الباحث القرآني
﴿ومِنَ الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى أخَذْنا مِيثاقَهُمْ﴾ . الظّاهِرُ أنَّ (مِن) تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: أخَذْنا، وأنَّ الضَّمِيرَ في مِيثاقَهم عائِدٌ عَلى المَوْصُولِ، وأنَّ الجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [المائدة: ١٢] والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى أخَذَ مِنَ النَّصارى مِيثاقَ أنْفُسِهِمْ وهو الإيمانُ بِاللَّهِ والرُّسُلِ وبِأفْعالِ الخَيْرِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في مِيثاقَهم عائِدٌ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، ويَكُونُ مَصْدَرًا شَبِيهًا؛ أيْ: وأخَذْنا مِنَ النَّصارى مِيثاقًا مِثْلَ مِيثاقِ بَنِي إسْرائِيلَ. وقِيلَ: ومِنَ الَّذِينَ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: (مِنهم) مِن قَوْلِهِ: ﴿ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُمْ﴾ [المائدة: ١٣]؛ أيْ: مِنَ اليَهُودِ، ومِنَ الَّذِينَ قالُوا إنّا (p-٤٤٧)نَصارى. ويَكُونُ قَوْلُهُ: أخَذْنا مِيثاقَهم مُسْتَأْنَفًا، وهَذا فِيهِ بُعْدٌ لِلْفَصْلِ، ولِتَهْيِئَةِ العامِلِ لِلْعَمَلِ في شَيْءٍ وقَطْعِهِ عَنْهُ دُونَ ضَرُورَةٍ. وقالَ قَتادَةُ: أُخِذَ عَلى النَّصارى المِيثاقُ كَما أُخِذَ عَلى أهْلِ التَّوْراةِ أنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ، ﷺ، فَتَرَكُوا ما أُمِرُوا بِهِ. وقالَ غَيْرُهُ: أُخِذَ المِيثاقُ عَلَيْهِمْ بِالعَمَلِ بِالتَّوْراةِ، وبِكُتُبِ اللَّهِ المُنَزَّلَةِ وأنْبِيائِهِ ورُسُلِهِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿قالُوا إنّا نَصارى﴾، تَوْبِيخٌ لَهم وزَجْرٌ عَمّا ادَّعَوْهُ مِن أنَّهم ناصِرُو دِينِ اللَّهِ وأنْبِيائِهِ، إذْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنهم مُجَرَّدَ دَعْوى لا حَقِيقَةً. وحَيْثُ جاءَ النَّصارى مِن غَيْرِ نِسْبَةٍ إلى أنَّهم قالُوا عَنْ أنْفُسِهِمْ ذَلِكَ، فَإنَّما هو مِن بابِ العَلَمِ لَمْ يُلْحَظْ فِيهِ المَعْنى الأوَّلُ الَّذِي قَصَدُوهُ مِنَ النَّصْرِ، كَما صارَ اليَهُودُ عَلَمًا لَمْ يُلْحَظْ فِيهِ مَعْنى قَوْلِهِ: هُدْنا إلَيْكَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): فَهَلّا قِيلَ: ومَنِ النَّصارى (قُلْتُ): لِأنَّهم إنَّما سَمَّوْا بِذَلِكَ أنْفُسَهُمُ ادِّعاءً لِنُصْرَةِ اللَّهِ، وهُمُ الَّذِينَ قالُوا لِعِيسى: نَحْنُ أنْصارُ اللَّهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدُ إلى نَسْطُورِيَّةَ ويَعْقُوبِيَّةَ ومَلْكانِيَّةَ. انْتَهى. وقَدْ تَقَدَّمَ في أوائِلِ البَقَرَةِ أنَّهُ قِيلَ: سُمُّوا نَصارى لِأنَّهم مِن قَرْيَةٍ بِالشّامِ تُسَمّى ناصِرَةً، وقَوْلُهُ: وهُمُ الَّذِينَ قالُوا لِعِيسى نَحْنُ أنْصارُ اللَّهِ، القائِلُ لِذَلِكَ هُمُ الحَوارِيُّونَ، وهم عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ كُفّارٌ؛ قَدْ أوْضَحَ ذَلِكَ عَلى زَعْمِهِ في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، وعِنْدَ غَيْرِهِ هم مُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَخْتَلِفُوا هم، إنَّما اخْتَلَفَ مَن جاءَ بَعْدَهم مِمَّنْ يَدَّعِي تَبَعِيَّتَهم.
﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: في مَكْتُوبِ الإنْجِيلِ أنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ، ﷺ . والحَظُّ هو الإيمانُ بِهِ، وتَنْكِيرُ الحَظِّ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ حَظٌّ واحِدٌ وهو الإيمانُ بِالرَّسُولِ، وخُصَّ هَذا الواحِدُ بِالذِّكْرِ مَعَ أنَّهم تَرَكُوا أكْثَرَ ما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، لِأنَّ هَذا هو المُعَظَّمُ والمُهِمُّ.
﴿فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ الضَّمِيرُ في بَيْنَهم يُعُودُ عَلى النَّصارى، قالَهُ الرَّبِيعُ. وقالَ الزَّجّاجُ: النَّصارى مِنهم والنَّسْطُورِيَّةُ واليَعْقُوبِيَّةُ والمَلْكانِيَّةُ؛ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنهم تُعادِي الأُخْرى. وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى اليَهُودِ والنَّصارى؛ أيْ: بَيْنَ اليَهُودِ والنَّصارى، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ؛ فَإنَّهم أعْداءٌ يَلْعَنُ بَعْضُهم بَعْضًا ويُكَفِّرُ بَعْضُهم بَعْضًا.
﴿وسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ هَذا تَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ شَدِيدٌ بِعَذابِ الآخِرَةِ، إذْ مُوجَبُ ما صَنَعُوا إنَّما هو الخُلُودُ في النّارِ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۤ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَهُمۡ فَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَأَغۡرَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ وَسَوۡفَ یُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق