الباحث القرآني

﴿ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ ويَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ﴾ لَمّا ذَكَرَ تَعالى تَصَرُّفَهُ في أحْكامِ المُحارِبِينَ وأحْكامِ السُّرّاقِ، ولَمْ يُحابِ ما ذَكَرَ مِنَ العُقُوباتِ عَلَيْهِمْ، نَبَّهَ عَلى أنَّ ذَلِكَ هو تَصَرُّفٌ في مُلْكِهِ ومِلْكِهِ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، فَيُعَذِّبُ مَن يَشاءُ عَذابَهُ وهُمُ المُخالِفُونَ لِأمْرِهِ، ويَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ وهُمُ التّائِبُونَ. والخِطابُ في ألَمْ تَعْلَمْ قِيلَ: لِلنَّبِيِّ، ﷺ، (p-٤٨٥)وقِيلَ: لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وقِيلَ: لِلْمُجْتَرِئِ عَلى السَّرِقَةِ وغَيْرِها مِنَ المَحْظُوراتِ. فالمَعْنى: ألَمْ تَعْلَمْ أنَّكَ عاجِزٌ عَنِ الخُرُوجِ عَنْ مُلْكِي، هارِبًا مِنِّي ومِن عَذابِي، فَلِمَ اجْتَرَأْتَ عَلى ما مَنَعْتُكَ مِنهُ ؟ وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ أنَّهُ خِطابُ اليَهُودِ، كانُوا بِحَضْرَةِ الرَّسُولِ؛ والمَعْنى: ألَمْ تَعْلَمُوا أنَّهُ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ، لا قَرابَةَ ولا نَسَبَ بَيْنَهُ وبَيْنَ أحَدٍ حَتّى يُحابِيَهُ، ويَتْرُكَ القائِلِينَ نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَن يَشاءُ مَن يَجِبُ في الحُكْمِ تَعْذِيبُهُ والمَغْفِرَةُ لَهُ مِنَ المُصِرِّينَ والتّائِبِينَ. انْتَهى. وفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ. وقَدْ يَسْقُطُ حَدُّ الحَرْبِيِّ إذا سَرَقَ بِالتَّوْبَةِ لِيَكُونَ أدْعى لَهُ إلى الإسْلامِ وأبْعَدَ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْهُ، ولا نُسْقِطُهُ عَنِ المُسْلِمِ لِأنَّ في إقامَتِهِ الصَّلاحَ لِلْمُؤْمِنِينَ والحَياةَ ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ: يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ؛ أيْ: مَن ماتَ عَلى كُفْرِهِ، ويَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ مِمَّنْ تابَ عَنْ كُفْرِهِ. وقِيلَ: ذَلِكَ في الدُّنْيا، يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ في الدُّنْيا عَلى مَعْصِيَتِهِ بِالقَتْلِ والخَسْفِ والسَّبْيِ والأسْرِ وإذْهابِ المالِ والجَدْبِ والنَّفْيِ والخِزْيِ والجِزْيَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ويَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ مِنهم في الدُّنْيا بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ مِن كُفْرِهِ ومَعْصِيَتِهِ فَيُنْقِذُهُ مِنَ الهَلَكَةِ ويُنْجِيهِ مِنَ العُقُوبَةِ. ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كَثِيرًا ما يَعْقُبُ هَذِهِ الجُمْلَةُ ما دَلَّ عَلى التَّصَرُّفِ التّامِّ، والمُلْكِ والخَلْقِ والِاخْتِراعِ، وهي في غايَةِ المُناسَبَةِ عَقِيبَ ما ذَكَرُوهُ، مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١٧] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب