الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ أخَذَ الَلَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وقالَ الَلَّهُ إنِّي مَعَكم لَئِنْ أقَمْتُمُ الصَّلاةَ وآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وآمَنتُمْ بِرُسُلِي وعَزَّرْتُمُوهم وأقْرَضْتُمُ الَلَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكم سَيِّئاتِكم ولَأُدْخِلَنَّكم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الَأنْهارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهم لَعَنّاهم وجَعَلْنا قُلُوبَهم قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ونَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهم إلّا قَلِيلًا مِنهم فاعْفُ عَنْهم واصْفَحْ إنَّ الَلَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ١٣] ﴿ومِنَ الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى أخَذْنا مِيثاقَهم فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ وسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ الَلَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ١٤] ﴿ياأهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكم رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكم كَثِيرًا مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتابِ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥] ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٦] ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما يخْلُقُ ما يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٧] ﴿وقالَتِ اليَهُودُ والنَّصارى نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكم بِذُنُوبِكم بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما وإلَيْهِ المَصِيرُ﴾ [المائدة: ١٨] ﴿يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكم رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكم عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِن بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكم بَشِيرٌ ونَذِيرٌ والَلَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩] ﴿وإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ ياقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الِلَّهِ عَلَيْكم إذْ جَعَلَ فِيكم أنْبِياءَ وجَعَلَكم مُلُوكًا وآتاكم ما لَمْ يُؤْتِ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] ﴿ياقَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكم ولا تَرْتَدُّوا عَلى أدْبارِكم فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٢١] ﴿قالُوا يا مُوسى إنَّ فِيها قَوْمًا جَبّارِينَ وإنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنها فَإنْ يَخْرُجُوا مِنها فَإنّا داخِلُونَ﴾ [المائدة: ٢٢] ﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ الَلَّهُ عَلَيْهِما ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ فَإذا دَخَلْتُمُوهُ فَإنَّكم غالِبُونَ وعَلى الِلَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣] ﴿قالُوا يامُوسى إنّا لَنْ نَدْخُلَها أبَدًا ما دامُوا فِيها فاذْهَبْ أنْتَ ورَبُّكَ فَقاتِلا إنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤] ﴿قالَ رَبِّ إنِّي لا أمْلِكُ إلّا نَفْسِي وأخِي فافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] ﴿قالَ فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأرْضِ فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الفاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٦] .
نَقَّبَ في الجَبَلِ والحائِطِ فَتَحَ فِيهِ ما كانَ مُنْسَدًّا، والتَّنْقِيبُ التَّفْتِيشُ، ومِنهُ ﴿فَنَقَّبُوا في البِلادِ﴾ [ق: ٣٦] ونَقُبَ عَلى القَوْمِ يَنْقُبُ إذا صارَ نَقِيبًا؛ أيْ: يُفَتِّشُ عَنْ أحْوالِهِمْ وأسْرارِهِمْ، وهي النِّقابَةُ. والنِّقابُ الرَّجُلُ العَظِيمُ، والنُّقَبُ الجَرَبُ واحِدُهُ النُّقْبَةُ، ويُجْمَعُ أيْضًا عَلى نُقْبٍ عَلى وزْنِ ظُلْمٍ، (p-٤٤٣)وهُوَ القِياسُ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎مُتَبَذِّلًا تَبْدُو مَحاسِنُهُ يَضَعُ الهِناءَ مَواضِعَ النُّقْبِ
أيِ الجَرَبِ. والنُّقْبَةُ سَراوِيلُ بِلا رِجْلَيْنِ، والمَناقِبُ الفَضائِلُ الَّتِي تَظْهَرُ بِالتَّنْقِيبِ. وفُلانَةٌ حَسَنَةُ النُّقْبَةِ والنِّقابِ: أيْ جَمِيلَةٌ، والظّاهِرُ أنَّ النَّقِيبَ فَعِيلٌ لِلْمُبالَغَةِ كَعَلِيمٍ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: بِمَعْنى مَفْعُولٍ، يَعْنِي أنَّهُمُ اخْتارُوهُ عَلى عِلْمٍ مِنهم. وقالَ الأصَمُّ: هو المَنظُورُ إلَيْهِ المُسْنَدُ إلَيْهِ الأمْرُ والتَّدْبِيرُ. عَزَّرَ الرَّجُلَ، قالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: أثْنى عَلَيْهِ بِخَيْرٍ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: عَظَّمَهُ. وقالَ الفَرّاءُ: رَدَّهُ عَنِ الظُّلْمِ: ومِنهُ التَّعْزِيرُ لِأنَّهُ يَمْنَعُ مِن مُعاوَدَةِ القَبِيحِ. قالَ القَطامِيُّ:
؎ألا بَكَرَتْ مَيٌّ بِغَيْرِ سَفاهَةٍ ∗∗∗ تُعاتِبُ والمَوْدُودُ يَنْفَعُهُ العَزْرُ
أيِ: المَنعُ. وقالَ آخَرُ في مَعْنى التَّعْظِيمِ:
؎وكَمْ مِن ماجِدٍ لَهُمُ كَرِيمٍ ∗∗∗ ومِن لَيْثٍ يُعَزَّرُ في النَّدِيِّ
وعَلى هَذِهِ النُّقُولُ يَكُونُ مِن بابِ المُشْتَرَكِ. وجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن بابِ المُتَواطِئِ قالَ: عَزَّرْتُمُوهُ نَصَرْتُمُوهُ ومَنَعْتُمُوهُ مِن أيْدِي العَدُوِّ، ومِنهُ التَّعْزِيرُ وهو التَّنْكِيلُ والمَنعُ مِن مُعاوَدَةِ الفَسادِ، وهو قَوْلُ الزَّجّاجِ، قالَ: التَّعْزِيرُ الرَّدْعُ، عَزَّرْتُ فُلانًا: فَعَلْتُ بِهِ ما يَرْدَعُهُ عَنِ القَبِيحِ، مِثْلَ نَكَّلْتُ بِهِ. فَعَلى هَذا يَكُونُ تَأْوِيلُ عَزَّرْتُمُوهم رَدَدْتُمْ عَنْهم أعْداءَهم. انْتَهى. ولا يَصِحُّ إلّا إنْ كانَ الأصْلُ في عَزَّرْتُمُوهم؛ أيْ: عَزَّرْتُمْ بِهِمْ.
طَلَعَ الشَّيْءُ: بَرَزَ وظَهَرَ، واطَّلَعَ: افْتَعَلَ مِنهُ. غَرا بِالشَّيْءِ غِراءً وغِرًا: لَصِقَ بِهِ وهو الغِرى الَّذِي يُلْصَقُ بِهِ. وأغْرى فُلانٌ زَيْدًا بِعَمْرٍو ولَّعَهُ بِهِ، وأغْرَيْتُ الكَلْبَ بِالصَّيْدِ: أشْلَيْتُهُ. وقالَ النَّضْرُ: أغْرى بَيْنَهم: هَيَّجَ. وقالَ مُوَرِّجٌ: حَرَّشَ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ. وقالَ الزَّجّاجُ: ألْصَقَ بِهِمُ. الصُّنْعُ: العَمَلُ. الفَتْرَةُ: هي الِانْقِطاعُ، فَتَرَ الوَحْيُ: أيِ انْقَطَعَ. والفَتْرَةُ السُّكُونُ بَعْدَ الحَرَكَةِ في الأجْرامِ، ويُسْتَعارُ لِلْمَعانِي؛ قالَ الشّاعِرُ:
؎وإنِّـي لَتَعْـرُونِـي لِـذِكْـراكَ فَـتْـرَةٌ
والهاءُ فِيهِ لَيْسَتْ لِلْمَرَّةِ الواحِدَةِ، بَلْ فَتْرَةٌ مُرادِفٌ لِلْفُتُورِ. ويُقالُ: طَرْفٌ فاتِرٌ إذا كانَ ساجِيًا. الجَبّارُ: فَعّالٌ مِنَ الجَبْرِ، كَأنَّهُ لِقُوَّتِهِ وبَطْشِهِ يُجْبِرُ النّاسَ عَلى ما يَخْتارُونَهُ. والجَبّارَةُ النَّخْلَةُ العالِيَةُ الَّتِي لا تُنالُ بِيَدٍ، واسْمُ الجِنْسِ جَبّارٌ؛ قالَ الشّاعِرُ:
؎سَوابِقُ جَبّارٍ أثِيثٍ فُرُوعُهُ ∗∗∗ وعالَيْنَ قِنْوانًا مِنَ البُسْرِ أحْمَرا
التِّيهُ في اللُّغَةِ: الحَيْرَةُ، يُقالُ مِنهُ: تاهَ، يَتِيهُ، ويَتُوهُ، وتَوَّهْتُهُ، والتّاءُ أكْثَرُ، والأرْضُ التَّوْهاءُ: الَّتِي لا يُهْتَدى فِيها، وأرْضٌ تِيهٌ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: التِّيهُ الذَّهابُ في الأرْضِ إلى غَيْرِ مَقْصُودٍ. الأسى: الحُزْنُ، يُقالُ مِنهُ: أسى يَأْسى.
﴿ولَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ أمَرَ بِذِكْرِ المِيثاقِ الَّذِي أخَذَهُ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ في قَوْلِهِ: ﴿ومِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكم بِهِ﴾ [المائدة: ٧] ثُمَّ ذَكَرَ وعْدَهُ إيّاهم، ثُمَّ أمَرَهم بِذِكْرِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ إذْ كَفَّ أيْدِيَ الكُفّارِ عَنْهم، ذَكَّرَهم بِقِصَّةِ بَنِي إسْرائِيلَ في أخْذِ المِيثاقِ عَلَيْهِمْ، ووَعْدِهِ لَهم بِتَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ، وإدْخالِهِمُ الجَنَّةَ، فَنَقَضُوا المِيثاقَ وهَمُّوا بِقَتْلِ الرَّسُولِ، وحَذَّرَهم بِهَذِهِ القِصَّةِ أنْ يَسْلُكُوا سَبِيلَ بَنِي إسْرائِيلَ هو بِالإيمانِ والتَّوْحِيدِ. وبَعْثُ النُّقَباءِ، قِيلَ: هُمُ المُلُوكُ بُعِثُوا فِيهِمْ يُقِيمُونَ العَدْلَ، ويَأْمُرُونَهم بِالمَعْرُوفِ، ويَنْهَوْنَهم عَنِ المُنْكَرِ. والنَّقِيبُ: كَبِيرُ القَوْمِ، القائِمُ بِأُمُورِهِمْ. والمَعْنى في الآيَةِ: أنَّهُ عَدَّدَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ في أنْ بَعَثَ لِأعْدائِهِمْ هَذا العَدَدَ مِنَ المُلُوكِ قالَهُ النَّقّاشُ. وقالَ: ما وفّى مِنهم إلّا خَمْسَةٌ: داوُدُ وسُلَيْمانُ ابْنُهُ، وطالُوتُ، وحَزْقِيلُ وابْنُهُ، وكَفَرَ السَّبْعَةُ وبَدَّلُوا وقَتَلُوا الأنْبِياءَ، وخَرَجَ خِلالَ الِاثْنَيْ عَشَرَ اثْنانِ وثَلاثُونَ جَبّارًا كُلُّهم يَأْخُذُ المُلْكَ بِالسَّيْفِ، ويَعْبَثُ فِيهِمْ، والبَعْثُ: مِن بَعْثِ الجُيُوشِ. وقِيلَ: هو مِن بَعْثِ الرُّسُلِ، وهو إرْسالُهم (p-٤٤٤)والنُّقَباءُ الرُّسُلُ جَعَلَهُمُ اللَّهُ رُسُلًا إلى قَوْمِهِمْ، كُلُّ نَبِيٍّ مِنهم إلى سِبْطٍ.
وقِيلَ: المِيثاقُ هُنا والنُّقَباءُ هو ما جَرى لِمُوسى مَعَ قَوْمِهِ في جِهادِ الجَبّارِينَ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا اسْتَقَرَّ بَنُو إسْرائِيلَ بِمِصْرَ بَعْدَ هَلاكِ فِرْعَوْنَ أمَرَهُمُ اللَّهُ بِالمَسِيرِ إلى أرِيحا أرْضِ الشّامِ، وكانَ يَسْكُنُها الكُفّارُ الكَنْعانِيُّونَ الجَبابِرَةُ، وقالَ لَهم: إنِّي كَتَبْتُها لَكم دارًا وقَرارًا فاخْرُجُوا إلَيْها، وجاهِدُوا مَن فِيها، وإنِّي ناصِرُكم. وأمَرَ مُوسى أنْ يَأْخُذَ مِن كُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا يَكُونُ كَفِيلًا عَلى قَوْمِهِ بِالوَفاءِ بِما أُمِرُوا بِهِ تَوْثِقَةً عَلَيْهِمْ، فاخْتارَ النُّقَباءَ، وأخَذَ المِيثاقَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، وتَكَفَّلَ لَهم بِهِ النُّقَباءُ، وسارَ بِهِمْ فَلَمّا دَنا مِن أرْضِ كَنْعانَ بَعَثَ النُّقَباءَ يَتَجَسَّسُونَ فَرَأوْا أجْرامًا عِظامًا وقُوَّةً وشَوْكَةً، فَهابُوا ورَجَعُوا وحَدَّثُوا قَوْمَهم، وقَدْ نَهاهم مُوسى أنْ يُحَدِّثُوهم، فَنَكَثُوا المِيثاقَ، إلّا كالَبَ بْنَ يُوقَنّا مِن سِبْطِ يُهُودا، ويُوشِعَ بْنِ نُونَ مِن سِبْطِ أفْراثِيمَ بْنِ يُوسُفَ وكانا مِنَ النُّقَباءِ. وذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ في المُحَبَّرِ أسْماءَ هَؤُلاءِ النُّقَباءِ الَّذِينَ اخْتارَهم مُوسى في هَذِهِ القِصَّةِ بِألْفاظٍ لا تَنْضَبِطُ حُرُوفُها ولا شَكْلُها، وذَكَرَها غَيْرُهُ مُخالِفَةً في أكْثَرِها لِما ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لا تَنْضَبِطُ أيْضًا. وذَكَرُوا مِن خَلْقِ هَؤُلاءِ الجَبّارِينَ وعِظَمِ أجْسامِهِمْ وكِبَرِ قَوالِبِهِمْ ما لا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ، قالُوا وعَدَدُ هَؤُلاءِ النُّقَباءِ كانَ بِعَدَدِ النُّقَباءِ الَّذِينَ اخْتارَهم رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ، مِنَ السَّبْعِينَ رُجُلًا والمَرْأتَيْنِ الَّذِينَ بايَعُوهُ في العَقَبَةِ الثّانِيَةِ، وسَمّاهم: النُّقَباءَ.
﴿وقالَ اللَّهُ إنِّي مَعَكُمْ﴾ أيْ: بِالنَّصْرِ والحِياطَةِ. وفي هَذِهِ المَعِيَّةِ دَلالَةٌ عَلى عِظَمِ الِاعْتِناءِ والنُّصْرَةِ، وتَحْلِيلِ ما شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ مِمّا يَأْتِي بَعْدُ، وضَمِيرُ الخِطابِ هو لِبَنِي إسْرائِيلَ جَمِيعًا. وقالَ الرَّبِيعُ: هو خِطابٌ لِلنُّقَباءِ، والأوَّلُ هو الرّاجِحُ؛ لِانْسِحابِ الأحْكامِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الجُمْلَةِ عَلى جَمِيعِ بَنِي إسْرائِيلَ.
﴿لَئِنْ أقَمْتُمُ الصَّلاةَ وآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وآمَنتُمْ بِرُسُلِي وعَزَّرْتُمُوهم وأقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكم سَيِّئاتِكم ولَأُدْخِلَنَّكم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ اللّامُ في لَئِنْ أقَمْتُمْ هي المُؤْذِنَةُ بِالقَسَمِ والمُوَطِّئَةُ بِما بَعْدَها وبَعْدَ أداةِ الشَّرْطِ أنْ يَكُونَ جَوابًا لِلْقَسَمِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ القَسَمُ مَحْذُوفًا، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ لَأُكَفِّرَنَّ جَوابًا لِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾، ويَكُونَ قَوْلُهُ: وبَعَثْنا والجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ في مَوْضِعِ الحالِ، أوْ يَكُونانِ جُمْلَتَيِ اعْتِراضٍ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ جَوابِ القَسَمِ عَلَيْهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهَذا الجَوابُ، يَعْنِي لَأُكَفِّرَنَّ، سادٌّ مَسَدَّ جَوابِ القَسَمِ والشَّرْطِ جَمِيعًا. انْتَهى. ولَيْسَ كَما ذَكَرَ، لا يَسُدُّ لَأُكَفِّرَنَّ مَسَدَّهُما، بَلْ هو جَوابُ القَسَمِ فَقَطْ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ كَما ذَكَرْنا. والزَّكاةُ هُنا مَفْرُوضٌ مِنَ المالِ كانَ عَلَيْهِمْ، وقِيلَ: يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وأعْطَيْتُمْ مِن أنْفُسِكم كُلَّ ما فِيهِ زَكاةٌ لَكم حَسْبَما نُدِبْتُمْ إلَيْهِ قالَهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ. والأوَّلُ وهو الرّاجِحُ.
﴿وآمَنتُمْ بِرُسُلِي﴾، الإيمانُ بِالرُّسُلِ هو التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ ما جاءُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعالى. وقَدَّمَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ عَلى الإيمانِ تَشْرِيفًا لَهُما، وقَدْ عُلِمَ وتَقَرَّرَ أنَّهُ لا يَنْفَعُ عَمَلٌ إلّا بِالإيمانِ قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: كانَ اليَهُودُ مُقِرِّينَ بِحُصُولِ الإيمانِ مَعَ إقامَةِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، وكانُوا مُكَذِّبِينَ بَعْضَ الرُّسُلِ، فَذَكَرَ بَعْدَهُما الإيمانَ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ، وأنَّهُ لا تَحْصُلُ نَجاةٌ إلّا بِالإيمانِ بِجَمِيعِهِمْ. انْتَهى مُلَخَّصًا. وقَرَأ الحَسَنُ: بِرُسْلِي، بِسُكُونِ السِّينِ، في جَمِيعِ القُرْآنِ؛ وعَزَّرْتُمُوهم. وقَرَأ عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: وعَزَرْتُمُوهم، خَفِيفَةَ الزّايِ. وقَرَأ في الفَتْحِ: (وتَعْزُرُوهُ) بِفَتْحِ التّاءِ وسُكُونِ العَيْنِ وضَمِّ الزّايِ، ومَصْدَرُهُ العَزْرُ.
﴿وأقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾: إيتاءُ الزَّكاةِ هو في الواجِبِ، وهَذا القَرْضُ هو في المَندُوبِ. ونَبَّهَ عَلى الصَّدَقاتِ المَندُوبَةِ بِذِكْرِها فِيما يَتَرَتَّبُ عَلى المَجْمُوعِ تَشْرِيفًا وتَعْظِيمًا لِمَوْقِعِها مِنَ النَّفْعِ المُتَعَدِّي. قالَ الفَرّاءُ: ولَوْ جاءَ إقْراضًا لَكانَ صَوابًا، أُقِيمَ الِاسْمُ هُنا مَقامَ المَصْدَرِ كَقَوْلِهِ تَعالى: (p-٤٤٥)﴿فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وأنْبَتَها نَباتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: ٣٧] لَمْ يَقُلْ بِتَقْبِيلٍ ولا إنْباتًا. انْتَهى. وقَدْ فُسِّرَ هَذا الإقْراضُ بِالنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وبِالنَّفَقَةِ عَلى الأهْلِ، وبِالزَّكاةِ. وفِيهِ بُعْدٌ، لِأنَّهُ تَكْرارٌ. ووَصَفَهُ بِحَسَنٍ إمّا لِأنَّهُ لا يُتْبَعُ بِمَنٍّ ولا أذًى، وإمّا لِأنَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ.
﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكم سَيِّئاتِكم ولَأُدْخِلَنَّكم جَنّاتٍ﴾: رَتَّبَ عَلى هَذِهِ الخَمْسَةِ المَشْرُوطَةِ تَكْفِيرَ السَّيِّئاتِ، وذَلِكَ إشارَةً إلى إزالَةِ العِقابِ، وإدْخالِ الجَنّاتِ، وذَلِكَ إشارَةً إلى إيصالِ الثَّوابِ.
﴿فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ أيْ: بَعْدَ ذَلِكَ المِيثاقِ المَأْخُوذِ والشَّرْطِ المُؤَكَّدِ فَقَدْ أخْطَأ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ. وسَواءُ السَّبِيلِ وسَطُهُ وقَصْدُهُ المُؤَدِّي إلى القَصْدِ، وهو الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ. وتَخْصِيصُ الكُفْرِ بِتَعْدِيَةِ أخْذِ المِيثاقِ وإنْ كانَ قَبْلَهُ ضَلالًا عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، لِأنَّهُ بَعْدَ الشَّرْطِ المُؤَكَّدِ بِالوَعْدِ الصّادِقِ الأمِينِ العَظِيمِ أفْحَشُ وأعْظَمُ، إذْ يُوجِبُ أخْذُ المِيثاقِ الإيفاءَ بِهِ، لا سِيَّما بَعْدَ هَذا الوَعِيدِ عِظَمُ الكُفْرِ هو بِعِظَمِ النِّعْمَةِ المَكْفُورَةِ.
{"ayah":"۞ وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَیۡ عَشَرَ نَقِیبࣰاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّی مَعَكُمۡۖ لَىِٕنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَیۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِی وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق