الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ فَقالَ إنِّي رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَهم بِآياتِنا إذا هم مِنها يَضْحَكُونَ﴾ ﴿وما نُرِيهِمْ مِن آيَةٍ إلّا هي أكْبَرُ مِن أُخْتِها وأخَذْناهم بِالعَذابِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ ﴿وقالُوا ياأيُّها السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إنَّنا لَمُهْتَدُونَ﴾ ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذابَ إذا هم يَنْكُثُونَ﴾ ﴿ونادى فِرْعَوْنُ في قَوْمِهِ قالَ ياقَوْمِ ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهَذِهِ الأنْهارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿أمْ أنا خَيْرٌ مِن هَذا الَّذِي هو مَهِينٌ ولا يَكادُ يُبِينُ﴾ ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أسْوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ ﴿فاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأطاعُوهُ إنَّهم كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ﴾ ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنهم فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿فَجَعَلْناهم سَلَفًا ومَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾ . (p-٢٠)مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمّا تَقَدَّمَ طَعْنُ قُرَيْشٍ عَلى الرَّسُولِ، واخْتِيارُهم أنْ يُنَزَّلَ القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أيْ في الجاهِ والمالِ، وذَكَرَ أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ سَبَقَهم إلَيْهِ فِرْعَوْنُ في قَوْلِهِ: ﴿ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ ؟ إلى آخِرِ الآيَةِ، أتْبَعَهُ بِالمُلْكِ والمالِ، فَفِرْعَوْنُ قُدْوَتُهم في ذَلِكَ، ومَعَ ذَلِكَ، فَصارَ فِرْعَوْنُ مَقْهُورًا مَعَ مُوسى مُنْتَقِمًا مِنهُ، فَكَذَلِكَ قُرَيْشٌ. والوَجْهُ الثّانِي: أنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا﴾ [الزخرف: ٤٥] الآيَةَ، ذَكَرَ وقْتَهُ مُوسى وعِيسى، وهُما أكْبَرُ أتْباعًا مِمَّنْ سَبَقَهم مِنَ الأنْبِياءِ، وكُلٌّ جاءَ بِالدُّعاءِ إلى اللَّهِ وإفْرادِهِ بِالعِبادَةِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيما جاءَ أبَدًا إباحَةُ اتِّخاذِ آلِهَةٍ مِن دُونِ اللَّهِ، كَما اتَّخَذَتْ قُرَيْشٌ، فَناسَبَ ذِكْرُ قِصَّتِهِما لِلْآيَةِ الَّتِي قَبْلَها. وآياتُ مُوسى هي المُعْجِزاتُ الَّتِي أتى بِها. وخَصَّ المَلائِكَةَ بِالذِّكْرِ، وهُمُ الأشْرافُ لِأنَّ غَيْرَهم مِنَ النّاسِ تَبَعٌ لَهم. ﴿فَلَمّا جاءَهم بِآياتِنا﴾، قَبْلَهُ كَلامٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَطالَبُوهُ بِما يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ دَعْواهُ الرِّسالَةَ مِنَ اللَّهِ. ﴿فَلَمّا جاءَهم بِآياتِنا﴾، وهي انْقِلابُ العَصا ثُعْبانًا وعَوْدُها عَصًا، وإخْراجُ اليَدِ البَيْضاءِ نَيِّرَةً، وعَوْدُها إلى لَوْنِها الأوَّلِ، ﴿إذا هم مِنها يَضْحَكُونَ﴾، أيْ فاجَأهُمُ الضَّحِكُ بِحَيْثُ لَمْ يُفَكِّرُوا ولَمْ يَتَأمَّلُوا، بَلْ بِنَفْسِ ما رَأوْا ذَلِكَ ضَحِكُوا سُخْرِيَّةً واسْتِهْزاءً، كَما كانَتْ قُرَيْشٌ تَضْحَكُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ جازَ أنْ يُجابَ لَمّا بِإذا المُفاجِأةِ ؟ قُلْتُ: لِأنَّ فِعْلَ المُفاجَأةِ مَعَها مُقَدَّرٌ، وهو عامِلُ النَّصْبِ في مَحَلِّها، كَأنَّهُ قِيلَ: فَلَمّا جاءَهم بِآياتِنا فاجَئُوا وقْتَ ضَحِكِهِمْ. انْتَهى. ولا نَعْلَمُ نَحْوِيًّا ذَهَبَ إلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ هَذا الرَّجُلُ، مِن أنَّ إذا الفُجائِيَّةَ تَكُونُ مَنصُوبَةً بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ فاجَأ، بَلِ المَذاهِبُ فِيها ثَلاثَةٌ: مَذْهَبٌ أنَّها حَرْفٌ، فَلا تَحْتاجُ إلى عامِلٍ، ومَذْهَبٌ أنَّها ظَرْفُ مَكانٍ، فَإنْ صَرَّحَ بَعْدَ الِاسْمِ بَعْدَها بِخَبَرٍ لَهُ كانَ ذَلِكَ الخَبَرُ عامِلًا فِيها نَحْوَ: خَرَجْتُ فَإذا زَيْدٌ قائِمٌ، فَقائِمٌ ناصِبٌ لِإذا، كَأنَّ التَّقْدِيرَ: خَرَجْتُ فَفي المَكانِ الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ زَيْدٌ قائِمٌ، ومَذْهَبُ أنَّها ظَرْفُ زَمانٍ، والعامِلُ فِيهِ الخَبَرُ أيْضًا، كَأنَّهُ قالَ: فَفي الزَّمانِ الَّذِي خَرَجْتُ فِيهِ زَيْدٌ قائِمٌ، وإنْ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ الِاسْمِ خَبَرٌ، أوْ ذُكِرَ اسْمٌ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، كانَتْ إذا خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ. فَإنْ كانَ المُبْتَدَأُ جُثَّةً، وقُلْنا إذا ظَرْفُ مَكانٍ، كانَ الأمْرُ واضِحًا، وإنْ قُلْنا ظَرْفُ زَمانٍ، كانَ الكَلامُ عَلى حَذْفٍ، أيْ فَفي الزَّمانِ حُضُورُ زَيْدٍ. وما ادَّعاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن إضْمارِ فِعْلِ المُفاجَأةِ، لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ولا في مَوْضِعٍ واحِدٍ. ثُمَّ المُفاجَأةُ الَّتِي ادَّعاها لا يَدُلُّ المَعْنى عَلى أنَّها تَكُونُ مِنَ الكَلامِ السّابِقِ، بَلِ المَعْنى يَدُلُّ عَلى أنَّ المُفاجَأةَ تَكُونُ مِنَ الكَلامِ الَّذِي فِيهِ إذا. تَقُولُ: خَرَجْتُ فَإذا الأسَدُ، والمَعْنى: فَفاجَأنِي الأسَدُ، ولَيْسَ (p-٢١)المَعْنى: فَفاجَأْتُ الأسَدَ. ﴿وما نُرِيهِمْ مِن آيَةٍ إلّا هي أكْبَرُ مِن أُخْتِها﴾، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: إذا جاءَتْهم آيَةٌ واحِدَةٌ مِن جُمْلَةِ التِّسْعِ، فَما أُخْتُها الَّتِي فُضِّلَتْ عَلَيْها في الكِبَرِ مِن بَقِيَّةِ الآياتِ ؟ قُلْتُ: أُخْتُها الَّتِي هي آيَةٌ مِثْلُها، وهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما، فَكانَ المَعْنى عَلى أنَّها أكْبَرُ مِن بَقِيَّةِ الآياتِ. قُلْتُ: أُخْتُها الَّتِي هي آيَةٌ مِثْلُها عَلى سَبِيلِ التَّفْضِيلِ والِاسْتِقْراءِ، واحِدَةٌ بَعْدَ واحِدَةٍ، كَما تَقُولُ: هو أفْضَلُ رَجُلٍ رَأيْتُهُ، تُرِيدُ تَفْضِيلَهُ عَلى أُمَّةِ الرِّجالِ الَّذِينَ رَأيْتَهم إذا قَدَّرْتَهم رَجُلًا. فَإنْ قُلْتَ: فَهو كَلامٌ مُتَناقِضٌ، لِأنَّ مَعْناهُ: ما مِن آيَةٍ مِنَ التِّسْعِ إلّا وهي أكْبَرُ مِن كُلِّ واحِدَةٍ مِنها، فَتَكُونُ كُلُّ واحِدَةٍ مِنها فاضِلَةً ومَفْضُولَةً في حالَةٍ واحِدَةٍ، قُلْتُ: الغَرَضُ بِهَذا الكَلامِ أنَّهُنَّ مَوْصُوفاتٌ بِالكِبَرِ، لا يَكَدْنَ يَتَفاوَتْنَ فِيهِ، وكَذَلِكَ العادَةُ في الأشْياءِ الَّتِي تَتَلاقى في الفَضْلِ وتَتَقارَبُ مَنازِلُهم فِيهِ التَّقارُبُ اليَسِيرُ، إنْ تَخْتَلِفْ آراءُ النّاسِ في تَفْضِيلِها فَيُفَضِّلُ بَعْضُهم هَذا وبَعْضُهم ذاكَ، فَعَلى هَذا بَنى النّاسُ كَلامَهم فَقالُوا: رَأيْتُ رِجالًا بَعْضَهم أفْضَلُ مِن بَعْضٍ، ورُبَّما اخْتَلَفَتْ آراءُ الرَّجُلِ الواحِدِ فِيها، فَتارَةً يُفَضِّلُ هَذا، وتارَةً يُفَضِّلُ ذاكَ، ومِنهُ بَيْتُ الحَماسَةِ: مَن تَلْقَ مِنهم تَقُلْ لاقَيْتُ سَيِّدَهم مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يَسْرِي بِها السّارِي وقَدْ فاضَلَتِ الأنْمارِيَّةُ بَيْنَ الكَمَلَةِ مِن بَنِيها ثُمَّ قالَتْ: لَمّا أبْصَرْتُ مَراتِبَهم مُتَدانِيَةً قَلِيلَةَ التَّفاوُتِ، ثَكِلْتُهم إنْ كُنْتُ أعْلَمُ أيُّهم أفْضَلُ، هم كالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ، لا يُدْرى أيْنَ طَرَفاها. انْتَهى، وهو كَلامٌ طَوِيلٌ، مُلَخَّصُهُ: أنَّ الوَصْفَ بِالأكْبَرِيَّةِ مَجازٌ، وأنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلى النّاظِرِينَ فِيها. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عِبارَةٌ عَنْ شِدَّةِ مَوْقِعِها في نُفُوسِهِمْ بِحِدَّةِ أمْرِها وحُدُوثِهِ، وذَلِكَ أنَّ آيَةً عَرَضَها مُوسى، هي العَصا واليَدُ، وكانَتْ أكْبَرَ آياتِهِ، ثُمَّ كُلُّ آيَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ كانَتْ تَقَعُ فَيَعْظُمُ عِنْدَها مَجِيئُها وتَكْبُرُ، لِأنَّهم كانُوا نَسُوا الَّتِي قَبْلَها، فَهَذا كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎بَلى إنَّها تَعْفُو الكُلُومُ وإنَّما تُوَكَّلُ بِالأدْنى وإنْ جَلَّ ما يَمْضِي وذَهَبَ الطَّبَرِيُّ إلى أنَّ الآياتِ هُنا الحُجَجُ والبَيِّناتُ. انْتَهى. وقِيلَ: كانَتْ مِن كِبارِ الآياتِ، وكانَتْ كُلُّ واحِدَةٍ أكْبَرَ مِنَ الَّتِي قَبْلَها، فَعَلى هَذا يَكُونُ ثَمَّ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ، أيْ مِن أُخْتِها السّابِقَةِ عَلَيْها، ولا يَبْقى في الكَلامِ تَعارُضٌ، ولا يَكُونُ ذَلِكَ الحُكْمُ في الآيَةِ الأُولى، لِأنَّهُ لَمْ يَسْبِقْها شَيْءٌ فَتَكُونَ أكْبَرُ مِنهُ. وقِيلَ: الأُولى تَقْتَضِي عِلْمًا، والثّانِيَةُ تَقْتَضِي عِلْمًا مُنْضَمًّا إلى عِلْمِ الأُولى، فَيَزْدادُ الرُّجُوحُ. وكَنّى بِأُخْتِها مُناسِبَتِها، تَقُولُ: هَذِهِ الذَّرَّةُ أُخْتُ هَذِهِ، أيْ مُناسِبَتُها. ﴿وأخَذْناهم بِالعَذابِ﴾: ﴿بِالسِّنِينَ ونَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ﴾ [الأعراف: ١٣٠] و﴿الطُّوفانَ والجَرادَ والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ﴾ [الأعراف: ١٣٣]، وذَلِكَ عِقابٌ لَهم، وآياتٌ لِمُوسى (لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ) عَنْ كُفْرِهِمْ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ، أرادَ أنْ يَرْجِعُوا عَنِ الكُفْرِ إلى الإيمانِ. فَإنْ قُلْتَ: لَوْ أرادَ رُجُوعَهم لَكانَ. قُلْتُ: إرادَتُهُ فِعْلَ غَيْرِهِ، لَيْسَ إلّا أنْ يَأْمُرَهُ بِهِ ويَطْلُبَ مِنهُ إيجادَهُ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ القَسْرِ وُجِدَ، وإلّا دارَ بَيْنَ أنْ يُوجَدَ وبَيْنَ أنْ لا يُوجَدَ عَلى اخْتِيارِ المُكَلَّفِ، وإنَّما لَمْ يَكُنِ الرُّجُوعُ، لِأنَّ الإرادَةَ لَمْ تَكُنْ قَسْرًا ولَمْ يَخْتارُوهُ. انْتَهى، وهو عَلى طَرِيقِ الِاعْتِزالِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَعَلَّهم: تَرَجٍّ بِحَسَبِ مُعْتَقَدِ البَشَرِ وظَنِّهِمْ. ﴿وقالُوا يا أيُّها السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾: أيْ في كَشْفِ العَذابِ. قالَ الجُمْهُورُ: هو خِطابُ تَعْظِيمٍ، لِأنَّ السِّحْرَ كانَ عِلْمُ زَمانِهِمْ، أوْ لِأنَّهُمُ اسْتَصْحَبُوا لَهُ ما كانُوا يَدَّعُونَ بِهِ أوَّلًا، ويَكُونُ قَوْلُهم: ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إنَّنا لَمُهْتَدُونَ﴾: إخْبارًا مُطابِقًا مَقْصُودًا، وقِيلَ: بَلْ خِطابُ اسْتِهْزاءٍ وانْتِقاصٍ، ويَكُونُ قَوْلُهم: ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ﴾، أيْ عَلى زَعْمِكَ، وقَوْلُهُ: و﴿إنَّنا لَمُهْتَدُونَ﴾: إخْبارًا مُطابِقًا عَلى شَرْطِ دُعائِهِ وكَشْفِ العَذابِ وعَهْدٍ مَعْزُومٍ عَلى نَكْثِهِ. ألا تَرى: ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذابَ إذا هم يَنْكُثُونَ﴾ ؟ وعَلى القَوْلِ الأوَّلِ يَكُونُ (p-٢٢)قَوْلُهُ: ﴿فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذابَ إذا هم يَنْكُثُونَ﴾ جارِيًا عَلى أكْثَرِ عادَةِ النّاسِ، إذا مَسَّهُ الضُّرُّ تَضَرَّعَ ودَعا، وإذا كُشِفَ عَنْهُ رَجَعَ إلى عادَتِهِ الأُولى، كَقَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأنْ لَمْ يَدْعُنا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ. وقَوْلُهُ: ﴿بِما عَهِدَ عِنْدَكَ﴾، مُحْتَمِلٌ أنْ يَكُونَ مِن أنَّ دَعْوَتَكَ مُسْتَجابَةٌ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ، أيْ فَدَعا مُوسى، فَكُشِفَ ﴿فَلَمّا كَشَفْنا﴾ . وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: يَنْكِثُونَ، بِكَسْرِ الكافِ. ﴿ونادى فِرْعَوْنُ في قَوْمِهِ﴾: جَعَلَ القَوْمَ مَحَلًّا لِلنِّداءِ، والظّاهِرُ أنَّهُ نادى عُظَماءَ القِبْطِ في مَحَلِّهِ الَّذِي هو وهم يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ فِيما بَيْنَهم لِتَنْتَشِرَ مَقالَتُهُ في جَمِيعِ القِبْطِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ أمَرَ بِالنِّداءِ، فَأُسْنِدَ إلَيْهِ. وسَبَبُ نِدائِهِ ذَلِكَ، أنَّهُ لَمّا رَأى إجابَةَ اللَّهِ دَعْوَةَ مُوسى ورَفْعَ العَذابِ، خافَ مَيْلَ القَوْمِ إلَيْهِ، فَنادى: ﴿قالَ يا قَوْمِ ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾، أرادَ أنْ يُبَيِّنَ فَضْلَهُ عَلى مُوسى بِمُلْكِ مِصْرَ، وهي مِن إسْكَنْدَرِيَّةَ إلى أسْوانَ. ﴿وهَذِهِ الأنْهارُ﴾: أيِ الخُلْجانُ الَّتِي تَجْرِي مِنَ النِّيلِ، وأعْظَمُها: نَهْرُ المَلِكِ، ونَهْرُ طُولُونَ، ونَهْرُ دِمْياطَ، ونَهْرُ تِنِّيسَ. والواوُ في ﴿وهَذِهِ الأنْهارُ﴾ واوُ الحالِ، وتَجْرِي خَبَرٌ. وهَذِهِ والأنْهارُ صِفَةٌ، أوْ عَطْفُ بَيانٍ. وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الواوُ عاطِفَةً عَلى مُلْكِ مِصْرَ، وتَجْرِي حالٌ. مِن تَحْتِي: أيْ مِن تَحْتِ قَهْرِي ومُلْكِي. وقالَ قَتادَةُ: كانَتْ جِنانُها وأنْهارُها تَجْرِي مِن تَحْتِ قَصْرِهِ. وقِيلَ: كانَ لَهُ سَرِيرٌ عَظِيمٌ، وقَطَعَ مِن نِيلِ مِصْرَ قِطْعَةً قَسَّمَها أنْهارًا تَجْرِي مِن تَحْتِ ذَلِكَ السَّرِيرِ. وأبْعَدَ الضَّحّاكُ في تَفْسِيرِهِ الأنْهارَ بِالقُوّادِ والرُّؤَساءِ الجَبابِرَةِ، يَسِيرُونَ تَحْتَ لِوائِهِ. ومَن فَسَّرَها بِالأمْوالِ، يَعْرِفُها مِن تَحْتِ يَدِهِ. ومَن فَسَّرَها بِالخَيْلِ فَقِيلَ: كَما سُمِّيَ الفَرَسُ بَحْرًا يُسَمّى نَهْرًا. وهَذِهِ الأقْوالُ الثَّلاثَةُ تَقْرُبُ مِن تَفاسِيرِ الباطِنِيَّةِ. (أفَلا تُبْصِرُونَ) عَظَمَتِي وقُدْرَتِي وعَجْزِ مُوسى ؟ وقَرَأ مَهْدِيُّ بْنُ الصَّفِيرِ: يُبْصِرُونَ، بِياءِ الغَيْبَةِ، ذَكَرَهُ في الكامِلِ لِلْهُذَلِيِّ، والسِّباعِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، ذَكَرَهُ ابْنُ خالَوَيْهِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ ارْتَقَتْ إلى دَعْوى الرُّبُوبِيَّةِ هِمَّةُ مَن تَعاظَمَ بِمُلْكِ مِصْرَ ؟ وعَجِبَ النّاسُ مِن مَدى عَظَمَتِهِ، وأمَرَ فَنُودِيَ بِها في أسْواقِ مِصْرَ وأزِقَّتِها، لِئَلّا تَخْفى تِلْكَ الأُبَّهَةُ والجَلالَةُ عَلى صَغِيرٍ ولا كَبِيرٍ حَتّى يَتَرَبَّعَ في صُدُورِ الدَّهْماءِ مِقْدارُ عِزَّتِهِ ومَلَكُوتِهِ. وكَسَرَ نُونَ: (أفَلا تُبْصِرُونِ) عِيسى. وعَنِ الرَّشِيدِ أنَّهُ لَمّا قَرَأها قالَ: لِأُوَلِّيَنَّها أحْسَنَ عَبِيدِي، فَوَلّاها الخَصِيبَ، وكانَ عَلى وُضُوئِهِ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاهِرٍ أنَّهُ ولِيَها فَخَرَجَ إلَيْها، فَلَمّا شارَفَها ووَقَعَ عَلَيْها قالَ: أهِيَ القَرْيَةُ الَّتِي افْتَخَرَ بِها فِرْعَوْنُ حَتّى قالَ: ﴿ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ ؟ واللَّهِ لَهي أقَلُّ عِنْدِي مِن أنْ أدْخُلَها، فَثَنى عِنانَهُ. ﴿أمْ أنا خَيْرٌ مِن هَذا الَّذِي هو مَهِينٌ﴾: الظّاهِرُ أنَّها أمِ المُنْقَطِعَةِ المُقَدَّرَةِ بِبَلْ والهَمْزَةِ، أيْ بَلْ أنا خَيْرٌ. وهو إذا اسْتَفْهَمَ أهُوَ خَيْرٌ مِمَّنْ هو ضَعِيفٌ ؟ لا يَكادُ يُفْصِحُ عَنْ مَقْصُودِهِ إذا تَكَلَّمَ، وهو المَلِكُ المُتَحَكِّمُ فِيهِمْ، قالُوا لَهُ: بِلا شَكٍّ أنْتَ خَيْرٌ. وقالَ السُّدِّيُّ وأبُو عُبَيْدَةَ: أمْ بِمَعْنى بَلْ، فَيَكُونُ انْتَقَلَ مِن ذَلِكَ الكَلامِ إلى إخْبارِهِ بِأنَّهُ خَيْرٌ مِمَّنْ ذَكَرَ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَقِ الضُّحى ∗∗∗ وصُورَتُها أمْ أنْتِ في العَيْنِ أمْلَحُ وقالَ سِيبَوَيْهِ: أمْ هَذِهِ المُعادِلَةُ: أيْ أمْ يُبْصِرُونَ الأمْرَ الَّذِي هو حَقِيقِيٌّ أنْ يُبْصَرَ عِنْدَهُ، وهو أنَّهُ خَيْرٌ مِن مُوسى. وهَذا القَوْلُ بَدَأ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقالَ: أمْ هَذِهِ مُتَّصِلَةٌ، لِأنَّ المَعْنى: أفَلا تُبْصِرُونَ ؟ أمْ تُبْصِرُونَ ؟ إلّا أنَّهُ وضَعَ قَوْلَهُ: (أنا خَيْرٌ) مَوْضِعَ (تُبْصِرُونَ)، لِأنَّهم إذا قالُوا: أنْتَ خَيْرٌ، فَهم عِنْدَهُ بُصَراءُ، وهَذا مِن إنْزالِ السَّبَبِ مَنزِلَةَ المُسَبِّبِ. انْتَهى. وهَذا القَوْلُ مُتَكَلَّفٌ جِدًّا، إذِ المُعادِلُ إنَّما يَكُونُ مُقابِلًا لِلسّابِقِ، وإنْ كانَ السّابِقُ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، كانَ المُعادِلُ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً، أوْ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، يَتَقَدَّرُ مِنها فِعْلِيَّةٌ كَقَوْلِهِ ﴿أدَعَوْتُمُوهم أمْ أنْتُمْ صامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] ؟ لِأنَّ مَعْناهُ: أمْ صَمَتُّمْ ؟ وهُنا لا يَتَقَدَّرُ مِنها جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿أمْ أنا خَيْرٌ﴾ ؟ لَيْسَ مُقابِلًا لِقَوْلِهِ: (أفَلا تُبْصِرُونَ) ؟ وإنْ كانَ السّابِقُ اسْمًا، كانَ المُعادِلُ اسْمًا أوْ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً يَتَقَدَّرُ مِنها اسْمٌ نَحْوُ قَوْلِهِ: (p-٢٣)أمُخْدَجُ اليَدَيْنِ أمْ أتَمَّتِ. فَأتَمَّتْ مُعادِلٌ لِلِاسْمِ، فالتَّقْدِيرُ: أمْ مُتِمًّا ؟ وقِيلَ: حَذَفَ المُعادِلَ بَعْدَ أمْ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، إذِ التَّقْدِيرُ: تُبْصِرُونَ، فَحَذَفَ تُبْصِرُونَ، وهَذا لا يَجُوزُ إلّا إذا كانَ بَعْدَ أمْ لا، نَحْوُ: أيَقُومُ زَيْدٌ أمْ لا ؟ تَقْدِيرُهُ: أمْ لا يَقُومُ ؟ وأزَيْدٌ عِنْدَكَ أمْ لا، أيْ أمْ لا هو عِنْدَكَ. فَأمّا حَذْفُهُ دُونَ لا، فَلَيْسَ مِن كَلامِهِمْ. وقَدْ جاءَ حَذْفُ أمْ والمُعادِلُ، وهو قَلِيلٌ. قالَ الشّاعِرُ: ؎دَعانِي إلَيْها القَلْبُ إنِّي لِأمْرِها ∗∗∗ سَمِيعٌ فَما أدْرِي أرُشْدٌ طِلابُها يُرِيدُ أمْ غَيٌّ. وحَكى الفَرّاءُ أنَّهُ قَرَأ: أما أنا خَيْرٌ، دَخَلَتِ الهَمْزَةُ عَلى ما النّافِيَةِ فَأفادَتِ التَّقْدِيرَ. ﴿ولا يَكادُ يُبِينُ﴾ الجُمْهُورُ: أنَّهُ كانَ بِلِسانِهِ بَعْضُ شَيْءٍ مِن أثَرِ الجَمْرَةِ. ومَن ذَهَبَ إلى أنَّ اللَّهَ كانَ أجابَهُ في سُؤالِهِ: ﴿واحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسانِي﴾ [طه: ٢٧]، فَلَمْ يَبْقَ لَها أثَرٌ جَعَلَ انْتِفاءَ الإبانَةِ بِأنَّهُ لا يُبِينُ حُجَّتَهُ الدّالَّةَ عَلى صِدْقِهِ فِيما يَدَّعِي، لِأنَّهُ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى إيضاحِ المَعْنى لِأجْلِ كَلامِهِ. وقِيلَ: عابَهُ بِما كانَ عَلَيْهِ مُوسى مِنَ الخِسَّةِ أيّامَ كانَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ، فَنُسِبَ إلى ما عَهِدَهُ مُبالَغَةً في التَّعْيِيرِ. وقَوْلُ فِرْعَوْنَ: ﴿ولا يَكادُ يُبِينُ﴾ كَذِبٌ بَحْتٌ. ألا تَرى إلى مُناظَرَتِهِ لَهُ ورَدِّهِ عَلَيْهِ وإفْحامِهِ بِالحُجَّةِ ؟ والأنْبِياءُ، عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كُلُّهم بُلَغاءُ. وقَرَأ الباقِرُ: يَبْيَنُ، بِفَتْحِ الياءِ، مِن بانَ إذا ظَهَرَ. ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أسْوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ﴾، قالَ مُجاهِدٌ: كانُوا إذا سَوَّدُوا رَجُلًا، سَوَّرُوهُ سُوارَيْنِ وطَوَّقُوهُ بِطَوْقٍ مِن ذَهَبٍ عَلامَةً لِسُؤْدُدِهِ. قالَ فِرْعَوْنُ: هَلا ألْقى رَبُّ مُوسى عَلَيْهِ أسْوِرَةً مِن ذَهَبٍ إنْ كانَ صادِقًا ؟ وكانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى إلْقاءِ مَقالِيدِ المُلْكِ إلَيْهِ، لَمّا وصَفَ نَفْسَهُ بِالعِزَّةِ والمُلْكِ، ووازَنَ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَوَصَفَهُ بِالضَّعْفِ وقِلَّةِ الأعْضادِ. فاعْتَرَضَ فَقالَ: إنْ كانَ صادِقًا، فَهَلّا مَلَّكَهُ رَبُّهُ وسَوَّرَهُ وجَعَلَ المَلائِكَةَ أنْصارَهُ ؟ وقَرَأ الضَّحّاكُ: (فَلَوْلا ألْقى) مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، أيِ اللَّهُ، أساوِرَةً نَصْبًا، والجُمْهُورُ: أساوِرَةٌ رَفْعًا، وأُبَيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ: أساوِيرُ، والمُفْرَدُ إسْوارٌ بِمَعْنى سُوارٍ، والهاءُ عِوَضٌ مِنَ الياءِ، كَهي في زَنادِقَةٍ، هي عِوَضٌ مِن ياءِ زَنادِيقَ المُقابِلَةِ لِياءِ زِنْدِيقٍ، وهَذِهِ مُقابِلَةٌ لِألِفِ أسْوارٍ. وقَرَأ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، وأبُو رَجاءٍ، والأعْرَجُ، ومُجاهِدٌ، وأبُو حَيْوَةَ، وحَفْصٌ: أسْوِرَةٌ، جَمْعَ سُوارٍ، نَحْوُ خِمارٍ وأخْمِرَةٍ. وقَرَأ الأعْمَشُ: أساوِرُ. ورُوِيَتْ عَنْ أُبَيٍّ، وعَنْ أبِي عَمْرٍو، ﴿أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾: أيْ يَحْمُونَهُ ويُقِيمُونَ حُجَّتَهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُعِينُونَهُ عَلى مَن خالَفَهُ. وقالَ السُّدِّيُّ: يُقارِنُ بَعْضُهم بَعْضًا. وقالَ مُجاهِدٌ: يَمْشُونَ مَعَهُ. وقالَ قَتادَةُ: مُتَتابِعِينَ. ﴿فاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ﴾: أيِ اسْتَجْهَلَهم لِخِفَّةِ أحْلامِهِمْ، قالَهُ ابْنُ الأعْرابِيِّ. وقالَ غَيْرُهُ: حَمَلَهم عَلى أنْ يَخِفُّوا لِما يُرِيدُ مِنهم، فَأجابُوهُ لِفِسْقِهِمْ. ﴿فَلَمّا آسَفُونا﴾: مَنقُولٌ بِالهَمْزَةِ مِن أسِفَ، إذا غَضِبَ، والمَعْنى: فَلَمّا عَمِلُوا الأعْمالَ الخَبِيثَةَ المُوجِبَةَ لِأنْ لا يَحْلُمَ عَنْهم. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أحْزَنُوا أوْلِياءَنا المُؤْمِنِينَ نَحْوَ السَّحَرَةِ وبَنِي إسْرائِيلَ. وعَنْهُ أيْضًا: أغْضَبُونا. وعَنْ عَلِيٍّ: أسْخَطُونا. وقِيلَ: خالَفُوا. وقالَ القُشَيْرِيُّ وغَيْرُهُ: الغَضَبُ مِنَ اللَّهِ، أمّا إرادَةُ العُقُوبَةِ، فَهو مِن صِفاتِ الذّاتِ، أوِ العُقُوبَةُ، فَيَكُونُ مِن صِفاتِ الفِعْلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: سَلَفًا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، وقَتادَةُ: أيْ مُتَقَدِّمِينَ إلى النّارِ، وهو مَصْدَرُ سَلَفَ يَسْلِفُ سَلَفًا، وسِلْفُ الرَّجُلِ آباؤُهُ المُتَقَدِّمُونَ، والجَمْعُ أسْلافٌ وسُلافٌ. وقِيلَ هو جَمْعُ سالِفٍ، كَحارِسٍ وحَرَسٍ، وحَقِيقَتُهُ أنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، لِأنَّ فِعْلًا لَيْسَ مِن أبْنِيَةِ الجُمُوعِ المُكَسَّرَةِ. وقالَ طُفَيْلٌ يَرْثِي قَوْمَهُ: ؎مَضَوْا سَلَفًا قَصْدَ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ ∗∗∗ صُرُوفُ المَنايا والرِّجالُ تَقَلَّبُ قالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ: سَلَفًا لِيَتَّعِظَ بِهِمُ الكُفّارُ المُعاصِرُونَ لِلرَّسُولِ. وقَرَأ أبُو عَبْدِ اللَّهِ وأصْحابُهُ، وسَعِيدُ بْنُ عِياضٍ، والأعْمَشُ، وطَلْحَةُ، والأعْرَجُ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: وسُلُفًا بِضَمِّ السِّينِ واللّامِ، جَمْعَ سَلِيفٍ، وهو الفَرِيقُ. سَمِعَ القاسِمُ بْنُ مَعْنٍ العَرَبَ تَقُولُ: مَضى سَلِيفٌ مِنَ النّاسِ. وقَرَأ عَلِيٌّ، ومُجاهِدٌ، (p-٢٤)والأعْرَجُ أيْضًا: وسُلُفًا، بِضَمِّ السِّينِ واللّامِ، جَمْعَ سُلْفَةٍ، وهي الأمَةُ والقَطِيعَةُ. والسِّلْفُ في غَيْرِ هَذا: ولَدُ القُبْحِ، والجَمْعُ سِلْفانٌ. ﴿ومَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾: أيْ حَدِيثًا عَجِيبَ الشَّأْنِ سائِرًا مَسِيرَ المَثَلِ، يُحَدَّثُ بِهِ الآخَرُونَ مِنَ الكُفّارِ، يُقالُ لَهم: مَثَلُكم مَثَلُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب