الباحث القرآني

﴿ولَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إذا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ﴾ ﴿وقالُوا أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هو ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا بَلْ هم قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ ﴿إنْ هو إلّا عَبْدٌ أنْعَمْنا عَلَيْهِ وجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿ولَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنكم مَلائِكَةً في الأرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ ﴿وإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها واتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ﴿ولا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ ﴿ولَمّا جاءَ عِيسى بِالبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكم بِالحِكْمَةِ ولِأُبَيِّنَ لَكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ هو رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ﴿فاخْتَلَفَ الأحْزابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِن عَذابِ يَوْمٍ ألِيمٍ﴾ ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿الأخِلّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلّا المُتَّقِينَ﴾ ﴿ياعِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ ولا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ﴾ ﴿ادْخُلُوا الجَنَّةَ أنْتُمْ وأزْواجُكم تُحْبَرُونَ﴾ ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِن ذَهَبٍ وأكْوابٍ وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ وأنْتُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ ﴿وتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿لَكم فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنها تَأْكُلُونَ﴾ . لَمّا ذَكَرَ تَعالى طَرَفًا مِن قِصَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَ طَرَفًا مِن قِصَّةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ: لَمّا نَزَلَ ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩]، ونَزَلَ كَيْفَ خُلِقَ مِن غَيْرِ فَحْلٍ، قالَتْ قُرَيْشٌ: ما أرادَ مُحَمَّدٌ مِن ذِكْرِ عِيسى إلّا أنْ نَعْبُدَهُ، كَما عَبَدَتِ النَّصارى عِيسى، فَهَذا كانَ صُدُودُهم مِن ضَرْبِهِ مَثَلًا. وقِيلَ: ضَرْبُ المَثَلِ بِعِيسى هو ما جَرى بَيْنَ الزِّبَعْرى وبَيْنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في القِصَّةِ المَحْكِيَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] . وقَدْ ذُكِرَتْ في سُورَةِ الأنْبِياءِ في آخِرِها أنَّ ابْنَ الزِّبَعْرى قالَ: فَإذا كانَ هَؤُلاءِ أيْ عِيسى وأُمُّهُ وعُزَيْرٌ في النّارِ، فَقَدْ وُصِفْنا أنْ نَكُونَ نَحْنُ وآلِهَتُنا مَعَهم. وقِيلَ: المَثَلُ هو أنَّ الكُفّارَ لَمّا سَمِعُوا أنَّ النَّصارى تَعْبُدُ (p-٢٥)عِيسى قالُوا: آلِهَتُنا خَيْرٌ مِن عِيسى، قالَ ذَلِكَ مِنهم مَن كانَ يَعْبُدُ المَلائِكَةَ. وضُرِبَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فاحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ الفاعِلُ ابْنَ الزِّبَعْرى، إنْ صَحَّتْ قِصَّتُهُ، وأنْ يَكُونَ الكُفّارَ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، والأعْرَجُ، والنَّخَعِيُّ، وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ وثّابٍ، وعامِرٌ، ونافِعٌ، والكِسائِيُّ: يَصُدُّونَ، بِضَمِّ الصّادِ، أيْ يُعْرِضُونَ عَنِ الحَقِّ مِن أجْلِ ضَرْبِ المَثَلِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، وباقِي السَّبْعَةِ: بِكَسْرِها، أيْ يَصِيحُونَ ويَرْتَفِعُ لَهم حَمِيَّةٌ بِضَرْبِ المَثَلِ. ورُوِيَ ضَمُّ الصّادِ عَنْ عَلِيٍّ، وأنْكَرَها ابْنُ عَبّاسٍ، ولا يَكُونُ إنْكارُهُ إلّا قَبْلَ بُلُوغِهِ تَواتُرَها. وقَرَأ الكِسائِيُّ، والفَرّاءُ: هُما لُغَتانِ بِمَعْنًى مِثْلُ يَعْرِشُونَ ويَعْرُشُونَ. ﴿وقالُوا أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هُوَ﴾: خَفَّفَ الكُوفِيُّونَ الهَمْزَتَيْنِ، وسَهَّلَ باقِي السَّبْعَةِ الثّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ. وقَرَأ ورْشٌ في رِوايَةِ أبِي الأزْهَرِ: بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ عَلى مِثالِ الخَبَرِ، فاحْتُمِلَ أنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ مَحْذُوفَةً لِدَلالَةِ أمْ عَلَيْها، واحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا. حَكَوْا أنَّ آلِهَتَهم خَيْرٌ، ثُمَّ عَنَّ لَهم أنْ يَسْتَفْهِمُوا، عَلى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مِنَ الخَبَرِ إلى الِاسْتِفْهامِ المَقْصُودِ بِهِ الإفْحامُ، وهَذا الِاسْتِفْهامُ يَتَضَمَّنُ أنَّ آلِهَتَهم خَيْرٌ مِن عِيسى. ﴿ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا﴾: أيْ ما مَثَّلُوا هَذا التَّمْثِيلَ إلّا لِأجْلِ الجَدَلِ والغَلَبَةِ والمُغالَطَةِ، لا لِتَمْيِيزِ الحَقِّ واتِّباعِهِ. وانْتَصَبَ جَدَلًا عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ، وقِيلَ: مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ. وقَرَأ ابْنُ مِقْسَمٍ: إلّا جِدالًا. بِكَسْرِ الجِيمِ وألِفٍ، خَصِمُونَ: شَدِيدُو الخُصُومَةِ واللَّجاجِ. وفَعِلٌ مِن أبْنِيَةِ المُبالَغَةِ نَحْوُ: هُدًى. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في أمْ هو لِعِيسى، لِتَتَناسَقَ الضَّمائِرُ في قَوْلِهِ: ﴿إنْ هو إلّا عَبْدٌ﴾ . وقالَ قَتادَةُ: يَعُودُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ . ﴿أنْعَمْنا عَلَيْهِ﴾ بِالنُّبُوَّةِ وشَرَّفْناهُ بِالرِّسالَةِ. ﴿وجَعَلْناهُ مَثَلًا﴾ أيْ خِبْرَةً عَجِيبَةً، كالمَثَلِ (لِبَنِي إسْرائِيلَ)، إذْ خُلِقَ مِن غَيْرِ أبٍ، وجَعَلَ لَهُ مِن إحْياءِ المَوْتى وإبْراءِ الأكْمَهِ والأبْرَصِ والأسْقامِ كُلِّها، ما لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِ في زَمانِهِ. وقِيلَ: المُنْعَمُ عَلَيْهِ هو مُحَمَّدٌ ﷺ . ﴿ولَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنكم مَلائِكَةً في الأرْضِ﴾، قالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: مِن تَكُونُ لِلْبَدَلِ، أيْ لَجَعَلْنا بَدَلَكم مَلائِكَةً، وجَعَلَ مِن ذَلِكم قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ﴾ [التوبة: ٣٨]، أيْ بَدَلَ الآخِرَةِ، وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أخَذُوا المَخاضَ مِنَ الفَصِيلِ غُلُبَّةً ظُلْمًا ويُكْتَبُ لِلْأمِيرِ أفالا أيْ بَدَلَ الفَصِيلِ، وأصْحابُنا لا يُثْبِتُونَ لِمِن مَعْنى البَدَلِيَّةِ، ويَتَأوَّلُونَ ما ورَدَ ما يُوهِمُ ذَلِكَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَجَعَلْنا بَدَلًا مِنكم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَوْ نَشاءُ لِقُدْرَتِنا عَلى عَجائِبِ الأُمُورِ وبَدائِعِ الفِطَرِ، لَجَعَلْنا مِنكم: لَوَلَّدْنا مِنكم يا رِجالُ مَلائِكَةً يَخْلُفُونَكم في الأرْضِ، كَما يَخْلُفُكم أوْلادُكم، كَما ولَدْنا عِيسى مِن أُنْثى مِن غَيْرِ فَحْلٍ، لِتَعْرِفُوا تَمَيُّزَنا بِالقُدْرَةِ الباهِرَةِ، ولِتَعْلَمُوا أنَّ المَلائِكَةَ أجْسامٌ لا تَتَوَلَّدُ إلّا مِن أجْسامٍ وذاتَ القَدِيمِ مُتَعالِيَةٌ عَنْ ذَلِكَ. انْتَهى، وهو تَخْرِيجٌ حَسَنٌ. ونَحْوٌ مِن هَذا التَّخْرِيجِ قَوْلُ مَن قالَ: لَجَعَلْنا مِنَ الإنْسِ مَلائِكَةً، وإنْ لَمْ تَجْرِ العادَةُ بِذَلِكَ. والجَواهِرُ جِنْسٌ واحِدٌ، والِاخْتِلافُ بِالأوْصافِ. (يَخْلُفُونَ)، قالَ السُّدِّيُّ: يَكُونُونَ خُلَفاءَكم. وقالَ قَتادَةُ: يَخْلُفُ بَعْضُهم بَعْضًا. وقالَ مُجاهِدٌ: في عِمارَةِ الأرْضِ. وقِيلَ: في الرِّسالَةِ بَدَلًا مِن رُسُلِكم. والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في: ﴿وإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ﴾ يَعُودُ عَلى عِيسى، إذِ الظّاهِرُ في الضَّمائِرِ السّابِقَةِ أنَّها عائِدَةٌ عَلَيْهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ، والسُّدِّيُّ، والضَّحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ: أيْ وإنَّ خُرُوجَهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ يَدُلُّ عَلى قُرْبِ قِيامِها، إذْ خُرُوجُهُ شَرْطٌ مِن أشْراطِها، وهو نُزُولُهُ مِنَ السَّماءِ في آخِرِ الزَّمانِ. وقالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ أيْضًا، وابْنُ جُبَيْرٍ: يَعُودُ عَلى القُرْآنِ عَلى مَعْنى أنْ يَدُلَّ إنْزالُهُ عَلى قُرْبِ السّاعَةِ، أوْ أنَّهُ بِهِ تُعْلَمُ السّاعَةُ وأهْوالُها. وقالَتْ فِرْقَةٌ: يَعُودُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ، إذْ هو آخِرُ الأنْبِياءِ، تَمَيَّزَتِ السّاعَةُ بِهِ نَوْعًا وقَدْرًا مِنَ التَّمْيِيزِ، ونَفى التَّحْدِيدَ التّامَّ الَّذِي انْفَرَدَ (p-٢٦)اللَّهُ تَعالى بِعِلْمِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: لَعِلْمٌ، مَصْدَرَ عَلِمَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ شَرْطٌ مِن أشْراطِها تُعْلَمُ بِهِ، فَسَمّى العِلْمَ شَرْطًا لِحُصُولِ العِلْمِ بِهِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ، وأبُو مالِكٍ الغِفارِيُّ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وقَتادَةُ، ومُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، ومالِكُ بْنُ دِينارٍ، والأعْمَشُ، والكَلْبِيُّ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وأبُو نَضْرَةَ: لَعَلَمٌ، بِفَتْحِ العَيْنِ واللّامِ، أيْ لَعَلامَةٌ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ بِهِ. قالَ ابْنُ خالَوَيْهِ، وأبُو نَضْرَةَ: لِلْعَلَمِ، مُعَرَّفًا بِفَتْحَتَيْنِ. ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِها﴾: أيْ لا تَشُكُّونَ فِيها، ﴿واتَّبِعُونِ هَذا﴾: أيْ هُدايَ أوْ شَرْعِي. وقِيلَ: أيْ قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ: واتَّبِعُونِي هَذا، أيِ الَّذِي أدْعُوكم لَهُ، أوْ هَذا القُرْآنُ، كانَ الضَّمِيرُ في قالَ لِلْقُرْآنِ، ثُمَّ حَذَّرَهم مِن إغْواءِ الشَّيْطانِ، ونَبَّهَ عَلى عَداوَتِهِ (بِالبَيِّناتِ): أيِ المُعْجِزاتِ، أوْ بِآياتِ الإنْجِيلِ الواضِحاتِ. (بِالحِكْمَةِ): أيْ بِما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ الإلَهِيَّةُ مِنَ الشَّرائِعِ. قالَ السُّدِّيُّ: بِالحِكْمَةِ: النُّبُوَّةُ. وقالَ أيْضًا: قَضايا يَحْكُمُ بِها العَقْلُ. وذَكَرَ القُشَيْرِيُّ والماوَرْدِيُّ: الإنْجِيلُ. وقالَ الضَّحّاكُ: المَوْعِظَةُ. ﴿ولِأُبَيِّنَ لَكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾: وهو أمْرُ الدِّياناتِ، لِأنَّ اخْتِلافَهم يَكُونُ فِيها، وفي غَيْرِها مِنَ الأُمُورِ الَّتِي لا تَتَعَلَّقُ بِالدِّياناتِ. فَأُمُورُ الدِّياناتِ بَعْضُ ما يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وبَيَّنَ لَهم في غَيْرِهِ ما احْتاجُوا إلَيْهِ. وقِيلَ: بَعْضُ ما يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِن أحْكامِ التَّوْراةِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: بَعْضُ بِمَعْنى كُلٍّ، ورَدَّهُ النّاسُ عَلَيْهِ. وقالَ مُقاتِلٌ: هو كَقَوْلِهِ: ﴿ولِأُحِلَّ لَكم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠]، أيْ في الإنْجِيلِ: لَحْمُ الإبِلِ والشَّحْمُ مِن كُلِّ حَيَوانٍ، وصَيْدُ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ. وقالَ مُجاهِدٌ: بَعْضُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِن تَبْدِيلِ التَّوْراةِ. وقِيلَ: مِمّا سَألْتُمْ مِن أحْكامِ التَّوْراةِ. وقالَ قَتادَةُ: ولِأُبَيِّنَ لَكُمُ اخْتِلافَ القُرُونِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا في أمْرِ عِيسى في قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جِئْتُكم بِالحِكْمَةِ﴾، وهم قَوْمُهُ المَبْعُوثُ إلَيْهِمْ، أيْ مِن تِلْقائِهِمْ ومِن أنْفُسِهِمْ، بانَ شَرُّهم ولَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمُ الِاخْتِلافُ مِن غَيْرِهِمْ. وتَقَدَّمَ الخِلافُ في اخْتِلافِهِمْ في سُورَةِ مَرْيَمَ في قَوْلِهِ: ﴿فاخْتَلَفَ الأحْزابُ مِن بَيْنِهِمْ﴾ . (هَلْ يَنْظُرُونَ): الضَّمِيرُ لِقُرَيْشٍ، و(أنْ تَأْتِيَهُمُ): بَدَلٌ مِنَ السّاعَةِ، أيْ إتْيانَها إيّاهم. ﴿الأخِلّاءُ يَوْمَئِذٍ﴾: قِيلَ نَزَلَتْ في أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وعُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ. والتَّنْوِينُ في ”يَوْمَئِذٍ“ عِوَضٌ عَنِ الجُمْلَةِ المَحْذُوفَةِ، أيْ يَوْمَ إذْ تَأْتِيهِمُ السّاعَةُ، ويَوْمَئِذٍ مَنصُوبٌ بَعْدُ، والمَعْنى: أنَّهُ يَنْقَطِعُ كُلُّ خِلَّةٍ وتَنْقَلِبُ الأخِلَّةُ المُتَّقِينَ، فَإنَّها لا تَزْدادُ إلّا قُوَّةً. وقِيلَ: ﴿إلّا المُتَّقِينَ﴾: إلّا المُجْتَنِبِينَ أخِلّاءَ السُّوءِ، وذَلِكَ أنَّ أخِلّاءَ السُّوءِ كُلٌّ مِنهم يَرى أنَّ الضَّرَرَ دَخَلَ عَلَيْهِ مِن خَلِيلِهِ، كَما أنَّ المُتَّقِينَ يَرى كُلٌّ مِنهُمُ النَّفْعَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِن خَلِيلِهِ. وقُرِئَ: يا عِبادِي، بِالياءِ، وهو الأصْلُ، ويا عِبادِ بِحَذْفِها، وهو الأكْثَرُ، وكِلاهُما في السَّبْعَةِ. وعَنِ المُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمانَ: سَمِعَ أنَّ النّاسَ حِينَ يُبْعَثُونَ، لَيْسَ مِنهم أحَدٌ إلّا يَفْزَعُ فَيُنادِي مُنادٍ: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكم، فَيَرْجُوها النّاسُ كُلُّهم، فَيَتْبَعُها (الَّذِينَ آمَنُوا)، قالَ: فَيَيْأسُ مِنها الكُفّارُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: لا خَوْفٌ، مَرْفُوعٌ مُنَوَّنٌ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِالرَّفْعِ مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ، والحَسَنُ، والزُّهْرِيُّ، وابْنُ أبِي إسْحاقَ، وعِيسى، وابْنُ يَعْمَرَ: بِفَتْحِها مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ، و(الَّذِينَ آمَنُوا) صِفَةٌ لِـ يا عِبادِ. (تُحْبَرُونَ): تُسَرُّونَ سُرُورًا يَظْهَرُ حَبارُهُ، أيْ أثَرُهُ عَلى وُجُوهِكم، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] . وقالَ الزَّجّاجُ: يُكْرَمُونَ إكْرامًا يُبالَغُ فِيهِ، والحَبَرَةُ: المُبالَغَةُ فِيما وُصِفَ بِجَمِيلٍ وأمالَ أبُو الحارِثِ عَنِ الكِسائِيِّ. (بِصِحافٍ): ذَكَرَهُ ابْنُ خالَوَيْهِ. والضَّمِيرُ في: (فِيها)، عائِدٌ عَلى الجَنَّةِ. ﴿ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ﴾: هَذا حَصْرٌ لِأنْواعِ النِّعَمِ، لِأنَّها إمّا مُشْتَهاةٌ في القُلُوبِ، أوْ مُسْتَلَذَّةٌ في العُيُونِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، ونافِعٌ، وابْنُ عَبّاسٍ، وحَفْصٌ: ما تَشْتَهِيهِ بِالضَّمِيرِ العائِدِ عَلى ما، والجُمْهُورُ وباقِي السَّبْعَةِ: بِحَذْفِ الهاءِ. وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّهُ الأعْيُنُ، بِالهاءِ فِيهِما. و﴿تِلْكَ الجَنَّةُ﴾ [مريم: ٦٣]: مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. و﴿الَّتِي أُورِثْتُمُوها﴾: صِفَةٌ، أوِ (الجَنَّةُ) صِفَةٌ، و﴿الَّتِي أُورِثْتُمُوها﴾، و(بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الخَبَرُ، وما قَبْلَهُ صِفَتانِ. فَإذا كانَ بِما الخَبَرَ تَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ، وعَلى القَوْلَيْنِ (p-٢٧)الأوَّلَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِأُورِثْتُمُوها، وشُبِّهَتْ في بَقائِها عَلى أهْلِها بِالمِيراثِ الباقِي عَلى الوَرَثَةِ. ولَمّا ذَكَرَ ما يَتَضَمَّنُ الأكْلَ والشُّرْبَ، ذَكَرَ الفاكِهَةَ. ﴿مِنها تَأْكُلُونَ﴾: مِن لِلتَّبْعِيضِ، أيْ لا تَأْكُلُونَ إلّا بَعْضَها، وما يَخْلُفُ المَأْكُولُ باقٍ في الشَّجَرِ، كَما جاءَ في الحَدِيثِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب