الباحث القرآني
﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ﴾: قُرِئَ بِكَسْرِ الشِّينِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ فِيها في سُورَةِ الصّافّاتِ.
﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾: صِفَةُ مُبالَغَةٍ، وهو الكَثِيرُ الآثامِ، ويُقالُ لَهُ: أثُومٌ، صِفَةُ مُبالَغَةٍ أيْضًا، وفُسِّرَ بِالمُشْرِكِ. وقالَ يَحْيى بْنُ سَلامٍ: المُكْتَسِبُ لِلْإثْمِ. وعَنِ ابْنِ زَيْدانَ: الأثِيمُ هُنا هو أبُو جَهْلٍ، وقِيلَ: الوَلِيدُ. (كالمُهْلِ): هو دُرْدِيُّ الزَّيْتِ، أوْ مُذابُ الفِضَّةِ، أوْ مُذابُ النُّحاسِ، أوْ عَكَرُ القَطِرانِ أوِ الصَّدِيدِ، أوَّلُها لِابْنِ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ، وآخِرُها لِابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ الحَسَنُ: كالمَهْلِ، بِفَتْحِ المِيمِ: لُغَةٌ فِيهِ. وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: المَهْلُ: ما أُذِيبَ مِن ذَهَبٍ، أوْ فِضَّةٍ، أوْ حَدِيدٍ، أوْ رَصاصٍ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ، والِابْنانِ، وحَفْصٌ: يَغْلِي، بِالياءِ، أيِ الطَّعامُ. وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وأبُو رَزِينٍ، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، (p-٤٠)وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وطَلْحَةُ، والحَسَنُ: في رِوايَةٍ، وباقِي السَّبْعَةِ: تَغْلِي بِالتّاءِ، أيِ الشَّجَرَةُ.
﴿كَغَلْيِ الحَمِيمِ﴾: وهو الماءُ المُسَخَّنُ الَّذِي يَتَطايَرُ مِن غَلَيانِهِ.
﴿خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ﴾، يُقالُ لِلزَّبانِيَةِ: خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ، أيْ سُوقُوهُ بِعُنْفٍ وجَذْبٍ. وقالَ الأعْمَشُ: مَعْنى اعْتِلُوهُ: اقْصِفُوهُ كَما يُقْصَفُ الحَطَبُ إلى سَواءِ الجَحِيمِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وسَطُها. وقالَ الحَسَنُ: مُعْظَمُها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: فاعْتِلُوهُ، بِكَسْرِ التّاءِ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والِابْنانِ، ونافِعٌ: بِضَمِّها، والخِلافُ عَنِ الحَسَنِ، وقَتادَةَ، والأعْرَجِ، وأبِي عَمْرٍو.
﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِن عَذابِ الحَمِيمِ﴾: وفي الحَجِّ: ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ﴾ [الحج: ١٩] . والمَصْبُوبُ في الحَقِيقَةِ هو الحَمِيمُ، فَتارَةً اعْتُبِرَتِ الحَقِيقَةُ، وتارَةً اعْتُبِرَتِ الِاسْتِعارَةُ، لِأنَّهُ أذَمُّ مِنَ الحَمِيمِ، فَقَدْ صَبَّ ما تَوَلَّدَ عَنْهُ مِنَ الآلامِ والعَذابِ، فَعَبَّرَ بِالمُسَبَّبِ عَنِ السَّبَبِ، لِأنَّ العَذابَ هو المُسَبَّبُ عَنِ الحَمِيمِ، ولَفْظَةُ العَذابِ أهْوَلُ وأهْيَبُ.
﴿ذُقْ﴾: أيِ العَذابَ، ﴿إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾، وهَذا عَلى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ والهُزْءِ لِمَن كانَ يَتَعَزَّزُ ويَتَكَرَّمُ عَلى قَوْمِهِ. وعَنْ قَتادَةَ، أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ: ﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ﴾ ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾، قالَ أبُو جَهْلٍ: أتُهَدِّدُنِي يا مُحَمَّدُ، وإنَّ ما بَيْنَ لابَتَيْها أعَزُّ مِنِّي ولا أكْرَمُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وفي آخِرِها: ﴿ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾، أيْ عَلى قَوْلِكَ، وهَذا كَما قالَ جَرِيرٌ:
؎ألَمْ تَكُنْ في رُسُومٍ قَدْ رَسَمْتَ بِها مَن كانَ مَوْعِظَةً يا زَهْرَةَ اليَمَنِ
يَقُولُها لِشاعِرٍ سَمّى نَفْسَهُ بِهِ في قَوْلِهِ:
؎أبْلِغْ كُلَيْبًا وأبْلِغْ عَنْكَ شاعِرَها ∗∗∗ إنِّي الأعَزُّ وإنِّي زَهْرَةُ اليَمَنِ
فَجاءَ بِها جَرِيرٌ عَلى جِهَةِ الهُزْءِ. وقُرِئَ: إنَّكَ، بِكَسْرِ الهَمْزَةِ. وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ عَلى المِنبَرِ، والكِسائِيُّ بِفَتْحِها: أنَّ هَذا. أيِ الأمْرَ أوِ العَذابَ، ﴿ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾: أيْ تَشُكُّونَ. ولَمّا ذَكَرَ حالَ الكُفّارِ أعْقَبَهُ بِحالِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في مَقامٍ أمِينٍ﴾ . وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، والأعْرَجُ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: في مُقامٍ، بِضَمِّ المِيمِ، وأبُو رَجاءٍ، وعِيسى، ويَحْيى، والأعْمَشُ، وباقِي السَّبْعَةِ: بِفَتْحِها. ووَصَفَ المَقامَ بِالأمِينِ، أيْ يُؤَمَّنُ فِيهِ مِنَ الغَيْرِ، فَكَأنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أيْ مَأْمُونٍ فِيهِ، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الأمِينُ، مِن قَوْلِكَ: أمِنَ الرَّجُلُ أمانَةً، فَهو أمِينٌ، وهو ضِدُّ الخائِنِ، فَوَصَفَ بِهِ المَكانَ اسْتِعارَةً، لِأنَّ المَكانَ المُخِيفَ كانَ يُخَوِّفُ صاحِبَهُ بِما يَلْقى فِيهِ مِنَ المَكارِهِ. وتَقَدَّمَ شَرْحُ السُّنْدُسِ والإسْتَبْرَقِ. وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: (وإسْتَبْرَقٍ)، جَعَلَهُ فِعْلًا ماضِيًا. (مُتَقابِلِينَ): وصْفٌ لِمَجالِسِ أهْلِ الجَنَّةِ، لا يَسْتَدْبِرُ بَعْضُهم بَعْضًا في المَجالِسِ. (كَذَلِكَ): أيِ الأمْرُ كَذَلِكَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (بِحُورٍ)، مُنَوَّنًا، وعِكْرِمَةُ: بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، لِأنَّ العِينَ تُقَسَّمْنَ إلى حُورٍ وغَيْرِ حُورٍ، فَهَؤُلاءِ مِن حُورِ العِينِ، لا مِن شَهْلَنَ مَثَلًا. (يَدْعُونَ فِيها): أيِ الخَدَمَ والمُتَصَرِّفِينَ عَلَيْهِمْ، ﴿بِكُلِّ فاكِهَةٍ﴾ أرادُوا إحْضارَها لَدَيْهِمْ، (آمِنِينَ) مِنَ الأمْراضِ والتُّخَمِ.
﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ﴾ . وقَرَأ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: لا يُذاقُونَ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
﴿إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾: هَذا اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ، أيْ لَكِنَّ المَوْتَةَ الأُولى ذاقُوها في الدُّنْيا، وذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلى ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الخُلُودِ السَّرْمَدِيِّ، وتَذْكِيرٌ لَهم بِمُفارَقَةِ الدُّنْيا الفانِيَةِ إلى هَذِهِ الدّارِ الباقِيَةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ اسْتَثْنَيْتَ المَوْتَةَ الأُولى المَذُوقَةَ قَبْلَ دُخُولِ الجَنَّةِ مِنَ المَوْتِ المَنفِيِّ ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ أنْ يُقالَ: لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ البَتَّةَ، فَوَضَعَ قَوْلَهُ: ﴿إلّا المَوْتَةَ الأُولى﴾ مَوْضِعَ ذَلِكَ، لِأنَّ المَوْتَةَ الماضِيَةَ مُحالٌ ذَوْقُها في المُسْتَقْبَلِ، فَإنَّهم يَذُوقُونَها. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَدَّرَ قَوْمٌ (إلّا) بِسِوى، وضَعَّفَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وقَدَّرَها بِبَعْدِ، ولَيْسَ تَضْعِيفُهُ بِصَحِيحٍ، بَلْ يَصِحُّ المَعْنى بِسِوى ويَتَّسِقُ. وأمّا مَعْنى الآيَةِ، فَتَبَيَّنَ أنَّهُ نَفى عَنْهم ذَوْقَ المَوْتِ، وأنَّهُ لا يَنالُهم مِن ذَلِكَ غَيْرَ ما تَقَدَّمَ في الدُّنْيا. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: (ووَقّاهم)، مُشَدَّدًا بِالقافِ، والضَّمِيرُ في (يَسَّرْناهُ) عائِدٌ عَلى القُرْآنِ، و(بِلِسانِكَ): بِلُغَتِكَ، وهي لُغَةُ العَرَبِ.
(p-٤١)(فارْتَقِبْ) النَّصْرَ الَّذِي وعَدْناكَ ﴿إنَّهم مُرْتَقِبُونَ﴾ فِيما يَظُنُّونَ الدَّوائِرَ عَلَيْكَ وفِيها وعْدٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ووَعِيدٌ لَهم ومُتارَكَةٌ مَنسُوخَةٌ بِآياتِ السَّيْفِ.
{"ayahs_start":43,"ayahs":["إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ","طَعَامُ ٱلۡأَثِیمِ","كَٱلۡمُهۡلِ یَغۡلِی فِی ٱلۡبُطُونِ","كَغَلۡیِ ٱلۡحَمِیمِ","خُذُوهُ فَٱعۡتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلۡجَحِیمِ","ثُمَّ صُبُّوا۟ فَوۡقَ رَأۡسِهِۦ مِنۡ عَذَابِ ٱلۡحَمِیمِ","ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡكَرِیمُ","إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُم بِهِۦ تَمۡتَرُونَ","إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی مَقَامٍ أَمِینࣲ","فِی جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ","یَلۡبَسُونَ مِن سُندُسࣲ وَإِسۡتَبۡرَقࣲ مُّتَقَـٰبِلِینَ","كَذَ ٰلِكَ وَزَوَّجۡنَـٰهُم بِحُورٍ عِینࣲ","یَدۡعُونَ فِیهَا بِكُلِّ فَـٰكِهَةٍ ءَامِنِینَ","لَا یَذُوقُونَ فِیهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ","فَضۡلࣰا مِّن رَّبِّكَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","فَإِنَّمَا یَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ","فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ"],"ayah":"إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق