الباحث القرآني
﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ ومَن حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا فاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وقِهِمْ عَذابَ الجَحِيمِ﴾ ﴿رَبَّنا وأدْخِلْهم جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وعَدْتَهم ومَن صَلَحَ مِن آبائِهِمْ وأزْواجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿وقِهِمُ السَّيِّئاتِ ومَن تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكم إذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ ﴿قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ ﴿ذَلِكم بِأنَّهُ إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ كَفَرْتُمْ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فالحُكْمُ لِلَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكم آياتِهِ ويُنَزِّلُ لَكم مِنَ السَّماءِ رِزْقًا وما يَتَذَكَّرُ إلّا مَن يُنِيبُ﴾ .
لَمّا ذَكَرَ جِدالَ الكُفّارِ في آياتِ اللَّهِ وعِصْيانَهم، ذَكَرَ طاعَةَ هَؤُلاءِ المُصْطَفَيْنَ مِن خَلْقِهِ، وهم حَمَلَةُ العَرْشِ، ﴿ومَن حَوْلَهُ﴾، وهم (p-٤٥١)الحافُّونَ بِهِ مِنَ المَلائِكَةِ.
وذَكَرُوا مِن وصْفِ تِلْكَ الحَمَلَةِ وعِظَمِ خَلْقِهِمْ، ووَصْفِ العَرْشِ، ومِن أيِّ شَيْءٍ خُلِقَ، والحُجُبِ السَّبْعِينِيّاتِ الَّتِي اخْتَلَفَتْ أجْناسُها، قالُوا: احْتَجَبَ اللَّهُ عَنِ العَرْشِ وعَنْ حامِلِيهِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِهِ عَلى أنَّ قُدْرَتَهُ تَعالى مُحْتَمِلَةٌ لِكُلِّ ما ذَكَرُوهُ مِمّا لا يَقْتَضِي تَجْسِيمًا، لَكِنَّهُ يَحْتاجُ إلى نَقْلٍ صَحِيحٍ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: (العَرْشَ) بِفَتْحِ العَيْنِ؛ وابْنُ عَبّاسٍ وفِرْقَةٌ: بِضَمِّها، كَأنَّهُ جَمْعُ عَرْشٍ، كَسَقْفٍ وسُقُفٍ، أوْ يَكُونُ لُغَةً في العَرْشِ.
﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أيْ: يُنَزِّهُونَهُ عَنْ جَمِيعِ النَّقائِصِ، ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾: بِالثَّناءِ عَلَيْهِ بِأنَّهُ المُنْعِمُ عَلى الإطْلاقِ.
والتَّسْبِيحُ: إشارَةٌ إلى الإجْلالِ؛ والتَّحْمِيدُ: إشارَةٌ إلى الإكْرامِ، فَهو قَرِيبٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ﴾ [الرحمن: ٧٨]، ونَظِيرُهُ: ﴿وتَرى المَلائِكَةَ حافِّينَ مِن حَوْلِ العَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وقُضِيَ بَيْنَهم بِالحَقِّ﴾ [الزمر: ٧٥]؛ وقَوْلُهم: ونَحْنُ نَسَبَّحُ بِحَمْدِكَ.
﴿ويُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: ويُصَدِّقُونَ بِوُجُودِهِ تَعالى، وبِما وصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ صِفاتِهِ العُلا، وتَسْبِيحُهم إيّاهُ يَتَضَمَّنُ الإيمانَ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): ما فائِدَةُ قَوْلِهِ: ﴿ويُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، ولا يَخْفى عَلى أحَدٍ أنَّ حَمَلَةِ العَرْشِ ومَن حَوْلَهُ مِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِهِ مُؤْمِنُونَ ؟ (قُلْتُ): فائِدَتُهُ إظْهارُ شَرَفِ الإيمانِ وفَضْلِهِ والتَّرْغِيبُ فِيهِ، كَما وصَفَ الأنْبِياءَ في غَيْرِ مَوْضِعٍ مِن كِتابِهِ بِالصَّلاحِ لِذَلِكَ، وكَما عَقَّبَ أعْمالَهَمُ الخَيْرَ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البلد: ١٧]، فَأبانَ بِذَلِكَ فَضْلَ الإيمانِ.
وفائِدَةٌ أُخْرى، وهي التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ الأمْرَ لَوْ كانَ كَما تَقُولُ المُجَسِّمَةُ، لَكانَ حَمَلَةُ العَرْشِ ومَن حَوْلَهُ مُشاهِدِينَ مُعايِنِينَ، ولَما وُصِفُوا بِالإيمانِ؛ لِأنَّهُ إنَّما يُوصَفُ بِالإيمانِ الغائِبُ. ولَمّا وُصِفُوا بِهِ عَلى سَبِيلِ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ، عُلِمَ أنَّ إيمانَهم وإيمانَ مَن في الأرْضِ وكُلِّ مَن غابَ عَنْ ذَلِكَ المَقامِ سَواءٌ في أنَّ إيمانَ الجَمِيعِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ لا غَيْرُ، وأنَّهُ لا طَرِيقَ إلى مَعْرِفَتِهِ إلّا هَذا، وأنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفاتِ الأجْرامِ.
وقَدْ رُوعِيَ التَّناسُبُ في قَوْلِهِ: ﴿ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾، كَأنَّهُ قِيلَ: ويُؤْمِنُونَ ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في مِثْلِ حالِهِمْ وصِفَتِهِمْ، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ الِاشْتِراكَ في الإيمانِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ أدْعى شَيْءٍ إلى النَّصِيحَةِ، وأبْعَثَهُ عَلى إمْحاضِ الشَّفَقَةِ، وإنْ تَفاوَتَتِ الأجْناسُ وتَباعَدَتِ الأماكِنُ، فَإنَّهُ لا تَجانُسَ بَيْنَ مَلَكٍ وإنْسانٍ، ولا بَيْنَ سَماءٍ وأرْضٍ قَطُّ، ثُمَّ لَمّا جاءَ جامِعُ الإيمانِ، جاءَ مَعَهُ التَّجانُسُ الكُلِّيُّ والتَّناسُبُ الحَقِيقِيُّ، حَتّى اسْتَغْفَرَ مَن حَوْلَ العَرْشِ لِمَن فَوْقَ الأرْضِ، قالَ تَعالى: ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرْضِ﴾ [الشورى: ٥] . انْتَهى، وهو كَلامٌ حَسَنٌ.
إلّا أنَّ قَوْلَهُ: إنَّ إيمانَ الجَمِيعِ بِطَرِيقِ النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ لا غَيْرُ. فِيهِ نَظَرٌ، وقَوْلُهُ: ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرْضِ﴾ [الشورى: ٥] . وقالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: وجَدْنا أنْصَحَ العِبادِ لِلْعِبادِ المَلائِكَةَ، وأغَشَّ العِبادِ لِلْعِبادِ الشَّياطِينَ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ. انْتَهى.
ويَنْبَغِي أنْ يُقالَ: أنْصَحُ العِبادِ لِلْعِبادِ الأنْبِياءُ والمَلائِكَةُ.
﴿رَبَّنا وسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا﴾ أيْ: يَقُولُونَ: رَبَّنا واحْتَمَلَ هَذا المَحْذُوفُ بَيانًا لِيَسْتَغْفِرُونِ، فَيَكُونُ في مَحَلِّ رَفْعٍ، وأنْ يَكُونَ حالًا، فَيَكُونُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ. وكَثِيرًا ما جاءَ النِّداءُ بِلَفْظِ رَبَّنا، ورَبِّ، وفِيهِ اسْتِعْطافُ العَبْدِ لِمَوْلاهُ الَّذِي رَبّاهُ، وقامَ بِمَصالِحِهِ مِن لَدُنْ نَشْأتِهِ إلى وقْتِ نِدائِهِ، فَهو جَدِيرٌ بِأنْ لا يُنادِيَهُ إلّا بِلَفْظِ الرَّبِّ.
وانْتَصَبَ ﴿رَحْمَةً وعِلْمًا﴾ عَلى التَّمْيِيزِ، والأصْلُ: وسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ، وعِلْمُكَ كُلَّ شَيْءٍ؛ وأُسْنِدَ الوُسْعُ إلى صاحِبِها مُبالَغَةً، كَأنَّ ذاتَهُ هي الرَّحْمَةُ والعِلْمُ، وقَدْ وسِعَ كُلَّ شَيْءٍ.
وقَدَّمَ الرَّحْمَةَ؛ لِأنَّهم بِها يَسْتَمْطِرُونَ إحْسانَهُ ويَتَوَسَّلُونَ بِها إلى حُصُولِ مَطْلُوبِهِمْ مِن سُؤالِ المَغْفِرَةِ.
ولَمّا حَكى تَعالى عَنْهم كَيْفِيَّةَ ثَنائِهِمْ عَلَيْهِ، وأخْبَرَ بِاسْتِغْفارِهِمْ، وهو قَوْلُهم: ﴿فاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ . وطَلَبُ المَغْفِرَةِ نَتِيجَةُ الرَّحْمَةِ، ولِلَّذِينِ تابُوا يَتَضَمَّنُ أنَّكَ عَلِمْتَ تَوْبَتَهم، فَهُما راجِعانِ إلى قَوْلِهِ: ﴿رَحْمَةً وعِلْمًا﴾، و﴿واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾، وهي سَبِيلُ الحَقِّ الَّتِي نَهَجَتْها لِعِبادِكَ، ﴿إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ﴾: الَّذِي لا تُغالَبُ، (الحَكِيمُ): الَّذِي يَضَعُ الأشْياءَ مَواضِعَها الَّتِي (p-٤٥٢)تَلِيقُ بِها.
ولَمّا كانَ طَلَبُ الغُفْرانِ يَتَضَمَّنُ إسْقاطَ العَذابِ، أرْدَفُوهُ بِالتَّضَرُّعِ بِوِقايَتِهِمُ العَذابَ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ والتَّأْكِيدِ، فَقالُوا: ﴿وقِهِمْ عَذابَ الجَحِيمِ﴾، وطَلَبُ المَغْفِرَةِ ووِقايَةُ العَذابِ لِلتّائِبِ الصّالِحِ، وقَدْ وعَدَ بِذَلِكَ الوَعْدِ الصّادِقِ بِمَنزِلَةِ الشَّفاعَةِ في زِيادَةِ الثَّوابِ والكَرامَةِ.
ولَمّا سَألُوا إزالَةَ العِقابِ، سَألُوا اتِّصالَ الثَّوابِ، وكَرَّرَ الدُّعاءَ بِـ (رَبَّنا) فَقالُوا: ﴿رَبَّنا وأدْخِلْهم جَنّاتِ عَدْنٍ﴾ . وقَرَأ الجُمْهُورُ: (جَنّاتِ) جَمْعًا؛ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والأعْمَشُ: (جَنَّةَ عَدْنٍ) بِالإفْرادِ، وكَذا في مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في إعْرابِ (الَّتِي) في قَوْلِهِ: ﴿جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وعَدَ الرَّحْمَنُ عِبادَهُ بِالغَيْبِ﴾ [مريم: ٦١] في سُورَةِ مَرْيَمَ.
وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ (صَلُحَ) بِضَمِّ اللّامِ، يُقالُ: صَلَحَ فَهو صَلِيحٌ وصَلُحَ فَهو صالِحٌ.
وقَرَأ عِيسى (وذُرِّيَّتَهم) بِالإفْرادِ؛ والجُمْهُورُ بِالجَمْعِ.
وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ في تَفْسِيرِ ذَلِكَ أنَّ الرَّجُلَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَبْلَ قَرابَتِهِ فَيَقُولُ: أيْنَ أبِي ؟ أيْنَ أُمِّي ؟ أيْنَ ابْنِي ؟ أيْنَ زَوْجَتِي ؟ فَيَلْحَقُونَ بِهِ لِصَلاحِهِ ولِتَنْبِيهِهِ عَلَيْهِ وطَلَبِهِ إيّاهم، وهَذِهِ دَعْوَةُ المَلائِكَةِ. انْتَهى.
وإذا كانَ الإنْسانُ في خَيْرٍ، ومَعَهُ عَشِيرَتُهُ وأهْلُهُ، كانَ أبْهَجَ عِنْدَهُ وأسَرَّ لِقَلْبِهِ.
والظّاهِرُ عَطْفُ (ومَن) عَلى الضَّمِيرِ في ﴿وأدْخِلْهُمْ﴾، إذْ هُمُ المُحَدَّثُ عَنْهم والمَسْئُولُ لَهم.
وقالَ الفَرّاءُ، والزَّجّاجُ: نَصْبُهُ مِن مَكانَيْنِ: إنْ شِئْتَ عَلى الضَّمِيرِ في ﴿وأدْخِلْهُمْ﴾، وإنْ شِئْتَ عَلى الضَّمِيرِ في ﴿وعَدْتَهُمْ﴾ .
﴿وقِهِمُ السَّيِّئاتِ﴾ أيِ: امْنَعْهم مِنَ الوُقُوعِ فِيها حَتّى لا يَتَرَتَّبَ عَلَيْها جَزاؤُها، أوْ وقِهِمْ جَزاءَ السَّيِّئاتِ الَّتِي اجْتَرَحُوها، فَحُذِفَ المُضافُ ولا تَكْرارَ في هَذا، وقَوْلُهُ: ﴿وقِهِمْ عَذابَ الجَحِيمِ﴾ لِعَدَمِ تَوافُقِ المَدْعُوِّ لَهم أنَّ الدُّعاءَ الأوَّلَ لِلَّذِينِ تابُوا، والثّانِي أنَّهُ لَهم ولِمَن صَلُحَ مِنَ المَذْكُورِينَ، أوْ لِاخْتِلافِ الدُّعاءَيْنِ إذا أُرِيدَ بِالسَّيِّئاتِ أنْفُسُهم، فَذَلِكَ وِقايَةُ عَذابِ الجَحِيمِ، وهَذا وِقايَةُ الوُقُوعِ في السَّيِّئاتِ.
والتَّنْوِينُ في (يَوْمَئِذٍ) تَنْوِينُ العِوَضِ، والمَحْذُوفُ جُمْلَةٌ عُوِّضَ مِنها التَّنْوِينُ، ولَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ يَكُونُ التَّنْوِينُ عِوَضًا مِنها، كَقَوْلِهِ: ﴿فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ﴾ [الواقعة: ٨٣]، ﴿وأنْتُمْ حِينَئِذٍ﴾ [الواقعة: ٨٤] أيْ: حِينَ إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، فَلا بُدَّ مِنَ تَقْدِيرِ جُمْلَةٍ يَكُونُ التَّنْوِينُ عِوَضًا مِنها كَقَوْلِهِ، يَدُلُّ عَلَيْها مَعْنى الكَلامِ، وهي ﴿ومَن تَقِ السَّيِّئاتِ﴾ أيْ: جَزاءَها يَوْمَ إذْ يُؤاخَذُ بِها ﴿فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ . ولَمْ يَتَعَرَّضْ أحَدٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ الَّذِينَ وقَفْنا عَلى كَلامِهِمْ في الآيَةِ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي عُوِّضَ مِنها التَّنْوِينُ في (يَوْمَئِذٍ) وذَلِكَ إشارَةٌ إلى الغُفْرانِ، ودُخُولِ الجَنَّةِ، ووِقايَةُ العَذابِ هو الفَوْزُ بِالظَّفَرِ العَظِيمِ الَّذِي عَظُمَ خَطَرُهُ وجَلَّ صُنْعُهُ.
ولَمّا ذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِ المُؤْمِنِينَ، وذَكَرَ شَيْئًا مِن أحْوالِ الكافِرِينَ، وما يَجْرِي لَهم في الآخِرَةِ مِنَ اعْتِرافِهِمْ بِذُنُوبِهِمْ، واسْتِحْقاقِهِمُ العَذابَ، وسُؤالِهِمُ الرُّجُوعَ إلى الدُّنْيا. ونِداؤُهم، قالَ السُّدِّيُّ: في النّارِ.
وقالَ قَتادَةُ: يَوْمَ القِيامَةِ، والمُنادُونَ لَهُمُ الزَّبانِيَةُ عَلى جِهَةِ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ.
واللّامُ في ﴿لَمَقْتُ﴾ لامُ الِابْتِداءِ ولامُ القَسَمِ، ومَقْتُ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى الفاعِلِ، التَّقْدِيرُ: لَمَقْتُ اللَّهِ إيّاكم، أوْ لَمَقْتُ اللَّهِ أنْفُسَكم، وحُذِفَ المَفْعُولُ لِدَلالَةِ ما بَعْدَهُ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكُمْ﴾ . والظّاهِرُ أنَّ مَقْتَ اللَّهِ إيّاهم هو في الدُّنْيا، ويَضْعُفُ أنْ يَكُونَ في الآخِرَةِ، كَما قالَ بَعْضُهم لِبَقاءِ (إذْ تُدْعَوْنَ)، مُفْلَتًا مِنَ الكَلامِ، لِكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ عامِلٌ تَقَدَّمَ، ولا مُفَسِّرٌ لِعامِلٍ. فَإذا كانَ المَقْتُ السّابِقُ في الدُّنْيا، أمْكَنَ أنْ يُضْمِرَ لَهُ عامِلٌ تَقْدِيرُهُ: مَقْتُكم إذْ تُدْعَوْنَ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (وإذْ تُدْعَوْنَ) مَنصُوبٌ بِالمَقْتِ الأوَّلِ، والمَعْنى: أنَّهُ يُقالُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ: إنِ اللَّهَ مَقَتَ أنْفُسَكُمُ الأمّارَةَ بِالسُّوءِ والكُفْرِ حِينَ كانَ الأنْبِياءُ يَدْعُونَكم إلى الإيمانِ، فَتَأْبَوْنَ قُبُولَهُ وتَخْتارُونَ عَلَيْهِ الكُفْرَ، أشَدُّ مِمّا تَمْقُتُونَهُنَّ اليَوْمَ وأنْتُمْ في النّارِ، إذْ أوْقَعْتُكم فِيها بِاتِّباعِكم هَواهُنَّ. انْتَهى، وفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ.
وأخْطَأ في قَوْلِهِ: (إذْ تُدْعَوْنَ) مَنصُوبٌ بِالمَقْتِ الأوَّلِ؛ لِأنَّ المَقْتَ مَصْدَرٌ، ومَعْمُولُهُ مِن صِلَتِهِ، ولا يَجُوزُ أنْ يُخْبِرَ عَنْهُ إلّا بَعْدَ اسْتِيفائِهِ صِلَتَهُ، وقَدْ أخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أكْبَرُ مِن مَقْتِكم أنْفُسَكُمْ﴾، وهَذا مِن ظَواهِرِ عِلْمِ النَّحْوِ الَّتِي لا تَكادُ تَخْفى عَلى المُبْتَدِئِينَ، (p-٤٥٣)فَضْلًا عَمّا تَدَّعِي العَجَمُ أنَّهُ في العَرَبِيَّةِ شَيْخُ العَرَبِ والعَجَمِ.
ولَمّا كانَ الفَصْلُ بَيْنَ المَصْدَرِ ومَعْمُولِهِ بِالخَبَرِ لا يَجُوزُ، قَدَّرْنا العامِلَ فِيهِ مُضْمَرًا، أيْ: مَقْتُكم إذْ تُدْعَوْنَ، وشَبِيهُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ﴾ [الطارق: ٨] . قَدَّرُوا العامِلَ بِرَجْعِهِ ﴿يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ﴾ [الطارق: ٩] لِلْفَصْلِ بِـ ﴿لَقادِرٌ﴾ [الطارق: ٨] بَيْنَ المَصْدَرِ ويَوْمَ.
واخْتِلافُ زَمانَيِ المَقْتَيْنِ الأوَّلُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ هو قَوْلُ مُجاهِدٍ، وقَتادَةَ، وابْنِ زَيْدٍ والأكْثَرِينَ.
وتَقَدَّمَ لَنا أنَّ مِنهم مَن قالَ في الآخِرَةِ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وعَنِ الحَسَنِ لَمّا رَأوْا أعْمالَهُمُ الخَبِيثَةَ مَقَتُوا أنْفُسَهم فَنُودُوا: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ﴾ . وقِيلَ: مَعْناهُ لَمَقْتُ اللَّهِ إيّاكُمُ الآنَ أكْبَرُ مِن مَقْتِ بَعْضِكم لِبَعْضٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥]، و(إذْ تُدْعَوْنَ) تَعْلِيلٌ. انْتَهى.
وكانَ قَوْلُهُ: (إذْ تُدْعَوْنَ) تَعْلِيلٌ مِن كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ. وقالَ قَوْمٌ: (إذْ تُدْعَوْنَ) مَعْمُولٌ، لِـ ”اذْكُرْ“ مَحْذُوفَةٍ، ويَتَّجِهُ ذَلِكَ عَلى أنْ يَكُونَ مَقْتُ اللَّهِ إيّاهم في الآخِرَةِ، عَلى قَوْلِ الحَسَنِ، قِيلَ لَهم ذَلِكَ تَوْبِيخًا وتَقْرِيعًا وتَنْبِيهًا عَلى ما فاتَهم مِنَ الإيمانِ والثَّوابِ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِن مَقْتِ أنْفُسِكم، أنْ كُلَّ واحِدٍ يَمْقُتُ نَفْسَهُ، أوْ أنْ بَعْضَكم يَمْقُتُ بَعْضًا، كَما قِيلَ: إنَّ الأتْباعَ يَمْقُتُونَ الرُّؤَساءَ لِما ورَّطُوهم فِيهِ مِنَ الكُفْرِ، والرُّؤَساءُ يَمْقُتُونَ الأتْباعَ.
وقِيلَ: يَمْقُتُونَ أنْفُسَهم حِينَ قالَ لَهُمُ الشَّيْطانُ: ﴿فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢]، والمَقْتُ أشَدُّ البُغْضِ، وهو مُسْتَحِيلٌ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى، فَمَعْناهُ: الإنْكارُ والزَّجْرُ.
﴿قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ﴾: وجْهُ اتِّصالِ هَذِهِ بِما قَبْلَها أنَّهم كانُوا يُنْكِرُونَ البَعْثَ، وعَظَّمَ مَقْتَهم أنْفُسَهم هَذا الإنْكارُ، فَلَمّا مَقَتُوا أنْفُسَهم، ورَأوْا حُزْنًا طَوِيلًا رَجَعُوا إلى الإقْرارِ بِالبَعْثِ، فَأقَرُّوا أنَّهُ تَعالى أماتَهُمُ اثْنَتَيْنِ وأحْياهُمُ اثْنَتَيْنِ تَعْظِيمًا لِقُدْرَتِهِ وتَوَسُّلًا إلى رِضاهُ، ثُمَّ أطْمَعُوا أنْفُسَهم بِالِاعْتِرافِ بِالذُّنُوبِ أنْ يُرَدُّوا إلى الدُّنْيا، أيْ: إنْ رَجَعْنا إلى الدُّنْيا ودُعِينا لِلْإيمانِ بادَرْنا إلَيْهِ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، وأبُو مالِكٍ: مَوْتُهم كَوْنُهم ماءً في الأصْلابِ، ثُمَّ إحْياؤُهم في الدُّنْيا، ثُمَّ مَوْتُهم فِيها، ثُمَّ إحْياؤُهم يَوْمَ القِيامَةِ.
وقالَ السُّدِّيُّ: إحْياؤُهم في الدُّنْيا، ثُمَّ إماتَتُهم فِيها، ثُمَّ إحْياؤُهم في القَبْرِ لِسُؤالِ المَلَكَيْنِ، ثُمَّ إماتَتُهم فِيهِ، ثُمَّ إحْياؤُهم في الحَشْرِ.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: إحْياؤُهم نَسَمًا عِنْدَ أخْذِ العَهْدِ عَلَيْهِمْ مِن صُلْبِ آدَمَ، ثُمَّ إماتَتُهم بَعْدُ، ثُمَّ إحْياؤُهم في الدُّنْيا، ثُمَّ إماتَتُهم، ثُمَّ إحْياؤُهم، فَعَلى هَذا والَّذِي قَبْلَهُ تَكُونُ ثَلاثَةَ إحْياءاتٍ، وهو خِلافُ القُرْآنِ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الكافِرُ في الدُّنْيا حَيُّ الجَسَدِ، مَيِّتُ القَلْبِ، فاعْتُبِرَتِ الحالَتانِ، ثُمَّ إماتَتُهم حَقِيقَةً، ثُمَّ إحْياؤُهم في البَعْثِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في أوَّلِ البَقَرَةِ عَلى الإماتَتَيْنِ والإحْياءَيْنِ في قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا﴾ [البقرة: ٢٨] الآيَةَ، وكَرَّرْنا ذَلِكَ هُنا لِبُعْدِ ما بَيْنَ المَوْضِعَيْنِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): كَيْفَ صَحَّ أنْ يُسَمِّيَ (خَلَقَهم أمْواتًا) إماتَةً ؟ (قُلْتُ): كَما صَحَّ: سُبْحانَ مِن صَغَّرَ جِسْمَ البَعُوضَةِ وكَبَّرَ جِسْمَ الفِيلِ، وقَوْلُكُ لِلْحَفّارِ ضَيِّقْ فَمَ الرَّكِيَّةِ ووَسِّعْ أسْفَلَها، ولَيْسَ ثَمَّ نَقْلٌ مِن كِبَرٍ إلى صِغَرٍ، ولا مِن صِغَرٍ إلى كِبَرٍ، ولا مِن ضِيقٍ إلى سِعَةٍ، ولا مِن سِعَةٍ إلى ضِيقٍ، وإنَّما أرَدْتَ الإنْشاءَ عَلى تِلْكَ الصِّفاتِ.
والسَّبَبُ في صِحَّتِهِ أنَّ الصِّغَرَ والكِبَرَ جائِزانِ مَعًا عَلى المَصْنُوعِ الواحِدِ مِن غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأحَدِهِما، وكَذَلِكَ الضِّيقُ والسِّعَةُ، فَإذا اخْتارَ الصّانِعُ أحَدَ الجائِزَيْنِ، وهو مُتَمَكِّنٌ مِنهُما عَلى السَّواءِ، فَقَدْ صَرَفَ المَصْنُوعَ إلى الجائِزِ الآخَرِ، فَجَعَلَ صَرْفَهُ عَنْهُ كَنَقْلِهِ مِنهُ. انْتَهى.
يَعْنِي أنَّ (خَلَقَهم أمْواتًا) كَأنَّهُ نَقْلٌ مِنَ الحَياةِ، وهو الجائِزُ الآخَرُ. وظاهِرُ ﴿فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا﴾ أنَّهُ مُتَسَبِّبٌ عَنْ قُبُولِهِمْ.
﴿قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ﴾ وثَمَّ مَحْذُوفٌ، أيْ: فَعَرَفْنا قُدْرَتَكَ عَلى الإماتَةِ والإحْياءِ، وزالَ إنْكارُنا لِلْبَعْثِ، ﴿فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا﴾ السّابِقَةِ مِن إنْكارِ البَعْثِ وغَيْرِهِ.
﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ﴾ أيْ: سَرِيعٍ أوْ بَطِيءٍ مِنَ النّارِ، ﴿مِن سَبِيلٍ﴾: وهَذا سُؤالُ مَن يَئِسَ مِنَ الخُرُوجِ، ولَكِنَّهُ تَعَلَّلٌ وتَحَيَّرٌ.
(ذَلِكم): الظّاهِرُ أنَّ الخِطابَ لِلْكُفّارِ في الآخِرَةِ، (p-٤٥٤)والإشارَةُ إلى العَذابِ الَّذِي هم فِيهِ، أوْ إلى مَقْتِهِمْ أنْفُسَهم، أوْ إلى المَنعِ مِنَ الخُرُوجِ والزَّجْرِ والإهانَةِ، احْتِمالاتٌ مَقُولَةٌ. وقِيلَ: الخِطابُ لِمُحاضِرِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، والضَّمِيرُ في (فَإنَّهُ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ.
﴿إذا دُعِيَ اللَّهُ وحْدَهُ﴾ أيْ: إذا أُفْرِدَ بِالإلَهِيَّةِ ونُفِيَتْ عَنْ سِواهُ، ﴿كَفَرْتُمْ وإنْ يُشْرَكْ بِهِ﴾ أيْ: ذُكِرَتِ اللّاتُ والعُزّى وأمْثالُهُما مِنَ الأصْنامِ، صَدَّقْتُمْ بِأُلُوهِيَّتِها وسَكَنَتْ نُفُوسُكم إلَيْها.
﴿فالحُكْمُ﴾ بِعَذابِكم، (لِلَّهِ)، لا لِتِلْكَ الأصْنامِ الَّتِي أشْرَكْتُمُوها مَعَ اللَّهِ، (العَلِيِّ) عَنِ الشِّرْكِ، (الكَبِيرِ): العَظِيمِ الكِبْرِياءِ.
وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لِأهْلِ النّارِ خَمْسُ دَعَواتٍ، يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ في الأرْبَعَةِ، فَإذا كانَتِ الخامِسَةُ سَكَتُوا.
﴿قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ﴾ الآيَةَ، وفي إبْراهِيمَ: ﴿رَبَّنا أخِّرْنا﴾ [إبراهيم: ٤٤] الآيَةَ، وفي السَّجْدَةِ: ﴿رَبَّنا أبْصَرْنا﴾ [السجدة: ١٢] الآيَةَ، وفي فاطِرٍ: ﴿رَبَّنا أخْرِجْنا﴾ [فاطر: ٣٧] الآيَةَ، وفي المُؤْمِنُونَ: ﴿رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا﴾ [المؤمنون: ١٠٦] الآيَةَ، فَراجَعَهُمُ ﴿اخْسَئُوا فِيها ولا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] قالَ: فَكانَ آخِرُ كَلامِهِمْ ذَلِكَ.
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى ما يُوجِبُ التَّهْدِيدَ الشَّدِيدَ في حَقِّ المُشْرِكِينَ، أرْدَفَهُ بِذِكْرِ ما يَدُلُّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ وحِكْمَتِهِ، لَيَصِيرَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ جَعْلُ الأحْجارِ المَنحُوتَةِ والخُشُبِ المَعْبُودَةِ شُرَكاءَ لِلَّهِ، فَقالَ: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكم آياتِهِ﴾ أيُّها النّاسُ، ويَشْمَلُ آياتِ قُدْرَتِهِ مِنَ الرِّيحِ والسَّحابِ والرَّعْدِ والبَرْقِ والصَّواعِقِ ونَحْوِها مِنَ الآثارِ العُلْوِيَّةِ، وآياتِ كِتابِهِ المُشْتَمِلِ عَلى الأوَّلِينَ والآخَرِينَ، وآياتِ الإعْجازِ عَلى أيْدِي رُسُلِهِ.
وهَذِهِ الآياتُ راجِعَةٌ إلى نُورِ العَقْلِ الدّاعِي إلى تَوْحِيدِ اللَّهِ. ثُمَّ قالَ: ﴿ويُنَزِّلُ لَكم مِنَ السَّماءِ رِزْقًا﴾، وهو المَطَرُ الَّذِي هو سَبَبُ قِوامِ بِنْيَةِ البَدَنِ، فَتِلْكَ الآياتُ لِلْأدْيانِ كَهَذا الرِّزْقِ لِلْأبْدانِ.
﴿وما يَتَذَكَّرُ﴾ أيْ: يَتَّعِظُ ويَعْتَبِرُ، وجَعَلَهُ تَذَكُّرًا؛ لِأنَّهُ مَرْكُوزٌ في العُقُولِ دَلائِلُ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ قَدْ يَعْرِضُ الِاشْتِغالُ بِعِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَيَمْنَعُ مِن تَجَلِّي نُورِ العَقْلِ، فَإذا تابَ إلى اللَّهِ تَذَكَّرَ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["ٱلَّذِینَ یَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡءࣲ رَّحۡمَةࣰ وَعِلۡمࣰا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِینَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِیلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ","رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَاۤىِٕهِمۡ وَأَزۡوَ ٰجِهِمۡ وَذُرِّیَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ","وَقِهِمُ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّیِّـَٔاتِ یَوۡمَىِٕذࣲ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِیمَـٰنِ فَتَكۡفُرُونَ","قَالُوا۟ رَبَّنَاۤ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَیۡنِ وَأَحۡیَیۡتَنَا ٱثۡنَتَیۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجࣲ مِّن سَبِیلࣲ","ذَ ٰلِكُم بِأَنَّهُۥۤ إِذَا دُعِیَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن یُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُوا۟ۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِیِّ ٱلۡكَبِیرِ","هُوَ ٱلَّذِی یُرِیكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ رِزۡقࣰاۚ وَمَا یَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن یُنِیبُ"],"ayah":"رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَاۤىِٕهِمۡ وَأَزۡوَ ٰجِهِمۡ وَذُرِّیَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق