الباحث القرآني

﴿وقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ألا إنَّ الظّالِمِينَ في عَذابٍ مُقِيمٍ﴾ ﴿وما كانَ لَهم مِن أوْلِياءَ يَنْصُرُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن سَبِيلٍ﴾ ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكم مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكم مِن مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وما لَكم مِن نَكِيرٍ﴾ ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إنْ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ وإنّا إذا أذَقْنا الإنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ فَإنَّ الإنْسانَ كَفُورٌ﴾ ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَن يَشاءُ إناثًا ويَهَبُ لِمَن يَشاءُ الذُّكُورَ﴾ ﴿أوْ يُزَوِّجُهم ذُكْرانًا وإناثًا ويَجْعَلُ مَن يَشاءُ عَقِيمًا إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وحْيًا أوْ مِن وراءِ حِجابٍ أوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإذْنِهِ ما يَشاءُ إنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ﴿صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ألا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾ . (p-٥٢٥)الظّاهِرُ أنَّ (وقالَ) ماضٍ لَفْظًا ومَعْنًى، أيْ: ﴿وقالَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ في الحَياةِ الدُّنْيا، ويَكُونُ (يَوْمَ القِيامَةِ) مَعْمُولًا لِـ (خَسِرُوا)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْنى (وقالَ): ويَقُولُ، و(يَوْمَ القِيامَةِ) مَعْمُولُ لَوْ يَقُولُوا، أيْ: ويَقُولُوا في ذَلِكَ اليَوْمِ لَمّا عايَنُوا ما حَلَّ بِالكُفّارِ وأهْلِيهِمْ. الظّاهِرُ أنَّهُمُ الَّذِينَ كانُوا أهْلِيهِمْ في الدُّنْيا، فَإنْ كانُوا مَعَهم في النّارِ فَقَدْ خَسِرُوهم، أيْ: لا يَنْتَفِعُونَ بِهِمْ؛ وإنْ كانُوا في الجَنَّةِ لِكَوْنِهِمْ كانُوا مُؤْمِنِينَ، كَآسِيَةَ امْرَأةِ فِرْعَوْنَ، فَهم لا يَنْتَفِعُونَ بِهِمْ أيْضًا. وقِيلَ: أهْلُوهم ما كانَ أُعِدَّ لَهم مِنَ الحُورِ لَوْ كانُوا آمَنُوا، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ألا إنَّ الظّالِمِينَ في عَذابٍ مُقِيمٍ﴾ مِن كَلامِ المُؤْمِنِينَ؛ وقِيلَ: اسْتِئْنافُ إخْبارٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى. ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾، قِيلَ: هو يَوْمُ وُرُودِ المَوْتِ، والظّاهِرُ أنَّهُ يَوْمُ القِيامَةِ. و(مِنَ اللَّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما مَرَّ، أيْ: لا يَرِدُ ذَلِكَ اليَوْمَ مِن ما حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (مِنَ اللَّهِ): مِن صِلَةُ (لا مَرَدَّ) . انْتَهى. ولَيْسَ الجَيِّدُ، إذْ لَوْ كانَ مِن صِلَتِهِ لَكانَ مَعْمُولًا لَهُ، فَكانَ يَكُونُ مُعْرَبًا مُنَوَّنًا. وقِيلَ: (مِنَ اللَّهِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: (يَأْتِيَ)، مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ مِنَ اللَّهِ يَوْمٌ لا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى رَدِّهِ. (ما لَكم مِن مَلْجَإٍ) تَلْجَأُونَ إلَيْهِ، فَتَتَخَلَّصُونَ مِنَ العَذابِ، وما لَكم مِن إنْكارِ شَيْءٍ مِن أعْمالِكُمُ الَّتِي تُورِدُكُمُ النّارَ، والنَّكِيرُ مَصْدَرُ أنْكَرَ عَلى غَيْرِ قِياسٍ. قِيلَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْمَ فاعِلٍ لِلْمُبالَغَةِ، وفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأنَّ نَكَرَ مَعْناهُ لَمْ يُمَيِّزْ. (فَإنْ أعْرَضُوا) الآيَةَ: تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ وتَأْنِيسٌ لَهُ، وإزالَةٌ لِهَمِّهِ بِهِمْ. والإنْسانُ: يُرادُ بِهِ الجِنْسُ، ولِذَلِكَ جاءَ: ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ﴾ . وجاءَ جَوابُ الشَّرْطِ ﴿فَإنَّ الإنْسانَ﴾ ولَمْ يَأْتِ فَإنَّهُ، ولا فَإنَّهم، لِيَدُلَّ عَلى أنَّ هَذا الجِنْسَ مَوْسُومٌ بِكُفْرانِ النِّعَمِ، كَما قالَ: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤]، ﴿إنَّ الإنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ [العاديات: ٦] . ولَمّا ذَكَرَ أنَّهُ يَكْفُرُ النِّعَمَ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِأنَّ لَهُ مُلْكَ العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ، وأنَّهُ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ، ونَبَّهَ عَلى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، وأنَّ الكائِناتِ ناشِئَةٌ عَنْ إرادَتِهِ، فَذَكَرَ أنَّهُ يَهَبُ لِبَعْضٍ إناثًا، ولِبَعْضٍ ذُكُورًا، ولِبَعْضٍ الصِّنْفَيْنِ، ويَعْقِمُ بَعْضًا فَلا يُولَدُ لَهُ. وقالَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الأنْبِياءِ، ثُمَّ عَمَّتْ. فَلُوطٌ أبُو بَناتٍ لَمْ يُولَدْ لَهُ ذُكُورٌ، وإبْراهِيمُ ضِدُّهُ، ومُحَمَّدٌ ﷺ وعَلَيْهِما - وُلِدَ لَهُ الصِّنْفانِ، ويَحْيى عَقِيمٌ. انْتَهى. وذُكِرَ أيْضًا مَعَ لُوطٍ شُعَيْبٌ، ومَعَ يَحْيى عِيسى، وقَدَّمَ تَعالى هِبَةَ البَناتِ تَأْنِيسًا لَهُنَّ وتَشْرِيفًا لَهُنَّ، لِيُهْتَمَّ بِصَوْنِهِنَّ والإحْسانِ إلَيْهِنَّ. وفِي الحَدِيثِ: «مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِن هَذِهِ البَناتِ فَأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النّارِ» . وقالَ واثِلَةُ بْنُ الأسْقَعِ: مِن يُمْنِ المَرْأةِ تَبْكِيرُها بِالأُنْثى قَبْلَ الذَّكَرِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى بَدَأ بِالإناثِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): لِمَ قَدَّمَ الإناثَ عَلى الذُّكُورِ مَعَ تَقَدُّمِهِمْ عَلَيْهِنَّ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَدَّمَهم ؟ ولِمَ عَرَّفَ الذُّكُورَ بَعْدَما نَكَّرَ الإناثَ ؟ (قُلْتُ): لِأنَّهُ ذَكَرَ البَلاءَ في آخِرِ الآيَةِ الأُولى. وكُفْرانُ الإنْسانِ: نِسْيانُهُ الرَّحْمَةَ السّابِقَةَ عِنْدَهُ. ثُمَّ ذَكَّرَهُ بِذِكْرِ مُلْكِهِ ومَشِيئَتِهِ، وذِكْرِ قِسْمَةِ الأوْلادِ، فَقَدَّمَ الإناثَ؛ لِأنَّ سِياقَ الكَلامِ أنَّهُ فاعِلٌ ما يَشاؤُهُ، لا ما يَشاءُ الإنْسانُ، فَكانَ ذِكْرُ الإناثِ اللّائِي مِن جُمْلَةِ ما لا يَشاؤُهُ الإنْسانُ أهَمَّ، والأهَمُّ أوْجَبَ التَّقْدِيمَ. والبَلاءُ: الجِنْسُ الَّذِي كانَتِ العَرَبُ تَعُدُّهُ بَلاءً، ذَكَرَ البَلاءَ وأخَّرَ الذُّكُورَ. فَلَمّا أخَّرَهم لِذَلِكَ تَدارَكَ تَأْخِيرَهُ، وهم أحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ بِتَعْرِيفِهِمْ؛ لِأنَّ التَّعْرِيفَ تَنْوِيهٌ وتَشْهِيرٌ، كَأنَّهُ قالَ: ويَهَبُ لِمَن يَشاءُ الفَرِيقَيْنِ، الأعْلامُ المَذْكُورِينَ الَّذِينَ لا يَخْفَوْنَ عَلَيْكم. ثُمَّ أعْطى بَعْدَ ذَلِكَ كِلا الجِنْسَيْنِ حَظَّهُ مِنَ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، وعِرْفانُ تَقْدِيمِهِنَّ لَمْ يَكُنْ لِتَقَدُّمِهِنَّ، ولَكِنْ لِمُقْتَضًى آخَرَ فَقالَ: ﴿ذُكْرانًا وإناثًا﴾، كَما قالَ: ﴿إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾ [الحجرات: ١٣]، ﴿فَجَعَلَ مِنهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [القيامة: ٣٩] . انْتَهى. وقِيلَ: بَدَأ بِالأُنْثى ثُمَّ ثَنّى بِالذَّكَرِ، لِتَنْقِلَهُ مِنَ الغَمِّ إلى الفَرَحِ. وقِيلَ: لِيَعْلَمَ أنَّهُ لا اعْتِراضَ عَلى اللَّهِ فَيَرْضى. (p-٥٢٦)فَإذا وهَبَ لَهُ الذَّكَرَ، عَلِمَ أنَّهُ زِيادَةٌ وفَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وإحْسانٌ إلَيْهِ. وقِيلَ: قَدَّمَها تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ إذا كانَ العَجْزُ والحاجَةُ لَهم، كانَتْ عِنايَةُ اللَّهِ أكْثَرَ. وقالَ مُجاهِدٌ: هو أنْ تَلِدَ المَرْأةُ غُلامًا، ثُمَّ تَلِدُ جارِيَةً. وقالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ: أنْ تَلِدَ تَوْأمًا، غُلامًا وجارِيَةً. وقالَ أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ: أوْ يُزَوِّجُهم ذُكْرانًا وإناثًا. قالَ عُلَماؤُنا: يَعْنِي آدَمَ، كانَتْ حَوّاءُ تَلِدُ لَهُ في كُلِّ بَطْنٍ تَوْأمَيْنِ، ذَكَرًا وأُنْثى؛ تُزَوِّجُ ذَكَرَ هَذا البَطْنِ أُنْثى البَطْنِ الآخَرِ. انْتَهى. ولَمّا ذَكَرَ الهِبَةَ في الإناثِ، والهِبَةَ في الذُّكُورِ، اكْتَفى عَنْ ذِكْرِها في قَوْلِهِ: ﴿أوْ يُزَوِّجُهم ذُكْرانًا وإناثًا﴾ . ولَمّا كانَ العُقْمُ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ قالَ: ﴿ويَجْعَلُ مَن يَشاءُ عَقِيمًا﴾، وهو قَسِيمٌ لِمَن يُولَدُ لَهُ. ولَمّا كانَتِ الخُنْثى مِمّا يُحْزَنُ بِوُجُودِهِ، لَمْ يَذْكُرْهُ تَعالى. قالُوا: وكانَتِ الخِلْقَةُ مُسْتَمِرَّةً، ذَكَرًا وأُنْثى، إلى أنْ وقَعَ في الجاهِلِيَّةِ الأُولى الخُنْثى، فَسُئِلَ فارِضُ العَرَبِ ومُعَمَّرُها عامِرُ بْنُ الظَّرِبِ عَنْ مِيراثِهِ، فَلَمْ يَدْرِ ما يَقُولُهُ وأرْجَأهم. فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، جَعَلَ يَتَقَلَّبُ وتَذْهَبُ بِهِ الأفْكارُ، وأنْكَرَتْ خادِمَتُهُ حالَهُ فَسَألَتْهُ، فَقالَ: بُهِرْتُ لِأمْرٍ لا أدْرِي ما أقُولُ فِيهِ، فَقالَتْ لَهُ: ما هو ؟ فَقالَ: شَخْصٌ لَهُ ذَكَرٌ وفَرْجٌ، كَيْفَ يَكُونُ حالُهُ في المِيراثِ ؟ قالَتْ لَهُ الأمَةُ: ورِّثْهُ مِن حَيْثُ يَبُولُ، فَعَقَلَها وأصْبَحَ فَعَرَضَها عَلَيْهِمْ، فَرَضُوا بِها. وجاءَ الإسْلامُ عَلى ذَلِكَ، وقَضى بِذَلِكَ عَلِيٌّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ، إنَّهُ عَلِيمٌ بِمَصالِحِ العِبادِ، قَدِيرٌ عَلى تَكْوِينِ ما يَشاءُ. كانَ مِنَ الكُفّارِ خَوْضٌ في مَعْنى تَكْلِيمِ اللَّهِ مُوسى، فَذَهَبَتْ قُرَيْشٌ واليَهُودُ في ذَلِكَ إلى التَّجْسِيمِ، فَنَزَلَتْ. وقِيلَ: كانَتْ قُرَيْشُ تَقُولُ: ألا تُكَلِّمُ اللَّهَ وتَنْظُرُ إلَيْهِ إنْ كُنْتَ نَبِيًّا صادِقًا، كَما كَلَّمَهُ مُوسى ونَظَرَ إلَيْهِ ؟ فَقالَ لَهُمُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: «لَمْ يَنْظُرْ مُوسى إلى اللَّهِ»، فَنَزَلَتْ: ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ﴾، بَيانًا لِصُورَةِ تَكْلِيمِ اللَّهِ عِبادَهُ أيْ: ما يَنْبَغِي ولا يُمْكِنُ لِبَشَرٍ إلّا يُوحى إلَيْهِ أحَدُ وُجُوهِ الوَحْيِ مِنَ الإلْهامِ. قالَ مُجاهِدٌ: أوِ النَّفْثُ في القَلْبِ. وقالَ النَّقّاشُ: أوْ وحْيٌ في المَنامِ. وقالَ النَّخَعِيُّ: كانَ في الأنْبِياءِ مَن يُخَطُّ لَهُ في الأرْضِ، أوْ بِأنْ يُسْمِعَهُ كَلامَهُ دُونَ أنْ يَعْرِفَ هو لِلْمُتَكَلِّمِ جِهَةً ولا حَيِّزًا، كَمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وهَذا مَعْنى ﴿مِن وراءِ حِجابٍ﴾ أيْ: مِن خَفاءٍ عَنِ المُتَكَلِّمِ، لا يَحُدُّهُ ولا يَتَصَوَّرُ بِذِهْنِهِ عَلَيْهِ، ولَيْسَ كالحِجابِ في المُشاهَدِ، أوْ بِأنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ مَلَكًا يُشافِهُهُ بِوَحْيِ اللَّهِ تَعالى، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وما صَحَّ لِأحَدٍ مِنَ البَشَرِ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا عَلى ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: إمّا عَلى طَرِيقِ الوَحْيِ، وهو الإلْهامُ والقَذْفُ في القَلْبِ والمَنامِ، كَما أوْحى إلى أُمِّ مُوسى وإلى إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في ذَبْحِ ولَدِهِ. وعَنْ مُجاهِدٍ: أوْحى اللَّهُ الزَّبُورَ إلى داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في صَدْرِهِ، قالَ عَبِيدُ بْنُ الأبْرَصِ: ؎وأوْحى إلَيَّ اللَّهُ أنْ قَدْ تَأمَّرُوا بِابْنِ أبِي أوْفى فَقُمْتُ عَلى رَجْلِ أيْ: ألْهَمَنِي وقَذَفَ في قَلْبِي. وإمّا عَلى أنْ يُسْمِعَهُ كَلامَهُ الَّذِي يَخْلُقُهُ في بَعْضِ الأجْرامِ مِن غَيْرِ أنْ يُبْصِرَ السّامِعُ مَن يُكَلِّمُهُ؛ لِأنَّهُ في ذاتِهِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ. وقَوْلُهُ: ﴿مِن وراءِ حِجابٍ﴾ مَثَلٌ، أيْ: كَما يُكَلِّمُ المَلِكُ المُحْتَجِبُ بَعْضَ خَواصِّهِ، وهو مِن وراءِ حِجابٍ، فَيَسْمَعُ صَوْتَهُ ولا يَرى شَخْصَهُ، وذَلِكَ كَما كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى ويُكَلِّمُ المَلائِكَةَ. وإمّا عَلى أنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ رَسُولًا مِنَ المَلائِكَةِ فَيُوحِي المَلَكُ إلَيْهِ، كَما كَلَّمَ الأنْبِياءَ غَيْرَ مُوسى. انْتَهى. وهُوَ عَلى طَرِيقِ المُعْتَزِلَةِ في اسْتِحالَةِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعالى ونَفْيِ الكَلامِ الحَقِيقِيِّ عَنِ اللَّهِ. وكُلُّ هَذِهِ الأقْسامِ الثَّلاثَةِ يَصْدُقُ عَلَيْها أنَّها وحَيٌّ، وخُصَّ الأوَّلُ بِاسْمِ الوَحْيِ هُنا؛ لِأنَّ ما يَقَعُ في القَلْبِ عَلى سَبِيلِ الإلْهامِ يَقَعُ دَفْعَةً واحِدَةً، فَكانَ تَخْصِيصُ لَفْظِ الوَحْيِ بِهِ أوْلى. وقِيلَ: (وحْيًا) كَما أوْحى إلى الرُّسُلِ بِواسِطَةِ المَلائِكَةِ ﴿أوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾ أيْ: نَبِيًّا، كَما كَلَّمَ أُمَمَ الأنْبِياءِ عَلى ألْسِنَتِهِمْ، حَكاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وتَرَكَ تَفْسِيرَ ﴿أوْ مِن وراءِ حِجابٍ﴾، ومَعْناهُ في هَذا القَوْلِ: كَما كَلَّمَ مُحَمَّدًا ومُوسى ﷺ . (p-٥٢٧)وقَرَأ الجُمْهُورُ: (حِجابٍ)، مُفْرَدًا؛ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: حُجُبٍ جَمْعًا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِنَصْبِ الفِعْلَيْنِ، عَطَفَ (أوْ يُرْسِلَ) عَلى المُضْمَرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ ﴿مِن وراءِ حِجابٍ﴾ تَقْدِيرُهُ: أوْ يُكَلِّمَهُ مِن وراءِ حِجابٍ، وهَذا المُضْمَرُ مَعْطُوفٌ عَلى (وحْيًا) والمَعْنى: إلّا بِوَحْيٍ أوْ سَماعٍ مِن وراءِ حِجابٍ، أوْ إرْسالِ رَسُولٍ فَيُوحِي ذَلِكَ الرَّسُولُ إلى النَّبِيِّ الَّذِي أُرْسِلَ عَنْهُ بِإذْنِ اللَّهِ ما يَشاءُ، ولا يَجُوزُ أنْ يُعْطَفَ (أوْ يُرْسِلَ) عَلى ﴿أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ﴾ لِفَسادِ المَعْنى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: و(وحْيًا) و(أنْ يُرْسِلَ) مَصْدَرانِ واقِعانِ مَوْقِعَ الحالِ؛ لِأنَّ أنْ يُرْسِلَ في مَعْنى إرْسالًا، و﴿مِن وراءِ حِجابٍ﴾ ظَرْفٌ واقِعٌ مَوْقِعَ الحالِ أيْضًا، كَقَوْلِهِ: ﴿وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٩١]، والتَّقْدِيرُ: وما صَحَّ أنْ يُكَلِّمَ أحَدًا إلّا مُوحِيًا أوْ مُسْمِعًا مِن وراءِ حِجابٍ، أوْ مُرْسِلًا. انْتَهى. أمّا وُقُوعُ المَصْدَرِ مَوْقِعَ الحالِ، فَلا يَنْقاسُ، وإنَّما قالَتْهُ العَرَبُ. وكَذَلِكَ لا يَجُوزُ: جاءَ زَيْدٌ بُكاءً، تُرِيدُ باكِيًا، وقاسَ مِنهُ المُبَرِّدُ ما كانَ مِنهُ نَوْعًا لِلْفِعْلِ، نَحْوُ: جاءَ زَيْدٌ مَشْيًا أوْ سُرْعَةً، ومَنَعَ سِيبَوَيْهِ أنْ يَقَعَ أنْ والفِعْلُ المُقَدَّرُ بِالمَصْدَرِ مَوْقِعَ الحالِ، فَلا يَجُوزُ، نَحْوُ: جاءَ زَيْدٌ أنْ يَضْحَكَ في مَعْنى ضَحِكًا الواقِعِ مَوْقِعَ ضاحِكًا، فَجَعْلُهُ وحْيًا مَصْدَرًا في مَوْضِعِ الحالِ مِمّا لا يَنْقاسُ، وأنَّ (يُرْسِلَ) في مَعْنى إرْسالًا الواقِعِ مَوْقِعَ مُرْسِلًا مَمْنُوعٌ بِنَصِّ سِيبَوَيْهِ. وقَرَأ نافِعٌ وأهْلُ المَدِينَةِ ﴿أوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ﴾ بِالرَّفْعِ فِيهِما، فَخَرَجَ عَلى إضْمارِ هو يُرْسِلُ، أوْ عَلى ما يَتَعَلَّقُ بِهِ (مِن وراءِ) إذْ تَقْدِيرُهُ: أوْ يَسْمَعُ مِن وراءِ حِجابٍ، (ووَحْيًا) مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ، عُطِفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ المُقَدَّرُ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ، (أوْ يُرْسِلَ) والتَّقْدِيرُ: إلّا مُوحِيًا أوْ مُسْمِعًا مِن وراءِ حِجابٍ، أوْ مُرْسِلًا، وإسْنادُ التَّكَلُّمِ إلى اللَّهِ بِكَوْنِهِ أرْسَلَ رَسُولًا مَجازٌ، كَما تَقُولُ: نادى المَلِكُ في النّاسِ بِكَذا، وإنَّما نادى الرِّيحُ، الدّائِرُ في الأسْواقِ، نَزَّلَ ما كانَ بِواسِطَةٍ مَنزِلَةَ ما كانَ بِغَيْرِ واسِطَةٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الرِّسالَةَ مِن أنْواعِ التَّكَلُّمِ، وأنَّ الحالِفَ الرُّسُلُ، كانَتْ إذا حَلَفَ أنْ لا يُكَلِّمَ إنْسانًا فَأرْسَلَ إلَيْهِ، وهو لَمْ يَنْوِ المُشافَهَةَ وقْتَ يَمِينِهِ. انْتَهى. (إنَّهُ عَلِيٌّ) أيْ: عَلِيٌّ عَنْ صِفاتِ المَخْلُوقِينَ، (حَكِيمٌ): تَجْرِي أفْعالُهُ عَلى ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ، يُكَلِّمُ بِواسِطَةٍ وبِغَيْرِ واسِطَةٍ. ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا﴾ أيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الإيحاءِ الفَصْلِ أوْحَيْنا إلَيْكَ، إذْ كانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ اجْتَمَعَتْ لَهُ الطُّرُقُ الثَّلاثُ: النَّفْثُ في الرَّوْعِ والمَنامِ، وتَكْلِيمُ اللَّهِ لَهُ حَقِيقَةً لَيْلَةَ الإسْراءِ، وإرْسالُ رَسُولٍ إلَيْهِ، وهو جِبْرِيلُ. وقِيلَ: كَما أوْحَيْنا إلى الأنْبِياءِ قَبْلَكَ، ﴿أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا﴾ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: النُّبُوَّةَ. وقالَ السُّدِّيُّ: الوَحْيَ؛ وقالَ قَتادَةُ: رَحْمَةً؛ وقالَ الكَلْبِيُّ: كِتابًا؛ وقالَ الرَّبِيعُ: جِبْرِيلَ؛ وقِيلَ: القُرْآنُ؛ وسَمّى ما أوْحى إلَيْهِ رُوحًا؛ لِأنَّ بِهِ الحَياةَ مِنَ الجَهْلِ. وقالَ مالِكُ بْنُ دِينارٍ: يا أهْلَ القُرْآنِ، ماذا زَرَعَ القُرْآنُ في قُلُوبِكم ؟ فَإنَّ القُرْآنَ رَبِيعُ القُلُوبِ، كَما أنَّ العُشْبَ رَبِيعُ الأرْضِ. ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾: تَوْقِيفٌ عَلى عِظَمِ المِنَّةِ، وهو ﷺ أعْلَمُ النّاسِ بِها، وعَطَفَ ﴿ولا الإيمانُ﴾ عَلى ﴿ما الكِتابُ﴾، وإنَّما مَعْناهُ: الإيمانُ الَّذِي يُدْرِكُهُ السَّمْعُ؛ لِأنَّ لَنا أشْياءَ مِنَ الإيمانِ لا تُعْلَمُ إلّا بِالوَحْيِ. أمّا تَوْحِيدُ اللَّهِ وبَراءَتُهُ عَنِ النَّقائِصِ، ومَعْرِفَةُ صِفاتِهِ العُلا، فَجَمِيعُ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عالِمُونَ ذَلِكَ، مَعْصُومُونَ أنْ يَقَعَ مِنهم زَلَلٌ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ، سابِقٌ لَهم عِلْمُ ذَلِكَ قَبْلَ أنْ يُوحِيَ إلَيْهِمْ. وقَدْ أطْلَقَ الإيمانَ عَلى الصَّلاةِ في قَوْلِهِ: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمانَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤٣]، إذْ هي بَعْضُ ما يَتَناوَلُهُ الإيمانُ. ومَن طالَعَ سِيَرَ الأنْبِياءِ مِن (p-٥٢٨)نَشْأتِهِمْ إلى مَبْعَثِهِمْ، تَحَقَّقَ عِنْدَهُ أنَّهم مَعْصُومُونَ مِن كُلِّ نَقِيصَةٍ، مُوَحِّدُونَ لِلَّهِ مُنْذُ نَشَئُوا. قالَ اللَّهُ تَعالى في حَقِّ يَحْيى - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ﴿وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] . قالَ مَعْمَرٌ: كانَ ابْنَ سَنَتَيْنِ أوْ ثَلاثٍ. وعَنْ أبِي العالِيَةِ: ما كُنْتَ تَدْرِي قَبْلَ الوَحْيِ أنْ تَقْرَأ القُرْآنَ، ولا كَيْفَ تَدْعُو الخَلْقَ إلى الإيمانِ. وقالَ القاضِي: ﴿ولا الإيمانُ﴾: الفَرائِضُ والأحْكامُ. قالَ: وكانَ قَبْلُ مُؤْمِنًا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، ثُمَّ نَزَلَتِ الفَرائِضُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَدْرِيها قَبْلُ، فَزادَ بِالتَّكْلِيفِ إيمانًا. وقالَ القُشَيْرِيُّ: يَجُوزُ إطْلاقُ الإيمانِ عَلى تَفاصِيلِ الشَّرْعِ. وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: هو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: ولا أهْلُ الإيمانِ مِنَ الَّذِي يُؤْمِنُ أبُو طالِبٍ أوِ العَبّاسُ أوْ غَيْرُهُما. وقالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: إذْ كُنْتَ في المَهْدِ. وقِيلَ: ما الكِتابُ لَوْلا إنْعامُنا عَلَيْكَ، ولا الإيمانُ لَوْلا هِدايَتُنا لَكَ. وقِيلَ: أيْ كُنْتَ مِن قَوْمٍ أُمِّيِّينَ لا يَعْرِفُونَ الإيمانَ ولا الكِتابَ، فَتَكُونُ أخَذْتَ ما جِئْتَهم بِهِ عَمَّنْ كانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنهم. ﴿ما الكِتابُ﴾ جُمْلَةٌ اسْتِفْهامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ (تَدْرِي) وهي مُعَلَّقَةٌ. ﴿ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا﴾: يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ إلى قَوْلِهِ: (رُوحًا)، وإلى (كِتابُ)، وإلى (الإيمانُ)، وهو أقْرَبُ مَذْكُورٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عائِدٌ عَلى الكِتابِ. انْتَهى. وقِيلَ: يَعُودُ إلى الكِتابِ والإيمانِ مَعًا؛ لِأنَّ مَقْصِدَهُما واحِدٌ، فَهو نَظِيرُ: ﴿واللَّهُ ورَسُولُهُ أحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢] . وقَرَأ الجُمْهُورُ: (لَتَهْدِي)، مُضارِعُ هَدى مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ؛ وحَوْشَبٌ: مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، إجابَةَ سُؤالِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] . وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْقَعِ (لَتُهْدِي) بِضَمِّ التّاءِ وكَسْرِ الدّالِ؛ وعَنِ الجَحْدَرِيِّ مِثْلُها، ومِثْلُ قِراءَةِ حَوْشَبٍ. (صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، قالَ عَلِيٌّ: هو القُرْآنُ؛ وقِيلَ: الإسْلامُ. ﴿ألا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾: أخْبَرَ بِالمُضارِعِ، والمُرادُ بِهِ الدَّيْمُومَةُ، كَقَوْلِهِ: زَيْدٌ يُعْطِي ويَمْنَعُ، أيْ: مِن شَأْنِهِ ذَلِكَ، ولا يُرادُ بِهِ حَقِيقَةُ المُسْتَقْبَلِ، أيْ: تُرَدُّ جَمِيعُ أُمُورِ الخَلْقِ إلَيْهِ تَعالى يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقْضِي بَيْنَهم بِالعَدْلِ، وخُصَّ ذَلِكَ بِيَوْمِ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَدَّعِيَ فِيهِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، قالَهُ الفَرّاءُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب