الباحث القرآني
﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا في دِينِكم غَيْرَ الحَقِّ﴾ ظاهِرُهُ نِداءُ أهْلِ الكِتابِ الحاضِرِينَ زَمانَ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، ويَتَناوَلُ مَن جاءَ بَعْدَهم. ولَمّا سَبَقَ القَوْلُ في أباطِيلِ اليَهُودِ وأباطِيلِ النَّصارى، جُمِعَ الفَرِيقانِ في النَّهْيِ عَنِ الغُلُوِّ في الدِّينِ. وانْتَصَبَ غَيْرَ الحَقِّ وهو الغُلُوُّ الباطِلُ، ولَيْسَ المُرادُ بِالدِّينِ هُنا ما هم عَلَيْهِ، بَلِ المُرادُ الدِّينُ الحَقُّ، الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى وعِيسى. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الغُلُوُّ في الدِّينِ غُلُوّانِ: غُلُوٌّ حَقٌّ، وهو أنْ يَفْحَصَ عَنْ حَقائِقِهِ ويُفَتِّشَ عَنْ أباعِدِ مَعانِيهِ ويَجْتَهِدَ في تَحْصِيلِ حُجَجِهِ كَما يَفْعَلُ المُتَكَلِّمُونَ مِن أهْلِ العَدْلِ والتَّوْحِيدِ، وغُلُوٌّ باطِلٌ وهو أنْ يُجاوِزَ الحَقَّ ويَتَعَدّاهُ بِالإعْراضِ عَنِ الأدِلَّةِ واتِّباعِ الشُّبَهِ كَما يَفْعَلُ أهْلُ الأهْواءِ والبِدَعِ. انْتَهى. وأهْلُ العَدْلِ والتَّوْحِيدِ هم أئِمَّةُ المُعْتَزِلَةِ، وأهْلُ الأهْواءِ والبِدَعِ عِنْدَهُ هم (p-٥٣٩)أهْلُ السُّنَّةِ، ومَن عَدا المُعْتَزِلَةَ. ومَن غُلُوِّ اليَهُودِ إنْكارُ نُبُوَّةِ عِيسى، وادِّعاؤُهم فِيهِ أنَّهُ اللَّهُ. ومِن غُلُوِّ النَّصارى ما تَقَدَّمَ مِنِ اعْتِقادِ بَعْضِهِمْ فِيهِ أنَّهُ اللَّهُ، وبَعْضِهِمْ أنَّهُ أحَدُ آلِهَةٍ ثَلاثَةٍ. وانْتِصابُ ”غَيْرَ“ هُنا عَلى الصِّفَةِ؛ أيْ: غُلُوًّا غَيْرَ الحَقِّ. وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّها اسْتِثْناءٌ مُتَّصِلٌ، ومَن ذَهَبَ إلى أنَّها اسْتِثْناءٌ، ويُقَدِّرُهُ: لَكِنَّ الحَقَّ فاتَّبِعُوهُ.
﴿ولا تَتَّبِعُوا أهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وأضَلُّوا كَثِيرًا وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾ هَؤُلاءِ القَوْمُ هم أسْلافُ اليَهُودِ والنَّصارى ضَلُّوا في أنْفُسِهِمْ وأضَلُّوا غَيْرَهم كَثِيرًا، ثُمَّ عَيَّنَ ما ضَلُّوا عَنْهُ وهو السَّبِيلُ السَّوِيُّ الَّذِي هو وسَطٌ في الدِّينِ وهو خَيْرُها فَلا إفْراطَ ولا تَفْرِيطَ، بَلْ هو سَواءٌ مُعْتَدِلٌ خِيارٌ. وقِيلَ: الخِطابُ لِلنَّصارى، وهو ظاهِرُ كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ قالَ: قَدْ ضَلُّوا مَن قَبْلُ: هم أئِمَّتُهم في النَّصْرانِيَّةِ كانُوا عَلى الضَّلالِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ، ﷺ، وأضَلُّوا كَثِيرًا مِمَّنْ شايَعَهم عَلى التَّثْلِيثِ، وضَلُّوا لَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ، عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ حِينَ كَذَّبُوهُ وحَسَدُوهُ وبَغَوْا عَلَيْهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذِهِ المُخاطَبَةُ هي لِلنَّصارى الَّذِينَ غَلَوْا في عِيسى والقَوْمِ الَّذِينَ نَهى النَّصارى عَنِ اتِّباعِ أهْوائِهِمْ، والَّذِي دَعا إلى هَذا التَّأْوِيلِ أنَّ النَّصارى في غُلُوِّهِمْ لَيْسُوا عَلى هَوى بَنِي إسْرائِيلَ، بَلْ هم في الضِّدِّ بِالأقْوالِ، وإنَّما اجْتَمَعُوا في اتِّباعِ مَوْضِعِ الهَوى. فالآيَةُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ لِمَن تَلُومُهُ عَلى عِوَجٍ: هَذِهِ الطَّرِيقَةُ طَرِيقَةُ فُلانٍ؛ تُمَثِّلُهُ بِآخَرَ قَدِ اعْوَجَّ نَوْعًا مِنَ الِاعْوِجاجِ وإنِ اخْتَلَفَتْ نَوازِلُهُ. ووَصَفَ تَعالى اليَهُودَ بِأنَّهم ضَلُّوا قَدِيمًا، وأضَلُّوا كَثِيرًا مِن أتْباعِهِمْ، ثُمَّ أكَّدَ الأمْرَ بِتَكْرارِ قَوْلِهِ: وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ؛ وذَهَبَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ إلى أنَّ المَعْنى: يا أهْلَ الكِتابِ مِنَ النَّصارى لا تَتَّبِعُوا أهْواءَ هَؤُلاءِ اليَهُودِ الَّذِينَ ضَلُّوا مِن قَبْلُ؛ أيْ: ضَلَّ أسْلافُهم وهم قَبْلَ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ، ﷺ، وأضَلُّوا كَثِيرًا مِنَ المُنافِقِينَ، وضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ الآنَ بَعْدَ وُضُوحِ الحَقِّ. انْتَهى. ولا حاجَةَ لِإخْراجِ الكَلامِ عَنْ ظاهِرِهِ مِن أنَّهُ نِداءٌ لِأهْلِ الكِتابِ طائِفَتَيِ اليَهُودِ والنَّصارى، وأنَّ قَوْلَهُ: ولا تَتَّبِعُوا أهْواءَ قَوْمٍ؛ هم: أسْلافُهم. فَإنَّ الزّائِغَ عَنِ الحَقِّ كَثِيرًا ما يَعْتَذِرُ أنَّهُ عَلى دِينِ أبِيهِ وطَرِيقَتِهِ، كَما قالُوا: ﴿إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] فَنُهُوا عَنِ اتِّباعِ أسْلافِهِمْ، وكانَ في تَنْكِيرِ قَوْمٍ تَحْقِيرٌ لَهم. وما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ تَخْصِيصٌ لِعُمُومٍ مِن غَيْرِ داعِيَةٍ إلَيْهِ. وما ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ أيْضًا تَخْصِيصٌ وتَأْوِيلٌ بَعِيدٌ في قَوْلِهِ: ولا تَتَّبِعُوا أهْواءَ قَوْمٍ؛ أنَّ المُرادَ بِهِمُ اليَهُودُ، وأنَّ المَعْنى: لا تَكُونُوا عَلى هَوًى كَما كانَ اليَهُودُ عَلى هَوًى، لِأنَّ الظّاهِرَ النَّهْيُ عَنِ اتِّباعِ أهْواءِ أُولَئِكَ القَوْمِ. وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ الضَّلالَ الأوَّلَ عَنِ الدِّينِ، والثّانِيَ عَنْ طَرِيقِ الجَنَّةِ.
{"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوۤا۟ أَهۡوَاۤءَ قَوۡمࣲ قَدۡ ضَلُّوا۟ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّوا۟ كَثِیرࣰا وَضَلُّوا۟ عَن سَوَاۤءِ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق