الباحث القرآني

(p-٤٧٤)﴿قُلْ إنِّي نُهِيتُ أنْ أعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمّا جاءَنِيَ البَيِّناتُ مِن رَبِّي وأُمِرْتُ أنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكم طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكم ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ومِنكم مَن يُتَوَفّى مِن قَبْلُ ولِتَبْلُغُوا أجَلًا مُسَمًّى ولَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ فَإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجادِلُونَ في آياتِ اللَّهِ أنّى يُصْرَفُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالكِتابِ وبِما أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ والسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾ ﴿فِي الحَمِيمِ ثُمَّ في النّارِ يُسْجَرُونَ﴾ ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهم أيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ ﴿مِن دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الكافِرِينَ﴾ ﴿ذَلِكم بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ ﴿ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرِينَ﴾ . أمَرَ اللَّهُ تَعالى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْ يُخْبِرَهم بِأنَّهُ نُهِيَ أنْ يَعْبُدَ أصْنامَهم، لَمّا جاءَتْهُ البَيِّناتُ مِن رَبِّهِ، فَهَذا نَهْيٌ بِالسَّمْعِ، وإنْ كانَ مَنهِيًّا بِدَلائِلِ العَقْلِ، فَتَظافَرَتْ أدِلَّةُ السَّمْعِ وأدِلَّةُ العَقْلِ عَلى النَّهْيِ عَنْ عِبادَةِ الأوْثانِ. فَمِن أدِلَّةِ السَّمْعِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ﴾ [الصافات: ٩٥] ﴿واللَّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦] إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وذِكْرُهُ أنَّهُ نَهْيٌ بِالسَّمْعِ لا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ مَنهِيًّا بِأدِلَّةِ العَقْلِ. ولَمّا نُهِيَ عَنْ عِبادَةِ الأوْثانِ، أخْبَرَ أنَّهُ أُمِرَ بِالِاسْتِسْلامِ لِلَّهِ تَعالى، ثُمَّ بَيَّنَ أمْرَ الوَحْدانِيَّةِ والأُلُوهِيَّةِ الَّتِي أصْنامُهم عارِيَةٌ عَنْ شَيْءٍ مِنهُما، بِالِاعْتِبارِ في تَدْرِيجِ ابْنِ آدَمَ بِأنْ ذَكَرَ مَبْدَأهُ الأوَّلَ، وهو مِن تُرابٍ. ثُمَّ أشارَ إلى التَّناسُلِ بِخَلْقِهِ مِن نُطْفَةٍ، والطِّفْلُ اسْمُ جِنْسٍ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ﴾، أيْ: كُلَّ واحِدٍ مِنكم طِفْلًا، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى بُلُوغِ الأشُدِّ. و(مِن قَبْلُ)، قالَ مُجاهِدٌ: مِن قَبْلِ أنْ يَكُونَ شَيْخًا، قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن قَبْلِ هَذِهِ الأحْوالِ، إذا خَرَجَ سَقْطًا، وقِيلَ: عِبارَةٌ بِتَرَدُّدِهِ في التَّدْرِيجِ المَذْكُورِ، ولا يَخْتَصُّ بِما قَبْلَ الشَّيْخِ، بَلْ مِنهم مَن يَمُوتُ قَبْلَ أنْ يُخْرَجَ طِفْلًا، وآخَرُ قَبْلَ الأشُدِّ، وآخَرُ قَبْلَ الشَّيْخِ. ﴿ولِتَبْلُغُوا﴾: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أيْ: يُبْقِيكم لِتَبْلُغُوا، أيْ: لِيَبْلُغَ كُلُّ واحِدٍ مِنكم أجَلًا مُسَمًّى لا يَتَعَدّاهُ. قالَ مُجاهِدٌ: يَعْنِي مَوْتَ الجَمِيعِ، وقِيلَ: هو يَوْمُ القِيامَةِ. و(لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ) ما في ذَلِكَ مِنَ العِبْرَةِ والحُجَجِ، إذا نَظَرْتُمْ في ذَلِكَ وتَدَبَّرْتُمْ. ولَمّا ذَكَرَ رُتَبَ الإيجادِ، ذَكَرَ أنَّهُ المُتَّصِفُ بِالإحْياءِ والإماتَةِ، وأنَّهُ مَتى تَعَلَّقَتْ إرادَتُهُ بِإيجادِ شَيْءٍ أوْجَدَهُ مِن غَيْرِ تَأخُّرٍ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِ هَذِهِ الجُمَلِ. ثُمَّ قالَ بَعْدَ ظُهُورِ هَذِهِ الآياتِ: ألا تَعْجَبُ إلى المُجادِلِ في رِسالَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - والكِتابِ الَّذِي جاءَ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالكِتابِ وبِما أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا﴾، ثُمَّ هَدَّدَهم بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وغَيْرُهُ: هي إشارَةٌ إلى أهْلِ الأهْواءِ مِنَ الأُمَّةِ، ورَوَوْا في نَحْوِ هَذا حَدِيثًا وقالُوا: هي في أهْلِ القَدَرِ ومَن جَرى مَجْراهم، ويَلْزَمُ قائِلِي هَذِهِ المَقالَةِ أنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ كَلامًا مُسْتَأْنَفًا في الكُفّارِ، ويَكُونَ ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ مُبْتَدَأً، وخَبَرُهُ: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ . وأمّا عَلى الظّاهِرِ، فالَّذِينَ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أوْ مَنصُوبًا عَلى الذَّمِّ، و(إذْ) ظَرْفٌ لِما مَضى، فَلا يَعْمَلُ فِيهِ المُسْتَقْبَلُ، كَما لا يَقُولُ: سَأقُومُ أمْسُ، فَقِيلَ: إذا يَقَعُ مَوْقِعَ (إذْ) وأنَّ مَوْقِعَها عَلى سَبِيلِ المَجازِ، فَيَكُونُ (إذْ) هُنا بِمَعْنى إذا، وحَسَّنَ ذَلِكَ تَيَقُّنُ وُقُوعِ الأمْرِ، وأُخْرِجَ في صِيغَةِ الماضِي، وإنْ كانَ المَعْنى عَلى الِاسْتِقْبالِ. قالَ النَّخَعِيُّ: لَوْ أنَّ غُلًّا مِن أغْلالِ جَهَنَّمَ وُضِعَ عَلى جَبَلٍ، لَأرْحَضَهُ حَتّى يَبْلُغَ إلى الماءِ الأسْوَدِ. وقَرَأ: ﴿والسَّلاسِلُ﴾ عَطْفًا عَلى ﴿الأغْلالُ﴾ ﴿يُسْحَبُونَ﴾ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وابْنُ وثّابٍ، والمُسِيءُ في اخْتِيارِهِ: (p-٤٧٥)﴿والسَّلاسِلَ﴾ بِالنَّصْبِ عَلى المَفْعُولِ، ﴿يُسْحَبُونَ﴾ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وهو عَطْفُ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ عَلى جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ مِنهُمُ ابْنُ عَبّاسٍ: (والسَّلاسِلِ) بِجَرِّ اللّامِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَلى تَقْدِيرِ، إذْ أعْناقُهم في الأغْلالِ والسَّلاسِلِ، فَعَطَفَ عَلى المُرادِ مِنَ الكَلامِ لا عَلى تَرْتِيبِ اللَّفْظِ، إذْ تَرْتِيبُهُ فِيهِ قَلْبٌ، وهو عَلى حَدِّ قَوْلِ العَرَبِ: أدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ في رَأْسِي، وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ (وفي السَّلاسِلِ يُسْحَبُونَ) . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ووَجْهُهُ أنَّهُ لَوْ قِيلَ: إذْ أعْناقُهم في الأغْلالِ مَكانَ قَوْلِهِ: ﴿إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ﴾، لَكانَ صَحِيحًا مُسْتَقِيمًا. فَلَمّا كانَتا عِبارَتَيْنِ مُعْتَقِبَتَيْنِ، حُمِلَ قَوْلُهُ: ﴿والسَّلاسِلُ﴾ عَلى العِبارَةِ الأُخْرى، ونَظِيرُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎مَشائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً ولا ناعِبًا إلّا بِبَيْنِ غُرابِها كَأنَّهُ قِيلَ: بِمُصْلِحِينَ. وقُرِئَ (وبِالسَّلاسِلِ) انْتَهى، وهَذا يُسَمّى العَطْفَ عَلى التَّوَهُّمِ، ولَكِنَّ تَوَهُّمَ إدْخالِ حَرْفِ الجَرِّ عَلى مُصْلِحِينَ أقْرَبُ مِن تَغْيِيرِ تَرْكِيبِ الجُمْلَةِ بِأسْرِها، والقِراءَةُ مِن تَغْيِيرِ تَرْكِيبِ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ بِأسْرِها، ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أجَدُّكَ لَنْ تَرى بِثُعَيْلِباتٍ ∗∗∗ ولا بَيْداءَ ناجِيَةً زَمُولا ؎ولا مُتَدارِكٍ واللَّيْلُ طِفْلٌ ∗∗∗ بِبَعْضِ نَواشِعِ الوادِي حَمُولا التَّقْدِيرُ: لَسْتَ بَراءً ولا مُتَدارِكًا. وهَذا الَّذِي قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ والزَّمَخْشَرِيُّ سَبَقَهُما إلَيْهِ الفَرّاءُ، قالَ: مَن جَرَّ السَّلاسِلِ حَمَلَهُ عَلى المَعْنى؛ لِأنَّ المَعْنى: أعْناقُهم في الأغْلالِ والسَّلاسِلِ. وقالَ الزَّجّاجُ: مَن قَرَأ بِخَفْضِ ﴿والسَّلاسِلِ﴾ فالمَعْنى عِنْدَهُ: وفي السَّلاسِلِ يُسْحَبُونَ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: والخَفْضُ عَلى هَذا المَعْنى غَيْرُ جائِزٍ، لَوْ قُلْتَ: زَيْدٌ في الدّارِ، لَمْ يَحْسُنْ أنْ تُضْمِرَ في فَتَقُولُ: زَيْدٌ الدّارِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيلَ الفَرّاءِ، وخَرَّجَ القِراءَةَ ثُمَّ قالَ: كَما تَقُولُ: خاصَمَ عَبْدُ اللَّهِ زَيْدًا العاقِلَيْنِ، بِنَصْبِ العاقِلَيْنِ ورَفْعِهِ؛ لِأنَّ أحَدَهُما إذا خاصَمَهُ صاحِبُهُ فَقَدْ خاصَمَهُ الآخَرُ. انْتَهى. وهَذِهِ المَسْألَةُ لا تَجُوزُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وهي مَنقُولٌ جَوازُها عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْفانَ الكُوفِيِّ، قالَ: لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما فاعِلُ مَفْعُولٌ، وقُرِئَ: (وبِالسَّلاسِلِ يُسْحَبُونَ) ولَعَلَّ هَذِهِ القِراءَةَ حَمَلَتِ الزَّجّاجَ عَلى أنْ تَأوَّلَ الخَفْضَ عَلى إضْمارِ حَرْفِ الجَرِّ، وهو تَأْوِيلُ شُذُوذٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: في قِراءَةِ مَن نَصَبَ ﴿والسَّلاسِلَ﴾ وفَتْحِ ياءِ (يَسْحَبُونَ) إذا كانُوا يَجُرُّونَها، فَهو أشَدُّ عَلَيْهِمْ، يُكَلَّفُونَ ذَلِكَ وهم لا يُطِيقُونَ. وقالَ مُجاهِدٌ: ﴿يُسْجَرُونَ﴾: يُطْرَحُونَ فِيها، فَيَكُونُونَ وقُودًا لَها. وقالَ السُّدِّيُّ: ﴿يُسْجَرُونَ﴾ يُحْرَقُونَ. ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّهم يُوقَفُونَ يَوْمَ القِيامَةِ مِن جِهَةِ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ، فَيُقالُ لَهم: أيْنَ الأصْنامُ الَّتِي كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ في الدُّنْيا ؟ فَيَقُولُونَ: ﴿ضَلُّوا عَنّا﴾ أيْ: تَلِفُوا مِنّا وغابُوا واضْمَحَلُّوا، ثُمَّ تَضْطَرِبُ أقْوالُهم ويَفْزَعُونَ إلى الكَذِبِ فَيَقُولُونَ: ﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا﴾ وهَذا مِن أشَدِّ الِاخْتِلاطِ في الذِّهْنِ والنَّظَرِ. ولَمّا تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم لَمْ يَكُونُوا شَيْئًا، وما كانُوا يَعْبُدُونَ بِعِبادَتِهِمْ شَيْئًا، كَما تَقُولُ: حَسِبْتُ أنَّ فُلانًا شَيْءٌ، فَإذا هو لَيْسَ بِشَيْءٍ إذا اخْتَبَرْتَهُ، فَلَمْ تَرَ عِنْدَهُ جَزاءً. وقَوْلُهم: ﴿ضَلُّوا عَنّا﴾، مَعَ قَوْلِهِ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ تَقْرِيعِهِمْ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَهم إذْ ذاكَ، أوْ لَمّا لَمْ يَنْفَعُوهم قالُوا: ﴿ضَلُّوا عَنّا﴾، وإنْ كانُوا مَعَهم. (كَذَلِكَ) أيْ: مِثْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ وبِهَذا التَّرْتِيبِ، ﴿يُضِلُّ اللَّهُ الكافِرِينَ﴾، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أيْ: مِثْلُ ضَلالِ آلِهَتِهِمْ عَنْهم، يُضِلُّهم عَنْ آلِهَتِهِمْ، حَتّى لَوْ طَلَبُوا الآلِهَةَ أوْ طَلَبَتْهُمُ الآلِهَةُ لَمْ يَتَصادَفُوا. ذَلِكُمُ الإضْلالُ بِسَبَبِ ما كانَ لَكم مِنَ الفَرَحِ والمَرَحِ، ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾: وهو الشِّرْكُ وعِبادَةُ الأوْثانِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَلِكَ العَذابُ الَّذِي أنْتُمْ فِيهِ مِمّا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأرْضِ بِالمَعاصِي والكُفْرِ. انْتَهى. و﴿تَمْرَحُونَ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الفَخْرُ والخُيَلاءُ؛ وقالَ مُجاهِدٌ: الأشَرُ والبَطَرُ. انْتَهى، فَقالَ لَهم ذَلِكَ تَوْبِيخًا أيْ: إيمانًا لَكم (p-٤٧٦)هَذا بِما كُنْتُمْ تُظْهِرُونَ في الدُّنْيا مِنَ السُّرُورِ بِالمَعاصِي وكَثْرَةِ المالِ والأتْباعِ والصِّحَّةِ. وقالَ الضَّحّاكُ: الفَرَحُ والسُّرُورُ، والمَرَحُ: العُدْوانُ، وفي الحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ البَذِخِينَ الفَرِحِينَ ويُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ» . و﴿تَفْرَحُونَ﴾ و﴿تَمْرَحُونَ﴾ مِن بابِ تَجْنِيسِ التَّحْرِيفِ المَذْكُورِ في عِلْمِ البَدِيعِ، وهو أنْ يَكُونَ الحَرْفُ فَرْقًا بَيْنَ الكَلِمَتَيْنِ. ﴿ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها﴾: الظّاهِرُ أنَّهُ قِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا بَعْدَ المُحاوَرَةِ السّابِقَةِ، وهم قَدْ كانُوا في النّارِ، ولَكِنَّ هَذا أمْرٌ يُقَيَّدُ بِالخُلُودِ، وهو الثَّواءُ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ، فَلَيْسَ أمْرًا بِمُطْلَقِ الدُّخُولِ، أوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيها أُمِرُوا أنْ يَدْخُلُوا سَبْعَةَ أبْوابٍ، الَّتِي لِكُلِّ بابٍ مِنها جُزْءٌ مَقْسُومٌ مِنَ الكُفّارِ، فَكانَ ذَلِكَ أمْرًا بِالدُّخُولِ يُفِيدُ التَّجْزِئَةَ لِكُلِّ بابٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ادْخُلُوا﴾ مَعْناهُ: يُقالُ لَهم قَبْلَ هَذِهِ المُحاوَرَةِ في أوَّلِ الأمْرِ ادْخُلُوا؛ لِأنَّ هَذِهِ المُخاطَبَةَ إنَّما هي بَعْدَ دُخُولِهِمْ، وفي الوَقْتِ الَّذِي فِيهِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ. وأبْوابُ جَهَنَّمَ: هي السَّبْعَةُ المُؤَدِّيَةُ إلى طَبَقاتِها وأدْراكِها السَّبْعَةِ. انْتَهى. و﴿خالِدِينَ﴾ حالٌ مُقَدَّرَةٌ، ودَلَّتْ عَلى الثَّواءِ الدّائِمِ، فَجاءَ التَّرْكِيبُ: ﴿فَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرِينَ﴾ فَبِئْسَ مَدْخَلُ المُتَكَبِّرِينَ؛ لِأنَّ نَفْسَ الدُّخُولِ لا يَدُومُ، فَلَمْ يُبالِغْ في ذَمِّهِ، بِخِلافِ الثَّواءِ الدّائِمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب