الباحث القرآني

﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ﴾ ﴿وتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إلى كِتابِها اليَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُدْخِلُهم رَبُّهم في رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هو الفَوْزُ المُبِينُ﴾ ﴿وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا أفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم فاسْتَكْبَرْتُمْ وكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ ﴿وإذا قِيلَ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ والسّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي ما السّاعَةُ إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا وما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ ﴿وبَدا لَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿وقِيلَ اليَوْمَ نَنْساكم كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكم هَذا ومَأْواكُمُ النّارُ وما لَكم مِن ناصِرِينَ﴾ ﴿ذَلِكم بِأنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُوًا وغَرَّتْكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا فاليَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنها ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ ﴿فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ ورَبِّ الأرْضِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿ولَهُ الكِبْرِياءُ في السَّماواتِ والأرْضِ وهو العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ . العامِلُ في (ويَوْمَ تَقُومُ): ﴿يَخْسَرُ﴾، و(يَوْمَئِذٍ): بَدَلٌ مِن يَوْمٍ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وحَكاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ فِرْقَةٍ. والتَّنْوِينُ في يَوْمَئِذٍ تَنْوِينُ العِوَضِ عَنْ جُمْلَةٍ، ولَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ إلّا قَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ﴾، فَيَصِيرَ التَّقْدِيرُ: ويَوْمَ تَقُومُ يَوْمَ إذْ تَقُومُ إذْ تَقُومُ السّاعَةُ يَخْسَرُ، ولا مَزِيدَ فائِدَةٍ في قَوْلِهِ: يَوْمَ إذْ تَقُومُ السّاعَةُ، لِأنَّ ذَلِكَ مُسْتَفادٌ مِن ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ. فَإنْ كانَ بَدَلًا تَوْكِيدِيًّا، وهو قَلِيلٌ، جازَ ذَلِكَ، وإلّا فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا. وقالَتْ فِرْقَةٌ العامِلُ في ويَوْمَ تَقُومُ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ المُلْكُ، قالُوا: وذَلِكَ أنَّ يَوْمَ القِيامَةِ حالٌ ثالِثَةٌ لَيْسَتْ بِالسَّماءِ ولا بِالأرْضِ، لِأنَّ ذَلِكَ يَتَبَدَّلُ، فَكَأنَّهُ قالَ: ﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾، والمُلْكُ يَوْمَ القِيامَةِ، فَحَذَفَهُ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، ﴿ويَوْمَئِذٍ﴾ [الروم: ٤] مَنصُوبٌ بِـ ﴿يَخْسَرُ﴾، وهي جُمْلَةٌ فِيها اسْتِئْنافٌ، وإنْ كانَ لَها تَعَلُّقٌ بِما قَبْلَها مِن جِهَةِ تَنْوِينِ العِوَضِ. و(المُبْطِلُونَ): الدّاخِلُونَ في الباطِلِ. ﴿جاثِيَةً﴾: بارِكَةً عَلى الرُّكَبِ مُسْتَوْفِزَةً، وهي هَيْئَةُ المُذْنِبِ الخائِفِ. وقُرِئَ: جاذِيَةً. بِالذّالِ، والجَذْوُ أشَدُّ اسْتِيفازًا مِنَ الجَثْوِ، لِأنَّ الجاذِيَ هو الَّذِي يَجْلِسُ عَلى أطْرافِ أصابِعِهِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ”جاثِيَةً“: مُجْتَمِعَةً. وعَنْ قَتادَةَ: جَماعاتٍ، مِنَ الجُثْوَةِ: وهي الجَماعَةُ، يُجْمَعُ عَلى جُثِيٍّ، قالَ الشّاعِرُ: ؎تَرى جُثْوَتَيْنِ مِن تُرابٍ عَلَيْهِما صَفائِحُ صُمٌّ مِن صَفِيحٍ مُنَضَّدِ (p-٥١)وعَنْ مَوْرِجِ السَّدُوسِيِّ: ”﴿جاثِيَةً﴾“: خاضِعَةً، بِلُغَةِ قُرَيْشٍ. وعَنْ عِكْرِمَةَ: ”﴿جاثِيَةً﴾“: مُتَمَيِّزَةً. وقَرَأ يَعْقُوبُ: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى﴾، بِنَصْبِ ”كُلَّ أُمَّةٍ“ عَلى البَدَلِ بَدَلَ النَّكِرَةِ المَوْصُوفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ، والظّاهِرُ عُمُومُ كُلِّ أُمَّةٍ مِن مُؤْمِنٍ وكافِرٍ. قالَ الضَّحّاكُ: وذَلِكَ عِنْدَ الحِسابِ. وقالَ يَحْيى بْنُ سَلامٍ: ذَلِكَ خاصٌّ بِالكُفّارِ، تُدْعى إلى كِتابِها المُنَزَّلِ عَلَيْها، فَتُحاكَمُ إلَيْهِ، هَلْ وافَقَتْهُ أوْ خالَفَتْهُ ؟ أوِ الَّذِي كَتَبَتْهُ الحَفَظَةُ، وهو صَحائِفُ أعْمالِها أوِ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، أوِ المَعْنى إلى ما يَسْبِقُ لَها فِيهِ، أيْ إلى حِسابِها، أقْوالٌ. وأفْرَدَ كِتابَها اكْتِفاءً بِاسْمِ الجِنْسِ لِقَوْلِهِ: ﴿ووُضِعَ الكِتابُ﴾ [الكهف: ٤٩]، ﴿اليَوْمَ تُجْزَوْنَ﴾، ﴿هَذا كِتابُنا﴾، هو الَّذِي دُعِيَتْ إلَيْهِ كُلُّ أُمَّةٍ، وصَحَّتْ إضافَتُهُ إلَيْهِ تَعالى لِأنَّهُ مالِكُهُ والآمِرُ بِكَتْبِهِ، وإلَيْهِمْ لِأنَّ أعْمالَهم مُثْبَتَةٌ فِيهِ. والإضافَةُ تَكُونُ بِأدْنى مُلابَسَةٍ، فَلِذَلِكَ صَحَّتْ إضافَتُهُ إلَيْهِمْ وإلَيْهِ تَعالى. ﴿يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ﴾: يَشْهَدُ بِالحَقِّ مِن غَيْرِ زِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ. ﴿إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ﴾: أيِ المَلائِكَةَ، أيْ نَجْعَلُها تَنْسِخُ، أيْ تَكْتُبُ. وحَقِيقَةُ النَّسْخِ نَقْلُ خَطٍّ مِن أصْلٍ يُنَظَمُ فِيهِ، فَأعْمالُ العِبادِ كَأنَّها الأصْلُ. وقالَ الحَسَنُ: هو كَتْبُ الحَفَظَةِ عَلى بَنِي آدَمَ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: يَجْعَلُ اللَّهُ الحَفَظَةَ تَنْسَخُ مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ كُلَّ ما يَفْعَلُ العِبادُ، ثُمَّ يُمْسِكُونَهُ عِنْدَهم، فَتَأْتِي أفْعالُ العِبادِ عَلى نَحْوِ ذَلِكَ. فَبَعِيدٌ أيْضًا، فَذَلِكَ هو الِاسْتِنْساخُ. وكانَ يَقُولُ ابْنُ عَبّاسٍ: ألَسْتُمْ عَرَبًا ؟ وهَلْ يَكُونُ الِاسْتِنْساخُ إلّا مِن أصْلٍ ؟ ثُمَّ بَيَّنَ حالَ المُؤْمِنِ بِأنَّهُ يُدْخِلُهُ في رَحْمَتِهِ، وهو الثَّوابُ الَّذِي أعَدَّ لَهُ، وأنَّ ذَلِكَ هو الظَّفَرُ بِالبُغْيَةِ، وبَيَّنَ الكافِرَ بِأنَّهُ يُوَبَّخُ ويُقالُ لَهُ: ﴿أفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم فاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ عَنِ اتِّباعِها والإيمانِ بِها وكُنْتُمْ أصْحابَ جَرائِمَ ؟ والفاءُ في: أفَلَمْ يَنْوِي بِها التَّقْدِيمَ، وإنَّما قُدِّمَتِ الهَمْزَةُ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ لَهُ صَدْرُ الكَلامِ، والتَّقْدِيرُ: فَيُقالُ لَهُ ألَمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والمَعْنى ألَمْ يَأْتِكم رُسُلِي ؟ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم، فَحُذِفَ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ. انْتَهى. وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ مَعَهُ في زَعْمِهِ أنَّ بَيْنَ الفاءِ والواوِ إذا تَقَدَّمَها هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ مَحْذُوفًا، ورَدَدْنا عَلَيْهِ ذَلِكَ. وقَرَأ الأعْرَجُ وعَمْرُو بْنُ فائِدٍ: وإذا قِيلَ أنَّ وعْدَ اللَّهِ. بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، وذَلِكَ عَلى لُغَةِ سَلِيمٍ، والجُمْهُورُ: إنَّ بِكَسْرِها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (والسّاعَةُ) بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، ومَن زَعَمَ أنَّ لِاسْمِ إنَّ مَوْضِعًا جَوَّزَ العَطْفَ عَلَيْهِ هُنا، أوْ زَعَمَ أنَّ لِـ (إنَّ) واسْمِها مَوْضِعًا جَوَّزَ العَطْفَ عَلَيْهِ، وبِالعَطْفِ عَلى المَوْضِعِ لِـ (إنَّ) واسْمِها هُنا. قالَ أبُو عَلِيٍّ: ذَكَرَهُ في الحُجَّةِ، وتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقالَ: وبِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى مَحَلِّ إنَّ واسْمِها، والصَّحِيحُ المَنعُ. وحَمْزَةُ: بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى اللَّهِ، وهي مَرْوِيَّةٌ عَنِ الأعْمَشِ، وأبِي عَمْرٍو، وعِيسى، وأبِي حَيْوَةَ، والعَبْسِيِّ، والمُفَضَّلِ. ﴿إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا﴾، تَقُولُ: ضَرَبْتُ ضَرْبًا، فَإنْ نَفَيْتَ، لَمْ تُدْخِلْ إلّا، إذْ لا يُفَرَّغُ بِالمَصْدَرِ المُؤَكَّدِ، فَلا تَقُولُ: ما ضَرَبْتُ إلّا ضَرْبًا، ولا ما قُمْتُ إلّا قِيامًا. فَأمّا الآيَةُ فَتُؤَوَّلَ عَلى حَذْفِ وصْفِ المَصْدَرِ حَتّى يَصِيرَ مُخْتَصًّا لا مُؤَكَّدًا، وتَقْدِيرُهُ: إلّا ظَنًّا ضَعِيفًا، أوْ عَلى تَضْمِينِ: نَظُنُّ مَعْنًى نَعْتَقِدُ، ويَكُونُ ظَنًّا مَفْعُولًا بِهِ. وقَدْ تَأوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُهم عَلى وضْعِ إلّا في غَيْرِ مَوْضِعِها، وقالَ: التَّقْدِيرُ إنْ نَحْنُ إلّا نَظُنُّ ظَنًّا. وحُكِيَ هَذا عَنِ المُبَرِّدِ، ونَظِيرُهُ ما حَكاهُ أبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ وسِيبَوَيْهِ مِن قَوْلِ العَرَبِ: لَيْسَ الطِّيبُ إلّا المِسْكُ قالَ المُبَرِّدُ: لَيْسَ إلّا الطِّيبُ المِسْكُ. انْتَهى. واحْتاجَ إلى هَذا التَّقْدِيرِ كَوْنُ المِسْكِ مَرْفُوعًا بَعْدَ إلّا وأنْتَ إذا قُلْتَ: ما كانَ زَيْدٌ إلّا فاضِلًا نَصَبْتَ، فَلَمّا وقَعَ بَعْدَ إلّا ما يَظْهَرُ أنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ، احْتاجَ أنْ يُزَحْزِحَ إلّا عَنْ مَوْضِعِها، ويَجْعَلَ في لَيْسَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، ويَرْفَعَ إلّا الطِّيبُ المِسْكُ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرِ، فَيَصِيرَ كالمَلْفُوظِ بِهِ، في نَحْوِ: ما كانَ إلّا زَيْدٌ قائِمٌ. ولَمْ يَعْرِفِ المُبَرِّدُ أنَّ لَيْسَ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ عامَلَتْها بَنُو تَمِيمٍ مُعامَلَةَ ما، فَلَمْ يُعْمِلُوها إلّا باقِيَةً مَكانَها، ولَيْسَ غَيْرُ عامِلِةٍ. ولَيْسَ في الأرْضِ حِجازِيٌّ إلّا وهو يَنْصِبُ في نَحْوِ لَيْسَ الطِّيبُ إلّا المِسْكَ، ولا تَمِيمِيٌّ إلّا وهو يَرْفَعُ. في ذَلِكَ حِكايَةٌ جَرَتْ بَيْنَ عِيسى بْنِ عُمَرَ وأبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، ذَكَرْناها فِيما كَتَبْناهُ مِن عِلْمِ النَّحْوِ. ونَظِيرُ ﴿إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا﴾ (p-٥٢)قَوْلُ الأعْشى: وجَدَّ بِهِ الشَّيْبُ أثْقالَهُ وما اغْتَرَّهُ الشَّيْبُ إلّا اغْتِرارًا أيِ اغْتِرارًا بَيِّنًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما مَعْنى (إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا) ؟ قُلْتُ: أصْلُهُ نَظُنُّ ظَنًّا، ومَعْناهُ إثْباتُ الظَّنِّ مَعَ نَفْيِ ما سِواهُ، وزَيْدٌ نَفى ما سِوى الظَّنِّ تَوْكِيدًا بِقَوْلِهِ: (وما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) . انْتَهى. وهَذا الكَلامُ مِمَّنْ لا شُعُورَ لَهُ بِالقاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ، مِن أنَّ التَّفْرِيغَ يَكُونُ في جَمِيعِ المَعْمُولاتِ مِن فاعِلٍ ومَفْعُولٍ وغَيْرِهِ إلّا المَصْدَرَ المُؤَكَّدَ فَإنَّهُ لا يَكُونُ فِيهِ. وقَدَّرَهُ بَعْضُهم: إنْ نَظُنُّ إلّا أنَّكم تَظُنُّونَ ظَنًّا، قالَ: وإنَّما احْتِيجَ إلى هَذا التَّقْدِيرِ لِأنَّهُ لا يَجُوزُ في الكَلامِ: ما ضَرَبْتُ إلّا ضَرْبًا، فاهْتَدى إلى هَذِهِ القاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ، وأخْطَأ في التَّخْرِيجِ، وهو مَحْكِيٌّ عَنِ المُبَرِّدِ، ولَعَلَّهُ لا يَصِحُّ. وقَوْلُهم: إنْ نَظُنُّ. دَلِيلٌ عَلى أنَّ الكُفّارَ قَدْ أخْبَرُوا بِأنَّهم ظَنُّوا البَعْثَ واقَعًا، ودَلَّ قَوْلُهم قَبْلَ قَوْلِهِ: (إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا)، عَلى أنَّهم مُنْكِرُونَ البَعْثَ، فَهم - واللَّهُ أعْلَمُ - فِرْقَتانِ، أوِ اضْطَرَبُوا، فَتارَةً أنْكَرُوا، وتارَةً ظَنُّوا، وقالُوا: ﴿إنْ نَظُنُّ إلّا ظَنًّا﴾ عَلى سَبِيلِ الهُزْءِ. ﴿وبَدا لَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا﴾: أيْ قَبائِحُ أعْمالِهِمْ، أوْ عُقُوباتُ أعْمالِهِمُ السَّيِّئاتِ، وأطْلَقَ عَلى العُقُوبَةِ سَيِّئَةً، كَما قالَ: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] . ﴿وحاقَ بِهِمْ﴾ أيْ أحاطَ، ولا يُسْتَعْمَلُ حاقَ إلّا في المَكْرُوهِ. ﴿نَنْساكُمْ﴾: نَتْرُكُكم في العَذابِ، أوْ نَجْعَلُكم كالشَّيْءِ المَنسِيِّ المُلْقى غَيْرِ المُبالى بِهِ. ﴿كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ﴾: أيْ لِقاءَ جَزاءِ اللَّهِ عَلى أعْمالِكم، ولَمْ تُخْطِرُوهُ عَلى بالٍ بَعْدَ ما ذُكِّرْتُمْ بِهِ وتَقَدَّمَ إلَيْكم بِوُقُوعِهِ. وأضافَ اللِّقاءَ لِلْيَوْمِ تَوَسُّعًا كَقَوْلِهِ: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [سبإ: ٣٣] . وقَرَأ الجُمْهُورُ: (لا يُخْرَجُونَ)، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، والحَسَنُ، وابْنُ وثّابٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. (مِنها): أيْ مِنَ النّارِ. ﴿ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أيْ بِطَلَبِ مُراجَعَةٍ إلى عَمَلٍ صالِحٍ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ في الِاسْتِعْتابِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (رَبِّ)، بِالجَرِّ في الثَّلاثَةِ عَلى الصِّفَةِ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِالرَّفْعِ فِيهِما عَلى إضْمارِ هو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب