الباحث القرآني

﴿ما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ﴾ لَمّا تَقَدَّمَ التَّرْغِيبُ والتَّرْهِيبُ، أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ كَلَّفَ رَسُولَهُ بِالتَّبْلِيغِ وهو تَوْصِيلُ الأحْكامِ إلى أُمَّتِهِ، وهَذا فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلى إيجابِ القِيامِ بِما أمَرَ بِهِ تَعالى، وأنَّ الرَّسُولَ قَدْ فَرَغَ مِمّا وجَبَ عَلَيْهِ مِنَ التَّبْلِيغِ، وقامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ، ولَزِمَتْكُمُ الطّاعَةُ، فَلا عُذْرَ لَكم في التَّفْرِيطِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هي إخْبارٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ولا يُتَصَوَّرُ أنْ يُقالَ هي أنَّهُ مُوادَعَةٌ مَنسُوخَةٌ بِآياتِ القِتالِ، بَلْ هَذِهِ حالُ مَن آمَنَ بِهَذا، وشَهِدَ شَهادَةَ الحَقِّ فَإنَّهُ عَصَمَ مِنَ الرَّسُولِ مالَهُ ودَمَهُ، فَلَيْسَ عَلى الرَّسُولِ في جِهَتِهِ أكْثَرُ مِنَ التَّبْلِيغِ انْتَهى. وذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ الخِلافَ فِيها أهِيَ مُحْكَمَةٌ، أمْ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، والرَّسُولُ هَنا مُحَمَّدٌ ﷺ، وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ، والمَعْنى ما عَلى كُلِّ مَن أُرْسِلَ إلّا البَلاغُ، والبَلاغُ والبُلُوغُ مَصْدَرانِ لِبَلَغَ، وإذا كانَ (p-٢٧)مَصْدَرًا لِبَلَغَ، فَبَلاغُ الشَّرائِعِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَبْلِيغِ مَن أُرْسِلَ بِها، فَعَبَّرَ بِاللّازِمِ عَنِ المَلْزُومِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِبَلَّغَ المُشَدَّدِ عَلى حَذْفِ الزَّوائِدِ، فَمَعْنى البَلاغِ: التَّبْلِيغُ. ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ جُمْلَةٌ فِيها تَهْدِيدٌ إذْ أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلى حالِ العَبْدِ ظاهِرًا وباطِنًا، فَهو مُجازِيهِ عَلى ذَلِكَ ثَوابًا أوْ عِقابًا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّهُ تَعالى ألْزَمَ رَسُولَهُ التَّبْلِيغَ لِلشَّرِيعَةِ، وألْزَمَكم أنْتُمْ تَبْلِيغَها، فَهو العالِمُ بِما تُبْدُونَ مِنها وما تَكْتُمُونَهُ، فَيُجازِيكم عَلى ذَلِكَ، وكانَ ذَلِكَ خِطابًا لِأُمَّتِهِ إذا كانَ الإبْداءُ والكَتْمُ يُمْكِنُ صُدُورُهُما مِنهم، بِخِلافِ الرَّسُولِ فَإنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ أنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِن شَرائِعِ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب