الباحث القرآني
﴿وأنِ احْكم بَيْنَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ «قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: قالَ بَعْضُ اليَهُودِ لِبَعْضٍ مِنهم، ابْنُ صُورِيّا وشاسُ بْنُ قَيْسٍ وكَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ: اذْهَبُوا بِنا إلى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأتَوْهُ فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْتَ أنّا أحْبارُ يَهُودَ وأشْرافُهم، وإنِ اتَّبَعْناكَ اتَّبَعَكَ كُلُّ اليَهُودِ، وبَيْنَنا وبَيْنَ قَوْمٍ خُصُومَةٌ فَنُحاكِمُهم إلَيْكَ فَتَقْضِي لَنا عَلَيْهِمْ ونُؤْمِنُ بِكَ، فَأبى ذَلِكَ الرَّسُولُ، ﷺ، (p-٥٠٤)فَنَزَلَتْ» . وقالَ مُقاتِلٌ: قالَ جَماعَةٌ مِن بَنِي النَّضِيرِ لَهُ: هَلْ لَكَ أنْ تَحْكُمَ لَنا عَلى أصْحابِنا بَنِي قُرَيْظَةَ في أمْرِ الدِّماءِ كَما كُنّا عَلَيْهِ مِن قَبْلُ، ونُبايِعَكَ ؟ فَنَزَلَتْ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: ولَيْسَ هَذِهِ الآيَةُ تَكْرارًا لِما تَقَدَّمَ، وإنَّما نَزَلَتْ في شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أحَدُهُما: شَأْنُ الرَّجْمِ، والآخَرُ التَّسْوِيَةُ. انْتَهى. وهَذِهِ الآيَةُ ناسِخَةٌ عِنْدَ قَوْمٍ لِلتَّخْيِيرِ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢] وتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وأجازُوا في: وأنِ احْكم، أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلى الكِتابِ؛ أيْ: والحُكْمَ. وفي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلى بِالحَقِّ، وفي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ مُؤَخَّرًا، والتَّقْدِيرُ: وحُكْمُكَ بِما أنْزَلَ؛ أنْزَلَ اللَّهُ أمْرَنا وقَوْلَنا. أوْ مُقَدَّمًا والتَّقْدِيرُ: ومِنَ الواجِبِ حُكْمُكَ بِما أنْزَلَ اللَّهُ. وقِيلَ: أنْ تَفْسِيرِيَّةٌ، وأُبْعِدَ ذَلِكَ مِن أجْلِ الواوِ، ولا يَصِحُّ ذَلِكَ بِأنْ يُقَدَّرَ قَبْلَ فِعْلِ الأمْرِ فِعْلًا مَحْذُوفًا فِيهِ مَعْنى القَوْلِ؛ أيْ: وأمَرْناكَ أنِ احْكم، لِأنَّهُ يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ حَذْفُ الجُمْلَةِ المُفَسِّرَةِ بِأنْ وما بَعْدَها، وذَلِكَ لا يُحْفَظُ مِن كَلامِ العَرَبِ. وقُرِئَ بِضَمِّ النُّونِ مِن: وأنِ احْكم، إتْباعًا لِحَرَكَةِ الكافِ، وبِكَسْرِها عَلى أصْلِ التِقاءِ السّاكِنَيْنِ. والضَّمِيرُ في بَيْنَهم عائِدٌ عَلى اليَهُودِ. وقِيلَ: عَلى جَمِيعِ المُتَحاكِمِينَ.
﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ﴾ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الجُمْلَةِ.
﴿واحْذَرْهم أنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ﴾ أيْ: يَسْتَزِلُّوكَ. وحَذَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ، وإنْ كانَ مَأْيُوسًا مِن فِتْنَتِهِمْ إيّاهُ لِقَطْعِ أطْماعِهِمْ، وقالَ: عَنْ بَعْضٍ، لِأنَّ الَّذِي سَألُوهُ هو أمْرٌ جُزْئِيٌّ، سَألُوهُ أنْ يَقْضِيَ لَهم فِيهِ عَلى خُصُومِهِمْ فَأبى مِنهُ. ومَوْضِعُ أنْ يَفْتِنُوكَ نَصْبٌ عَلى البَدَلِ، ويَكُونُ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ.
﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فاعْلَمْ أنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُصِيبَهم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ أيْ: فَإنْ تَوَلَّوْا عَنِ الحُكْمِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ وأرادُوا غَيْرَهُ؛ ومَعْنى: أنْ يُصِيبَهم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، أنْ يُعَذِّبَهم بِبَعْضِ آثامِهِمْ. وأبْهَمَ بَعْضًا هُنا ويَعْنِي بِهِ؛ واللَّهُ أعْلَمُ؛ التَّوَلِّيَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وإرادَةَ خِلافِهِ، فَوَضَعَ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ مَوْضِعَ ذَلِكَ، وأرادَ أنَّهم ذَوُو ذُنُوبٍ جَمَّةٍ كَثِيرَةٍ لا العَدَدَ، وهَذا الذَّنْبُ مَعَ عِظَمِهِ وهَذا الإبْهامُ فِيهِ تَعْظِيمُ التَّوَلِّي وفَرْطُ إسْرافِهِمْ في ارْتِكابِهِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎أوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمامُها
أرادَ نَفْسَهُ وقَصَدَ تَفْخِيمَ شَأْنِها بِهَذا الإبْهامِ، كَأنَّهُ قالَ: نَفْسًا كَبِيرَةً أوْ نَفْسًا أيَّ نَفْسٍ، وهَذا الوَعْدُ بِالمُصِيبَةِ قَدْ أنْجَزَهُ لَهُ تَعالى بِقِصَّةِ بَنِي قَيْنُقاعَ وقِصَّةِ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ وإجْلاءِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أهْلَ خَيْبَرَ وفَدَكَ وغَيْرَهم. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وخَصَّصَ إصابَتَهم بِبَعْضِ الذُّنُوبِ، لِأنَّ هَذا الوَعِيدَ إنَّما هو في الدُّنْيا؛ وذُنُوبُهم فِيها نَوْعانِ: نَوْعٌ يَخُصُّهم، كَشُرْبِ الخَمْرِ وزِناهم ورِشاهم؛ ونَوْعٌ يَتَعَدّى إلى النَّبِيِّ والمُؤْمِنِينَ كَمُمالَأتِهِمْ لِلْكُفّارِ، وأقْوالِهِمْ في الدِّينِ، فَهَذا النَّوْعُ هو الَّذِي تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ في الدُّنْيا، وإنَّما يُعَذَّبُونَ بِكُلِّ الذُّنُوبِ في الآخِرَةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أيْضًا: فَإنْ تَوَلَّوْا، قَبْلَهُ مَحْذُوفٌ مِنَ الكَلامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظّاهِرُ، تَقْدِيرُهُ: لا تَتَّبِعْ واحْذَرْ، فَإنْ حَكَّمُوكَ مَعَ ذَلِكَ واسْتَقامُوا فَنِعِمّا ذَلِكَ، وإنْ تَوَلَّوْا فاعْلَمْ. ويَحْسُنُ أنْ يُقَدَّرَ هَذا المَحْذُوفُ المُعادِلُ لِقَوْلِهِ: لَفاسِقُونَ. انْتَهى. ولا يَحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ هَذا.
﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ﴾ أيْ: مُتَمَرِّدُونَ مُبالِغُونَ في الخُرُوجِ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُرادُ بِالفِسْقِ هُنا: الكُفْرُ. وقالَ مُقاتِلٌ: المَعاصِي. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: الكَذِبُ؛ وظاهِرُ النّاسِ العُمُومُ، وإنْ كانَ السِّياقُ في اليَهُودِ، وجاءَ بِلَفْظِ العُمُومِ لِيُنَبِّهَ مَن سِواهم. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ النّاسُ لِلْعَهْدِ، وهُمُ اليَهُودُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم.
{"ayah":"وَأَنِ ٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن یَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُصِیبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق