الباحث القرآني
﴿تَرى كَثِيرًا مِنهم يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ في: مِنهم، عَلى بَنِي إسْرائِيلَ؛ فَقالَ مُقاتِلٌ: كَثِيرًا مِنهم هو مَن كانَ بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ، ﷺ، يَتَوَلَّوْنَ الكُفّارَ وعَبَدَةَ الأوْثانِ، والمُرادُ كَعْبُ بْنُ الأشْرَفِ وأصْحابُهُ الَّذِينَ اسْتَجْلَبُوا المُشْرِكِينَ عَلى الرَّسُولِ، وعَلى هَذا يَكُونُ (تَرى) بَصَرِيَّةً، ويَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ مِن رُؤْيَةِ القَلْبِ، فَيَحْتَمِلُ أنْ يُرادَ أسْلافُهم؛ أيْ: تَرى الآنَ إذْ أخْبَرْناكَ. وقِيلَ: كَثِيرًا مِنهم: مُنافِقُو أهْلِ الكِتابِ كانُوا يَتَوَلَّوْنَ المُشْرِكِينَ. وقِيلَ: هو كَلامٌ مُنْقَطِعٌ مِن ذِكْرِ بَنِي إسْرائِيلَ عُنِيَ بِهِ المُنافِقُونَ تَوَلَّوُا اليَهُودَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ.
﴿لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهم أنْفُسُهم أنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى إعْرابِ ما قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْلِهِ: أنْ سَخِطَ اللَّهُ، أنَّهُ هو المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ ومَحَلُّهُ الرَّفْعُ كَأنَّهُ قِيلَ: لَبِئْسَ زادُهم إلى الآخِرَةِ سُخْطُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، والمَعْنى مُوجِبٌ سُخْطَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. انْتَهى. ولا يَصِحُّ هَذا الإعْرابُ إلّا عَلى مَذْهَبِ الفَرّاءِ والفارِسِيِّ في أنَّ ما مَوْصُولَةٌ، أوْ عَلى مَذْهَبِ مَن جَعَلَ في بِئْسَ ضَمِيرًا، وجَعَلَ ”ما“ تَمْيِيزًا بِمَعْنى شَيْئًا، وقَدَّمَتْ صِفَةُ التَّمْيِيزِ. وأمّا عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فَلا يَسْتَوِي ذَلِكَ، لِأنَّ ”ما“ عِنْدَهُ اسْمٌ تامٌّ مَعْرِفَةٌ بِمَعْنى الشَّيْءِ، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ صِفَةٌ لِلْمَخْصُوصِ المَحْذُوفِ، والتَّقْدِيرُ: لَبِئْسَ الشَّيْءُ قَدَّمَتْ لَهم أنْفُسُهم، فَيَكُونُ عَلى هَذا ”أنْ سَخِطَ اللَّهُ“ في مَوْضِعِ رَفْعِ بَدَلٍ مِن ”ما“ . انْتَهى. ولا يَصِحُّ هَذا سَواءٌ كانَتْ مَوْصُولَةً، أمْ تامَّةً، لِأنَّ البَدَلَ يَحُلُّ مَحَلَّ المُبْدَلِ مِنهُ، وأنْ سَخِطَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فاعِلًا لِـ ”بِئْسَ“، لِأنَّ فاعِلَ نِعْمَ وبِئْسَ لا يَكُونُ أنْ والفِعْلَ. وقِيلَ: أنْ سَخِطَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ في قَدَّمَتْ؛ أيْ: قَدَّمَتْهُ كَما تَقُولُ: الَّذِي ضَرَبْتَ زَيْدًا أخُوكَ تُرِيدُ ضَرَبْتَهُ زَيْدًا. وقِيلَ: عَلى إسْقاطِ اللّامِ؛ أيْ: لِأنْ سَخِطَ.
وفِي العَذابِ هم خَـالِدُونِ (p-٥٤٢)لَمّا ذَكَرَ ما قَدَّمُوا إلى الآخِرَةِ زادًا، وذَمَّهُ بِأبْلَغِ الذَّمِّ، ذَكَرَ ما صارُوا إلَيْهِ وهو العَذابُ وأنَّهم خالِدُونَ فِيهِ، وأنَّهُ ثَمَرَةُ سُخْطِ اللَّهِ، كَما أنَّ السُّخْطَ ثَمَرَةُ العِصْيانِ. ولَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ والنَّبِيِّ وما أُنْزِلَ إلَيْهِ ما اتَّخَذُوهم أوْلِياءَ إنْ كانَ المُرادُ بِقَوْلِهِ تَرى كَثِيرًا مِنهم - أسْلافَهم؛ فالنَّبِيُّ داوُدُ وعِيسى، أوْ مُعاصِرِي الرَّسُولِ؛ فالنَّبِيُّ هو مُحَمَّدٌ، ﷺ، والَّذِينَ كَفَرُوا عَبَدَةُ الأوْثانِ. والمَعْنى: لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ إيمانًا خالِصًا غَيْرَ نِفاقٍ، إذْ مُوالاةُ الكُفّارِ دَلِيلٌ عَلى النِّفاقِ. والظّاهِرُ في ضَمِيرِ كانُوا وضَمِيرِ الفاعِلِ في ما اتَّخَذُوهم أنَّهُ يَعُودُ عَلى كَثِيرًا مِنهم، وفي ضَمِيرِ المَفْعُولِ أنَّهُ يَعُودُ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا. وقالَ القَفّالُ وجْهًا آخَرَ وهو: أنْ يَكُونَ المَعْنى ولَوْ كانَ هَؤُلاءِ المُتَوَلُّونَ مِنَ المُشْرِكِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وبِمُحَمَّدٍ، ﷺ، ما اتَّخَذَهم هَؤُلاءِ اليَهُودُ أوْلِياءَ. والوَجْهُ الأوَّلُ أوْلى، لِأنَّ الحَدِيثَ إنَّما هو عَنْ قَوْلِهِ ”﴿كَثِيرًا مِنهُمْ﴾“ فَعَوْدُ الضَّمائِرِ عَلى نَسَقٍ واحِدٍ أوْلى مِنِ اخْتِلافِها. وجاءَ جَوابُ لَوْ مَنفِيًّا ”بِما“ بِغَيْرِ لامٍ، وهو الأفْصَحُ، ودُخُولُ اللّامِ عَلَيْهِ قَلِيلٌ نَحْوَ قَوْلِهِ:
؎لَوْ أنَّ بِالعِلْمِ تُعْطى ما تَعِيشُ بِهِ لَما ظَفِرْتَ مِنَ الدُّنْيا بِنَقْرُونِ
﴿ولَكِنَّ كَثِيرًا مِنهم فاسِقُونَ﴾ خَصَّ الكَثِيرَ بِالفِسْقِ، إذْ فِيهِمْ قَلِيلٌ قَدْ آمَنَ. والمُخْبَرُ عَنْهم أوَّلًا هو الكَثِيرُ، والضَّمائِرُ بَعْدَهُ لَهُ، ولَيْسَ المَعْنى ”ولَكِنَّ كَثِيرًا مِن ذَلِكَ الكَثِيرِ“ ولَكِنَّهُ لَمّا طالَ أُعِيدَ بِلَفْظِهِ، وكانَ مِن وضْعِ الظّاهِرِ بِلَفْظِهِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ، إذْ كانَ السِّياقُ يَكُونُ: ما اتَّخَذُوهم أوْلِياءَ، ولَكِنَّهم فاسِقُونَ. فَوُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ هَذا الضَّمِيرِ.
{"ayahs_start":80,"ayahs":["تَرَىٰ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ یَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَفِی ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ","وَلَوۡ كَانُوا۟ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِیِّ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ كَانُوا۟ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِیِّ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق