الباحث القرآني
﴿وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى ونُورٌ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: وقَفَّيْنا. وفِيهِ تَعْظِيمُ عِيسى، عَلَيْهِ السَّلامُ، بِأنَّ اللَّهَ آتاهُ كِتابًا إلَهِيًّا. وتَقَدَّمَتْ قِراءَةُ الحَسَنِ، الأنْجِيلَ، بِفَتْحِ الهَمْزَةِ؛ وما ذَكَرُوهُ في اشْتِقاقِهِ إنْ كانَ عَرَبِيًّا. وقَوْلُهُ: فِيهِ هُدًى ونُورٌ، في مَوْضِعِ الحالِ، وارْتِفاعُ هُدًى عَلى الفاعِلِيَّةِ بِالجارِّ والمَجْرُورِ، إذْ قَدِ اعْتَمَدَ بِأنْ وقَعَ حالًا لِذِي حالٍ؛ أيْ: كائِنًا فِيهِ هُدًى. ولِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ ﴿ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ﴾ والضَّمِيرُ في يَدَيْهِ عائِدٌ عَلى الإنْجِيلِ؛ والمَعْنى: أنَّ عِيسى وكِتابَهُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ هُما مُصَدِّقانِ لِما تَقَدَّمَهُما مِنَ التَّوْراةِ، فَتَظافَرَ عَلى تَصْدِيقِهِ الكَتابُ الإلَهِيُّ المُنَزَّلُ، والنَّبِيُّ المُرْسَلُ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الكِتابُ. ومَعْنى كَوْنِهِ فِيهِ هُدًى أنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلى دَلائِلِ التَّوْحِيدِ، وتَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الوَلَدِ والصّاحِبَةِ والمِثْلِ والضِّدِّ، وعَلى الإرْشادِ والدُّعاءِ إلى اللَّهِ تَعالى، وإلى إحْياءِ أحْكامِ التَّوْراةِ، والنُّورُ هو ما فِيهِ مِمّا يُسْتَضاءُ بِهِ إذْ فِيهِ بَيانُ أحْكامِ الشَّرِيعَةِ وتَفاصِيلِها. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومُصَدِّقًا: حالٌ مُؤَكِّدَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى مَوْضِعِ الجُمْلَةِ الَّتِي هي فِيهِ هُدًى، فَإنَّها جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ. انْتَهى. وإنَّما قالَ إنَّ مُصَدِّقًا: حالٌ مُؤَكِّدَةٌ مِن حَيْثُ المَعْنى، لِأنَّهُ يَلْزَمُ مِن كَوْنِ الإنْجِيلِ كِتابًا إلاهِيًّا أنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ الإلَهِيَّةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ الَّتِي هي فِيهِ هُدًى، فَإنَّها جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ - قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، لِأنّا قَدْ بَيَّنّا أنَّ قَوْلَهُ: فِيهِ هُدًى ونُورٌ مِن قَبِيلِ المُفْرَدِ لا مِن قَبِيلِ الجُمْلَةِ، إذْ قَدَّرْناهُ كائِنًا فِيهِ هُدًى ونُورٌ، ومَتى دارَ الأمْرُ بَيْنَ أنْ يَكُونَ الحالُ مُفْرَدًا أوْ جُمْلَةً، كانَ تَقْدِيرُ المُفْرَدِ أجْوَدَ، عَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ جُمْلَةٌ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ القَلِيلِ، لِأنَّها جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ، ولَمْ تَأْتِ بِالواوِ، وإنْ كانَ يُغْنِي عَنِ الرّابِطِ الَّذِي هو الضَّمِيرُ، لَكِنَّ الأسَنَّ والأكْثَرَ أنْ يَأْتِيَ بِالواوِ، حَتّى إنَّ الفَرّاءَ زَعَمَ أنَّ عَدَمَ الواوِ شاذٌّ وإنْ كانَ ثَمَّ ضَمِيرٌ، وتَبِعَهُ عَلى ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ. قالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: ومُصَدِّقًا مَعْطُوفٌ عَلى مُصَدِّقًا الأوَّلِ. انْتَهى. ويَكُونُ إذْ ذاكَ حالًا مِن عِيسى، كَرَّرَهُ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، وهَذا فِيهِ بُعْدٌ مِن جِهَةِ التَّرْكِيبِ واتِّساقِ المَعانِي، وتَكَلُّفُهُ أنْ يَكُونَ وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ جُمْلَةً حالِيَّةً مَعْطُوفَةً عَلى مُصَدِّقًا.
* * *
﴿وهُدًى ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ قَرَأ الضَّحّاكُ: وهُدًى ومَوْعِظَةٌ بِالرَّفْعِ، وهو هُدًى ومَوْعِظَةٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِالنَّصْبِ حالًا مَعْطُوفَةً عَلى قَوْلِهِ: ومُصَدِّقًا، جَعَلَهُ أوَّلًا فِيهِ هُدًى ونُورٌ، وجَعَلَهُ ثانِيًا هُدًى ومَوْعِظَةً. فَهو في نَفْسِهِ هُدًى، وهو مُشْتَمِلٌ عَلى الهُدى، وجَعَلَهُ هُدًى مُبالَغَةً فِيهِ إذْ كانَ كِتابُ الإنْجِيلِ مُبَشِّرًا بِرَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، والدَّلالَةُ مِنهُ عَلى نُبُوَّتِهِ (p-٥٠٠)ظاهِرَةٌ؛ ولَمّا كانَتْ أشَدُّ وُجُوهِ المُنازَعَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ واليَهُودِ والنَّصارى ذَلِكَ، أعادَ اللَّهُ ذِكْرَ الهُدى تَقْرِيرًا وبَيانًا لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ، ﷺ، ووَصَفَهُ بِالمَوْعِظَةِ لِاشْتِمالِهِ عَلى نَصائِحَ وزَواجِرَ بَلِيغَةٍ، وخَصَّصَها بِالمُتَّقِينَ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِها، كَما قالَ تَعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] فَهُمُ المَقْصُودُونَ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى، وإنْ كانَ الجَمِيعُ يُدْعى ويُوعَظُ، ولَكِنَّهُ عَلى غَيْرِ المُتَّقِينَ عَمًى وحَسْرَةٌ، وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ يَنْتَصِبَ هُدًى ومَوْعِظَةً عَلى أنَّهُما مَفْعُولٌ لَهُما لِقَوْلِهِ: ولْيَحْكم؛ قالَ: كَأنَّهُ قِيلَ: ولِلْهُدى والمَوْعِظَةِ آتَيْناهُ الإنْجِيلَ، ولِلْحُكْمِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الأحْكامِ. ويَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الهُدى والمَوْعِظَةُ مُسْنَدَيْنِ في المَعْنى إلى اللَّهِ، لا إلى الإنْجِيلِ، لِيَتَّحِدَ المَفْعُولُ مِن أجْلِهِ مَعَ العامِلِ في الفاعِلِ، ولِذَلِكَ جاءَ مَنصُوبًا. ولَمّا كانَ: ولْيَحْكُمَ، فاعِلُهُ غَيْرُ اللَّهِ، أتى مُعَدًّى إلَيْهِ بِلامِ العِلَّةِ. ولِاخْتِلافِ الزَّمانِ أيْضًا، لِأنَّ الإيتاءَ قارَنَ الهِدايَةَ والمَوْعِظَةَ في الزَّمانِ، والحُكْمَ خالَفَ فِيهِ لِاسْتِقْبالِهِ ومُضِيِّهِ في الإيتاءِ، فَعُدِيَّ أيْضًا لِذَلِكَ بِاللّامِ، وهَذا الَّذِي أجازَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ خِلافُ الظّاهِرِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ نَظَمْتَ هُدًى ومَوْعِظَةً في سِلْكِ مُصَدِّقًا فَما تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: ولْيَحْكُمَ ؟ (قُلْتُ): أصْنَعُ بِهِ كَما صَنَعْتُ بِهُدًى ومَوْعِظَةً، حِينَ جَعَلْتُهُما مَفْعُولًا لَهُما، فَأُقَدِّرُ: لِيَحْكُمَ أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ آتَيْناهُ إيّاهُ. انْتَهى. وهو جَوابٌ واضِحٌ.
{"ayah":"وَقَفَّیۡنَا عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِم بِعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِیلَ فِیهِ هُدࣰى وَنُورࣱ وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق