِ المَطْوِيِّ الَّذِي لا يُعْلَمُ ما انْطَوى عَلَيْهِ، والمَنشُورُ يُعْلَمُ ما فِيهِ، ولا يُمْنَعُ مِن مُطالَعَةِ ما تَضَمَّنَهُ؛ والواوُ الأُولى واوُ القَسَمِ، وما بَعْدَها لِلْعَطْفِ. والجُمْلَةُ المُقْسَمُ عَلَيْها هي قَوْلُهُ: ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ . وفي إضافَةِ العَذابِ لِقَوْلِهِ: (رَبِّكَ) لَطِيفَةٌ، إذْ هو المالِكُ والنّاظِرُ في مَصْلَحَةِ العَبْدِ. فَبِالإضافَةِ إلى الرَّبِّ، وإضافَتِهِ لِكافِ الخِطابِ أمانٌ لَهُ، ﷺ؛ وإنَّ العَذابَ لَواقِعٌ هو بِمَن كَذَّبَهُ، ولَواقِعٌ عَلى الشِّدَّةِ، وهو أدَلُّ عَلَيْها مِن لَكائِنٌ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿إذا وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الواقعة: ١]، وقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ واقِعٌ بِهِمْ﴾ [الشورى: ٢٢]، كَأنَّهُ مُهَيَّأٌ في مَكانٍ مُرْتَفِعٍ فَيَقَعُ عَلى مَن حَلَّ بِهِ ؟ «وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ لِأسْألَ رَسُولَ اللَّهِ، ﷺ، في أُسارى بَدْرٍ، فَوافَيْتُهُ يَقْرَأُ في صَلاةِ المَغْرِبِ: ﴿والطُّورِ﴾ إلى ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾، فَكَأنَّما صُدِعَ قَلْبِي، فَأسْلَمْتُ خَوْفًا مِن نُزُولِ العَذابِ، وما كُنْتُ أظُنُّ أنْ أقُومَ مِن مَقامِي حَتّى يَقَعَ بِيَ العَذابُ» . وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: واقِعٌ بِغَيْرِ لامٍ. قالَ قَتادَةُ: يُرِيدُ عَذابَ الآخِرَةِ لِلْكُفّارِ، أيْ لَواقِعٌ بِالكُفّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب