الباحث القرآني

﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أضْغانَهُمْ﴾ ﴿ولَوْ نَشاءُ لَأرَيْناكَهم فَلَعَرَفْتَهم بِسِيماهم ولَتَعْرِفَنَّهم في لَحْنِ القَوْلِ واللَّهُ يَعْلَمُ أعْمالَكُمْ﴾ ﴿ولَنَبْلُوَنَّكم حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ مِنكم والصّابِرِينَ ونَبْلُوَ أخْبارَكُمْ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وشاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وسَيُحْبِطُ أعْمالَهُمْ﴾ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وهم كُفّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكم ولَنْ يَتِرَكم أعْمالَكُمْ﴾ ﴿إنَّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ وإنْ تُؤْمِنُوا وتَتَّقُوا يُؤْتِكم أُجُورَكم ولا يَسْألْكم أمْوالَكُمْ﴾ ﴿إنْ يَسْألْكُمُوها فَيُحْفِكم تَبْخَلُوا ويُخْرِجْ أضْغانَكُمْ﴾ ﴿ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكم مَن يَبْخَلُ ومَن يَبْخَلْ فَإنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ واللَّهُ الغَنِيُّ وأنْتُمُ الفُقَراءُ وإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكم ثُمَّ لا يَكُونُوا أمْثالَكُمْ﴾ . إخْراجُ أضْغانِهِمْ، وهو حُقُودُها: إبْرازُها لِلرَّسُولِ والمُؤْمِنِينَ، والظّاهِرُ أنَّها مِن رُؤْيَةِ البَصَرِ لِعَطْفِ العِرْفانِ عَلَيْهِ، وهو مَعْرِفَةُ القَلْبِ. واتَّصَلَ الضَّمِيرُ في أرَيْناكَهم، وهو الأفْصَحُ، وإنْ كانَ يَجُوزُ الِانْفِصالُ. وفي هاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ تَقْرِيبٌ (p-٨٥)لِشُهْرَتِهِمْ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهم بِأسْمائِهِمْ إبْقاءً عَلَيْهِمْ وعَلى قَراباتِهِمْ، واكْتِفاءً مِنهم بِما يَتَظاهَرُونَ بِهِ مِنِ اتِّباعِ الشَّرْعِ، وإنْ أبْطَنُوا خِلافَهُ. ﴿ولَتَعْرِفَنَّهم في لَحْنِ القَوْلِ﴾: كانُوا يَصْطَلِحُونَ فِيما بَيْنَهم مِن ألْفاظٍ يُخاطِبُونَ بِها الرَّسُولَ، مِمّا ظاهِرُهُ حَسَنٌ ويَعْنُونَ بِهِ القَبِيحَ، وكانُوا أيْضًا يَصْدُرُ مِنهُمُ الكَلامُ يُشْعِرُ بِالِاتِّباعِ، وهم بِخِلافِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِمْ عِنْدَ النَّصْرِ: ﴿إنّا كُنّا مَعَكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٠]، وغَيْرُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِمْ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ﴾ [المنافقون: ٨]، وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ﴾ [الأحزاب: ١٣] . والظّاهِرُ الإراءَةُ والمَعْرِفَةُ بِالسِّيماءِ، وُجُودُ المَعْرِفَةِ في المُسْتَقْبَلِ بِلَحْنِ القَوْلِ. واللّامُ في: ﴿ولَتَعْرِفَنَّهُمْ﴾، لامُ جَوابِ القَسَمِ المَحْذُوفِ. ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ أعْمالَكُمْ﴾: خِطابٌ عامٌّ يَشْمَلُ المُؤْمِنَ والكافِرَ، وقِيلَ: خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكم حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ مِنكُمْ﴾، ونَبْلُوَ: بِالنُّونِ والواوِ، وأبُو بَكْرٍ: بِالياءِ فِيهِنَّ وأُوَيْسٌ: ونَبْلَوْا: بِإسْكانِ الواوِ وبِالنُّونِ، والأعْمَشُ: بِإسْكانِها وبِالياءِ، وذَلِكَ عَلى القَطْعِ، إعْلامًا بِأنَّ ابْتِلاءَهُ دائِمٌ. ومَعْنى: ﴿حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ﴾: أيْ نَعْلَمَهم مُجاهِدِينَ قَدْ خَرَجَ جِهادُهم إلى الوُجُودِ، وبِأنَّ مِسْكَهُمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَوابُهم. (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا): ناسٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وتَبَيُّنُ هُداهم: مَعْرِفَتُهم بِالرَّسُولِ مِنَ التَّوْراةِ، أوْ مُنافِقُونَ كَأنَّ الإيمانَ قَدْ داخَلَ قُلُوبَهم ثُمَّ نافَقُوا، والمُطْعَمُونَ: سُفْرَةُ بَدْرٍ، وتَبَيَّنَ الهُدى: وُجُودَهُ عِنْدَ الدّاعِي إلَيْهِ، أوْ مُشاعَةٌ في كُلِّ كافِرٍ، وتَبَيَّنَ الهُدى مِن حَيْثُ كانَ في نَفْسِهِ، أقْوالٌ. ﴿وسَيُحْبِطُ أعْمالَهُمْ﴾: أيِ الَّتِي كانُوا يَرْجُونَ بِها انْتِفاعًا، و”أعْمالَهُمُ“ الَّتِي كانُوا يَكِيدُونَ بِها الرَّسُولَ ودِينَ الإسْلامِ. (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا): قِيلَ نَزَلَتْ في بَنِي إسْرائِيلَ، أسْلَمُوا وقالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ: قَدْ آثَرْناكَ وجِئْناكَ بِنُفُوسِنا وأهْلِنا، كَأنَّهم مَنُّوا بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ. وقَوْلُهُ: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧]، فَعَلى هَذا يَكُونُ: ﴿ولا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾ بِالمَنِّ بِالإسْلامِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: بِالرِّياءِ والسُّمْعَةِ، وعَنْهُ: بِالشِّرْكِ والنِّفاقِ، وعَنْ حُذَيْفَةَ: بِالكَبائِرِ، وقِيلَ: بِالعُجْبِ، فَإنَّهُ يَأْكُلُ الحَسَناتِ، كَما تَأْكُلُ النّارُ الحَطَبَ. وعَنْ مُقاتِلٍ: بِعِصْيانِكم لِلرَّسُولِ. وقِيلَ: أعْمالَكم: صَدَقاتِكم بِالمَنِّ والأذى. (وماتُوا وهم كُفّارٌ): عامٌّ في المُوجِبِ لِانْتِفاءِ الغُفْرانِ، وهو وفاتُهم عَلى الكُفْرِ. وقِيلَ: هم أهْلُ القَلِيبِ. وقِيلَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ «عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ أبِيهِ قالَ: وكانَتْ لَهُ أفْعالُ بِرٍّ، فَما حالُهُ ؟ فَقالَ: ”في النّارِ“ . فَبَكى عَدِيٌّ ووَلّى، فَدَعاهُ فَقالَ لَهُ: ”أبِي وأبُوكَ وأبُو إبْراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ في النّارِ“، فَنَزَلَتْ» . ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ﴾: وهو الصُّلْحُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿وتَدْعُوا﴾، مُضارِعَ دَعا، والسُّلَمِيُّ: بِتَشْدِيدِ الدّالِ، أيْ تَفْتَرُوا، والجُمْهُورُ: ﴿إلى السَّلْمِ﴾، بِفَتْحِ السِّينِ، والحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ، والأعْمَشُ، وعِيسى، وطَلْحَةُ، وحَمْزَةُ، وأبُو بَكْرٍ: بِكَسْرِها. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى السَّلامِ في البَقَرَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا في السِّلْمِ كافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقُرِئَ: ولا تَدْعُوا مِنِ ادَّعى القَوْمُ، وتَداعَوْا إذا ادَّعَوْا، نَحْوُ قَوْلِكَ: ارْتَمَوُا الصَّيْدَ وتَرامَوْا. انْتَهى. والتِّلاوَةُ بِغَيْرِ لا، وكانَ يَجِبُ أنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ التِّلاوَةِ فَيَقُولُ: وقُرِئَ: وتَدْعُوا مَعْطُوفٌ عَلى تَهِنُوا، فَهو مَجْزُومٌ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِإضْمارِ إنْ. (وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ): أيِ الأعْلَيُونَ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ حالِيَّةٌ، وكَذا: ﴿واللَّهُ مَعَكُمْ﴾ . ويَجُوزُ أنْ يَكُونا جُمْلَتَيِ اسْتِئْنافٍ، أخْبَرَ أوَّلًا بِقَوْلِهِ: (أنْتُمُ الأعْلَوْنَ)، فَهو إخْبارٌ بِمَغِيبٍ أبْرَزَهُ الوُجُودُ، ثُمَّ ارْتَقى إلى رُتْبَةٍ أعْلى مِنَ الَّتِي قَبْلَها، وهي كَوْنُ اللَّهِ تَعالى مَعَهم. ﴿ولَنْ يَتِرَكُمْ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ولَنْ يَظْلِمَكم، وقِيلَ: لَنْ يُعَرِّيَكم مِن ثَوابِ أعْمالِكم، وقِيلَ: ولَنْ يُنْقِصَكم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: ﴿ولَنْ يَتِرَكُمْ﴾: مِن وتَرْتَ الرَّجُلَ، إذا قَتَلْتَ لَهُ قَتِيلًا مِن ولَدٍ أوْ أخٍ أوْ حَمِيمٍ أوْ قَرِيبٍ، قالَ: أوْ ذَهَبْتَ بِمالِهِ، قالَ: أوْ حَرْبَتِهِ، وحَقِيقَتُهُ أفْرَدْتُهُ مِن قَرِيبِهِ أوْ مالِهِ مِنَ الوَتْرِ وهو الفَرْدُ. فَشَبَّهَ إضاعَةَ عَمَلِ العامِلِ وتَعْطِيلِ ثَوابِهِ بِوَتْرِ الواتِرِ، وهو مِن فَصِيحِ الكَلامِ، ومِنهُ «قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”مَن فاتَتْهُ صَلاةُ العَصْرِ فَكَأنَّما وُتِرَ أهْلَهُ ومالَهُ“»، أيْ أفْرَدَ عَنْهُما قَتْلًا ونَهْبًا. ﴿إنَّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾: وهو تَحْقِيرٌ لِأثَرِ الدُّنْيا، أيْ فَلا تَهِنُوا (p-٨٦)فِي الجِهادِ. وأخْبَرَ عَنْها بِذَلِكَ، بِاعْتِبارِ ما يَخْتَصُّ بِها مِن ذَلِكَ، وأمّا ما فِيها مِنَ الطّاعَةِ وأمْرِ الآخِرَةِ فَلَيْسَ بِذَلِكَ. ﴿يُؤْتِكم أُجُورَكُمْ﴾: أيْ ثَوابَ أعْمالِكم مِنَ الإيمانِ والتَّقْوى، ﴿ولا يَسْألْكم أمْوالَكُمْ﴾ . قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أيْ كَثِيرًا مِن أمْوالِكم، إنَّما يَسْألُكم رُبْعَ العُشْرِ، فَطَيِّبُوا أنْفُسَكم. وقِيلَ: لا حاجَةَ إلَيْها، بَلْ يُرْجِعُ ثَوابَ إنْفاقِكم إلَيْكم. وقِيلَ: إنَّما يَسْألُكم أمْوالَهُ، لِأنَّهُ هو المالِكُ لَها حَقِيقَةً، وهو المُنْعِمُ بِإعْطائِها. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في يَسْألُكم لِلرَّسُولِ، أيْ لا يَسْألُكم أجْرًا عَلى تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، كَما قالَ: ﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٦] . (إنْ يَسْألْكُمُوها جَمِيعًا فَيُحْفِكم): أيْ يُبالِغُ في الإلْحاحِ. ﴿تَبْخَلُوا ويُخْرِجْ أضْغانَكُمْ﴾: أيْ تَطْعَنُونَ عَلى الرَّسُولِ وتَضِيقُ صُدُورُكم كَذَلِكَ، وتُخْفُونَ دَيْنًا يَذْهَبُ بِأمْوالِكم. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ويُخْرِجْ أضْغانَكُمْ﴾ . جَزْمًا عَلى جَوابِ الشَّرْطِ، والفِعْلُ مُسْنَدٌ إلى اللَّهِ، أوْ إلى الرَّسُولِ، أوْ إلى البُخْلِ. وقَرَأ عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أبِي عَمْرٍو: ويُخْرِجُ، بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ بِمَعْنى: وهو يُخْرِجُ. وحَكاها أبُو حاتِمٍ، عَنْ عِيسى، وفي اللَّوامِحِ عَنْ عَبْدِ الوارِثِ، عَنْ أبِي عَمْرٍو: وتَخْرُجُ، بِالتّاءِ وفَتْحِها، وضَمِّ الرّاءِ والجِيمِ، أضْغانُكم: بِالرَّفْعِ، بِمَعْنى: وهو يَخْرُجُ أوْ سَيَخْرُجُ أضْغانُكم، رُفِعَ بِفِعْلِهِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ سِيرِينَ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وأيُّوبُ بْنُ المُتَوَكِّلِ، واليَمانِيُّ: وتَخْرُجُ، بِتاءِ التَّأْنِيثِ مَفْتُوحَةً، أضْغانُكم: رُفِعَ بِهِ، ويَعْقُوبُ: ونُخْرِجُ، بِالنُّونِ، أضْغانُكم: رَفْعًا، وهي مَرْوِيَّةٌ عَنْ عِيسى، إلّا أنَّهُ فَتَحَ الجِيمَ بِإضْمارِ أنْ، فالواوُ عاطِفَةٌ عَلى مَصْدَرٍ مُتَوَهَّمٍ، أيْ يَكُفُّ بُخْلَكم وإخْراجَ أضْغانِكم. وهَذا الَّذِي خِيفَ أنْ يَعْتَرِيَ المُؤْمِنِينَ، هو الَّذِي تَقَرَّبَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلى كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، وتَوَصَّلَ بِهِ إلى قَتْلِهِ حِينَ قالَهُ لَهُ: إنَّ هَذا الرَّجُلَ قَدْ أكْثَرَ عَلَيْنا وطَلَبَ مِنّا الأمْوالَ. (ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ): كَرَّرَ ”ها“ التَّنْبِيهَ تَوْكِيدًا، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا التَّرْكِيبِ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَؤُلاءِ مَوْصُولٌ بِمَعْنى الَّذِينَ صِلَتُهُ تُدْعَوْنَ، أيْ أنْتُمُ الَّذِينَ تُدْعَوْنَ، أوْ أنْتُمْ يا مُخاطَبُونَ هَؤُلاءِ المَوْصُوفُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ وصْفَهم كَأنَّهم قالُوا: وما وصْفُنا فَقِيلَ: تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ. انْتَهى. وكَوْنُ هَؤُلاءِ مَوْصُولًا إذا تَقَدَّمَها ما الِاسْتِفْهامِيَّةُ بِاتِّفاقٍ، أوْ ”مَن“ الِاسْتِفْهامِيَّةُ بِاخْتِلافٍ. (في سَبِيلِ اللَّهِ)، قِيلَ: لِلْغَزْوِ، وقِيلَ: الزَّكاةُ، واللَّفْظُ أعَمُّ. ﴿ومَن يَبْخَلْ﴾: أيْ بِالصَّدَقَةِ وما أوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ﴿فَإنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾: أيْ لا يَتَعَدّى ضَرَرُهُ لِغَيْرِهِ. وبَخِلَ يَتَعَدّى بِعَلى وبِعَنْ. يُقالُ: بَخِلْتُ عَلَيْهِ وعَنْهُ، وصَلَّيْتُ عَلَيْهِ وعَنْهُ، وكَأنَّهُما إذا عُدِّيا بِعَنْ ضُمِنا مَعْنى الإمْساكِ، كَأنَّهُ قِيلَ: أمْسَكْتُ عَنْهُ بِالبُخْلِ. ﴿واللَّهُ الغَنِيُّ وأنْتُمُ الفُقَراءُ﴾: أيِ الغَنِيُّ مُطْلَقًا، إذْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الحاجاتُ. وأنْتُمُ الفُقَراءُ مُطْلَقًا، لِافْتِقارِكم إلى ما تَحْتاجُونَ إلَيْهِ في الدُّنْيا، وإلى الثَّوابِ في الآخِرَةِ. (وإنْ تَتَوَلَّوْا): عَطْفٌ عَلى: (وإنْ تُؤْمِنُوا وتَتَّقُوا)، أيْ وإنْ تَتَوَلَّوْا، أيْ عَنِ الإيمانِ والتَّقْوى. ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾: أيْ يَخْلُقْ قَوْمًا غَيْرَكم راغِبِينَ في الإيمانِ والتَّقْوى غَيْرَ مُتَوَلِّينَ عَنْهُما، كَما قالَ: (ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) . وتَعْيِينُ أُولَئِكَ القَوْمِ، وأنَّهُمُ الأنْصارُ، أوِ التّابِعُونَ، أوْ أهْلُ اليَمَنِ، أوْ كِنْدَةُ والنَّخَعُ، أوِ العَجَمُ، أوْ فارِسُ والرُّومُ، أوِ المَلائِكَةُ، أقْوالٌ. والخِطابُ لِقُرَيْشٍ، أوْ لِأهْلِ المَدِينَةِ، قَوْلانِ. ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سُئِلَ عَنْ هَذا، وكانَ سَلْمانُ إلى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى فَخِذِهِ وقالَ: قَوْمُ هَذا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كانَ الإيمانُ مَنُوطًا بِالثُّرَيّا لَتَناوَلَهُ رِجالٌ مِن فارِسَ» . وإنْ صَحَّ هَذا الحَدِيثُ، وجَبَ المَصِيرُ في تَعْيِينِ ما انْبَهَمَ مِن قَوْلِهِ: (قَوْمًا غَيْرَكم) إلى تَعْيِينِ الرَّسُولِ. ﴿ثُمَّ لا يَكُونُوا أمْثالَكُمْ﴾: أيْ في الخِلافِ والتَّوَلِّي والبُخْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب