الباحث القرآني
﴿أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ هَذا اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ الإنْكارُ عَلى اليَهُودِ، حَيْثُ هم أهْلُ كِتابٍ وتَحْلِيلٍ وتَحْرِيمٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، ومَعَ ذَلِكَ يُعْرِضُونَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ ويَخْتارُونَ عَلَيْهِ حُكْمَ الجاهِلِيَّةِ، وهو بِمُجَرَّدِ الهَوى مِن مُراعاةِ الأشْرَفِ عِنْدَهم، وتَرْجِيحِ الفاضِلِ عِنْدَهم في الدُّنْيا عَلى المَفْضُولِ، وفي هَذا أشَدُّ النَّعْيِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ تَرَكُوا الحُكْمَ الإلَهِيَّ بِحُكْمِ الهَوى والجَهْلِ. وقالَ الحَسَنُ: هو عامٌّ في كُلِّ مَن يَبْتَغِي غَيْرَ حُكْمِ (p-٥٠٥)اللَّهِ.
والحُكْمُ حُكْمانِ: حُكْمٌ بِعِلْمٍ، فَهو حُكْمُ اللَّهِ؛ وحُكْمٌ بِجَهْلٍ، فَهو حُكْمُ الشَّيْطانِ؛ وسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُفَضِّلُ بَعْضَ ولَدِهِ عَلى بَعْضٍ: فَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿أفَحُكْمَ﴾؛ بِنَصْبِ المِيمِ، وهو مَفْعُولُ يَبْغُونَ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ، وابْنُ وثّابٍ، وأبُو رَجاءٍ، والأعْرَجُ: أفَحُكْمُ الجاهِلِيَّةِ؛ بِرَفْعِ المِيمِ عَلى الِابْتِداءِ. والظّاهِرُ أنَّ الخَبَرَ هو قَوْلُهُ: (يَبْغُونَ)، وحَسَّنَ حَذْفَ الضَّمِيرِ قَلِيلًا في هَذِهِ القِراءَةِ كَوْنُ الجُمْلَةِ فاصِلَةً. وقالَ ابْنُ مُجاهِدٍ: هَذا خَطَأٌ. قالَ ابْنُ جِنِّي: ولَيْسَ كَذَلِكَ، وُجِدَ غَيْرُهُ أقْوى مِنهُ وقَدْ جاءَ في الشِّعْرِ. انْتَهى.
وفِي هَذِهِ المَسْألَةِ خِلافٌ بَيْنِ النَّحْوِيِّينَ. وبَعْضُهم يُجِيزُ حَذْفَ هَذا الضَّمِيرِ في الكَلامِ، وبَعْضُهم يَخُصُّهُ بِالشِّعْرِ، وبَعْضُهم يُفَصِّلُ. وهَذِهِ المَذاهِبُ ودَلائِلُها مَذْكُورَةٌ في عِلْمِ النَّحْوِ؛ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإسْقاطُ الرّاجِعِ عَنْهُ كَإسْقاطِهِ عَنِ الصِّلَةِ في: أهَذا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا وعَنِ الصِّفَةِ في: النّاسُ رَجُلانِ، رَجُلٌ أهَنْتَ ورَجُلٌ أكْرَمْتَ. وعَنِ الحالِ في: مَرَرْتُ بِهِنْدٍ تَضْرِبُ زَيْدًا. انْتَهى. فَإنْ كانَ جَعْلُ الإسْقاطِ فِيهِ مِثْلَ الإسْقاطِ في الجَوازِ والحُسْنِ، فَلَيْسَ كَما ذُكِرَ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، بَلْ حَذْفُهُ مِنَ الصِّلَةِ بِشُرُوطِ الحَذْفِ: فَصِيحٌ، وحَذْفُهُ مِنَ الصِّفَةِ: قَلِيلٌ، وحَذْفُهُ مِنَ الخَبَرِ: مَخْصُوصٌ بِالشِّعْرِ، أوْ في نادِرٍ. وإنْ كانَ شَبَهُهُ بِهِ مِن حَيْثُ مُطْلَقُ الإسْقاطِ فَهو صَحِيحٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وإنَّما تَتَّجِهُ القِراءَةُ عَلى أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أفَحُكْمُ الجاهِلِيَّةِ حُكْمٌ تَبْغُونَ، فَلا تُجْعَلُ تَبْغُونَ خَبَرًا بَلْ تُجْعَلُ صِفَةَ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ، ونَظِيرُهُ: (مِنَ الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ) تَقْدِيرُهُ: قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ. انْتَهى. وهو تَوْجِيهٌ مُمْكِنٌ. وقَرَأ قَتادَةُ والأعْمَشُ: (أفَحَكَمَ)؛ بِفَتْحِ الحاءِ والكافِ والمِيمِ، وهو جِنْسٌ لا يُرادُ بِهِ واحِدٌ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: أحُكّامَ الجاهِلِيَّةِ؛ وهي إشارَةٌ إلى الكُهّانِ الَّذِينَ كانُوا يَأْخُذُونَ الحُلْوانَ وهي رَشا الكُهّانِ، ويَحْكُمُونَ لَهم بِحَسَبِهِ وبِحَسَبِ الشَّهَواتِ، أرادُوا بِسَفَهِهِمْ أنْ يَكُونَ خاتَمُ النَّبِيِّينَ حَكَمًا كَأُولَئِكَ الحُكّامِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (يَبْغُونَ)؛ بِالياءِ عَلى نَسَقِ الغَيْبَةِ المُتَقَدِّمَةِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِالتّاءِ عَلى الخِطابِ، وفِيهِ مُواجَهَتُهم بِالإنْكارِ والرَّدْعِ والزَّجْرِ، ولَيْسَ ذَلِكَ في الغَيْبَةِ، فَهَذِهِ حِكْمَةُ الِالتِفاتِ والخِطابِ لِيَهُودِ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ.
﴿ومَن أحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أيْ لا أحَدَ أحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا وتَقَدَّمَ أنِ احْكم بَيْنَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَجاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ مُشِيرَةً إلى هَذا المَعْنى؛ والمَعْنى: أنَّ حُكْمَ اللَّهِ هو الغايَةُ في الحُسْنِ وفي العَدْلِ وهو اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ التَّقْرِيرُ ويَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنَ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ، واللّامُ في لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ: لِلْبَيانِ؛ فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ؛ أيْ في هَيْتَ لَكَ وسُقْيًا لَكَ؛ أيْ: هَذا الخِطابُ وهَذا الِاسْتِفْهامُ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؛ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وحُسْنُ دُخُولِ اللّامِ في لِقَوْمٍ مِن حَيْثُ المَعْنى يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ، ويَظْهَرُ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. وقِيلَ اللّامُ بِمَعْنى عِنْدَ؛ أيْ: عِنْدَ قَوْمٍ يُوقِنُونَ؛ وهَذا ضَعِيفٌ. وقِيلَ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ حُكْمًا؛ أيْ: أنَّ حُكْمَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ عَلى الكافِرِ، ومُتَعَلِّقُ يُوقِنُونَ مَحْذُوفٌ؛ وتَقْدِيرُهُ: يُوقِنُونَ بِاللَّهِ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وقِيلَ: يُوقِنُونَ بِاللَّهِ تَعالى؛ قالَهُ مُقاتِلٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: يُوقِنُونَ: يُثْبِتُونَ عَهْدَ اللَّهِ تَعالى في حُكْمِهِ وخُصُّوا بِالذِّكْرِ لِسُرْعَةِ إذْعانِهِمْ لِحُكْمِ اللَّهِ وأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ أنْ لا أعْدَلَ مِنهُ ولا أحْسَنَ حُكْمًا.
{"ayah":"أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ یَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمࣰا لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق