الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ (p-٢٨)آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكم تَسُؤْكم وإنْ تَسْألُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكم عَفا اللَّهُ عَنْها واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ ﴿قَدْ سَألَها قَوْمٌ مِن قَبْلِكم ثُمَّ أصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾ ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ ولا وصِيلَةٍ ولا حامٍ ولَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ وأكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا إلى ما أنْزَلَ اللَّهُ وإلى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أوَلَوْ كانَ آباؤُهم لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ﴾ [المائدة: ١٠٤] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكم أنْفُسَكم لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ إلى اللَّهِ مَرْجِعُكم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنكم أوْ آخَرانِ مِن غَيْرِكم إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَأصابَتْكم مُصِيبَةُ المَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا ولَوْ كانَ ذا قُرْبى ولا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إنّا إذًا لَمِنَ الآثِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٦] ﴿فَإنْ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أحَقُّ مِن شَهادَتِهِما وما اعْتَدَيْنا إنّا إذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٧] ﴿ذَلِكَ أدْنى أنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ بَعْدَ أيْمانِهِمْ واتَّقُوا اللَّهَ واسْمَعُوا واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨] ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إنَّكَ أنْتَ عَلّامُ الغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١٠٩] ﴿إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعَلى والِدَتِكَ إذْ أيَّدْتُكَ بِرُوحِ القُدُسِ تُكَلِّمُ النّاسَ في المَهْدِ وكَهْلًا وإذْ عَلَّمْتُكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ والتَّوْراةَ والإنْجِيلَ وإذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْرًا بِإذْنِي وتُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ بِإذْنِي وإذْ تُخْرِجُ المَوْتى بِإذْنِي وإذْ كَفَفْتُ بَنِي إسْرائِيلَ عَنْكَ إذْ جِئْتَهم بِالبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١١٠] ﴿وإذْ أوْحَيْتُ إلى الحَوارِيِّينَ أنْ آمِنُوا بِي وبِرَسُولِي قالُوا آمَنّا واشْهَدْ بِأنَّنا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة: ١١١] ﴿إذْ قالَ الحَوارِيُّونَ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ١١٢] ﴿قالُوا نُرِيدُ أنْ نَأْكُلَ مِنها وتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ونَعْلَمَ أنْ قَدْ صَدَقْتَنا ونَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ [المائدة: ١١٣] ﴿قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيدًا لِأوَّلِنا وآخِرِنا وآيَةً مِنكَ وارْزُقْنا وأنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾ [المائدة: ١١٤]
(أشْياءَ) مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ أنَّها لَفْعاءُ مَقْلُوبَةٌ مِن فَعْلاءَ، والأصْلُ شَيْئًا مِن مادَّةِ شَيْءٍ، وهو اسْمُ جَمْعٍ كَطُرَفاءَ وحُلَفاءَ. ومَذْهَبُ غَيْرِهِما أنَّها جَمْعٌ. واخْتَلَفُوا فَقالَ الكِسائِيُّ وأبُو حاتِمٍ: هو جَمْعُ شَيْءٍ، كَبَيْتٍ وأبْياتٍ. وقالَ الكِسائِيُّ: لَمْ تَنْصَرِفْ أشْياءُ، لِشِبْهِ آخِرِها بِآخِرِ حَمْراءَ، ولِكَثْرَةِ اسْتِعْمالِها. والعَرَبُ تَقُولُ أشْياوانِ كَما تَقُولُ حَمْراوانِ. ذَهَبَ الفَرّاءُ والأخْفَشُ إلى أنَّها جَمْعٌ عَلى وزْنِ أفْعَلاءَ. قالَ الفَرّاءُ شَيٌ مُخَفَّفٌ مِن شَيْءٍ، كَما قالُوا هُونًا في جَمْعِ هَيْنٍ، المُخَفَّفِ مِن هَيِّنٍ. وقالَ الأخْفَشُ: لَيْسَ مُخَفَّفًا مِن شَيْءٍ، بَلْ هو فَعْلٌ جُمِعَ عَلى أفَعْلاءَ، فاجْتَمَعَ في هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ هَمْزَتانِ، لامُ الكَلِمَةِ، وهَمْزَةُ التَّأْنِيثِ، فَقُلِبَتِ الهَمْزَةُ الَّتِي هي لامُ الكَلِمَةِ ياءً؛ لِانْكِسارِ ما قَبْلَها، ثُمَّ حُذِفَتِ الياءُ الَّتِي هي عَيْنُ الكَلِمَةِ؛ اسْتِخْفافًا. وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ وزْنَ شَيْءٍ في الأصْلِ شَيِيءٌ، كَصَدِيقٍ وأصْدِقاءَ، ثُمَّ حُذِفَتِ الهَمْزَةُ الأُولى، وفُتِحَتْ ياءُ المَدِّ؛ لِكَوْنِ ما بَعْدَها ألِفًا. قالَ ووَزْنُها في هَذا القَوْلِ إلى أفْياءَ، وفي القَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ أفْلاءُ. وتَقْرِيرُ هَذِهِ المَذاهِبِ صِحَّةً وإبْطالًا، مَذْكُورٌ في عِلْمِ التَّصْرِيفِ.
البَحِيرَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ كالنَّطِيحَةِ بِمَعْنى المَنطُوحَةِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هي النّاقَةُ إذا نَتَجَتْ خَمْسَةَ أبْطُنٍ، في آخِرِها ذَكَرٌ، شَقُّوا أُذُنَها، وخَلَّوْا سَبِيلَها، لا تُرْكَبُ، ولا تُحْلَبُ، ولا تُطْرَدُ عَنْ ماءٍ ولا مَرْعًى ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ إلّا أنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ آخِرُها ذَكَرٌ. وقالَ قَتادَةُ، ويُنْظَرُ في الخامِسِ، فَإذا كانَ ذَكَرًا، ذَبَحُوهُ وأكَلُوهُ، وإنْ كانَتْ أُنْثى شَقُّوا أُذُنَ الأُنْثى، وقالُوا هي بَحِيرَةٌ فَلَمْ تُرْكَبْ، ولَمْ تُطْرَدْ عَنْ (p-٢٩)ماءٍ ولا مَرْعًى، وإذا لَقِيَها ألْمَعِيٌّ، لَمْ يَرْكَبْها تَحَرُّجًا وتَخَوُّرًا مِنهُ؛ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وزادَ حُرِّمَ عَلى النِّساءِ لَحْمُها ولَبَنُها، فَإذا ماتَتْ حَلَّتْ لِلنِّساءِ. وقالَ ابْنُ سِيدَهْ: البَحِيرَةُ هي الَّتِي خُلِّيَتْ بِلا راعٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: البَحِيرَةُ ما نَتَجَتِ السّائِبَةُ مِن أُنْثى، شَقَّ أُذُنَها، وخَلّى سَبِيلَها مَعَ أُمِّها في الفَلا، لَمْ تُرْكَبْ، ولَمْ تُحْلَبْ، كَما فُعِلَ بِأُمِّها. وقالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: هي الَّتِي تُمْنَعُ دَرُّها لِلطَّواغِيتِ، فَلا يَحْلِبُها. وقِيلَ: هي النّاقَةُ إذا ولَدَتْ خَمْسًا أوْ سَبْعًا شَقُّوا أُذُنَها. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إذا نَتَجَتِ النّاقَةُ عَشَرَةَ أبْطُنٍ؛ شَقُّوا أُذُنَها نِصْفَيْنِ طُولًا، فَهي مَبْحُورَةٌ، وتُرِكَتْ تَرْعى، وتَرِدُ الماءَ، ولا يُنْتَفَعُ مِنها بِشَيْءٍ، ويَحْرُمُ لَحْمُها إذا ماتَتْ عَلى النِّساءِ، ويَحِلُّ لِلرِّجالِ. وقِيلَ: البَحِيرَةُ السَّقْبُ إذا وُلِدَ، يَحُزُّوا أُذُنَهُ، وقالُوا اللَّهُمَّ إنْ عاشَ، فَعَفِيٌّ، وإنْ ماتَ فَذَكِيٌّ، فَإذا ماتَ أُكِلَ، ويَظْهَرُ مِنِ اخْتِلافِ هَذِهِ النُّقُولِ أنَّ العَرَبَ كانَتْ تَخْتَلِفُ طَرائِقُها في البَحِيرَةِ فَصارَ لِكُلٍّ مِنها في ذَلِكَ طَرِيقَةٌ وهي كُلُّها ضَلالٌ.
السّائِبَةُ فاعِلَةٌ مِن سابَ إذا جَرى عَلى وجْهِ الأرْضِ. يُقالُ سابَ الماءُ وسابَتِ الحَيَّةُ. وقِيلَ: هي السَّيِّبَةُ اسْمُ الفاعِلِ بِمَعْنى المَفْعُولِ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ ﴿عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] أيْ مَرْضِيَّةٍ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كانَ الرَّجُلُ إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ أوْ نَذَرَ نَذْرًا أوْ شَكَرَ نِعْمَةً، سَيَّبَ بَعِيرًا، فَكانَ بِمَنزِلَةِ البَحِيرَةِ في جَمِيعِ ما حَلُّوا لَها. وقالَ الفَرّاءُ: إذا ولَدَتِ النّاقَةُ عَشَرَةَ أبْطُنٍ إناثٍ سُيِّبَتْ، فَلَمْ تُرْكَبْ، ولَمْ تُحْلَبْ، ولَمْ يُجَزَّ لَها وبَرٌ، ولَمْ يُشْرَبْ لَها لَبَنٌ، إلّا ولَدٌ أوْ ضَيْفٌ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: السّائِبَةُ هي الَّتِي تُسَيَّبُ لِلْأصْنامِ؛ أيْ تُعْتَقُ. وكانَ الرَّجُلُ يُسَيِّبُ مِن مالِهِ شَيْئًا، فَيَجِيءُ بِهِ إلى السَّدَنَةِ، وهم خَدَمُ آلِهَتِهِمْ، فَيُطْعِمُونَ مِن لَبَنِها لِلسَّبِيلِ. وقالَ الشّافِعِيُّ: كانُوا يُنْذِرُونَ تَسْيِيبَ النّاقَةِ لِيَحُجَّ حَجَّةً عَلَيْها. وقِيلَ: السّائِبَةُ العَبْدُ يُعْتَقُ عَلى أنْ لا يَكُونَ عَلَيْهِ ولاءٌ، ولا عَقْلٌ، ولا مِيراثٌ.
الوَصِيلَةُ هي الغَنَمُ، عَلى قَوْلِ الأكْثَرِينَ. رَوى أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّها الشّاةُ تُنْتِجُ سَبْعَةَ أبْطُنٍ، فَإنْ كانَ السّابِعُ أُنْثى لَمْ تَنْتَفِعِ النِّساءُ مِنها بِشَيْءٍ، إلّا أنْ تَمُوتَ فَيَأْكُلُها الرِّجالُ والنِّساءُ، وإنْ كانَ ذَكَرًا ونَحْوَهُ، أكَلُوهُ جَمِيعًا. فَإذا كانَ ذَكَرًا وأُنْثى قالُوا: وصَلَتْ أخاها، فَتُتْرَكُ مَعَ أخِيها فَلا تُذْبَحُ، ومَنافِعُها لِلرِّجالِ دُونَ النِّساءِ، فَإذا ماتَتِ اشْتَرَكَ الرِّجالُ والنِّساءُ فِيها. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إنْ كانَ السّابِعُ ذَكَرًا ذُبِحَ فَأكَلَ مِنهُ الرِّجالُ دُونَ النِّساءِ. وقالُوا: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، ومُحَرَّمٌ عَلى أزْواجِنا، وإنْ كانَتْ أُنْثى تُرِكَتْ في الغَنَمِ، وإنْ كانَتْ ذَكَرًا وأُنْثى فَكَما في قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: هي الشّاةُ تُنْتِجُ عَشَرَةَ أبْطُنٍ مُتَوالِياتٍ في خَمْسَةِ أبْطُنٍ وما ولَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلذُّكُورِ دُونَ الإناثِ. وقالَ الفَرّاءُ: هي الشّاةُ تُنْتِجُ سَبْعَةَ أبْطُنٍ عَناقَيْنِ عَناقَيْنِ فَإذا ولَدَتْ في سابِعِها عَناقًا وجِدْيًا، قِيلَ: وصَلَتْ أخاها فَجَرَتْ مَجْرى السّائِبَةِ. وقالَ الزَّجّاجُ: هي الشّاةُ الَّتِي تَلِدُ أُنْثى فَلَهم، أوْ ذَكَرًا فَلِآلِهَتِهِمْ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: نَحْوَهُ، وزادَ إذا ولَدَتْ ذَكَرًا وأُنْثى مَعًا، قالُوا: وصَلَتْ أخاها فَلَمْ يَذْبَحُوهُ لِمَكانِها. ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ أنَّها النّاقَةُ البِكْرُ تَبْتَكِرُ في أوَّلِ النَّتاجِ بِالأُنْثى، ثُمَّ تُثَنِّي بِالأُنْثى، فَيَسْتَقُونَها لِطَواغِيتِهِمْ، ويَقُولُونَ: وصَلَتْ إحْداهُما بِالأُخْرى لَيْسَ بَيْنَهُما ذَكَرٌ. وقِيلَ: هي الشّاةُ تَلِدُ ثَلاثَةَ أبْطُنٍ أوْ خَمْسَةً، فَإنْ كانَ آخِرُها جِدْيًا ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ أوْ عَناقًا اسْتَحْيَوْها، وقالُوا: هَذِهِ العَناقُ وصَلَتْ أخاها، فَمَنَعَتْهُ مِنَ الذَّبْحِ.
الحامِي اسْمُ فاعِلٍ مِن حَمى، وهو الفَحْلُ مِنَ الإبِلِ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ، واخْتارَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، والزَّجّاجُ: هو الفَحْلُ يُنْتَجُ مِن صُلْبِهِ عَشَرَةُ أبْطُنٍ، فَيَقُولُونَ قَدْ حَمى ظَهْرَهُ، فَيُسَيِّبُونَهُ لِأصْنامِهِمْ فَلا يُحْمَلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. ورَوى ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ، أنَّهُ الفَحْلُ يُولَدُ لِوَلَدِ ولَدِهِ، وقالَ عَطاءٌ: هو الفَحْلُ يُنْتَجُ مِن صُلْبِهِ عَشَرَةُ أبْطُنٍ، فَيَظْهَرُ مِن بَيْنِ أوْلادِهِ عَشَرَةُ إناثٍ مِن بَناتِهِ، وبَناتِ بَناتِهِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هو الَّذِي يُنْتَجُ لَهُ سَبْعُ إناثٍ مُتَوالِياتٍ. وذَكَرَ الماوَرْدِيُّ عَنِ الشّافِعِيِّ أنَّهُ يَضْرِبُ في إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ (p-٣٠)سِنِينَ. الحَبْسُ المَنعُ مِنَ التَّصَرُّفِ. يُقالُ حَبَسْتُ أحْبِسُ، واحْتَبَسْتُ فَرَسًا في سَبِيلِ اللَّهِ، فَهو مُحْبَسٌ. وحَبِيسٌ وقَفْتُهُ لِلْغَزْوِ.
وعَثَرَ عَلى الرَّجُلِ؛ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، مُشْتَقٌّ مِنَ العَثْرَةِ الَّتِي هي الوُقُوعُ، وذَلِكَ أنَّ العاثِرَ إنَّما يَعْثُرُ بِشَيْءٍ كانَ لا يَراهُ، فَلَمّا عَثَرَ بِهِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، ونَظَرَ ما هو، فَلِذَلِكَ قِيلَ: لِكُلِّ مَنِ اطَّلَعَ عَلى أمْرٍ كانَ خَفِيًّا عَلَيْهِ: قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ، ويُقالُ قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ، وقَدْ أعْثَرَ عَلَيْهِ إذا أطْلَعَهُ عَلَيْهِ، ومِنهُ ﴿وكَذَلِكَ أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] أيِ أطْلَعْنا. وقالَ اللَّيْثُ: عَثَرَ يَعْثُرُ عُثُورًا هَجَمَ عَلى أمْرٍ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وعَثَرَ عَثْرَةً؛ وقَعَ عَلى شَيْءٍ.
المائِدَةُ: الخِوانُ الَّذِي عَلَيْهِ طَعامٌ، فَإذا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَعامٌ، فَلَيْسَ بِمائِدَةٍ. قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ: هي فاعِلَةٌ بِمَعْنى مَفْعُولَةٍ، وهي مِنَ العَطاءِ. والمُمْتادُ المَطْلُوبُ مِنهُ العَطاءُ، مادَّهُ أعْطاهُ، وامْتادَّهُ اسْتَعْطاهُ.
وقالَ الزَّجّاجُ: هي فاعِلَةٌ مِن مادَ يَمِيدُ؛ تَحَرَّكَ، فَكَأنَّها تَمِيدُ بِما عَلَيْها. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المائِدَةُ؛ الطَّعامُ، مِن مادَّهُ يُمِيدُهُ أعْطاهُ، كَأنَّها تُمِيدُ الآكِلِينَ؛ أيْ تُطْعِمُهم، وتَكُونُ فاعِلَةً بِمَعْنى مَفْعُولٍ بِها أيْ مِيدَ بِها الآكِلُونَ. وقِيلَ: مِنَ المِيدِ، وهو المَيْلُ، وهَذا قَرِيبٌ مِن قَوْلِ الزَّجّاجِ.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكم تَسُؤْكُمْ﴾ رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ، واللَّفْظُ لِلْبُخارِيِّ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ مَن أبِي ؟ قالَ: ”أبُوكَ فُلانٌ“، ونَزَلَتِ الآيَةُ. وفي حَدِيثِ أنَسٍ أيْضًا «أنَّ رَجُلًا قالَ: أيْنَ مَدْخَلِي يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: ”النّارُ“» . وإنَّ السّائِلَ مَن أبِي، هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذافَةَ. وفي غَيْرِ حَدِيثِ أنَسٍ «فَقامَ آخَرُ فَقالَ: مَن أبِي ؟ فَقالَ: ”أبُوكَ سالِمٌ مَوْلى شَيْبَةَ“» . وقِيلَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ سُؤالِهِمْ عَنِ الحَجِّ، «أفِي كُلِّ عامٍ ؟ فَسَكَتَ فَقالَ: أفِي كُلِّ عامٍ ؟ قالَ: ”لا، ولَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ“» . رُوِيَ هَذا عَنْ عَلِيٍّ وأبِي هُرَيْرَةَ وأبِي أُمامَةَ وابْنِ عَبّاسٍ. وقِيلَ: السّائِلُ سُراقَةُ بْنُ مالِكٍ. وقِيلَ: عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأسَدِيُّ. وقِيلَ: مِحْصَنٌ. وقِيلَ: رَجُلٌ مِن بَنِي أسَدٍ. وقِيلَ: الأقْرَعُ بْنُ حابِسٍ. وقالَ الحَسَنُ: سَألُوا عَنْ أُمُورِ الجاهِلِيَّةِ الَّتِي عَفا اللَّهُ عَنْها، ولا وجْهَ لِلسُّؤالِ عَمّا عَفا اللَّهُ عَنْهُ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ، ورَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: سَألُوا عَنِ البَحِيرَةِ والسّائِبَةِ والوَصِيلَةِ والحامِ، ولِذَلِكَ جاءَ ذِكْرُها بَعْدَها. ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أنَّهم سَألُوا الآياتِ والمُعْجِزاتِ. وذَكَرَ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ أنَّها نَزَلَتْ في تَسْهِيمِ الفَرائِضِ. ورُوِيَ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أمْرَ الكَعْبَةِ والهَدْيِ والقَلائِدِ، وأعْلَمَ أنَّ حُرْمَتَها هو تَعالى الَّذِي شَرَعَها، إذْ هي أُمُورٌ قَدِيمَةٌ مِن لَدُنْ إبْراهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، ذَهَبَ ناسٌ مِنَ العَرَبِ إلى السُّؤالِ عَنْ سائِرِ أحْكامِ الجاهِلِيَّةِ، هَلْ تُلْحَقُ بِذَلِكَ أمْ لا ؟ إذْ كانُوا قَدِ اعْتَقَدُوا الجَمِيعَ سُنَّةً، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ ما هو مِن عِنْدِ اللَّهِ، وما هو مِن تِلْقاءِ الشَّيْطانِ. والظّاهِرُ مِنَ الرِّواياتِ أنَّ الأعْرابَ ألَحُّوا عَلَيْهِ بِأنْواعٍ مِنَ السُّؤالاتِ، فَزُجِرُوا عَنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الآيَةِ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في حُجّاجِ اليَمامَةِ حِينَ أرادَ المُسْلِمُونَ أنْ يُوقِعُوا بِهِمْ فَنُهُوا عَنِ الإيقاعِ بِهِمْ، وإنْ كانُوا مُشْرِكِينَ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها؛ هو أنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿ما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ﴾ [المائدة: ٩٩] صارَ كَأنَّهُ قِيلَ: ما بَلَّغَهُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وكُونُوا مُنْقادِينَ لَهُ، وما لَمْ يُبَلِّغْهُ فَلا تَسْألُوا عَنْهُ، ولا تَخُوضُوا فِيهِ، فَرُبَّما جاءَكم بِسَبَبِ الخَوْضِ الفاسِدِ تَكالِيفُ تَشُقُّ عَلَيْكم، قالَهُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ، وفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وقالَ أيْضًا هَذا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ [المائدة: ٩٩] فاتْرُكُوا الأُمُورَ عَلى ظَواهِرِها، ولا تَسْألُوا عَنْ أحْوالٍ مُخْتَلِفَةٍ. والجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ وما عُطِفَ عَلَيْها مِنَ الشَّرْطِ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِأشْياءَ، والمَعْنى لا تُكْثِرُوا مَسْألَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتّى تَسْألُوهُ عَنْ تَكالِيفَ شاقَّةٍ عَلَيْكم، إنْ أفْتى لَكم بِها وكَلَّفَكم إيّاها؛ تَغُمَّكم وتَشُقَّ عَلَيْكم وتَنْدَمُوا عَلى السُّؤالِ عَنْها، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وبَناهُ عَلى ما نُقِلَ في سَبَبِ النُّزُولِ؛ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الحَجِّ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿إنْ تُبْدَ لَكُمْ﴾ بِالتّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وقَرَأ الشَّعْبِيُّ بِالياءِ مَفْتُوحَةً مِن أسْفَلَ، وضَمِّ الدّالِ (يَسُؤْكم) بِالياءِ فِيهِما مَضْمُومَةً في الأوَّلِ، ومَفْتُوحَةً في الثّانِي. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والتَّحْرِيرُ أنْ يُبْدِها اللَّهُ (p-٣١)تَعالى.
﴿وإنْ تَسْألُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَعْناهُ لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ في ضِمْنِ الإخْبارِ عَنْها مَساءَةٌ لَكم، إمّا لِتَكْلِيفٍ شَرْعِيٍّ يَلْزَمُكم، وإمّا لِخَبَرٍ يَسُوءُكم، مِثْلُ الَّذِي قالَ مَن أبِي ؟ ولَكِنْ إذا نَزَلَ القُرْآنُ بِشَيْءٍ، وابْتَدَأكم رَبُّكم بِأمْرٍ، فَحِينَئِذٍ إنْ سَألْتُمْ عَنْ بَيانِهِ، بَيَّنَ لَكم وأبْدى. انْتَهى. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ (عَنْها) عائِدٌ عَلى نَوْعِها، لا عَلى الأوَّلِ الَّتِي نَهى عَنِ السُّؤالِ عَنْها. قالَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَعْنى الوَعِيدِ، كَأنَّهُ قالَ لا تَسْألُوا، وإنْ سَألْتُمْ، لَقِيتُمْ غِبَّ ذَلِكَ، وصُعُوبَتَهُ؛ لِأنَّكم تَكَلَّفُونَ، وتَسْتَعْجِلُونَ ما يَسُوءُكم، كالَّذِي قِيلَ لَهُ: إنَّهُ في النّارِ انْتَهى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿وإنْ تَسْألُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ﴾ أيْ عَنْ هَذِهِ التَّكالِيفِ الصَّعْبَةِ في زَمانِ الوَحْيِ، وهو ما دامَ الرَّسُولُ بَيْنَ أظْهُرِكم يُوحى إلَيْهِ ﴿تُبْدَ لَكُمْ﴾ تِلْكَ التَّكالِيفُ (الَّتِي تَسُوءُكم) وتُؤْمَرُوا بِتَحَمُّلِها فَتُعَرِّضُوا أنْفُسَكم لِغَضَبِ اللَّهِ بِالتَّفْرِيطِ فِيها. انْتَهى. وعَلى هَذا يَكُونُ الضَّمِيرُ في (عَنْها) عائِدًا عَلى أشْياءَ نَفْسِها، لا عَلى نَوْعِها. والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهم نُهُوا عَنِ السُّؤالِ عَنْ أشْياءَ وُصِفَتْ بِوَصْفَيْنِ: أحَدُهُما؛ أنَّها إنْ سَألُوا عَنْها، أُبْدِيَتْ لَهم وقْتَ نُزُولِ القُرْآنِ، فَيَكُونُ (حِينَ) ظَرْفًا لِقَوْلِهِ ﴿تُبْدَ لَكُمْ﴾، لا لِقَوْلِهِ ﴿وإنْ تَسْألُوا عَنْها﴾، والوَصْفُ الثّانِي أنَّها إنْ أُبْدِيَتْ لَهم ساءَتْهم. وهَذا الوَصْفُ وإنْ تَقَدَّمَ مُرَتَّبٌ عَلى الوَصْفِ المُتَأخِّرِ، وإنَّما تَقَدَّمَ لِأنَّهُ أرْدَعُ لَهم عَنِ المَسْألَةِ عَنْ تِلْكَ الأشْياءِ أنْ يَسْألُوا عَنْها؛ لِأنَّهم إذا أُخْبِرُوا أنَّهم تَسُوءُهم تِلْكَ المَسْألَةُ إذا أُبْدِيَتْ، كانَتْ أنْفَرَ عَنْ أنْ يَسْألُوا بَعْدُ. فَلَمّا كانَ هَذا الوَصْفُ أزْجَرَ عَنِ السُّؤالِ، قُدِّمَ وتَأخَّرَ الوَصْفُ في الذِّكْرِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ زَجْرٌ ولا رَدْعٌ، واتُّكِلَ في ذَلِكَ عَلى فَهْمِ المَعْنى، مَعَ أنَّ عَطْفَ الوَصْفِ الثّانِي بِالواوِ، يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ فَقَطْ دُونَ التَّرْتِيبِ. ولا يَدُلُّ قَوْلُهُ وإنْ تَسْألُوا عَنْها عَلى جَوازِ السُّؤالِ، كَما زَعَمَ بَعْضُهم فَقالَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى أشْياءَ، فَكَيْفَ يَفْعَلُ أشْياءَ بِأعْيانِها أنْ يَكُونَ السُّؤالُ عَنْها مَمْنُوعًا وجائِزًا مَعًا ؟ وأجابَ بِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما؛ أنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا قَبْلَ نُزُولِ القُرْآنِ، مَأْمُورًا بِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ، الثّانِي أنَّهُما، وإنْ كانا غَيْرَ مُخْتَلِفَيْنِ إلّا أنَّهُما في كَوْنِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما مَسْئُولًا عَنْهُ شَيْءٌ واحِدٌ، فَلِهَذا الوَجْهِ حَسُنَ اتِّحادُ الضَّمِيرِ انْتَهى. وهَذا لَيْسَ بِجَوابٍ ثانٍ؛ لِأنَّهُ فَرَضَ أنَّ تِلْكَ الأشْياءَ بِأعْيانِها السُّؤالُ عَنْها مَمْنُوعٌ وجائِزٌ، وإذا كانا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَيْسَتِ الأشْياءُ بِأعْيانِها. وجُمْلَةُ الشَّرْطِ كَما ذَكَرْناهُ، لا تَدُلُّ عَلى الجَوازِ، ألا تَرى أنَّكَ تَقُولُ لا تَزْنِ ؟ وإنْ زَنَيْتَ حُدِدْتَ ؟ فَقَوْلُهُ: وإنْ زَنَيْتَ حُدِدْتَ، لا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلى الجَوازِ، بَلْ جُمْلَةُ الشَّرْطِ لا تَدُلُّ عَلى الوُقُوعِ، بَلْ لا تَدُلُّ عَلى الإمْكانِ، إذْ قَدْ يَقَعُ التَّعْلِيقُ بَيْنَ المُسْتَحِيلَيْنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] .
﴿عَفا اللَّهُ عَنْها﴾ ظاهِرُهُ أنَّهُ اسْتِئْنافُ إخْبارٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى. وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّها في مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةٍ لِأشْياءَ، كَأنَّهُ قِيلَ: لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ مَعْفُوٍّ عَنْها، ويَكُونُ مَعْنى عَفا؛ أيْ تَرَكَ لَكُمُ التَّكْلِيفَ فِيها والمَشَقَّةَ عَلَيْكم بِها؛ لِقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ قَدْ عَفا لَكم عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ، وهو القَوْلُ الأوَّلُ، وهو الِاسْتِئْنافُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى هَذا؛ أيْ تَرَكَها اللَّهُ، ولَمْ يُعَرِّفْكم بِها، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّهُ تَجاوَزَ عَنِ ارْتِكابِكم تِلْكَ السُّؤالاتِ، ولَمْ يُؤاخِذْكم بِها، ويَدُلُّ عَلى هَذا المَعْنى قَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ ولِذَلِكَ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَفا اللَّهُ عَنْكم ما سَلَفَ عَنْ (p-٣٢)مَسْألَتِكم، فَلا تَعُودُوا إلى مِثْلِها.
﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤] لا يُؤاخِذُكم بِما يَفْرُطُ مِنكم بِعُقُوبَتِهِ. خَرَّجَ الدّارَقُطْنِيُّ عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى فَرَضَ فَرائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وحَرَّمَ حُرُماتٍ فَلا تَنْتَهِكُوها، وحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوها، وسَكَتَ عَنْ أشْياءَ مِن غَيْرِ نِسْيانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْها» . ورَوى أبُو سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قالَ: «إنَّ أعْظَمَ النّاسِ جُرْمًا؛ مَن سَألَ عَنْ مَسْألَةٍ لَمْ تَكُنْ حَرامًا، فَحُرِّمَتْ مِن أجْلِ مَسْألَتِهِ» .
﴿قَدْ سَألَها قَوْمٌ مِن قَبْلِكم ثُمَّ أصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾ الظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في (سَألَها) عائِدٌ عَلى أشْياءَ. وقالَ الحَوْفِيُّ: ولا يَتَّجِهُ حَمْلُهُ عَلى الظّاهِرِ، لا مِن جِهَةِ اللَّفْظِ العَرَبِيِّ، ولا مِن جِهَةِ المَعْنى. أمّا مِن جِهَةِ اللَّفْظِ، فَكانَ يُعَدّى بِعَنْ فَكانَ قَدْ سَألَ عَنْها، كَما قالَ ﴿لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ﴾ فَعُدِّيَ بِعَنْ، وأمّا مِن جِهَةِ المَعْنى؛ فَلِأنَّ المَسْئُولَ عَنْهُ مُخْتَلِفٌ قَطْعًا فِيهِما؛ لِأنَّ المَنهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هو مِثْلُ سُؤالِ مَن سَألَ أيْنَ مَدْخَلِي ؟ ومَن أبِي ؟ ومَن سَألَ عَنِ الحَجِّ، وأيْنَ ناقَتِي ؟ وما في بَطْنِ ناقَتِي ؟ غَيْرُ سُؤالِ القَوْمِ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا، فَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الضَّمِيرُ في (سَألَها) لَيْسَ بِراجِعٍ إلى أشْياءَ حَتّى يَجِبَ تَعْدِيَتُهُ بِعَنْ، وإنَّما هو راجِعٌ إلى المَسْألَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْها ﴿لا تَسْألُوا﴾، يَعْنِي قَدْ سَألَ هَذِهِ المَسْألَةَ قَوْمٌ مِنَ الأوَّلِينَ، ثُمَّ أصْبَحُوا؛ أيْ بِمَرْجُوعِها كافِرِينَ. وذَلِكَ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ كانُوا يَسْتَفْتُونَ أنْبِياءَهم عَنْ أشْياءَ، فَإذا أُمِرُوا بِها تَرَكُوها، فَهَلَكُوا انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: نَحْوًا مِن قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ قالَ: ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ؛ أنَّ هَذِهِ السُّؤالاتِ الَّتِي هي تَعَنُّتاتٌ وطَلَبٌ شَطَطٌ واقْتِراحاتٌ ومُباحَثاتٌ، قَدْ سَألَها قَبْلَكُمُ الأُمَمُ ثُمَّ كَفَرُوا بِها انْتَهى. ولا يَسْتَقِيمُ ما قالاهُ إلّا عَلى حَذْفِ مُضافٍ، وقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ، فَقالَ قَدْ سَألَ أمْثالَها؛ أيْ أمْثالَ هَذِهِ المَسْألَةِ، أوْ أمْثالَ هَذِهِ السُّؤالاتِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ سَألَها، بِفَتْحِ السِّينِ والهَمْزَةِ، وقَرَأ النَّخَعِيُّ، بِكَسْرِ السِّينِ مِن غَيْرِ هَمْزِ، يَعْنِي بِالكَسْرِ والإمالَةِ، وجَعَلَ الفِعْلَ مِن مادَّةِ سِينٍ وواوٍ ولامٍ، لا مِن مادَّةِ سِينٍ وهَمْزَةٍ ولامٍ، وهُما لُغَتانِ ذَكَرَهُما سِيبَوَيْهِ. ومِن كَلامِ العَرَبِ؛ هُما يَتَساوَلانِ، بِالواوِ وإمالَةُ. النَّخَعِيِّ (سَألَ) مِثْلُ إمالَةِ حَمْزَةَ خافَ والقَوْمَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هم قَوْمُ عِيسى، سَألُوا المائِدَةَ، ثُمَّ كَفَرُوا بِها بَعْدَ أنْ شَرَطَ عَلَيْهِمُ العَذابَ الَّذِي لا يُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ أيْضًا: هم قَوْمُ مُوسى، سَألُوا في ذَبْحِ البَقَرَةِ وشَأْنِها. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ أيْضًا: هُمُ الَّذِينَ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهم ﴿ابْعَثْ لَنا مَلِكًا نُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦] . وقِيلَ: قَوْمُ مُوسى، سَألُوا أنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً، فَصارَ ذَلِكَ وبالًا عَلَيْهِمْ. وقِيلَ: قَوْمُ صالِحٍ، سَألُوا النّاقَةَ، ثُمَّ عَقَرُوها بَعْدَ أنْ دَخَلُوا عَلى الِاشْتِراطِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَها شِرْبٌ ولَكم شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] وبَعْدَ اشْتِراطِ العَذابِ عَلَيْهِمْ إنْ مَسُّوها بِسُوءٍ. وقالَ مُقاتِلٌ: كانَ بَنُو إسْرائِيلَ يَسْألُونَ أنْبِياءَهم عَنْ أشْياءَ، فَإذا أخْبَرُوهم بِها، تَرَكُوا قَوْلَهم ولَمْ يُصَدِّقُوهم، فَأصْبَحُوا بِتِلْكَ الأشْياءِ كافِرِينَ. وقالَ السُّدِّيُّ: كَقُرَيْشٍ في سُؤالِهِمْ أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الصَّفا ذَهَبًا. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّما يَتَّجِهُ في قُرَيْشٍ مِثالُ سُؤالِهِمْ آيَةً، فَلَمّا شُقَّ القَمَرُ كَفَرُوا. انْتَهى. وقالَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ: القَوْمُ قُرَيْشٌ، سَألُوا أُمُورًا مُمْتَنِعَةً كَما أخْبَرَ تَعالى ﴿وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠]، وهَذا لا يَسْتَقِيمُ إلّا إنْ أُرِيدَ بِمَن قَبْلَهم آباؤُهُمُ الَّذِينَ ماتُوا في ابْتِداءِ التَّنْزِيلِ. قالَ أبُو البَقاءِ العُكْبَرِيُّ ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٩] مُتَعَلِّقُ سَألَها، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِقَوْمٍ، ولا حالًا؛ لِأنَّ ظَرْفَ الزَّمانِ لا يَكُونُ صِفَةً لِلْجَنَّةِ، ولا حالًا مِنها، ولا خَبَرًا عَنْها. انْتَهى. وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ في ظَرْفِ الزَّمانِ المُجَرَّدِ مِنَ الوَصْفِ، أمّا إذا وُصِفَ، فَذَكَرُوا أنَّهُ يَكُونُ خَبَرًا، تَقُولُ: نَحْنُ في يَوْمٍ طَيِّبٍ. وأمّا قَبْلُ وبَعْدُ، فالحَقِيقَةُ أنَّهُما وصْفانِ في الأصْلِ، فَإذا قُلْتَ: جاءَ زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو، فالمَعْنى جاءَ زَيْدٌ زَمانًا؛ أيْ في زَمانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلى زَمانِ مَجِيءِ عَمْرٍو، ولِذَلِكَ صَحَّ أنْ يَقَعَ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ، ولَمْ يُلْحَظْ فِيهِ الوَصْفُ وإنْ كانَ ظَرْفَ زَمانٍ مُجَرَّدًا، لَمْ يَجُزْ أنْ يَقَعَ صِلَةً (p-٣٣)قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١] ولا يَجُوزُ والَّذِينَ اليَوْمَ، وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى هَذا في أوَّلِ البَقَرَةِ، ومَعْنى ﴿ثُمَّ أصْبَحُوا﴾ ثُمَّ صارُوا، ولا يُرادُ أنَّ كُفْرَهم مُقَيَّدٌ بِالصَّباحِ.
﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ ولا وصِيلَةٍ ولا حامٍ﴾ . مُناسَبَةُ هَذِهِ لِما قَبْلَها؛ أنَّهُ تَعالى لَمّا نَهى عَنْ سُؤالِ ما لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ولا كَلَّفَهم إيّاهُ، مَنَعَ مِنَ التِزامِ أُمُورٍ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً مِنَ اللَّهِ تَعالى، ولَمّا سَألَ قَوْمٌ عَنْ هَذِهِ الأحْكامِ الَّتِي كانَتْ في الجاهِلِيَّةِ، هَلْ تُلْحَقُ بِأحْكامِ الكَعْبَةِ ؟ بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ شَيْئًا مِنها، أوْ لَمّا ذَكَرَ المُحَلَّلاتِ والمُحَرَّماتِ في الشَّرْعِ، عادَ إلى الكَلامِ في المُحَلَّلاتِ والمُحَرَّماتِ مِن غَيْرِ شَرْعٍ. وفي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أنَّ أوَّلَ مَن غَيَّرَ دِينَ إسْماعِيل عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ، نَصَبَ الأوْثانَ، وسَيَّبَ السّائِبَةَ، وبَحَّرَ البَحِيرَةَ، وحَمى الحامِيَ» . ورَآهُ رَسُولُ اللَّهِ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النّارِ. ورُوِيَ أنَّهُ كانَ مَلِكَ مَكَّةَ. ورَوى زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «قَدْ عَرَفْتُ أوَّلَ مَن بَحَّرَ البَحِيرَةَ؛ هو رَجُلٌ مِن مُدْلِجٍ، كانَتْ لَهُ ناقَتانِ، فَجَدَعَ آذانَهُما، وحَرَّمَ ألْبانَهُما ورُكُوبَ ظُهُورِهِما، قالَ: فَلَقَدْ رَأيْتُهُ في النّارِ يُؤْذِي أهْلَ النّارِ رِيحُ قُصْبِهِ» . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ﴾ ما شَرَعَ ذَلِكَ، ولا أمَرَ بِالتَّبْحِيرِ والتَّسْيِيبِ، وغَيْرِ ذَلِكَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: (وجَعَلَ) في هَذِهِ الآيَةِ لا يَتَّجِهُ أنْ تَكُونَ بِمَعْنى خَلَقَ اللَّهُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ هَذِهِ الأشْياءَ كُلَّها، ولا هي بِمَعْنى صَيَّرَ؛ لِعَدَمِ المَفْعُولِ الثّانِي، وإنَّما هي بِمَعْنى ما سَنَّ، ولا شَرَعَ. ولَمْ يَذْكُرِ النَّحْوِيُّونَ في مَعانِي جَعَلَ شَرَعَ، بَلْ ذَكَرُوا أنَّها تَأْتِي بِمَعْنى خَلَقَ، وبِمَعْنى ألْقى، وبِمَعْنى صَيَّرَ، وبِمَعْنى الأخْذِ في الفِعْلِ، فَتَكُونُ مِن أفْعالِ المُقارَبَةِ. وذَكَرَ بَعْضُهم بِمَعْنى سَمّى، وقَدْ جاءَ حَذْفُ أحَدِ مَفْعُولَيْ ظَنَّ وأخَواتِها، إلّا أنَّهُ قَلِيلٌ، والحَمْلُ عَلى ما سُمِعَ أوْلى مِن إثْباتِ مَعْنًى لَمْ يَثْبُتْ في لِسانِ العَرَبِ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَفْعُولُ الثّانِي مَحْذُوفًا؛ أيْ ما صَيَّرَ اللَّهُ بَحِيرَةً ولا سائِبَةً ولا وصِيلَةً ولا حامِيًا مَشْرُوعَةً، بَلْ هي مِن شَرْعِ غَيْرِ اللَّهِ ﴿والأنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ﴾ [النحل: ٥] خَلَقَها اللَّهُ تَعالى رِفْقًا لِعِبادِهِ، ونِعْمَةً (p-٣٤)عَدَّدَها عَلَيْهِمْ، ومَنفَعَةً بالِغَةً. وأهْلُ الجاهِلِيَّةِ قَطَعُوا طَرِيقَ الِانْتِفاعِ بِها، وإذْهابَ نِعْمَةِ اللَّهِ بِها، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ: لا تَجُوزُ الأحْباسُ والأوْقافُ، وقاسُوا عَلى البَحِيرَةِ والسّائِبَةِ، والفَرْقُ بَيِّنٌ. ولَوْ عَمَدَ رَجُلٌ إلى ضَيْعَةٍ لَهُ فَقالَ: هَذِهِ تَكُونُ حَبْسًا، لا تُجْتَنى ثَمَرَتُها، ولا تُزْرَعُ أرْضُها، ولا يُنْتَفَعُ مِنها بِنَفْعٍ، لَجازَ أنْ يُشَبَّهَ هَذا بِالبَحِيرَةِ والسّائِبَةِ. وأمّا الحَبْسُ المُتَعَيِّنُ طَرِيقُهُ واسْتِمْرارُ الِانْتِفاعِ بِهِ، فَلَيْسَ مِن هَذا، وحَسْبُكَ بِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ في مالٍ لَهُ: " اجْعَلْهُ حَبْسًا لا يُباعُ أصْلُهُ. وحَبَسَ أصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهى.
﴿ولَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِتَحْرِيمِ ما حَرَّمُوا.
﴿وأكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ فَلا يَنْسُبُوا التَّحْرِيمَ حَتّى يَفْتَرُوا، ولَكِنَّهم يُقَلِّدُونَ في تَحْرِيمِها كِبارَهُمُ انْتَهى. نَصَّ الشَّعْبِيُّ وغَيْرُهُ؛ أنَّ المُفْتَرِينَ هُمُ المُبْتَدِعُونَ، وأنَّ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ هُمُ الأتْباعُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يُرِيدُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وأصْحابَهُ. وقِيلَ: في ﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ أيِ الحَلالَ مِنَ الحَرامِ. وقالَ قَتادَةُ: ﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ أنَّ هَذا التَّحْرِيمَ مِنَ الشَّيْطانِ، لا مِنَ اللَّهِ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هُنا هم أهْلُ الكِتابِ. والَّذِينَ ﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ هم أهْلُ الأوْثانِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا تَفْسِيرٌ مِنِ انْتِزاعِ آخِرِ الآيَةِ عَمّا تَقَدَّمَها، وارْتَبَطَ بِها مِنَ المَعْنى، وعَمّا أخْبَرَ أيْضًا مِن قَوْلِهِ ﴿وإذا قِيلَ لَهُمْ﴾ [المائدة: ١٠٤] انْتَهى. وقالَ مَكِّيٌّ: ذِكْرُ أهْلِ الكِتابِ هُنا، لا مَعْنى لَهُ، إذْ لَيْسَ في هَذا صُنْعٌ ولا شِبْهٌ، وإنَّما ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ مُشْرِكِي العَرَبِ، فَهُمُ الَّذِينَ عُنُوا بِذَلِكَ.
{"ayahs_start":101,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡ أَشۡیَاۤءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡهَا حِینَ یُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِیمࣱ","قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمࣱ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُوا۟ بِهَا كَـٰفِرِینَ","مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِیرَةࣲ وَلَا سَاۤىِٕبَةࣲ وَلَا وَصِیلَةࣲ وَلَا حَامࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ"],"ayah":"مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِیرَةࣲ وَلَا سَاۤىِٕبَةࣲ وَلَا وَصِیلَةࣲ وَلَا حَامࣲ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَأَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق